Loading

صورة ابن باجة عند الجابري: مِن نحن والتراث إلى العقل الأخلاقي العربي

Ṣūrat Ibn Bājja ʿind al-Jābirī:
min Naḥn wa al-turāth ilā al-ʿAql al-Akhlāqī al-ʿArabī

Ibn Bājja (Avempace) in al-Jābirī
From Naḥn wa al-turāth to al-ʿAql al-Akhlāqī al-ʿArabī

صورة ابن باجة عند الجابري:
 من نحن والتراث إلى العقل الأخلاقي العربي

نظيرة فدواش
Nadira Fedouache
جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس

Abstract: The purpose of this study is to examine the place of Ibn Bājja (d. 533/1138) in the writings of the Moroccan philosopher, Muḥammad ʿĀbid Al-Jābirī (d. 2010). To achieve this objective, I had to refer to two main works: the first is Naḥn wa al-turāth (We and the Heritage, 2001), and the second is al-ʿAql al-akhlāqī al-ʿArabī (The Arab Ethical Reason, 2001), where Ibn Bajja’s work is discussed in a chapter of the first book entitled: “The Emergence of Philosophy in Morocco and Andalusia (Ibn Bājja and Tadbīr al-Mutawḥḥid=Avempace and The Regimen of the Solitary)”; While al-Jābirī devoted the fourteenth chapter of The Arab Ethical Reason to consider the regime of the solitary man and the possibility of realizing the virtual city in Ibn Bajja. What emerges from the comparison between the two books is a contextual difference in the presence of Ibn Bajja in al-Jabiri, although what governs this presence is the book Tadbīr al-Mutawhid which was the link between the two books.
My article tries to show that al-Jābirī’s use of Ibn Bājja in the first book was in order to keep to the essential gap between the philosophy in the Islamic East and its counterpart in the West. As for his use in the second, Ibn Bājja was used in order to pave the way for Ibn Rushd’s (Averroes, d. 595/1198) political theory, by examining the ethics of the individual. This led al-Jābirī to defend the existence of a prior complementarity between the two philosophers.

Keywords: Rationality, politics, ethics, Ibn Rushd, dialectic of philosophy and religion in Islam, the Regimen of the solitary, the virtuous city.

ملخص: غرضنا من هذه الدراسة هو الوقوف عند مكانة ابن باجة ضمن كتابات الراحل محمد عابد الجابري. وهذا أمر استدعى منا استحضار مؤلفين أساسيين: الأول هو نحن والتراث (1981)، والثاني العقل الأخلاقي العربي (2001)، حيث حضي ابن باجة في الكتاب الأول بفصل عنوانه: ظهور الفلسفة في المغرب والأندلس (ابن باجة وتدبير المتوحد)؛ بينما خصص الجابري الفصل الرابع عشر في العقل الأخلاقي العربي للنظر في  تدبير المتوحد وإمكانية تحقق المدينة الفاضلة عند الفيلسوف ابن باجة. والظاهر من المقارنة بين الكتابين اختلاف سياقي حضور ابن باجة في عملي الجابري، مع أن ما يوحد هذا الحضور هو استثماره كتاب تدبير المتوحد الذي كان حلقة الوصل بين نحن والتراث والعقل الاخلاقي العربي.
تحاول ورقتنا أن تظهر أن توظيف الجابري ابن باجة في الكتاب الأول كان بغرض الوقوف عند الفارق الجوهري بين الفلسفة بالمشرق عن نظيرتها بالمغرب؛ وأما في الكتاب الثاني، فقد كان توظيفه  من أجل التمهيد للقول السياسي لابن رشد عن طريق النظر في أخلاق الفرد. وهو ما حمله على الدفاع عن وجود تكامل مسبق بين الفيلسوفين.

الكلمات المفاتيح: العقلانية، السياسة، الأخلاق، ابن رشد، جدلية الفلسفة والدين في الإسلام، تدبير المتوحد، المدينة الفاضلة.

مقدمة

الكتابان الوحيدان اللذان  تعرض فيهما بتفصيل المفكر محمد عابد الجابري (ت. 2010) لأعمال الفيلسوف الأندلسي أبي بكر ابن باجة (ت. 533هـ/1138م)، ولتدبير المتوحد بالخصوص هما نحن والتراث، والعقل الأخلاقي العربي. صحيح أنه قد عرض في بعض كتبه الأخرى لابن باجة وأهمية منجزه، لكن الكتابين المذكورين هما اللذين خصص فيهما حيزا كبيرا للوقوف بتفصيل عند رؤية الفيلسوف الأندلسي التي بلورها في تدبير المتوحد. ولذلك، وإن كنا لن نعدم الإشارة إلى بقية أعماله، فإن المؤلفين الأساسيين اللذين سنتتبع فيهما حضور أحد مؤسسي المدرسة الفلسفية بالأندلس هما نحن والتراث—ويمكن القول إنه كان التمهيد لمشروع نقد العقل العربيوالعقل الأخلاقي العربي، الذي هو بوضوح آخر أجزاء هذه السلسلة. وإلى ذلك، فإن الذي يحفزنا على المقارنة بين الكتابين هو اشتغالهما على نفس النص الواحد لابن باجة، وهو تدبير المتوحد؛ فقد كان هذا الكتاب حلقة وصل بين نحن والتراث والعقل الأخلاقي العربي، نستطيع من خلالها قياس التطور الحاصل بينهما. ومما يجدر بنا أن نذكر به أن ابن باجة كان قد غاب عن الطبعة الأولى لنحن والتراث، وكانت قد صدرت عام 1980.[1] ولكن الجابري في مقدمة الطبعة الثانية من مقدمته، لا يتردد في ذكر الأسباب التي دعته إلى تخصيص قول فيها لهذا الفيلسوف. ومن أهم هذه الأسباب ”اكتمال الصورة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية ووضعيتها“ على حد قوله. إذ بمجرد أن توفرت للمؤلف دراسة عن ”ظهور الفلسفة في المغرب والأندلس،“ فضلا عن مشروع قراءته لنص تدبير المتوحد، حتى بات بالإمكان ”إعادة كتابة“ تاريخ الفلسفة الإسلامية.

لكن أهمية هذه القراءة التاريخية التي أعملها الجابري للتراث الفلسفي الإسلامي لا تنحصر في المضامين المعرفية التي قدمها أصحابها، بل يتجاوزها إلى الجانب الإيديولوجي لهذه المضامين: ”ففي هذه المضامين يجب أن نبحث للفلسفة الإسلامية عن معنى، […] عن تاريخ.“[2] ولا يخفي الجابري موقفه، هو أيضا، من هذا الأمر، حيث يعلن، وبشكل صريح، أنه يُقبل على قراءة هذا التراث قراءة إيديولجية، مشددا على أهمية هذه المقاربة. وفي هذا يقول عن نفسه: ”أُفضل ألف مرة أن نحاول قراءة تراثنا قراءة ايديولوجية تريد أن تكون واعية، من أن نستمر في قراءته قراءة إيديولوجية غير واعية، قراءة مزيفة مقلوبة.“[3] والظاهر أن الجابري لم يشأ أن يسقط في شرك ”القراءات اللاتاريخية“ للتراث، والتي على اختلاف مذاهبها ومدارسها تعاني من آفة المنهج وآفة الرؤية.

 كان كتاب نحن والتراث مناسبة للجابري لمعالجة الإسهامات الفلسفية لفلاسفة كابن باجة وابن رشد (ت. 595هـ/ 1198م)، والتي اختلفت جذريا عن إسهامات فلاسفة المشرق، كالفارابي (ت. 339هـ/ 950م) وابن سينا (ت. 428هـ/1037م). بل إننا نفهم من عودته إلى ابن باجة في كتابه نحن والتراث أن  فلسفته تمثل البداية الفعلية لروح فلسفية جديدة تحسم بشكل نهائي مع فلسفة المشرق. والسبب في هذا الاختلاف الجذري يقوم بالأساس في ”أن الفلسفة العربية الإسلامية في المشرق كانت لاهوتية الإبيستمي والاتجاه، بسبب استغراقها في إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة، وأن الفلسفة العربية في المغرب والأندلس كانت، ومع ابن باجة خاصة، علمية الابيستيمي، علمانية الاتجاه بفعل تحررها من تلك الإشكالية.“[4] وقد ظل الجابري متمسكا بهذا القول في كتاباته اللاحقة، حيث نجده يقول في بنية العقل العربي: ”دشن ابن باجة في الثقافة العربية الإسلامية خطابا فلسفيا جديدا متحررا من علم الكلام وإشكالياته ومن هاجس التوفيق والتلفيق، الذي استولى على فلاسفة المشرق.“[5]

وعليه، فإن اختيار الجابري ابن باجة كان اختيارا موجها بمحددين أساسيين في نظرنا: محدد أول ويتمثل في الموقف البرهاني من المعرفة؛ وأما المحدد الثاني، وهو يكمل الأول، فيتجلى في الحسم نهائيا مع إشكالية علاقة الدين بالفلسفة. ولبيان  هذا الأمر يعمل الجابري على مقاربة تدبير المتوحد لابن باجة في كتابه نحن والتراث مقاربة تعكس هذه ”العقلانية الجديدة“. وقد واصل الجابري تمسكه بهذه المقاربة، حتى بعد مرور عقدين من الزمن، عن طريق الاشتغال على النص الباجي نفسه في كتابه العقل الأخلاقي العربي خدمةً لمشروعه في نقد العقل الأخلاقي العربي، والمتمثل في إظهار تميز مقاربة الفلاسفة المغاربة عن إخوانهم المشارقة.

