هل كتب ابن رشد عملا بعنوان ”الضميمة“؟ ملاحظات نقدية حول غموض عمّر أكثر من قرن ونصف
ملخص
نفحص، في هذه الدراسة، ”الهويات“ التي راكمها عبر تاريخه عملٌ قصير للفيلسوف الأندلسي ابن رشد (ت. 595هـ/1198م)، يعالج فيه مسألة ”هل يعلم الله الجزئيات؟“. وهذا العمل، الذي عادة ما نشر ملحقًا بفصل المقال، يعرف في العصر الحديث بعدة تسميات، منها ضميمة في العلم الإلهي، أو ذيل أو ضميمة فصل المقال أو فقط الضميمة أو رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة. الأمر الذي يجعل المرء يتساءل: هل فعلا كتب ابن رشد عملا بهذا العنوان؟ من أجل الجواب عن هذا السؤال والوقوف على أصل المشكل، نحاول العودة، في دراستنا هذه، إلى الفهارس والبرامج والترجمات التي وردت فيها أخبار عن هذا العمل، فضلا عن نسخته المخطوطة الوحيدة (إسكوريال: 632)؛ كما نحاول تبين أشكال الغموض التي لفّت عنوانه ابتداءً من أول نشرة له في منتصف القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. وغرضنا هو أن نظهر أن هذا العمل، خلاف جل أعمال ابن رشد، لا يُفترض به أن يحمل عنوانا بعينه، لأنه كان بمثابة جواب عن مسألة طرحت على ابن رشد؛ وأن الأقرب إلى هوية العمل ما أورده برنامج ابن رشد (إسكوريال: 884).
كلمات مفتاحية: الضميمة، مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، مقالة في أن الله يعلم الجزئيات، ضميمة لمسألة العلم القديم.
Abstract
In this study, I examine the “identities” that a short work by the Andalusian philosopher Ibn Rushd (Averroes, d. 595/1198), in which he deals with the question of “Does God know particulars?” has accumulated throughout its history. This work, which is usually published as an appendix to the Faṣl al-maqāl (Decisive Treatises), is known in modern times under several names, including an Appendix on Divine Knowledge, or the Appendix or Dhayl to Faṣl al-Maqal, or simply Ḍamīma or the Epistle Dedicatory entitled the Ḍamīma. This makes one wonder: did Ibn Rushd really write a work with this title? In order to answer this straightforward question and to identify the origin of the problem, I tried to return to the indexes, catalogs, historical and biographical works in which data of this work appeared, as well as to its unique manuscript (Escorial: 632). This survey helped us to clarify the forms of ambiguity that surrounded its title, since its first publication in the middle of the nineteenth century until today. My aim is to show that this work, unlike most of Ibn Rushd’s works, is not supposed to have a specific title, as it was an answer to a question put to Ibn Rushd; which means that what has been mentioned in the index of Ibn Rushd’s works (Escorial: 884) remains most relevant and closest to the identity of this short text.
Keywords: Ḍamīma, “Does God know particulars?”, Treatise on Divine Knowledge, Appendix on Ancient Knowledge, Epistle Dedicatory.
تقديم
لم يعرف عمل للفيلسوف ابن رشد (ت. 595هـ/1198م) تضاربا في هويته كما عرفه هذا العمل الصغير الذي عادة ما نُشر ملحقا بـكتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال. ففي قائمة أعمال ابن رشد التي أوردها ابن عبد الملك المراكشي الأنصاري (ت. 703هـ/1303م) في الذيل والتكملة،[1] يَنسب إلى الفيلسوف الأندلسي عملا يحمل عنوان: مقالة في أن الله يعلم الجزئيات؛ وهو عنوان غامض، بل مُغلّط؛ لأنه يقرر أن ابن رشد يقول بعلم الله بالجزئيات بإطلاق. وفي المقابل، يرد في برنامج ابن رشد[2] عمل بهذا العنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛[3] وهذا العنوان أقرب إلى مضمون العمل؛ لأنه على الأقل يعكس طابعه المسألي والشكوكي؛ وهو ما يغيب عن عنوان ابن عبد الملك أعلاه. لكننا في النسخة الخطية للعمل الذي نتحدث عنه، نجد عنوانا مختلفا، أو لنقل ما يُشبه العنوان، وهو المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛ وهذا ليس عنوانا بالحقيقة بقدر ما هو إخبار بأن النص الذي أمامنا في المخطوط هو نفسه الذي كان ابن رشد قد ذكره في فصل المقال. أما في العصر الحديث، فقد وصل التضارب في العناوين التي أعطيت لعمل ابن رشد مداه. فعلى سبيل المثال، وكما سنظهر بتفصيل أدناه، نجد هذا العمل يحمل عنوان ”ضميمة“ عند مرقص جوزيف مُلِّر (Marcus Joseph Muller, d. 1874) وجورج فضلو حوراني (George Fadlo Hourani, d. 1984) وآخرين؛ وsupplement عند إرنست رينان (Ernest Renan, d. 1892)؛ وZusatz في ترجمة مُلِّر، و appendice عند هرتفيغ درنبورغ (Hartwig Derenbourg, d. 1908)، وضميمة فصل المقال عند ليون گوتييه (Léon Gautier, d. 1949)، و”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة“ عند تشارلس بتروورث (Charles Butterworth). أما في النشرات العربية المبكرة، فقد زاوج هذا العمل بين حمل اسم الذيل وضميمة لمسألة العلم القديم. ولعل هذه العناوين، على تضاربها، قد حكمت على هذا العمل، بالإضافة إلى حجمه، بأن يُنشر دائما ملحقا بـفصل المقال.
