
رحيل أحمد الصادقي

في ذكرى رحيل أحمد الصادقي
رحل عن هذه الدنيا الأستاذ الباحث أحمد الصادقي يومَ 15 غشت 2021. وبهذا الرحيل تكون الجامعة المغربية (جامعة القرويين) قد فقدت أحد خيرة أساتذتها. الأستاذ أحمد الصادقي يشهد له مساره التربوي والأكاديمي بالجد والمثابرة ونكران الذات. فتربويا، راكم الأستاذ، ألف رحمة على روحه، تجربة تربوية معتبرة، بدأت بأقسام الثانوي، حيث درس مادة أفلاطون (الفلسفة) لعقود، ثم التحق بدار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين حاليا، عام 2009، حيث اشتغل مدرسا للفلسفة ومناهج البحث. وأكاديميا تشهد مؤلفاته، سواء أبحاثه ودراساته الخاصة أو ما ترجمه من أعمال، على إيمانه العميق بأهمية النهوض بالبحث الأكاديمي في مجال الفلسفة وهوامشها، والعمل على تطويره باستئناف السير في طريق شقها أكاديميون مغاربة قبله في المجال نفسه.
هذا الإيمان بأهمية بالبحث الأكاديمي تترجمه الأعمال والدراسات التي تركها الأستاذ أحمد الصادقي على رفوف المكتبات المغربية والعربية. وبالعودة إلى العناوين التي تركها، يمكن القول إن الراحل قد اختار منذ بدايته مع البحث الأكاديمي الأرض التي سيتحرك فيها، وهي أرض ليس من السهل المشي فوقها، إنها أرض التصوف. فمنذ بحثه، في إطار نيل شهادة دبلوم الدراسات العليا المعمقة (1998–2000) لم يرحل عن هذه الأرض إلا لجلب ما سيجعلها أكثر خصوبة. وفي هذا السياق، كان المرحوم قد أنجز بحثا بعنوان حضور الغياب في تصوف ابن عربي، وهو الذي نشره بالعنوان نفسه تقريبا: حضور الغياب في صوفية ابن عربي (2009). وواصل الباحث اشتغاله على متن المتصوف الفيلسوف محيي الدين ابن عربي (638ھ/1240م)، وذلك بإنجازه أطروحته للدكتوراه، وهو الإنجاز الذي أثمر عمله الهام الموسوم بإشكالية العقل والوجود عند ابن عربي (2010). وبالموازاة مع هذه الدرسات والأعمال، ترجم المرحوم أعمالا لدارسين ينتمون إلى جغرافيات فكرية ولغوية أخرى، لكن مع إصراره على أن يظل يتحرك فوق الأرض نفسها: التصوف. وفي هذا السياق أنجز ترجمات، من الفرنسية إلى العربية، لأعمال دارسين غربيين عرفوا بشغفهم بالبحث في التصوف الإسلامي. وقد أثمرت جهوده ترجمة عمل كلود عداس، ابن عربي سيرته وفكره (2014)، ثم ترجمة العمل الهام لميشيل شودكيفيتش، أو علي شودكيفيتش كما سمى نفسه بعد اعتناقه للإسلام، بحر بلا ساحل، ابن عربي، الكتاب والأسئلة (2018).
لم يرد الصادقي لنفسه أن يظل سجين رموز التصوف وشطحاته الغنية، بل أتى إلى هذا المجال مزودا بقراءاته في الفلسفة الغربية، وبخاصة فلسفة مرتن هيدغر؛ وإلى ذلك انفتح على فلسفات ونصوص أخرى سواء الفلسفة الغربية (يورغن هابرماز، جون رولز…) أو النصوص الفكرية العربية (محمد أركون، طيب تيزيني…). وكان محركه الأساس في هذا التجوال بين هذه الجزر الفكرية هو تصوره لعمله. ذات مرة سأله أحد الأساتذة قائلا: ”كيف تفسر هذا الانتشار في الاهتمام؟“ لم يكن الصادقي ليتأخر في الجواب: ”أنا فيلسوف، وعمل الفيلسوف البحث عن الحقيقة.“
ورغم معاناته مع المرض فقد أصر على مواصلة التدريس حتى آخر موسم جامعي، والمشاركة في المناقشات واللقاءات العلمية، سواء حضوريا أو عن بعد، بعد أقعدنا الوباء في بيوتنا جميعا.