لكن اختيار الجابري ابن باجة يضعنا أمام مجموعة من الأسئلة، أولها: لم حصلت العودة إلى ابن باجة أصلا؟ وإذا كان الجابري قد آثر توظيف النص نفسه، أي تدبير المتوحد، في كل من نحن والثراث والعقل الأخلاقي العربي، ومعلومة  المسافة الزمنية التي تفصل بين الكتابين، فأي جديد حملته مقاربة الجابري في الكتاب الثاني قياسا إلى الأول؟ وما هي الخلفية التي جعلت الجابري يدافع عن ابن باجة كأول فيلسوف في الأندلس؟ وهل لابن باجة قيمة في ذاته في نص الجابري باستقلال عن ما لحقه، أم أن أهمية الرجل تتمثل في صورته عند الفيلسوف ابن رشد؟ وإلى أي حد استطاع تدبير الفرد المتوحد عند ابن باجة أن  يخدم  المشروع الأخلاقي العملي للجابري؟

للجواب على هذه الأسئلة ارتأينا ضرورة الوقوف عند أهم المراحل التي قطعها الجابري وهو بصدد استثمار نص تدبير المتوحد في الكتابين معا، مع تسجيل أهم النتائج التي توصل إليها من خلال قراءته فيهما.

أولا: تدبير المتوحد في نحن والتراث

في مقارنة بين فلسفة المشرق وفلسفة الغرب الإسلامي، يخلص الجابري إلى أن النموذج الفلسفي الأول قد فشل فشلا ذريعا في التحرر من رقابة الفقيه.[6] هذه الرقابة كانت سببا في محاولة الفيلسوف الدائمة للتوفيق بين إشكالية الدين والفلسفة. ففي الوقت الذي ظلت فيه الفلسفة في الإسلام منشدة نحو حلم تحقيق العقلانية، ظلت الفلسفة المشرقية سجينة هذا الإطار وعجزت عن تحقيق حلمها المتمثل في الانعتاق من قيود رجل الدين. وهكذا، وبعد أن تبين للفلسفة المغربية فشل الفلسفة المشرقية واقعيا واستنفاد كل إمكاناتها، ارتأت أن تبدأ من نقطة الصفر نحو تحقيق حلمها بالعقلانية، وبعبارة الجابري: ”لقد فشلت الفلسفة في تحقيق حلمها في المشرق، وعليها الآن أن تبدأ من ’الصفر‘ في المغرب.“[7]

وإذا كان مشروع الجابري في نحن والتراث هو إعادة كتابة تاريخ الفلسفة الإسلامية، فقد كان لا بد من البدء من ابن باجة باعتباره الرائد المؤسس لمدرسة فلسفية مغربية قوامها مبدآن أساسيان: العقلانية والعلمانية.

1.    السياق الثقافي والسياسي زمنَ ابن باجة

قبل أن يباشر الجابري قراءته التحليلية لنص تدبير المتوحد، نجده يستحضر شهادة الفيلسوف ابن طفيل(ت.581هـ/1185م) في حق ابن الصائغ، والتي تؤكد على أن الفلسفة ظهرت في الغرب الإسلامي أولا مع ابن باجة وليس قبله. ويتحفظ الجابري نسبيا على هذه الشهادة، فمن جهة يتفق مع فكرة ظهور فكر فلسفي جديد يمثله ابن باجة، لكنه يعترض من جهة أخرى على ما سكتت عنه هذه الشهادة وعملت على إخفائه، إذ يتعلق الأمر بوجود تيار فلسفي سابق  لابن باجة وهو شبيه بالتوجه الإشراقي الذي عرفته الفلسفة المشرقية، إنها المدرسة الباطنية-الفيضية التي كانت سابقة في وجودها على وجود المدرسة الفلسفية البرهانية. ويزعم الجابري أن ظهور هذا التوجه كان سائدا في الحضارة الأندلسية والمغربية معا حتى قبل زمن الفارابي. فالغرض من وراء الوقوف عند المسكوت عنه في شهادة ابن طفيل هو إثبات أن نشأة الفلسفة المدرسية البرهانية كانت بمنأى عن إشكالية العقل والنقل، بل إنها نشأت بعيدا عن هذه الإشكالية، ليستنتج مباشرة بعد ذلك ”أن الأمر يتعلق، إذن ببداية جديدة، بل بانطلاقة جديدة تختلف نوعيا عن الانطلاقة التي عرفتها الفلسفة في المشرق.“[8] فما يفصل المدرسة البرهانية المغربية عن الفلسفة المشرقية هو أن الأولى قد ”تأسست على العلم، على الرياضيات والمنطق.“[9] وهذه شروط كافية في نظر الجابري ليصفها بأنها علمانية الاتجاه. ويمثل ابن باجة هذه المرحلة الجديدة أحسن تمثيل بحكم أن علم الطبيعيات والإلهيات لم يكن لهما وجود قبله، وشهادة صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم تزكي هذا القول.

لكن الأمر لا يخلو من صعوبات؛ فقد بين الجابري أن إقبال فلاسفة الأندلس (ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد) على هذه النوعية الجديدة من العلوم واجهته مجموعة من المضايقات سواء من قبل الفقهاء المتزمتين، وحتى من قبل بعض الحكام الذين اعترضوا على طبيعة هذه العلوم. وهي مناسبة للوقوف عند السياق السياسي الذي عاصره ابن باجة، والذي عُرف بمرحلة انتقالية: أي انتقال السلطة السياسية من حكم المرابطين إلى حكم الموحدين. يقول الجابري عن هذا: ”نعم عاش ابن باجة خلال فترة انتقالية –انقلابية، فترة الدعوة الموحدية التي صدع بها ابن تومرت ابتداء من سنة 511هـ أي قبل وفاة ابن باجة بأكثر من عشرين سنة، الدعوة التي تحولت إلى ثورة منظمة تحمل عقيدة ’ليبيرالية‘، وتنادي بـ’ترك التقليد والرجوع إلى الأصول‘ الشيء الذي يعني فتح باب الاجتهاد وإطلاق حرية الفكر.“[10] لكن هذا الكلام يدفعنا للتساؤل: لماذا يجمع الجابري بين فكر ابن باجة من ناحية والسلطة السياسية الممثلة في شخص محمد ابن تومرت (ت. 524هـ/1130م) من ناحية أخرى؟ ألم يعرف الحكم الموحدي الذي نظّر له هذا الأخير شيئا من التعسف والاضطهاد على كل من لم ينخرط في توجهه السياسي والعقائدي والفكري؟ أليس في الأمر شيء من المجازفة حين نحكم على هذه الفترة السياسية بأنها كانت ”ليبيرالية“؟

هذا ويمثل ابن باجة في نظر الجابري نموذج الفيلسوف المتحرر من جميع القيود، سواء كانت ثقافية أو حتى سياسية. فما هي إذن تمظهرات هذا الفكر التحرري الباجوي؟

2.    قراءة جديدة لتدبير المتوحد

أ‌.      ابن باجة ومرجعياته الفكرية

إن السلطة المعرفية الوحيدة التي يعتبرها الجابري قد أثرت في فكر ابن باجة هي سلطة أرسطو؛[11] أما أفلاطون فحضوره ثانوي لا يتجاوز عتبة الاستئناس بالرأي. وتمركز سلطة أرسطو المعرفية أثرت سلبا على نظرية بطلميوس الكوسمولوجية التي لم تلق الترحيب لا من قبل ابن باجة ولا ابن طفيل ولا حتى ابن رشد، انسجاما مع الكوسمولوجيا الأرسطية.

