Loading

المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية

المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية

تقرير

من الأنشطة التي قررت مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية تنظميها خلال الموسم الأكاديمي 2021-2022 نجد سلسة محاضرات سيلقيها دارسون وباحثون كل في مجال اهتمامه. في هذا الإطار شهد هذا الأسبوع من شهر أكتوبر 2021 يوم 15 على الساعة السابعة مساء بالتوقيت المغربي تدشينا لهذه السلسة من المحاضرات، بحيث ألقى الدارس التونسي مقداد منسية عرفة محاضرة من تونس تحت عنوان مراحل ومنعرجات في تاريخ المنطق العربي حسب مقدمة ابن خلدون (ت. 808ھ/1406م)، وهي المحاضرة التي تتبعها المهتمون والباحثون بالمباشر عبر المنصة الإلكترونية ’اللايف‘.

قدم المحاضر للمتتبعين الأستاذ فؤاد بن أحمد (رئيس المؤسسة) حيث ذكَّر ببعض ما أنجزه الدارس مقداد عرفة منسية في مجال الفلسفة عامة والفلسفة الإسلامية خاصة، وفي علاقة بموضوع محاضرته، ذكر الأستاذ فؤاد بن أحمد أن للدارس دراسة قيمة حول ابن خلدون وفلسفة الدين. مباشرة بعد هذا التقديم أعطيت الكلمة للأستاذ المحاضر، الذي افتتح محاضرته بوصفها أنها لا تخلو من جرأة، متسائلا: ماذا يمكن لشخص غير مختص في المنطق أن يقوله؟ وبحس الدارس الذي يقدر الأمور ويمنحها ما تستحق من عناية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالبحث في تاريخ الأفكار المنطقية عند المسلمين، ألزم الدارس المحاضر نفسه بالحذر، الشيء الذي نفهم منه أن الرجل لم يأت إلى إلقاء محاضرته هذه من أجل إطلاق الأحكام؛ ولهذا اختار أن يتناول الموضوع واضعا تقويم ابن خلدون لعلم المنطق في سياق تطور الفلسفة العربية الإسلامية. وانسجاما مع موضوع محاضرته ذهب رأسا إلى الحديث عن كيفية حضور المنطق في مقدمة ابن خلدون؛ ولأن هذا الأخير مؤرخ ومفكر، انشغل أساسا بتقويم جملة من العلوم التي تعاطى لها المتقدمون والمعاصرون له، فقد استند صاحب المحاضرة إلى فكرة الرجل (ابن خلدون) الأساسية، والتي تهم تمييزه المعروف بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين؛ والذين هم على علم بما قاله ابن خلدون بخصوص تقويمه لعلم الكلام الإسلامي، لا بد أن يدركوا أهمية الانطلاق من هذه النقطة.

حسب المحاضر، فتمييز ابن خلدون بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين، يتيح لنا الوقوف على وصف ابن خلدون للمراحل والمنعرجات التي عرفها تطور علم المنطق منذ اليونان حتى زمنه؛ وفي هذا السياق لم يفت المحاضر أن يشير إلى مسألة أساسية، تهم كيفية تعاطي المتقدمين من ممثلي المشائية مع المنطق كما وضع أسسه وقواعده أرسطو (ت. 322ق م)حيث ذكر المحاضر أن هؤلاء اعتنوا بالأرغانون الأرسطي شرحا وتلخيصا، ولذا تعاملوا معه بالأساس كآلة منتجة للمعرفة، ولم يهملوا فيه، لا المادة ولا الصورة؛ أي ظلوا أوفياء للأهداف التي وضعها المعلم الأول لمنظومته المنطقية. وفي هذا الإطار وضح المحاضر أنه عندما نتحدث عن المتقدمين وفق منظور ابن خلدون، فيجب أن ننتبه إلى أن هؤلاء فيهم المنتقدمون الأوائل (اليونان والأوائل) كما فيهم المتقدمون الذين جاؤوا بعد هؤلاء، واهتموا بتفسير وشرح المنظومة المنطقية الأرسطية، وضمن هؤلاء يندرج المشاؤون العرب.