وفي المقابل، يبدو لنا أن ابن رشد نفسه لم يعط أي عنوان لقوله هذا في العلم الإلهي؛ والسبب ببساطة أنه كان عبارة عن رسالة جوابية؛ ذلك أنه قد كتبه تفاعلا مع نقاش له مع أحد أصحابه ممن كان يحتل موقعا بارزا في الدولة الموحدية، أو لنقل كتبه رسالةً جوابيةً عن سؤال وجهه إليه هذا ”الصاحب“ بخصوص معرفة الله تعالى؛ أعني هل يعلم الكليات فقط أم أنه يعلم الجزئيات أيضا؟ وهذا ما يظهر من نص كلام ابن رشد في فصل المقال: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا.“[4] وهو الذي وجه إليه الخطاب في مطلع ”المسألة،“ حيث قال: ”أدام الله عزتَكم وأبقى بركَتكم وحجبَ عيونَ النوائب عنكم لما فُقتم بجودة ذهنكم وكريم طبعكم كثيرا ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في علم القديم سبحانه، مع كونه متعلقا بالأشياء المحدَثَة عنه، وجب علينا، لمكان الحق ولمكان إزالة هذه الشبهة عنكم، أن نحل هذا الشك.“[5] والملاحظ، هنا، أن ابن رشد لم يصرح باسم مخاطبه، لكن الدّارسين فهموا من الإشارات الواردة في هذا القول أن الأمر يتعلق بشخص الخليفة نفسه، أعني أبا يعقوب يوسف المنصور الموحدي (حكم بين 558-580هـ/1163-1184م).[6] وفي كل الأحوال، لا يملك المرء سوى أن يخمن أن صاحبه هذا قد كان ذا موقع مكين في الدولة؛ لكن الأهم من هذا هو أننا نستفيد من بعض إشارات ابن رشد أن هذه ”المسألة“ أو الرسالة ليست سوى استئناف لنقاش دار بينهما من قبل.[7]
وعليه، فإذا كان ابن رشد ربما مسؤولا عن هذا الغموض الذي يلف الجانب المتعلق بمخاطبه بـ”المسألة،“ فإن أشكال الغموض الأخرى قد عرضت لها عبر تاريخها؛ ويبدو أن النساخ والناشرين المحدثين والدّارسين هم الذين يقفون وراء اختلاق هذه الهويات التي حملتها هذه ”المسألة“، وطمس هويتها الأصل، التي يفترض أنها تحملها في النسخة الخطية. وبالجملة، فقد مسّ هذا الغموض الأخير ثلاثة جوانب أساسية في العمل: الأول عنوانه؛ والثاني موقعه بالنسبة إلى بعض الكتب الأخرى لابن رشد، وبخاصة الكتاب المعروف بـفصل المقال؛ والثالث وجود هذا العمل وبقاؤه. والغرض من هذه الدراسة أن نسهم، بقدر وسعنا، في تبديد هذا الغموض، ولو جزئيا، عن طريق العودة إلى تاريخه وملابسات حصوله، وبالتركيز على الجانبين الأول والثاني، على أن نعود إلى الثالث في موضع منفرد.[8]
أولا: وضعية النص
يجدر بنا أن نُذَكر بما أشرنا إليه في التقديم من أن نص هذه ”المسألة“ يوجد، في حدود معرفتنا اليوم، في مصدرين اثنين: أولهما النسخة الخطية المحفوظة في خزانة الإسكوريال (هرتويغ درنبورغ: 632)؛[9] وثانيهما درء تعارض العقل والنقل لأبي العباس أحمد ابن تيمية (ت. 728هـ/1328م)، حيث يحتفظ هذا الأخير بكامل نصها، مُعنوِنا إياها ”مقالة في العلم [الإلهي].“[10] وإذا كنا سنقف عند وضع النص في هذا المصدر في موضع آخر، فلنشرع في الحديث عن ”المسألة“ كما توجد في نسختها الخطية، قبل الانتقال إلى الفهارس والنشرات والدراسات الحديثة.