وإذا كان الجابري يجمع بين الفارابي وابن باجة، فهو جمع مقيد بكون هذا الأخير لم يتأثر إلا بشرح الفارابي على كتب أرسطو، فالذي يوحد بين ابن باجة والفارابي هو نصوص أرسطو التي عمد هذا الأخير إلى شرحها، أما الشق المتعلق بنظرية الفيض عند الفارابي، فإن ابن باجة قد ظل بعيدا عن هذا التوجه. ولهذا السبب نفسه لم يحظ ابن سينا بأي مكان في فلسفة ابن باجة. وفي مقابل ذلك، يستحضر هذا الأخير الغزالي من خلال موقفه من التصوف، وهو السياق الذي سمح له بانتقاده انتقادا عنيفا.

اكتفاء ابن باجة بسلطة أرسطو معناه في تقدير الجابري ”العودة إلى الأصول“، أي العودة إلى نظريات أرسطو وحده، وهو نفسه الشعار الذي تبنته الدولة الموحدية. لكن أصالة ابن باجة لا تتوقف عند شرح نصوص أرسطو في الطبيعيات، بل إن أصالته تتمثل أساسا في ذلك الكتاب الذي تفرد به ابن باجة وتميز به عن غيره، وتكفي شهادة ابن رشد في حق أصالة هذا الكتاب، حيث أفصح عن رغبته في شرحه.[12]

ب‌. قراءة ابن باجة بما بعده

لا تنحصر أهمية تدبير المتوحد في التأريخ لفلسفة ابن باجة وحده، بل إن أهميته تتجلى على مستوى التأريخ للفلسفة الأندلسية بشكل عام. غير أن قراءة هذا الكتاب تعترضها مشكلتان: الأولى تتمثل في الموضوع، والثانية في المنهج والرؤية. ولمواجهة هاتين الصعوبتين لا بد من الوقوف عند ”الإطار المرجعي“ المعتمد، والذي يسمح بإنجاز قراءة ”محايثة“ لنص ابن باجة، باستقلال عن تلك الأحكام الجاهزة التي تنعت فلسفة الرجل بكونها شبيهة أو ربما تابعة لنهج الفارابي.

وابتعادا عن هذا الغموض الذي ينتج عنه خلط على مستوى المفاهيم، يقترح الجابري، بدايةً، قراءة نص ابن باجة بمن جاء بعده وليس بمن كان قبله، أي أنه يؤثر قراءة نص ابن باجة انطلاقا من ابن رشد، وليس انطلاقا من الفارابي. يقول الجابري في هذا: ”إن الإطار المرجعي الطبيعي للخطاب الفلسفي الباجي هو القمة التي وصلها الكل الذي ينتمي إليه هذا الخطاب. نقصد بذلك ابن رشد بالذات. يتعلق الأمر إذن بقراءة ابن باجة بما بعده، وليس بما قبله.“[13] فالغرض إذن من هذا النموذج من القراءة ليس فقط تحقيق قراءة مطابقة لفلسفة ابن الصائغ، بل يمتد الأمر ليشمل أيضا قراءة ابن رشد المطابقة للنص الأرسطي والتي سيكون ابن باجة هو ”إطارها المرجعي“.

ت‌. وحدة النص ومنطقه الداخلي

إن بنية نص تدبير المتوحد هي بنية متماسكة تحكمها إشكالية واحدة. وأساس هذه البنية هو ذلك الترابط ”القائم بين المقالات“: فالنظر في مفهوم التدبير يستوجب النظر في الأفعال الصادرة عن المتوحد، والنظر في الأفعال يستوجب النظر في صورها الروحانية… وفق هذا الترابط الذي قدمه الجابري لنص ابن باجة يستنتج أن كتاب تدبير المتوحد يتميز ببنية متماسكة ومترابطة المكونات. ويكتب: ”الهدف من التدبير هدف مزدوج: فمن جهة يهدف إلى تدبير العقل، عقل الإنسان المفرد… ومن جهة ثانية يهدف التدبير في نهاية المطاف إلى إيجاد المدينة الكاملة.“[14] والمبرر في هذا الجمع بين المستويين أي بين تدبير الفرد والمدينة الفاضلة هو كونهما يسعيان معا نحو الانتقال من الكثرة إلى الوحدة؛ فالوحدة، إذن، هي الخيط الناظم الذي يجمع شتات هذا النص.

3.    علمية الخطاب الباجي وعلمانيته

بعد الانتهاء من الخطاطة العامة لكتاب التدبير، ينتقل الجابري إلى مستوى فحص مضامينه وقضاياه. ولتحقيق هذا الغرض يقف الجابري عند كل من المظهر العلمي والمظهر العلماني لهذا الفيلسوف.

يتجلى المظهر العلمي في الخطاب الفلسفي لابن باجة في اعتماده أساسا على المادة العلمية الأرسطية، سواء تعلق الأمر بالطبيعيات أو بالنصوص الإلهية. وفي هذا السياق لا يستثني الجابري حتى كتاب الأخلاق النيقوماخية لأرسطو، مؤكدا أن اعتماد ابن باجة على هذا النص كان أساسا من أجل استثمار مادته العلمية. لكن لا ينبغي أن يفهم من ذلك أن ابن باجة بصدد استكمال مشروع أخلاقي بدأه أرسطو، بل هو بعيد كل البعد عن هذا الأمر، وعلى هذا الأساس يرفض الجابري رفضا مطلقا إمكانية اعتبار نص تدبير المتوحد نصا أخلاقيا يقول: ”ويجب أن لا يحملنا هذا القول مع القائلين أن رسالة تدبير المتوحد لابن باجة رسالة في الأخلاق، كلا.“[15]

أما المظهر العلماني في الخطاب الفلسفي لابن باجة فيقول عنه الجابري: ”إن ما نقصده بـ’علمانية‘ فلسفة ابن باجة هو تحررها التام من شاغل ’التوفيق‘ بين الدين والفلسفة.“[16] لتصبح هذه الميزة صلة وصل بين ما هو علمي وعلماني في الخطاب الباجي. وهو خطاب أحدث قطيعة ابستمولوجية مع مضمون هذه الإشكالية، ليس بالنسبة لابن باجة فقط، بل بالنسبة لكل من يمثل المدرسة الفلسفية في الغرب الإسلامي: ”[إن] فلسفة ’علمانية‘ بهذا المعنى في ’القرون الوسطى‘ تخرج عن دائرة ’فلسفة القرون الوسطى‘، وتتجاوزها، سواء منها الفلسفة العربية الإسلامية أو الفلسفة المسيحية، وذلك باعتبار أن ما أهمله الخطاب الفلسفي الباجي هو بالذات الركيزة المحورية في ’فلسفة القرون الوسطى” نقصد بذلك التوفيق بين الفلسفة والدين.“[17] والأمر الذي يزكي ملاحظة الجابري هو أن الخطاب الباجي خال تماما من محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة، عكس المدرسة المشرقية التي حاولت جاهدة التقريب بين القضيتين والتوفيق بينهما. وغياب هذا النوع من الخطاب في فلسفة ابن باجة علامة على جدة هذا الخطاب وتميزه.

ويحدد الجابري تجليات هذه العلمانية في ثلاثة أمور: أولها موقف ابن باجة من التصوف؛ ثم الأمر الثاني، قوله بنظرية الاتصال؛ والأمر الأخير قوله بوحدة العقل.

تقتضي عقلانية ابن باجة التحررية الاعتراض على مسلك الصوفية، وهو الاعتراض الذي وجهه ابن باجة للمتصوفة في شخص الغزالي في كل من تدبير المتوحد ورسالة الوداع. ورفض ابن باجة طريق الصوفية هو دلالة قوية على علمانية هذا الفيلسوف، الذي لا يقبل إلا بخطاب فلسفي خالص من كل الشوائب، سواء كانت دينية أو حتى صوفية. وهذا الرفض نابع ”من القطيعة مع القاعدة الابيستمولوجية التي تؤسسه والتي تقول بوجود طريق أخرى غير طريق العقل والعلوم النظرية لبلوغ السعادة.“[18] فطريق الفيلسوف ليس هو طريق المتصوف، إذ يستند الأول على العلم النظري، أما الثاني فيكتفي بالمشاهدة. وما يترتب عن هذا الاختلاف هو أن غاية الفيلسوف ليست هي نفسها غاية المتصوف؛ فهذا الأخير يسعى إلى الالتذاذ، بينما يسعى الفيلسوف إلى الاتصال بالعقل الفعال ليحقق سعادته المتمثلة في العلم الأقصى.