أما بالنسبة لطريقة المتأخرين حسب ابن خلدون، فقد ذكر المحاضر، أن صاحب المقدمة اعتبر أن فخر الدين الرازي (ت. 606ھ/1209م) هو مدشن هذه الطريقة، وهي التي استأنفها بعض تلامذته كأفضل الدين الخونجي (ت. 646ھ/1248م) على سبيل المثال لا الحصر. وما ميز هذه الطريقة، والتي تشهد على تحول شهده تطور النظر المنطقي عند العرب والمسلمين، هو نظر هؤلاء إلى المنطق كصناعة في حد ذاتها، أي حاولوا أن يبينوا أنها ليس بالضرورة أن تكون تابعة للفلسفة، وفي هذا السياق، يأتي إهمالهم للمادة في الأقيسة المنطقية واكتفاؤهم بالنظر إليه كصناعة تهم المطالب التصديقية.

هذا، ورغم استمرار بعض المناطقة في التأليف على طريقة المتقدمين بعد عصر الرازي، فقد غلبت طريقة المتأخرين على أكثرهم، وهذا ما تأسف عليه ابن خلدون، لكون طريقة المتقدمين ممتلئة بثمرة المنطق وفائدته، خلافا لطريقة المتأخرين –حسب المحاضر دائما-.

كذلك فإن ابن خلدون لم يقبل –حسب المحاضر- تحويل المنطق من فن آلي إلى علم غائي، حيث حصل تغير في طبيعة المنطق الحقيقية، وهذا ما لم يستسغه صاحب المقدمة.

وقد نبه المحاضر إلى أن ابن خلدون وهو يُقَوم طريقة المتأخرين في الكتابة المنطقية كانت بين يديه مجمل المؤلفات في هذه الصناعة، ممثلا بكتب ابن رشد (595ھ/1198م)، وابن طملوس (620ھ/1223م)، والرازي، والخونجي، وغيرهم، خلافا للدارس المعاصر الذي يترقب صدور كتاب في المنطق من حين لآخر، وهذا الفارق بين ابن خلدون والباحثين اليوم ينبغي أن يجعلنا نتريث في إصدار أحكام تقويمية بخصوص تقويمه لتاريخ المنطق في السياقات العربية والإسلامية.

وحسب المحاضر، فابن خلدون في تقويمه لتطور علم المنطق عند المسلمين، يبقى مؤرخا؛ لكن عندما نتساءل عن الطريقة التي مال إلى تبنيها صاحب المقدمة، فإننا هنا نجد أنفسنا أمام موقف ابن خلدون كمفكر أو كصاحب موقف عبر عنه صراحة عندما تحسر على هجران كتب المتقدين؛ وهنا يرى المحاضر أن الرجل قد عبر صراحة عن موقفه ازاء هذه الصناعة، حيث في سياق التفاعل مع أحد المتدخلين، أشار المحاضر إلى أن هذا الموقف الخلدوني يمكن أن يكون مثل الموقف الرشدي (نسبة إلى ابن رشد)، إذ معروف أن هذا الأخير اعتبر أن الحكمة، بكل أجزائها، قد اكتملت مع المعلم الأول (أرسطو)؛ كما يمكن أن يكون مثل الموقف الذي عبر عنه كانط (1724-1804) بخصوص المنطق.

هذا، ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن صاحب المحاضرة، أثار جملة من الأمور ختم بها محاضرته، منها:

إن إغفال ابن خلدون لذكر كتب الغزالي(ت.505هـ/1111م) في المنطق، وقد كانت متداولة مشهورة لم يكن سهوا، إنما لكونه لا يعتبر الغزالي صاحبَ طريقة في التأليف المنطقي.

ومنها تأخر دخول كتب الرازي إلى المغرب، بحيث دخلت بعد نصف قرن من وفاته على يد علماء رحلوا إلى المشرق ثم رجعوا مُمثلا بأبي القاسم بن زيتون(ت.691هـ/1292م).

هذا مجرد غيض من فيض ما ورد في محاضرة الدارس والأستاذ مقداد عرفة منسية من الشقيقة تونس؛ ولمن يريد كل تفاصيل محاضرته الغنية ما عليه إلا زيارة موقع مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية أو زيارة صفحة لأحد أعضاء المؤسسة ( صفحة الأستاذ فؤاد بن أحمد على الفايس بوك، وكذا صفحة الأستاذ محمد أبركان) حيث تم تقاسم إلقاء المحاضرة مع الأصدقاء. كما أن المحاضرة ستنشر كاملة في صيغة مقال، وذلك في موقع المؤسسة: Philosmus.Org حسب ما أشار إليه الأستاذ فؤاد بن أحمد الذي قدم المحاضر.