يأتي نص ”المسألة“ ثانيا في ترتيب النصوص التي يحتوي عليها المجموع المحفوظ بنسخة الإسكوريال 632. ويهمنا أن نقف هنا عند النصوص الثلاثة الأولى التي توجد في بداية المجموع، وتحتل الحيز من الورقة 1ظ إلى 74و، وهي كما يلي:
- كتاب فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ورقة 1ظ–18ظ؛[11]
- المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، ورقة 18ظ–20ظ؛[12]
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة، ورقة 20ظ–74و.[13]
والنص الثاني الذي يحمل عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه هو المقصود بكلامنا. وكما يظهر، فهذا العنوان وضعه ناسخ النص، الذي لا نعرف اسمه، ليبرر إيراده بعد الفصل مباشرة، عن طريق إخبار القارئ بأن النص الذي وضع في هذا الموضع قد ورد ذكره في الكتاب الأخير.
أما الترتيب العام الذي توجد عليه تلك النصوص الثلاثة في النسخة الخطية المذكورة، فهو لا يحمل أي مبرر من قبل واضعه؛ وهو بكل تأكيد ليس من وضع ابن رشد، وإنما من وضع الناسخ.[14] بل أكثر من ذلك، إنه ترتيب يبدو متعارضا مع ما توحي به النصوص الثلاثة المذكورة. وفي الواقع، يسهل على المرء أن يجد في كتاب الكشف أكثر من إحالة على فصل المقال.[15] كما يسهل عليه أن يجد في خاتمة هذا الأخير وعدا، أو بالأحرى إعلانا عن النية في تأليف كتاب الكشف؛[16] مثلما يمكن أن يجد في الفصل إقرارا بأنه قد أفرد لمسألة العلم الإلهي قولا حركه إليه بعض أصحابه؛ وقد ذكرنا ذلك أعلاه.[17]
ونستخلص من هذا بعض الأمور:
أولا: ثمة اتصال فكري واضح بين الفصل والكشف؛ تماما كما يوجد اتصال فكري جلي أيضا بين ”المسألة“ وجزء من الفصل؛ وهو الأمر الذي سبق لمحسن مهدي أن وقف عليه في دراسته التي سنعود إليها أدناه.
ثانيا: إن الإحالة على ”المسألة“ في الفصل تفيد بما لا شك فيه أنها قد كُتبت قبله، استجابة لسؤال كان هو الذي حرك ابن رشد إلى الجواب؛ وأما الفصل فواضح أنه قد كتب قبل الكشف، وهو يمهد له في جزئه الأخير على الأقل.
ثالثا: إن الترتيب الذي توجد عليه هذه النصوص ثلاثتها في المخطوط لا معنى له، فهو مجرد ترتيب اقتضته شروط النسخ أو تصرُّف مالك النسخة نفسه، ولا علاقة له بما يجمع النصوص بعضها إلى بعض فكريا؛ بل أكثر من ذلك، إن وجود ”المسألة“ بين الفصل والكشف قد قطع الصلة الفكرية الموجودة بين النصين، كما قطع الصلة الموجودة بين المسألة نفسها والفصل. لذلك، فإذا أراد المرء أن يحترم تلك الصلة، فالأَوْلى أن يرتب هذه النصوص على النحو الموالي: أن يضع ”المسألة“ أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وبهذا، يكون السبق الزمني في التأليف، على أقل تقدير، قد ”رُوعي“؛ وهذا بغض النظر عن كون ابن رشد قد راجع أحد هذه الأعمال أو كلها في فترة لاحقة.[18]
رابعا: قد تحمل إحالة ابن رشد في الفصل على ”المسألة“—بوصفها قد أفرد لها قولا مستقلا—المرءَ على عنونتها بالقول أو بقول في العلم الإلهي. وبهذا، يصبح لدينا أربعة عناوين، وهي للتذكير كالآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، ومقالة في أن الله يعلم الجزئيات، والمسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، وقول في العلم الإلهي.