لكن لا ينبغي أن يفهم هذا الاتصال عند ابن باجة على طريقة الفارابي، لأن ابن باجة يستبعد العقول الفلكية؛[19] وهو استبعاد يريد من خلاله الجابري إثبات أن ”فكرة الفيض غائبة تماما عن مجال تفكير ابن باجة.“[20] فالاتصال قائم أساسا على تراتبية من الأسفل نحو الأعلى: المرتبة الأولى هي مرتبة الجمهور، تليها مرتبة النظار الطبيعيين، لتتوج بالمرحلة الأخيرة والتي يمثلها الفلاسفة. وفي الوقت الذي يفصل الجابري ابن باجة عن الفارابي نجده لا يتردد في ربط هذا التصور الباجي بموقف ابن رشد، مبينا أهمية ابن باجة انطلاقا مما هو بعده، ومشددا على تثمين ابن رشد للقول الباجي. وهكذا، فإن أهمية ابن باجة تتمثل في أنه ممهد لابن رشد؛ وكأنه يتعذر علينا إبراز أهمية تصور ابن باجة باستقلال عن الثاني.

نصل الآن إلى التجلي الثالث من تجليات العلمانية الباجوية، وهو القول بوحدة العقل وكمال المدينة. ويذكرنا الجابري وهو على مشارف نهاية هذا الفصل أن الخطاب الباجي: ”يتحرك دوما في اتجاه تجاوز الكثرة إلى وحدة تلغيها“.[21] وتتجلى هذه الحركة نحو الوحدة انطلاقا من تدبير المتوحد سعيا منه إلى تحقيق غاية واحدة وهي الاتصال بالعقل الفعال. وبما أن المدينة الكاملة هي مدينة الفلاسفة فإن ابن باجة عمد إلى الانتقال من مرحلة الفصل بين ’العقل والمدينة‘ إلى مرحلة الوصل بينهما. يقول في هذا السياق: ”الخطاب الفلسفي الباجي يتحرك إذن من الكثرة إلى الوحدة من الانفصال إلى الاتصال وذلك نحو أفق واحد، أفق وحدة العقل وكمال المدينة، أو وحدة المدينة وكمال العقل.“[22] لم يشأ الجابري أن يخرج نظرية العقل عند ابن باجة من ثنائية الكثرة والوحدة، فانتقل العقل من تعدده إلى عقل واحد مادام ”التعدد ليس في ذاته بل فقط في آثاره.“[23] في هذه المرحلة يكون العقل والمعقول شيئا واحدا: ”هنا على هذا المستوى السامي من وحدة العقل، مستوى العقل المستفاد تتحقق وحدة المعرفة، ومن خلالها وحدة العارفين، وبالتالي تتحقق المدينة الكاملة، مدينة العلم، مدينة الفلاسفة.“[24] فمن خلال الوحدة إذن يتم وصل العلم بالفلسفة والفلسفة بالمدينة ليصير الكل واحدا لا كثرة فيه.

4.    الفصل بين ما هو علمي وما هو إيديولجي

هذه الوحدة التي أثبتها الجابري لفكر ابن باجة كان لها أثر قوي، حتى على فكر الجابري نفسه حيث جاء عنوان خاتمة هذا الفصل يعكس هذا التأثير من خلال ربط ما هو ابستيمي بما هو إيديولوجي، وهو ما سنبينه في هذه الفقرة.

إن الفصل بين ما هو معرفي وما هو إيديولجي تقتضيه الضرورة الموضوعية؛ لكن هذا الفصل بين المستويين يصبح أمرا عسيرا في الخطاب الفلسفي لابن باجة. والسبب راجع أساسا إلى أن اختيار هذا الفيلسوف لخطابه المعرفي يتطابق تماما مع مضمونه الإيديولوجي  ليشكلا كلا وحدا؛ وهو الخطاب نفسه الذي لا ينبغي فصله عن السياق السياسي والثقافي الذي عاشه ابن باجة وانعكس على كتاباته ومواقفه الفلسفية: ”بل إن اختياره الابيستمولوجي هو نفسه المضمون الايديولوجي لخطابه.“[25] وقد أبرز الجابري هذا النوع من التطابق من خلال تقديم صورة موجزة عن فلسفة ابن باجة، والتي يخوض فيها المتوحد غمار العلم لأجل بلوغ المدينة الكاملة. وبلوغ هذه المرتبة معناه بالنسبة للمتوحد بلوغ أعلى مراتب الخلود، مشددا على أن معنى الخلود عند ابن باجة، هو ”خلود معنوي لا زمان له“.[26] لكن هذا القول لا ينبغي أن يفهم منه أن قول ابن باجة هو قول طوباوي من خلال ربط العلم الكلي بمرتبة الخلود الدائم، بل هو خلود ينزله ابن باجة من السماء إلى الأرض: ”ينسجم تماما مع التطلعات التي برزت في عصره، بل هو جزء من هذه التطلعات نفسها.“[27]

وهنا يتم ربط السياق السياسي لتلك المرحلة بالمشروع الفكري الباجي، وربط مسار متوحد ابن باجة بمسار ابن تومرت. فإذا كانت هذه المرحلة في نظر المؤلف مرحلة انتقالية، إذ شهدت نهاية حكم المرابطين وبداية حكم الموحدين، فإن الجابري لا يرى في الأمر تمردا عسكريا أو ثورة قَبَلية، بل إن الأمر يتعلق بثورة موحدية تتميز بأنها ”فكرية المنطلق، إيديولوجية المسعى،“[28] لينزل مهدي الموحدين، محمد ابن تومرت، منزلة ”المتوحد“ الذي توفق في استقطاب مريديه، كما أنه توفق في تشكيل جماعة سياسية-عسكرية تمكن من خلالها ”الإطاحة بدولة المرابطين“ على أساس أن هذه الأخيرة لا تمثل سوى الجهل والتقليد وكل مظاهر التخلف الفكري، في مقابل دولة ابن تومرت التي مثلت حرية الفكر وشجعت على الممارسة العقلية.

هذا هو المشهد السياسي الذي قدمه الجابري لدولة الموحدين، والتي وازن بينها وبين متوحد ابن باجة. صحيح أن الجابري يصرح بأنه لا يرغب: ”في إقامة أي نوع من علاقات التناظر والتماثل بين ’الدعوة الموحدية‘ كما مارسها ابن تومرت وتدبير المتوحد كما خطط له ابن باجة، فإن هذا لا يمنعنا من ملاحظة أنهما يعبران عن نفس التطلعات.“[29] وفي الوقت نفسه يؤكد على أن المجال المشترك الذي يجمع بين حلم ابن تومرت وحلم ابن باجة يتمثل في أن الأول كان يريد تأسيس ’دولة العلم‘ التي كانت غائبة مع حكم المرابطين، وهو الحلم نفسه الذي كان يطمح إليه ابن باجة من خلال فلسفة النابت التي تسعى بدورها إلى تحقيق مدينة العلماء أو النوابت.

غير أن الجابري يقف على فارق جوهري بين الرجلين، وهو أن ابن تومرت رجل سياسة وبالتالي لا يمكنه أن يؤسس مشروعه إلا في إطار سياسي، أما ابن باجة فالأمر مختلف تماما، حيث لم يعد للسياسة من دور في مشروعه الفكري، كما هو شأن الطب والقضاء. وهنا يختم الجابري كلامه عن ابن باجة فيقول: ”لقد كان يرى، بعين الواقع، عجز السياسة عن تحقيق مدينة العلم، ولذلك ارتفع بحلمه في المدينة الكاملة إلى مستوى تكون فيه السياسة غير ذات موضوع، مثلها في ذلك مثل الطب والقضاء […] إنها مدينة العلم التي لا نقص فيها، المدينة التي يبنيها، خارج الزمان والمكان، والفلاسفة الذين تجمعهم وحدة الحقيقة وخلودها.“[30]

إذا كانت السياسة شرطا أساسيا بالنسبة لابن تومرت لتحقيق مشروعه، فإن غياب السياسة مع ابن باجة شرط ضروري حتى يتحقق حلم هذا الفيلسوف. وفي هذا السياق يعلن الجابري في كتاب نحن والتراث أن تدبير المتوحد ليس رسالة في الأخلاق، مثلما أن السياسة ليست شرطا ضروريا لتحقيق المدينة الفاضلة. وإذا كان الأمر على هذا النحو، فكيف أمكن للجابري توظيف الخطاب الباجي ضمن كتابه العقل الأخلاقي العربي؟

ثانيا: ابن باجة في العقل الأخلاقي العربي

بين الطبعة الثانية لكتاب نحن والتراث (وقد صدرت عام 1982) وكتاب العقل الأخلاقي العربي (2001)[31] ما يقرب عن عشرين سنة. وإذا كان نحن والتراث كتابا في وضعية تاريخ الفلسفة الإسلامية، وهي وضعية تميزت من منطلق الجابري بالتداخل بين ما هو معرفي مع ما هو إيديولوجي، فإن الغرض في العقل الأخلاقي العربي كان هو الوقوف عند القول الأخلاقي في الفلسفة الإسلامية. وإذا كان الجابري قد اقترح علينا في نحن والتراث قراءات جديدة لفلسفات الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد…إلخ، فكانت مهمته في هذا الكتاب هي ”النظر في الفكر الأخلاقي العربي ونظام القيم في الثقافة العربية الإسلامية التي أنتجته،“[32] عن طريق تحليل تلك النظم من جهة أولى، ونقدها ومقارنتها في ما بينها من جهة ثانية.