هذا، كما لا يجب أن تفوتنا الإشارة إلى أن محاضرة الدارس مقداد عرفة منسية قد تفاعل معها الباحثون والدارسون الذين تتبعوا إلقاء المحاضرة على المباشر؛ مما أغنى محتوى المحاضرة، وذلك لأن الكثير من الأمور زاد الأستاذ مقداد عرفة منسية في توضيحها.

 

 

مقالات ذات صلة

صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 3-4 (2023)

صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 3-4 (2023)

يسعدنا في مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية إخبار القراء والمهتمين والباحثين بصدور العدد المزدوج الثالث والرابع من مجلة فيلوسموس: مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. يمكن الآن اقتناؤها من دار الأمان (الرباط)، كما يمكن اقتناؤها من مكتبات أخرى...

تهنئة

تهنئة

بمناسبة نيله لشهادة الدكتوراه في الفلسفة، يتقدم أعضاء مكتب مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية وهيئة تحرير مجلتيها الورقة والإلكترونية، بأحر التهاني للباحث يونس أجعون، والذي هو أحد أعضاء مكتب المؤسسة، كما أنه يشرف، إلى جانب الأستاذ فؤاد بن أحمد، على...

تعزية

تعزية

انتقل إلى جوار ربه والد زميلنا الأستاذ محمد الصادقي، أمين مال مؤسستنا وعضو هيئة تحرير مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم جميع أعضاء المكتب وهيئة التحرير للصديق ذ. محمد الصادقي ولأسرته الكريمة بخالص العزاء والمواساة في هذا المصاب...

استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية (العدد القادم)

استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية (العدد القادم)

استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية(العدد القادم) الباحثون والدارسون في تاريخ الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تحية طيبة، بعد صدور العدد المزدوج (الأول والثاني) من مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، بدعم مشكور من أكاديمية الممكلة...

(ندوة) الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن

(ندوة) الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن

الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن ندوة من تنظيم شعبة الفلسفة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور ومؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تكريما للأستاذ عبد الحي أزرقان تقرير شهدت رحاب الكلية المتعددة التخصصات...

صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022)

صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022)

 عرفت مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022) طريقها إلى النشر، بعد أشهر من العمل الجماعي، وبفضل دعم مشكور من أكاديمية المملكة المغربية بالرباط. وقد صدرت في حلة أنيقة كما تضمنت مجموعة من المقالات الجيدة. وقد جاءت محتوياتها مبوبة حسب ما يلي:  أولا: دراسات...

الأستاذ ريتشارد تايلور ضيف مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية

يلقي الأستاذ ريتشارد تايلور من جامعة ماركيت بملووكي بالولايات المتحدة الأمريكية محاضرة عن ابن رشد في صيغتيه اللاتينية والعربية؛ وذلك يوم الجمعة 8 مارس على الساعة التاسعة بتوقيت المغرب  لمتابعة المحاضرة والتفاعل معها يرجى الضغط على رابط صفحة المؤسسة بالفايس بوك...

صدر حديثًا: تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللّام)

صدر حديثًا: تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللّام)

تقديم الكتاب صدر في الفاتح من شهر جانفي/يناير لسنة 2022، عن دار زينب للنشر والتوزيع بتونس، مقالة الإسكندر الأفروديسي (ت.215 م) تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللاّم)، تحقيق رمضان بن منصور، أستاذ الفلسفة الإسلاميّة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس. احتوى الكتاب...

رحيل أحمد الصادقي

رحيل أحمد الصادقي

في ذكرى رحيل أحمد الصادقي رحل عن هذه الدنيا الأستاذ الباحث أحمد الصادقي يومَ 15 غشت 2021. وبهذا الرحيل تكون الجامعة المغربية (جامعة القرويين) قد فقدت أحد خيرة أساتذتها. الأستاذ أحمد الصادقي يشهد له مساره التربوي والأكاديمي بالجد والمثابرة ونكران الذات. فتربويا، راكم...

صدر حديثًا

صدر عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان - الرابطة المحمدية للعلماء، ضمن سلسلة ”ذخائر من التراث الأشعري المغربي“، كتابان: الأول بعنوان: شرح مرشدة محمد بن تومرت؛ والثاني بعنوان: أربعون مسألة في أصول الدين؛ وكلاهما لأبي عبد الله محمد بن خليل السكوني...

مشاركة / Share
error: Content is protected !!