هذه، بالجملة، هي الوضعية التي توجد عليها ”المسألة“ في النسخة الخطية الفريدة، وهذه هي العناوين التي ترد بها في المصادر التاريخية المكتوبة بالعربية. ومن هذه الجهة، يجوز أن نقول: إن ”المسألة“ قد وصلت إلينا بصعوباتها التي تخللت عنوانها ووضعها في هذه المصادر. وقد انضافت إلى هذه الصعوبات أشكال من الغموض، حصلت في الدرس الأكاديمي الحديث.[19] وهو ما سنفصل فيه في الفقرات الموالية.
ثانيا: تاريخ الغموض
يُعد عمل المؤرخ والفيلولوجي إرنست رينان، ابن رشد والرشدية: مقالة تاريخية، أقدم المحاولات في العصر الحديث في جرد أعمال ابن رشد؛ وقد صدرت الطبعة الأولى من العمل عام 1852. وكان قد قسم، في هذه الطبعة من كتابه، أعمال أبي الوليد إلى عدة قوائم، تبعا للعلوم التي اهتم بها هذا الأخير. ومن ضمن هذه القوائم، قائمةٌ أولى تضم أعماله الفلسفية؛ وقائمة أخرى تضم أعماله الكلامية. وبما أننا هنا لسنا بصدد المراجعة الشاملة لهذه القوائم، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى ما يتصل منها بموضوعنا مباشرة. وكان من بين نصوص ابن رشد التي أوردها رينان ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، النصُّ الذي حمل العنوان الآتي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial” [20]
وهكذا، فقد أورد رينان اعتمادا على برنامج ابن رشد المحفوظ في الإسكوريال (رقم 884) العنوان الآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات[21] ضمن مؤلفات ابن رشد في الفلسفة. لكن رينان لم يكن يعلم في هذه الفترة أي شيء عن هذا العمل؛ أعني هل هو محفوظ أم مفقود؟ وإن كان محفوظا، فأين يوجد؟ إلى آخر الأسئلة التي يقتضيها الحديث عن أعمال الرجل. وما أظن أن رينان قد راجع الأمر أصلا؛ لأن هذه النقطة بالذات قد ظلت معلقة، كما سنأتي على ذكره.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى أصدر رينان طبعات جديدة لعمله. وهكذا، نقرأ في التنبيه Avertissement الذي صدّر به الطبعة الثانية، التي نشرت عام 1861، أن هذه الأخيرة قد أدخل عليها تعديلات وتصويبات مسّت جوانب من الكتاب، ومنها سيرة ابن رشد وأعماله. وقد حصلت هذه التعديلات والتصويبات بفضل نشر نصوص جديدة وصدور دراسات حديثة، كما يقول.[22] ويهمنا أن نذكر من هذه النصوص أول نشرة في العصر الحديث لأعمال ابن رشد بالعربية؛ وهي ذاتها الأعمال الثلاثة المذكورة أعلاه، أعني الفصل و”المسألة“ والكشف. وقد صدرت بعناية المستشرق الألماني جوزيف مرقص مُلِّر (Marcus Joseph Müller, d. 1874) عام 1859.
وبما أن الإحالة على عمل مُلِّر ستتكرر كثيرا في دراستنا هذه، فإننا نرى أنه من الأنسب تقديم منجزه بخصوص موضوعنا. لقد سبقت الإشارة إلى أن مُلِّر هو أول من أخرج نصوصا عربية لابن رشد في العصر الحديث؛ ولسنا ندري الحيثيات التي جعلته يختار هذه النصوص الثلاثة دون غيرها، لكن عمله يعد منجزا علميا كبيرا في حد ذاته. ولم يكن بيد مُلِّر عندئذ من نسخ ليقارن بينها، بل كان يتعامل مع نسخة خطية فريدة، هي نسخة الإسكوريال (632). وكنا، أيضا، قد قدمنا صورة أولية عن محتوياتها أعلاه، ويهمنا أن نضيف أن مُلِّر قد عمد إلى إدخال تغييرين هامين على النص الذي هو موضوع دراستنا: وأولهما هو إضافة مفردة ”ضميمة“ إلى عنوان ”المسألة“ الموجود في المخطوط، وثانيهما هو تعديل الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632)، لتصبح نشرته على الترتيب الآتي:
- كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال؛
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة؛
- ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ولم يقدم مُلِّر، في حدود ما اطلعنا عليه، أي تبرير للترتيب الذي استحدثه ولإقدامه على إلحاق مفردة ”ضميمة“ بالعنوان الثالث؛ هذا ولم يغير، أيضا، من ترتيبه ذاك عندما ترجم النصوص الثلاثة المؤلفة لنشرته إلى الألمانية، التي صدرت بعد وفاته.