فإلى أي حد أسهم ابن باجة حقيقة في تأسيس هذه النظم القيمية؟ وما هي آثار هذا الإسهام على الصورة العامة للفلسفة الإسلامية؟

يفرد الجابري فصلا في كتابه العقل الأخلاقي العربي لابن باجة بعنوان: ”النزعة الفلسفية 2: تدبير المفرد… والمدينة الفاضلة ممكنة“. فبعد أن وقف عند النموذج الأول من هذه النزعة، والمتمثلة أساسا في أخلاق الفارابي، ينتهي الجابري إلى أن هذه النزعة ظلت متأثرة بالقيم الكسروية (نسبة إلى كسرى أنوشيروان، ت. 579م) ولم تخرج مطلقا عن هذا الإطار. يتحول الجابري بنظره بعد ذلك إلى الأندلس، وعلى وجه التحديد إلى ابن باجة وتدبير المتوحد، الذي يمثل نموذجا أخلاقيا يتدبره المتوحد لينال أفضل كمالاته. ويظهر منذ البداية أن استحضار الجابري لابن باجة كان بغرض الوقوف عند انفصال هذا الأخير عن الفارابي في هذا الباب: ”إن ابن باجة لا يواصل التفكير في الموضوعات نفسها التي كتب فيها الفارابي بل يختط لنفسه طريقا آخر أكثر تعبيرا عن واقع الفكر الفلسفي في عصره.“[33] ومكمن الاختلاف بين الفيلسوفين يظهر أساسا في كون الأول يحلم بتأسيس المدينة الفاضلة، أما ابن باجة فهو ينظر بعين الواقع إلى زمنه حيث اعتبر أن المدينة الفاضلة لم يحن وقتها بعد، ليقدم الأولوية للفلسفة التي ما زالت تصارع السلطة الحاكمة من جهة، وتزمت الفقهاء من جهة أخرى. لذلك كان الدفاع أولا عن مشروعية الخطاب الفلسفي من أولويات ابن باجة، فلم يكن من منطلق بالنسبة إليه سوى المتوحد أو الفرد الذي يناضل من أجل تحقيق هذه الغاية أولا، ليصبح فيما بعد اللبنة الأساس في تشييد المدينة الفاضلة.

1.    مفهوم التدبير والقطيعة مع قيم الفكر الأخلاقي الفارابي

لعل أول أمر يظهر تميزَ القول الأخلاقي الباجي في نظر الجابري هو ما يضع حدا نهائيا لحضور أردشير والقيم الكسروية كلها، وهذا هو المطلوب من فلسفة هذا الرجل في هذا السياق الأخلاقي. فما يجعل من تدبير المتوحد نصا متميزا عن الفكر الأخلاقي في المشرق هو القطع مع القيم التي كانت متحكمة في هذا الفكر. وفي معالجته لكتاب تدبير المتوحد، يقف الجابري عند مفهوم التدبير والذي يقال على معان ومستويات أربعة. وانطلاقا من نص ابن باجة نفسه يمكن استخلاص هذه المعاني: المعنى الأول يتمثل في الوقوف عند الفرق بين التدبير بالفعل والتدبير بالقوة، والمعنى الثاني يقصد به التدبير الإلهي، وهو التدبير المطلق، والمعنى الثالث والرابع يتم التمييز بين تدبير المدينة وتدبير المنزل. وفي سياق هذا التحليل الدلالي نجد أن ما يلفت انتباه الجابري هو كلام ابن باجة عن الوصايا المشورية التي يستحضرها لكي ينتقدها ويبرز تهافتها، وهي بالنسبة للجابري علامة واضحة على القطيعة مع هذا النوع من الأخلاق التي تنتمي إلى ”الآداب السلطانية“ لنكون أمام: ”نقلة نوعية في مجال القيم.“[34] وبالجملة، فإننا في تدبير المتوحد ”إزاء فكر سياسي وأخلاقي متحرر تماما من أردشير والقيم الكسروية، وبعبارة أعم من أخلاق الطاعة.“[35]

وأما الأمر الثاني الذي يميز قول ابن باجة عن أقوال سابقيه من فلاسفة المشرق هو تأسيسه لخطاب الأخلاق وفق نموذج العلم الطبيعي في جزئه المتعلق بعلم النفس؛ فـ: ”النموذج العلمي الذي يجب أن يقرأ موضوع علم السياسة، أي المدينة على ضوئه وبواسطته هو علم النفس، نفس الإنسان.“[36] ويواصل الجابري قراءته التحليلية لنص تدبير المتوحد مذكرا بالأساس العلمي لهذا النص، وهو ما قد رأيناه في نحن والتراث. والمقصود بهذا الأساس على وجه التحديد هو العلمين الطبيعي والمدني أيضا: ”وكما أن ما في الطب من الآراء الصادقة يرجع إلى علوم الطبيعة، وما في القضاء من العدل يرجع إلى العلم المدني. كذلك ما في هذا القول (تدبير المتوحد: الأخلاق) من الأقاويل العلمية يرجع ما فيه إلى العلم الطبيعي والعلم المدني معا.“[37] وبالفعل بعد أن أنهى ابن باجة كلامه عن مفهوم التدبير انتقل إلى الحديث عن الأفعال الصادرة عن المتوحد فكانت العودة إلى العلم الطبيعي أمرا ضروريا بقصد التمييز بين هذه الأفعال وتحديد صورها المرافقة لها: ”فما دمنا نريد تأسيس الأخلاق على العلم وليس على ’الأدب‘ و’المواعظ‘ وغيرها من ’الأقوال البلاغية‘، فيجب أن ندرسها كما يدرسها العلم الطبيعي، وبالتخصيص علم النفس الذي هو فرع منه.“[38]

غير أن ما يسهل على المرء أن يلاحظه على كلام الجابري هنا أن كتاب تدبير المتوحد قد أصبح كتابا في الأخلاق بعد أن كان غير ذلك في كتابه نحن والتراث. فهل يتعلق الأمر بمراجعة موقفه أو تصحيحه؟ لا يعلن الجابري هذا الأمر، ولا يلمح إليه حتى.[39]

2.    أخلاق ابن باجة وسياسة ابن رشد

بعد أن وقف الجابري عند محتويات تدبير المتوحد لابن باجة، انتهى إلى أن القول في الأخلاق مع هذا الأخير كان تدشينا لقول جديد، بحيث انفصل عن آراء أفلاطون، كما انفصل عن أرسطو، فانطلق من تدبير الفرد الذي هو الخطوة الأولى نحو تدشين المدينة الفاضلة، لتصبح هذه الأخيرة أمرا ممكنا إذا ما وصل النابت إلى كماله الأقصى. وبعبارة الجابري: ”لقد شعر ابن باجة أن المهم ليس في تكرار ما قاله أرسطو أو أفلاطون، بل المهم هو في شق طريق آخر يكملهما، أو على الأقل يتدارك ما فاتهما.“[40] ويتضح هذا الاستدراك من خلال منطلق ابن باجة الذي كان مختلفا عن سابقيه، وخاصة أفلاطون؛ وإذن، ”فالبداية يجب أن تكون، لا بيان كيفية ’تدبير المدينة الفاضلة‘، بل كيفية ’تدبير المتوحد‘. “[41]

غير أن تركيز ابن باجة على تدبير الفرد دون تدبير المدينة هو ما جعلنا نفتقد قولا في السياسة عند ابن باجة. وفي المقابل، فإن تركيز ابن رشد على القول السياسي وإرجاءه النظر في القول الأخلاقي جعلنا أيضا نفتقر مع ابن رشد إلى قول في الأخلاق، حسب الجابري؛ لكن هذا الأخير يرى أن هذا النقص الذي يعتري كل واحد منهما يجد حله في أن قول ابن باجة في الأخلاق إنما يُكمل قول ابن رشد في السياسة. ويقول الجابري في هذا السياق: ”وهكذا تأبى الأقدار إلا أن تعوضنا، بـ’تدبير المتوحد‘ لابن باجة، عما ينقصنا عن ابن رشد (=الأخلاق=)؛ وبـ ’مختصر سياسة أفلاطون‘ لابن رشد عما ينقصنا عن ابن باجة: تدبير المدينة (السياسة). ولا شك أن الرجلين راضيان عن هذا النوع من التكامل.“ [42]