وكهيئة تحرير هذا الموقع الذي أردناه أن يكون منبرا للدراسات والأبحاث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، لا يسعنا إلا أن نقول: ألف رحمة على روحك زميلنا الأستاذ أحمد الصادقي، ولأصدقائه وطلبته ومحبيه نقول: ها هي أعمال المرحوم تنتظر من يقرأها ويهتم بها وينجز فيها قراءات؛ فلهذا الغرض أُلفت ونُشرت. لسنا أشخاصا نفسد بفساد آلاتنا وإنما نحن أعمال تبقى وتمكث في الأرض.

مقالات ذات صلة
صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 3-4 (2023)
يسعدنا في مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية إخبار القراء والمهتمين والباحثين بصدور العدد المزدوج الثالث والرابع من مجلة فيلوسموس: مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. يمكن الآن اقتناؤها من دار الأمان (الرباط)، كما يمكن اقتناؤها من مكتبات أخرى...
تهنئة
بمناسبة نيله لشهادة الدكتوراه في الفلسفة، يتقدم أعضاء مكتب مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية وهيئة تحرير مجلتيها الورقة والإلكترونية، بأحر التهاني للباحث يونس أجعون، والذي هو أحد أعضاء مكتب المؤسسة، كما أنه يشرف، إلى جانب الأستاذ فؤاد بن أحمد، على...
تعزية
انتقل إلى جوار ربه والد زميلنا الأستاذ محمد الصادقي، أمين مال مؤسستنا وعضو هيئة تحرير مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم جميع أعضاء المكتب وهيئة التحرير للصديق ذ. محمد الصادقي ولأسرته الكريمة بخالص العزاء والمواساة في هذا المصاب...
استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية (العدد القادم)
استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية(العدد القادم) الباحثون والدارسون في تاريخ الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تحية طيبة، بعد صدور العدد المزدوج (الأول والثاني) من مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، بدعم مشكور من أكاديمية الممكلة...
(ندوة) الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن
الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن ندوة من تنظيم شعبة الفلسفة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور ومؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تكريما للأستاذ عبد الحي أزرقان تقرير شهدت رحاب الكلية المتعددة التخصصات...
صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022)
عرفت مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022) طريقها إلى النشر، بعد أشهر من العمل الجماعي، وبفضل دعم مشكور من أكاديمية المملكة المغربية بالرباط. وقد صدرت في حلة أنيقة كما تضمنت مجموعة من المقالات الجيدة. وقد جاءت محتوياتها مبوبة حسب ما يلي: أولا: دراسات...
الأستاذ ريتشارد تايلور ضيف مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية
يلقي الأستاذ ريتشارد تايلور من جامعة ماركيت بملووكي بالولايات المتحدة الأمريكية محاضرة عن ابن رشد في صيغتيه اللاتينية والعربية؛ وذلك يوم الجمعة 8 مارس على الساعة التاسعة بتوقيت المغرب لمتابعة المحاضرة والتفاعل معها يرجى الضغط على رابط صفحة المؤسسة بالفايس بوك...
صدر حديثًا: تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللّام)
تقديم الكتاب صدر في الفاتح من شهر جانفي/يناير لسنة 2022، عن دار زينب للنشر والتوزيع بتونس، مقالة الإسكندر الأفروديسي (ت.215 م) تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللاّم)، تحقيق رمضان بن منصور، أستاذ الفلسفة الإسلاميّة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس. احتوى الكتاب...
المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية
المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية تقرير من الأنشطة التي قررت مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية تنظميها خلال الموسم الأكاديمي 2021-2022 نجد سلسة محاضرات سيلقيها دارسون وباحثون كل في مجال اهتمامه. في هذا...
صدر حديثًا
صدر عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان - الرابطة المحمدية للعلماء، ضمن سلسلة ”ذخائر من التراث الأشعري المغربي“، كتابان: الأول بعنوان: شرح مرشدة محمد بن تومرت؛ والثاني بعنوان: أربعون مسألة في أصول الدين؛ وكلاهما لأبي عبد الله محمد بن خليل السكوني...