وإذن، فبعد صدور أول نشرة لنصوص عربية لابن رشد، أصبح رينان مدعوا إلى تعديل بعض أحكامه، وكذا قائمته في ضوء هذه النشرة الحديثة، أعني نشرة 1859؛ وقد حصل ذلك فعلا.[23] غير أن القارئ يجد نفسه في الطبعة الجديدة لكتاب رينان أمام أمر غريب فعلا: فقد احتفظ الرجل بـمسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، تماما كما جاء في الطبعة الأولى من الكتاب دون أي تعديل يذكر. فأورد في الصفحة 70 من الطبعة المذكورة، كما يلي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial.” [24]
ولكن رينان عاد في الصفحة 72 عند حديثه عن الأعمال الكلامية théologiques لابن رشد، فأورد له من بين ما أورد العملين الآتيين:
“Un opuscule intitulé : Critique des diverses opinions sur l’accord de la philosophie et de la théologie […].” ويقصد به الكتاب المعروف بـفصل المقال
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[25]
والنتيجة هي أن ابن رشد قد ألف عملا في الفلسفة بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، وعملا في علم الكلام عبارة عن تلخيص، أو بالأحرى ضميمة للفصل، وهي تلك التي نشرها مرقص مُلِّر. وهكذا، فإذا كان رينان قد أدرج مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية معولا في ذلك على برنامج ابن رشد، فإنه قد أحصى، في المقابل، ما أسماه ”تلخيصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن الأعمال الكلامية لابن رشد، وأورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال، وأضاف إلى ذلك بعض المعلومات، منها أنه يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها حيث يوجد فصل المقال، ومنها أيضا أن مرقص مُلِّر قد قام بنشره. ورينان في معلوماته هذه لا يعول على برنامج ابن رشد ولا على ابن عبد الملك ولا على مخطوطة الإسكوريال (632)، وإنما يعول حصريا على عمل مُلِّر الذي كان قد صدر العام 1859.
ولنا على هذا التصنيف الذي تبناه رينان في الطبعة الثانية المعدلة المصححة من كتابه ثلاث ملاحظات مركزية:
فقد أخطأ رينان التقدير، أولا، عندما نسب لابن رشد عملين اثنين: أحدهما في الفلسفة، والآخر في علم الكلام؛ والحال أنهما نفس العمل الواحد الذي ورد في برنامج ابن رشد وفي الذيل والتكملة، وهو ذاك الذي ضُمّن في نشرة مُلِّر. والظاهر أن رينان لم يطلع على هذا العمل في نسخته الخطية ولا في نشرة مُلِّر.
وأخطأ رينان التقدير، ثانيا، عندما اعتبر عمل ابن رشد اختصارا للفصل؛ والحال أننا قد ذكرنا أعلاه أن هذا العمل مكتوب قبل الفصل، بدليل أن ابن رشد يحيل عليه داخل هذا الأخير؛ وهو ليس اختصارا له، بالنظر إلى الاختلاف في الغرض من تأليفهما. فالغرض من الفصل هو الحكم على الفلسفة من ”جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع أم محظور أم مأمور به، إما على جهة الندب أو على جهة الوجوب؛“[26] وأما الغرض من ”المسألة“ فهو حل الشك المتعلق بالعلم الإلهي، الذي عرض لمخاطبه. صحيح أن ابن رشد قد أحال على ”المسألة في العلم الإلهي“ في الفصل، لكن هذه تظل إحدى المسائل الثلاث التي عالجها باختصار في هذا الكتاب. ومن هذه الجهة، فإن صح لنا الحديث عن علاقة فكرية بين المسألة والفصل، قلنا: إن الأولى تظل مسألة من بين المسائل التي من أجلها ألف ابن رشد فصل المقال.