غير أن هذا التصريح من الجابري قائم، في تقديرنا، على لبس شديد؛ إذ يظهر أن الجابري، في هذه المرحلة من تأليف كتاب العقل الأخلاقي العربي، لم يكن على معرفة بأن ابن رشد لم يترك نقصا في ما يتعلق بالأخلاق، ما دام قد ترك لنا تلخيصا لـكتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو؛ ونستغرب أن يكون هذا قد غاب عن الجابري، سيما وقد وردت بخصوصه أخبار في كتب التراجم والبرامج،[43] وكان لورنس برمان قد كشف صيف 1962 لأول مرة عن وجود نتف منه على هامش مخطوط خزانة القرويين الذي يحتوي على النص العربي لكتاب الأخلاق لنيقوماخوس.[44] وتبعا لذلك فقد نشر عبد الرحمن بدوي مجموع النتف المتبقية منه على هامش نشرته  كتاب الأخلاق لأرسطو؛[45] وقبل هذا وذاك، فقد كان أحمد شحلان قد تعرض لتلخيص كتاب الأخلاق في دراسة له نشرهَا الجابري نفسه.[46] لكن ربما يكون هذا الأخير قد قصد ما ينقصنا نحن المحدثين، إذ كان النص العربي لتلخيص ابن رشد قد ضاع، ولم يبق منه سوى ترجمات عبرية ولاتينية، كما هو معروف.[47] وفي كل الأحوال، فكما أننا قد صار لنا مدخل ما إلى مختصر السياسة بفضل ترجمة أحمد شحلان،[48] فقد صار لنا مدخل ما اليوم إلى قول ابن رشد في الأخلاق بفضل المترجم نفسه.[49] ومن ثم فإن ملاحظة الجابري، إن لم تكن خاطئة، فقد صارت متجاوزة اليوم.

وما يمكن أن نلاحظ، من جهة ثانية، بخصوص مقاربة الجابري التكاملية بين ابن باجة وابن رشد هو أنه إذا كان نص ابن باجة في كتاب العقل الأخلاقي العربي يندرج في صنف القول الأخلاقي، فإن هذا الفيلسوف لا يفصل بين هذا القول الأخلاقي والقول السياسي بالطريقة التي يعرضها الجابري. يتعلق الأمر إذن بحضور المجالين في كتاب تدبير المتوحد، حيث يؤثث الواحد منهما الآخر ويكمله، فأثناء حديثه عن دلالات التدبير، نجد ابن باجة يعرف هذا المفهوم بكونه ترتيبا للأفعال: ”والتدبير مقول بتقديم وتأخير […]، وإذا قيل بعموم قيل في كل الأفعال التي تشتمل عليها الصنائع التي تسمى بالقوى، وقد لخصته في العلم المدني.“[50] وبعد أن ينتهي ابن باجة من إحصاء أصناف التدبير يؤكد على أن أفضل هذه الأصناف هو التدبير الصادق: ”ولأنه قد يمكن أن ينال المتوحد السعادة الذاتية به […] وهذا كله استقصي في العلم المدني.“[51] ونعرج الآن مع ابن باجة في الجزء المتعلق بالأفعال الإنسانية، وبالتحديد عند أصنافها: ”فأما الصنف الأول فيختص باسم الجنس، ولذلك يقال له صنائع ومهن، وأما الصنف الثاني الذي تحته الفلاحة والملاحة فيقال له القوى، وقد لخصت هذه في العلم المدني.“[52]

وهكذا فإن حضور العلم المدني عند ابن باجة وتأكيده عليه ليس بالأمر العارض في تدبير المتوحد ولا بالأمر الناقص حتى يُحتاج تكميله بابن رشد. فابن باجة لا يتوانى إذن عن استحضار العلم المدني وهو بصدد تأسيس قول فلسفي في مفهوم التدبير. وهو الأمر الذي استبعده الجابري في مقاربته التحليلية لهذا النص. والظاهر أن الهدف من هذا الاستبعاد هو حصر منجز ابن باجة في القول الأخلاقي، وإسناد القول السياسي الذي يمثل خطوة أكثر تقدما إلى ابن رشد. وكأن الحديث عن ابن باجة وعن تدبير المتوحد لم يكن إلا تمهيدا لجوامع سياسة أفلاطون.

خاتمة

لم يكن الغرض من هذه الورقة تتبع جميع المسائل التي عالجها الجابري في كتابيه نحن والتراث والعقل الأخلاقي العربي؛ وإنما كان هو الوقوف عند توظيفه فلسفة ابن باجة انطلاقا من كتابه تدبير المتوحد في الكتابين المذكورين. لكن هذا التوظيف سمح لنا بتسجيل مجموعة من الملاحظات التي نقدمها على الشكل التالي:

1. يحكم الجابري في نحن والتراث بأن تدبير المتوحد لابن باجة ليس قولا في الأخلاق. ولكنه يتراجع عن هذا الزعم في كتابه العقل الأخلاقي العربي ليصبح تدبير المتوحد جزءا من منظومة القيم في الثقافة الإسلامية.

2. يدافع الجابري في نحن والتراث عن التوجه العلماني لابن باجة من خلال تغييب هذا الأخير إشكالية علاقة الدين بالفلسفة، وهو تغييب في نظره واع ومقصود. ويعتبر الجابري أن هذا ينطبق بقوة على الفيلسوف ابن رشد صاحب كتاب فصل المقال. والملاحظ أن هذه التحليلات قد غابت في العقل الأخلاقي العربي.

3. يدافع الجابري عن الخلفية العلمية لتدبير المتوحد؛ وهو ما تمسك به في الكتابين معا.

4. يركز الجابري على مفهوم التدبير في كتابه العقل الأخلاقي العربي جاعلا منه نموذجا لقيم جديدة قائمة على العلم دون السياسة. لكن، ألم يكن مفهوم التدبير في دلالته العميقة ذا بعد سياسي مع ابن باجة؟ هذا ما يتفاداه الجابري، تمهيدا لما بعد ابن الصائغ.

5. يربط الجابري في نحن والتراث بين تدبير المتوحد من جهة وثورة محمد ابن تومرت من جهة ثانية، على أن هذا الربط بينهما كان هو رغبتهما في التجديد والتخلي عن التقليد. هذا مع وعي الجابري بأن تطلعات المتوحد والفيلسوف لا يمكن أن تكون نفسها تطلعات رجل السياسة. وفي كل الأحوال، فقد أسقط الجابري من كتابه العقل الأخلاقي العربي الشق المتعلق بالمهدي ابن تومرت وتم تعويضه بابن رشد، وكأن الأمر يتعلق بمراجعة للمقارنة الأولى أراد من خلالها الجابري تقديم مقارنة من نفس الطبيعة بحكم أن ما يجمع بين الرجلين هي الممارسة الفلسفية.

6. إذا كان الجابري يتحدث في نحن والتراث عن القطيعة مع المدرسة المشرقية، فإنه يعتبر ابن باجة أفضل من مثلها؛ لأنه لم يوظف مفاهيم الفارابي وسكت عن ابن سينا. وقد ظل الجابري في العقل الأخلاقي العربي متمسكا بتميز فلسفة ابن باجة، وإن لم يستعمل مصطلح القطيعة. وفي كل الأحوال، يبدو لنا أن في هذا الحكم نوعا من المجازفة، لأن النصوص المتوفرة اليوم لابن باجة تبرز حضور الفارابي القوي في خطابه، وإن كان ينفصل عنه، فهو انفصال جزئي وليس كليا.

7. إذا كان الجابري يعثر في نص ابن باجة على ذلك التماهي بين ما هو معرفي وماهو إيديولجي؛ فكيف أمكن له أن يُخرج ابن باجة من دائرة القول السياسي؟ ألم يكن الهاجس السياسي من بين هواجس أخرى دفعت بابن باجة إلى تأليف هذا الكتاب؟ وهذا الأمر انتبه إليه دارسون آخرون.[53]

8. تركيز الجابري على عقلانية ابن باجة كان من خلال تغييب هذا الأخير لإشكالية الدين والفلسفة من خطابه الفلسفي؛ وهو تغييب يجب أن يعاد فيه النظر في تقديرنا.[54]

9. فصل الجابري فلسفة ابن باجة عن الفارابي فصلا مطلقا، وعمل جاهدا، في المقابل، على ربطها بفلسفة ابن رشد.

10. ربط الجابري الخطاب الفلسفي لابن باجة بالخطاب الفلسفي لابن رشد لم يكن بغرض إبراز أهمية الأول باستقلال عن ابن رشد. فما يمكن أن يلاحظ على كتابات الجابري عن ابن باجة هو أنها تركز في معظمها، إن لم نقل جميعها، على أهمية هذا الأخير من خلال أعمال ابن رشد.

11. اعتماد الجابري على تأويلات ابن رشد في فهم فلسفة ابن باجة قد يفضي بنا إلى الخروج من نص هذا الأخير إلى مستوى التأويلات الرشدية؛ والتي لم تكن، في بعض الأحيان على الأقل، تخدم نص ابن باجة، بل قد تضعف مضمونه المعرفي. وهكذا، فإن تعامل الجابري مع كتاب تدبير المتوحد كان تعاملا انتقائيا وغائيا téléologique، ينظر إلى ابن باجة من منظور مآلاته، وخاصة فلسفة ابن رشد التي جاءت بعده. لذلك، فإن هذا التعامل، ربما، بقدر ما خدَم به ابن رشد خسَّسَ مكانة ابن باجة.

—————————————————–

Bibliography

Abbès, Makram. “Gouvernement de soi et gouvernement des autres chez Avempace.” Studia Islamica 100-101 (2005): 113–160.

al-Jābirī, Muḥammad ʿĀbid. Al-ʿAql al-akhlāqī al-ʿArabī: dirāsa taḥlīliyya naqdiyya linuẓum ālqiyam fi al-Thaqāfa al-ʿArabiyya. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥda al-ʿArabiyya, 2001.

al-Jābirī, Muḥammad ʿĀbid. Naḥn wa al-turāth: qirāʾāt muʿāṣira fī turāthinā al-Islāmī. 6th ed. Beirut-Casabalanca: Al-Mrkaz al-Thaqāfī al-ʿArabī, 1996.

al-Jābirī, Muḥammad ʿĀbid. Naqd al-ʿaql al-ʿArabī 2: Bunyat al-ʿaql al-ʿArabī: dirāsat taḥlīliyyat naqdiyya linuẓum al-maʿrifa fī al-thaqāfa al-ʿArabitta. 9th edition. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥda al-ʿArabiyya, 2001.

Berman, Lawrence V. “Excerpts from the Lost Arabic Original of Ibn Rushd’s Middle Commentary on the Nicomachean Ethics.” Oriens 20 (1967): 31–59.

Ibn Bājja (Avempace). La conduite de l’isolé et deux autres épîtres. Introduction, édition critique du texte arabe, traduction et commentaire par Charles Genequand. Paris: Vrin, 2010.

Ibn Bājja, Abū Bakr. Tadbīr al-mutawaḥḥid. Edited by Maʿan Zyāda. Beirut: Dār al-Fikr al-Islāmī-Dār al-Fikr, 1978.

Ibn Rushd, Abū al-Walīd. Barnāmaj al-faqīh al-qāḍī al-mām al-ʾawḥad Abī al-Walīd Ibn Rushd raḍiya allāh ʿanh, Manuscript of Escurial, Madrid: 484, 81v-82r.

Ibn Rushd, Muḥammad Ibn Aḥmad. Al-Ḍarūrī fi a-Siyāsa aw mukhtaṣar kitāb al-Siyāsa li Aflāṭūn. Translated from the Hebrew by Aḥmad Shaḥlān. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥda al-ʿArabiyya, 1998.

Ibn Rushd, Muḥammad Ibn Aḥmad. Talkhīṣ Akhlāq Arisṭū (al-ʾAkhlāq ilā Nīqumākhūs). Translated from the Hebrew by Aḥmad Shaḥlān. Rabat: GhraphoPub, 2017.

Ibn Rushd. Le plaisir, le bonheur, et l’acquisition des vertus: édition du Livre x du Commentaire moyen d’Averroès à l’Éthique à Nicomaque d’Aristote, ed. and tr. Frédérique Woerther. Leiden: Brill, 2018.

Ibn Rushd. The Hebrew Version of Averroes’ Middle Commentary on Aristotle’s Nicomachean Ethics, ed. Lawrence V. Berman. Jerusalem: Israel Academy of Sciences and Humanities, 1999.

Savage-Smith, E. S. Swain, G.J. van Gelder (eds.) A Literary History of Medicine. Leiden: Brill, 2020. https://doi.org/10.1163/37704_0668IbnAbiUsaibia.Tabaqatalatibba.lhom-ed-ara1

Shaḥlān, Aḥmad. “Al-Muʾalfāt al-rushdiyya fī al-turāth al-ʿibrī, wa al-tarjama al-Injlīzyya li Mukhtaṣar al-Siyāsa li Ibn Rushd.” Ḍimn Ibn Rushd, al-Ḍarūrī fī al-Siyāsa: Mukhtaṣar Kitāb al-Siyāsa li Aflāṭūn. Translated from the Hebrew by Aḥmad Shaḥlān. Supervide by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī, 211–227. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥda al-ʿArabiyyya,1998.

ʿAbd al-Raḥman Badawī. Arisūṭāṭālīs. Al-Akhlāq. Translated by Isḥāq Ibn Ḥunayn. Edited by ʿAbd al-Raḥman Badawī. Kuwait: Wakālat al-Maṭbūʿāt, 1979.

للتوثيق

فدواش، نظيرة. ”صورة ابن باجة عند الجابري: من نحن والتراث إلى العقل الأخلاقي العربي.“ ضمن موقع الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، الرابط <https://philosmus.org/archives/2698>

نظيرة فدواش

تشتغل نظيرة فدواش أستاذةً للفلسفة وتاريخ العلوم بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية-ظهر المهراز. ينحصر مجال اهتمامها في دراسة فلسفة الطبيعة وتاريخ الأفكار الفلسفية والعلمية في السياقات الإسلامية. من أعمالها نشرتها المشتركة مع يونس أجعون وفؤاد بن أحمد للجزء الأول من الأعمال الفلسفية الكاملة لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي. الرباط-بيروت-الجزائر: دار الأمان-ضفاف للنشر-الجزائر، 2018. هي عضوة الجمعية الدولية لتاريخ العلوم والفلسفة العربية والإسلامية بپاريز، وعضوة الجمعية المغربية لتاريخ العلوم.

[1] محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الإسلامي (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1980).

[2] محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الإسلامي، ط. 6 (بيروت-الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996)، 7.

[3] الجابري، نحن والتراث، 7.

[4] الجابري، نحن والتراث، 9.

[5] محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي 2: بنية العقل العربي. دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، ط. 9 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009)، 529.

[6]  الجابري، نحن والتراث، 37.

[7] الجابري، نحن والتراث، 40.

[8] الجابري، نحن والتراث، 173.

[9] الجابري، نحن والتراث، 174.

[10] الجابري، نحن والتراث، 177.

[11] يحاول الجابري جاهدا وصل ابن باجة معرفيا بسلطة معلمه الأول أرسطو، مع العلم أن ابن باجة في كتابه تدبير المتوحد يستحضر في غير ما موضع مرجعية طبية يمثلها كل من أبقراط وجالينوس، وهو الأمر الذي يسكت عنه الجابري. انظر: تدبير المتوحد، 47، 53.

[12]  الجابري، نحن والتراث، 180.

[13] الجابري، نحن والتراث، 183.

[14] الجابري، نحن والتراث، 189.

[15] الجابري، نحن والتراث، 191.

[16] الجابري، نحن والتراث، 191.

[17] الجابري، نحن والتراث، 192.

[18] الجابري، نحن والتراث، 193.

[19] في سياق حديث ابن باجة عن الصور الروحانية وتصنيفه لها: يستحضر صور الأجرام المستديرة، إلا أنه يعرض عنه القول: ”إذ لا مدخل له فيما نريد أن نقوله.“ ابن باجة، تدبير المتوحد، تحقيق وتقديم معن زيادة (بيروت: دار الفكر الإسلامي-دار الفكر، 1978)، 56.

[20] الجابري، نحن والتراث، 198.

[21] الجابري، نحن والتراث، 201.

[22] الجابري، نحن والتراث، 202.

[23] الجابري، نحن والتراث، 203.

[24] الجابري، نحن والتراث، 204.

[25] الجابري، نحن والتراث، 205.

[26] الجابري، نحن والتراث، 207.

[27] الجابري، نحن والتراث، 208.

[28] الجابري، نحن والتراث، 208.

[29] الجابري، نحن والتراث، 208.

[30] الجابري، نحن والتراث، 209.

[31] محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي. دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية، ط. 1 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001).

[32] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 18.

[33] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 365– 366.

[34] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 367.

[35] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 392.

[36] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 382.

[37] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 369.