وأخطأ رينان التقدير، ثالثا، عندما اعتبر عمل ابن رشد ضميمة؛ والحال أن العمل مستقل، ويدخل في أدب المسائل؛ أي أنه عبارة عن جواب على سؤال وُجه إليه، وهو لا عنوان له أصلا، ولا يفترض أن يكون له عنوان إلا أنه جواب عن مسألة في موضوع ما. وكما ذكرنا أعلاه، فقد ورد فعلا في برنامج ابن رشد بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ ولكي لا يظل العمل غُفلا في المجموع المخطوط 632، فقد اجتهد ناسخ ما، اعتمادا على الإشارة الموجودة في فصل المقال، فوضع له العنوان الآتي: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ونتصور أن رينان قد راح ضحية العنوان الذي وضعه مُلِّر للقِسم من نشرته التي تضمنت أعمال ابن رشد الثلاثة المذكورة؛ بدليل أن رينان لا يتحدث في الطبعة الأولى من عمله ابن رشد والرشدية سوى عن مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات.[27] ولا وجود لعمل بعنوان الضميمة ضمن القائمة التي أوردها لأعمال ابن رشد. ومجمل القصة أن ”الضميمة“ يظل عنوانا أضافه مُلِّر في نشرته المذكورة إلى العنوان الذي يوجد بالمخطوط، وهو ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[28] ليصبح عنوان العمل في تلك النشرة هو: ”ضميمة: المسألة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[29] وبدوره، لما اطلع رينان على نشرة مُلِّر، نقل في الطبعة الثانية من كتابه عنوان مُلِّر مبتورا، عن طريق ترجمة جزء من العنوان الذي هو من وضع هذا الأخير، وهو ضميمة: بـ: appendice[30]، لا العنوان كما هو في المخطوط، وهو: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ومن هنا، فإننا نتصور أن رينان لو كان راجع الأمر على أصوله لما وقع في هذه الأخطاء، ولمَا أوقع معه فيها كثيرا من الناس، ممن يقنع إلى اليوم عند حديثه عن قوائم مؤلفات ابن رشد بالاعتماد عليه، مُسهما في استدامة غموض مجاني. وبهذا، فقد صار الناس، دون فحص، يعتقدون أن أبا الوليد قد ضمّ مقالته المذكورة إلى فصل المقال وألحقها به، حتى إن هرتويغ درنبورغ، صاحب فهرس المخطوطات العربية بالإسكوريال نفسه، والذي يفترض به أنه فحص النسخة الخطية التي وصفها في فهرسه هذا، يعتبر مقالة ابن رشد ”ملحقا“ لفصل المقال[31]supplement؛ وهذه، في نظرنا، ليست سوى ترجمة فرنسية ثانية لمفردة ”ضميمة“ التي وضعها مُلِّر، وكأن ترجمة رينان، أي appendice، لم تف بالمطلوب. وهكذا، فإن شيوع مفردة ”ضميمة“ عنوانا أو جزءًا من عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه حَالَ، جزئيا على الأقل، دون أن ينتبه الدارسون إلى أنه ليس من وضع المؤلف داخل النص ولا خارجه، ولا من وضع النساخ، ولا من وضع أصحاب التراجم والبرامج، وإنما من وضع أول ناشر حديث لثلاثة نصوص عربية لابن رشد، وهو مُلِّر.
وفي الواقع، فإننا نفهم من مفردة ”الضميمة“ التي أضافها مُلِّر غير ما فَهمه كثير من الدارسين والناشرين. فقد أراد مُلِّر أن يشير بمفردة ”الضميمة“ في عمله إلى أمر شبيه بملحق لكتابه، لذلك وضعها في آخر الكتاب،[32] أي بعد أن انتهى من تحقيق الفصل والكشف. وهكذا، فقد غيّر مُلِّر الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632) ليصبح النص الذي يأتي ثانيا في المخطوط ثالثا في نشرته، وليضيف مفردة ”ضميمة“ إلى العنوان الذي يوجد في المخطوط ليغدو كما يلي: ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
وأما في الترجمة الألمانية التي صدرت العام 1875، أي سنة واحدة بعد وفاة مُلِّر، فنجد.
Zusatz.
Die Frage, welche Ibn Roschd in der ersten Abhandlung berührt hat.[33]
وترجمته الحرفية إلى العربية:
ضميمة.
المسألة التي ذكرها ابن رشد في المقالة الأولى [=فصل المقال]
ولأجل هذا، فـ”الضميمة“ هنا ضميمةٌ لكتاب مُلِّر وليس لكتاب فصل المقال؛ وإلا فلو كان مُلِّر يقصد بـها ضميمة هذا الكتاب الأخير، لوضعها بعد الانتهاء منه مباشرة، تَأسيا بوضعها في المخطوط، ولما وضعها في آخر كتابه هو، أي بعد الانتهاء من الكشف. ومن هذه الجهة، فلا معنى لأغلب الاعتراضات التي وجهت لمسعى مُلِّر، خاصة وأنه لم يصدر من مُلِّر ما يمكن أن يُعتمد قولا في إظهار وجاهة أو خطأ ما قام به؛ دون أن يعني ذلك أن الرجل كان على صواب في هذه التسمية؛ لكننا نتصور أن النصين الأساسيين اللذين يشكلان عمود نشرته هما الفصل والكشف، وأما المسألة فقد عدّها، لقصرها، ملحقا أو ضميمة لكتابه هو.