[38] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 371.

[39] نسجل أن معالجة الجابري لبقية النص لا تختلف كثيرا عن نوعية معالجته لنفس الرسالة في نحن والتراث، لذلك ارتأينا عدم ذكرها.

[40] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 380.

[41] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 380.

[42] الجابري، العقل الأخلاقي العربي، 383.

[43] يرد خبر تأليف ابن رشد تلخيص كتاب الأخلاق [إلى نيقوماخوس] لأرسطو في برنامج الفقيه القاضي الإمام الأوحد أبي الوليد بن رشد رضي الله عنه، مخطوط الأسكوريال، رقم 484، 81ظ. ويرد أيضا عند ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ضمن E. Savage-Smith, S. Swain, G.J. van Gelder eds., A Literary History of Medicine (Leiden: Brill, 2020), 6, 66, 13. https://doi.org/10.1163/37704_0668IbnAbiUsaibia.Tabaqatalatibba.lhom-ed-ara1

[44] Lawrence V. Berman, “Excerpts from the Lost Arabic Original of Ibn Rushd’s “Middle Commentary on the Nicomachean Ethics”,” Oriens 20 (1967): 31-59.

[45] انظر: عبد الرحمن بدوي، أرسطوطاليس، الأخلاق، ترجمة إسحق بن حنين، حققه وشرحه وقدم له عبد الرحمن بدوي (الكويت: وكالة المطبوعات، 1979)، 36-37.

[46] أحمد شحلان، ”المؤلفات الرشدية في التراث العبري، والترجمة الإنجليزية لمختصر السياسة لابن رشد،“ ضمن ابن رشد، الضروري في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله عن العبرية إلى العبرية أحمد شحلان، مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح المشرف على المشروع محمد عابد الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998)، 220-222، 227.

[47] The Hebrew Version of Averroes’ Middle Commentary on Aristotle’s Nicomachean Ethics, ed. Lawrence V. Berman (Jerusalem: Israel Academy of Sciences and Humanities, 1999).  وأما بخصوص الترجمة اللاتينية فقد نشرت ضمن المجلد الثالث من طبعة جونتا 1562؛ وقد حقق الكتاب العاشر من التلخيص اعتمادا على الترجمة اللاتينية مصحوبا بالترجمة الفرنسية. انظر:

Le plaisir, le bonheur, et l’acquisition des vertus: édition du Livre x du Commentaire moyen d’Averroès à l’Éthique à Nicomaque d’Aristote, ed. and tr. Frédérique Woerther (Leiden: Brill, 2018).

[48]  ابن رشد، الضروري في السياسة، أو مختصر كتاب السياسة بأفلاطون، نقله عن العبرية إلى العربية أحمد شحلان (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998).

[49]  ابن رشد، تلخيص أخلاق أرسطو (الأخلاق إلى نيقوماخوس)، ترجمه أحمد شحلان (الرباط: GhraphoPub، 2017).

[50] ابن باجة، تدبير المتوحد، 40.

[51] ابن باجة، تدبير المتوحد، 64–65.

[52] ابن باجة، تدبير المتوحد، 70.

[53] في مقال لمكرم عباس بعنوان ”تدبير الذات وتدبير الغير عند ابن باجة،“ يؤكد تلك العلاقة العضوية بين مجالي الأخلاق والسياسة عند ابن باجة، قائلا: ”بالنسبة لابن باجة لا يمكن النظر في الأخلاق باستقلال عن السياسة. وهذا معناه أن التربية الأخلاقية للفرد هي جزء من مهام رجل السياسة.“ انظر: Makram Abbès, “Gouvernement de soi et gouvernement des autres chez Avempace,” Studia Islamica 100- 101 (2005), 130.

[54] في رسالته اتصال العقل بالإنسان لابن باجة يبرز شارل جنكون عدم تردد ابن باجة في دعوة صديقه إلى حسن اختيار الطريق الذي يوصله إلى أسمى غاية، ألا وهو طريق المعرفة العقلية. وفي هذا السياق يشير جنكون إلى أن هذا الفيلسوف يتوسل ب”العون الإلهي“ لتحقيق هذا المطلب عن طريق توظيفه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وقد فهم الدارس من هذا الأمر أن ابن باجة لم يتمكن من الانعتاق من شرك التصوف، وهو المعروف بانتقاده اللاذع له في شخص الغزالي. والحال بالنسبة لجنيكون أن: ”كل خطوة يطلبها من مخاطبه هي مؤسسة على زهد إرادي وعقلاني. العودة إلى شهادات ومصطلحات دينية ليس لها من هدف سوى تأكيد التوافق بين الفلسفة والشريعة، وهو نفسه التوجه الذي سيسلكه ابن رشد بعده بطريقة أكثر حجاجية، خاصة في فصل المقال.“ Ibn Bājja (Avempace), La conduites de l’isolé et deux autres épîtres, Introduction, édition critique du texte arabe, traduction et commentaire par Charles Genequand (Paris: Vrin, 2010), 21–22.

مقالات ذات صلة

في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف

في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف

On the Legitimacy of Sunni Theology against Abū Ḥāmid al-Ghazālī’s Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn (d. 505/1111): A Section from Abū Bakr al-Ṭurṭūshī’s al-Asrār wa-l-ʿIbar (d. 520/1126) - Introduction and Description Fī Mashrūʿiyyat al-Kalām al-Sunnī Ḍiddan ʿalā Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn...

منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق

منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق

Al-Ghazālī’s Methodology in His Writings on Logic Manhaj al-Ghazālī fī al-Taʾlīf fī ʿIlm al-Manṭiq منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق محمد رويMohamed Roui جامعة عبد الملك السعديUniversité Abdelmalek Essaadi  ملخص: تتناول هذه الدراسة معالم منهج أبي حامد الغزالي...

المنطق في الحضارة الإسلاميّة

المنطق في الحضارة الإسلاميّة

المنطق في الحضارة الإسلاميّة خالد الرويهبKhaled El-Rouayheb جامعة هارفارد-كمبريدجHarvard University-Cambridge  ملخص: ”المنطق في الحضارة الإسلامية“ لخالد الرويهب (جامعة هارفارد بكمبريدج) هي في الأصل محاضرة بالعربية ألقيت في مؤسسة البحث في الفلسفة العلوم في...

مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد

مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد

Navigating Ambiguity: Exploring the Role of Uncertainty in the Classical Arab-Islamic Culture Makānat Al-Iltibās fī al-Thaqāfah al- ʿArabiyya al-Islāmiya Fī ʿAṣrihā al-Klāsīkī:Bawākīr Manẓūr Jadīd مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي بواكير...

أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)

أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)

The Impact of Ibn Rushd's (Averroes’) Philosophy on Maghribi Ashʿarī KalāmCurrent State of Studies on al-Miklātī (d.626/1229) Athar Falsafat Ibn Rushd fī al-Kalām al-Ashʿarī al-Maghribī: Dirāsa fī al-Munajaz ḥawl Fikr Abī al-Hajjāj Yusuf al-Miklatī (626/1229) Majda...

في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“

في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“

On the Approach to the Philosophy of Action in Fakhr al-Dīn al-Rāzī:A Critical Review of “Falsafat al-fiʿl wa-naẓarīyyat al-ʿādah al-tārīkhīyyah ʿinda al-mutakallimīn” Fī muqārabah Falsafat al-fiʿl ʿinda Fakhr al-Dīn al-Rāzī:Murājaʿat naqdīyyah li-maqālat “Falsafat...

أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان

أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان

Abū al-Barakāt al-Baghdādī on The Problem of Time Abū al-Barakāt al-Baghdādī wa Mushkil al-Zamān Jalel DridiUniversity of Tunis, Tunis أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان جلال الدريديجامعة تونس، تونس Abstract׃ The approach adopted by Abū al-Barakāt al-Baghdādī...

مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا

مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا

Machrūʿiyat al-naẓar al-ʿaqlī fī taqrīri al-ʿaqāʾid ʿinda al-mūtakalimīn:fakhr al-Dīne al-Rāzī namūdhajan The legitimacy of Speculated Reasoning from the Perspective of Fakhr al-Dīne al-Rāzī مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلّمين: فخر الدين الرازي...

”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“

”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“

“Which of the works of the ancient Greek philosophers [...] do we owe the first knowledge to the Arabs?” Revisiting an “old” Dispute “Mā hiya al-Aʿmāl al-Falsafīyah al-Yūnānīyah al-Qadīmah [... ] allatī Nadīn lil-ʿArab fī Awwal Maʿrifitinā bihā? ” ʿAwdah ilá Niqqāsh...

مشاركة / Share
error: Content is protected !!