ومع كل ذلك، فإن مُلِّر ورينان ما كانا المسؤولين الوحيدين عن شيوع هذا العنوان، وإنما الظاهر أن ليون گوتييه وجورج فضلو الحوراني قد أسهما، أيضا، في استدامة ذلك الغموض بشكل كبير؛ وهو ما سنعرضه في القسم الموالي، ولكن بعد أن نبرز وضعية ”المسألة“ كما هي في نشراتها العربية البواكر.
وهكذا، فقد أطبقت نشرات ”المسألة“ في العالم العربي، وخاصة تلك التي أُنجزت مبكرا، على اعتبارها ذيلا لفصل المقال وليس عملا قائما بذاته.[34] ولكي نظهر ذلك من المفيد أن نقف عند وضعيتها في أربع من هذه النشرات المبكرة. وأقدم نشرة اطلعنا عليها ”للمسألة“ صدرت عام 1899 بمصر، وقد وردت في كتيب يحمل العنوان التالي: فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال.[35] والملاحظ أن هذه النشرة حتى وإن عدت ”المسألة“ ذيلا للفصل، فإنها قد فصلتها إلى حد ما عنه. والدليل أنه بعد تمام الفصل،[36] انتقل صاحب النشرة إلى صفحة مستقلة ليضعنا أمام العنوان الآتي: ”ذيل فصل المقال: ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال.“[37] وهذا الفاصل هو ما غاب عن الطبعات التي جاءت بعد هذا. وفعلا، لم يمض سوى عامين على هذه النشرة المبكرة حتى تلتها نشرة أشمل، تضم إلى النصين السابقين كتاب الكشف. وهكذا، نجد ”المسألة“ في نشرة عام 1901 مدرجة ضمن ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل أحمد [كذا] ابن أحمد بن رشد الأندلسي المتوفى سنة 595 رحمه الله المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيل فصل المقال، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[38] وكما يظهر من العنوان أن كتاب فلسفة ابن رشد لا يتألف إلا من عملين، هما الفصل والكشف، أما ”المسألة“ فهي مجرد ذيل للأول منهما ومتصلة به. وكذلك الأمر بالنسبة لنشرة ثانية صادرة عام 1910، التي نقرأ في فهرسها ما يلي: ”الضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها المؤلف وهي ذيل الكتاب.“[39] وهذه أيضا لا يظهر فيها العمل إلا بوصفه ملحقا بـالفصل. وتحمل هذه النشرة كسابقتها، العنوان الآتي: ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد الأندلسي المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيله، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[40] أما في متن الكتاب، فنجد العنوان التالي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[41] ويظهر أن الناشر قد تقصّد، هو أيضا، وضعها مباشرة بعد نهاية كتاب الفصل ليظهر أن ابن رشد قد ذيّل كلامه في هذا الكتاب بقول في مسألة العلم الإلهي. أما في الطبعة التي أخرجت عام 1935، فالملاحظ أن المسألة قد اختفت تماما من عنوان الكتاب. وهكذا نقرأ في الغلاف: ”فلسفة ابن رشد: يحتوي على كتابي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة.“[42] أما في الغلاف الداخلي، فتظهر ”المسألة“ بوصفها ذيلا لـفصل المقال على غرار النشرتين السابقتين، حيث نقرأ ما يلي: ”مجموعة فيها كتابين جليلين: الأول-فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال: وذيله؛ الثاني-الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“ ومباشرة بعد انتهاء نص فصل المقال نجد العنوان الآتي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم الذي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[43]
والذي يمكن ملاحظته في هذه النشرات العربية المبكرة ”للمسألة“ هو حصول انزياح في عنوانها من ”ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال،“ كما نجده عند مُلِّر[44] إلى ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[45] وهو أمر لم نجد له ما يبرره. وفي كل الأحوال، فإن الدراسات الحديثة قد تجاهلت تماما هذه النشرات.
ثالثا: ترسيم الغموض
أسهم المستعرب الفرنسي ليون گوتييه في ترسيخ ذلك الغموض الذي كان مُلِّر الأصل فيه؛ وذلك عن طريق نهوضه بالبحث عن مسوغات لغوية-ثقافية للعنوان، تجعل من ”المسألة“ لا ضميمة لكتاب مُلِّر، وإنما ضميمة لفصل المقال أو ضميمة للمجموع كله الذي يضم فصل المقال والكشف والضميمة.
جاء كلام گوتييه، الذي نستعيده هنا بأمانة، في سياق وصف الوضعية التي توجد عليها نشرات الكتب الثلاثة المذكورة، سواء في ألمانيا أو في مصر. فَطوْرًا تُنزِل هذه النشرات الضميمةَ الموقعَ الثالث في الترتيب، وهذه هي حالتا النشرة التي أصدرها مُلِّر بميونيخ عام 1859، والنشرة التي تحمل عنوان كتاب فلسفة ابن رشد، وقد صدرت عن المطبعة العلمية بالقاهرة عام 1313هـ/1895-1896م؛ وطَورا تجعلها تحتل الموقع الثاني، وهذه حالة كل من النشرة التي صدرت بعنوان كتاب فلسفة ابن رشد، أيضا، عن المطبعة الحميدية عام 1319هـ/1901-1902م،[46] والنشرة التي صدرت عن المطبعة الجمالية 1328هـ/1910م بالعنوان نفسه؛[47] أما تلك النشرات التي تستثني الكشف، فقد ألحقت الضميمة بـالفصل. وفي نظر گوتييه، كلا التصورين يمكن الدفاع عنه، طالما أنه بوسعنا أن ننظر إلى المصنفات الثلاثة على أنها تشكل وحدة ما، بل تشكل عملا واحدا؛ وفي هذه الحالة، تكون الضميمة بما هي ملحقُ المصنف الأول، في آخر مجموع الكتاب طبعا؛ أو نعتبر كتاب الكشف كتابا مستقلا عن الفصل؛ وفي هذه الحالة، أيضا، تكون الضميمة، من حيث هي ذيلُ الفصل، تالية له.
غير أن گوتييه يعرض لمناقشة ما دأب عليه الناس من تسمية المصنف الأصغر من هذه الثلاثة ضميمة، سيما وأن ابن رشد، كما يقول، يذكر هذا المصنف الأصغر في الفصل قائلا: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا،“ مما قد يفهم أنه أُلِّف قبل الفصل، ومن ثم فهو ليس بالملحق بالمعنى الحصري للكلمة. ويضيف گوتييه مستدركا: ”لكن يجب ألا نغفل، من جهة أخرى، أن العرب يستعملون أزمنة للفعل على نحو مختلف عنا. فعندما نقول نحن [الفرنسيين] مثلا: Je viens vous consulter، يقولون هم [العرب]: je suis venu vous consulter ، فيعطون بذلك للماضي معنى المضارع. لهذا، فبدلا من أن نترجم عبارة ابن رشد: ’وقد أفردنا،‘ بـnous avons consacré قد نترجمها بـ nous consacrons؛ وهذه الصيغة هي التي تبرر الاسم الرائج الذي أعطي لهذا المصنف في العلم الإلهي. ولهذا السبب نلحقه هنا (أو قد ألحقناه، كما نقول بالعربية وحتى بالفرنسية).“[48]
مجمل القول، إن الوضع الذي كان عليه ترتيب الضميمة في نشرة مُلِّر، والذي كان في مستوى الوضع الاصطلاحي، إذ لم يكن يحمل أي تبرير، قد غدا مع گوتييه يملك تعليلا. وهكذا، فقد وجد هذا الأخير في عادات العرب في استعمال الأفعال ما جعل ابن رشد قد أراد الحاضر أو المستقبل، حتى وإن كان قد استعمل فعلا يدل بوضوح على زمن مضى وانتهى؛ كل ذلك حتى تستقيم تسميتها ضميمةً من قبل مُلِّر.
رابعا: في مراجعة الوضعية
سجّل تاريخ الاهتمام بهذه ”المسألة“ ثلاثة أو أربعة اعتراضات، في حدود اطلاعنا، على مسعى مُلِّر. الأول، هو ذاك الذي سجله الراحل جورج فضلو الحوراني عند إقدامه على إخراج نشرة جديدة لـفصل المقال و”للمسألة“ ولمقاطع من الكشف العام 1959 وترجمة إنجليزية عام 1961؛ أما الاعتراض الثاني، فقد سجله الراحل محسن مهدي (ت. 2007) ثلاث سنوات بعد عمل الحوراني الأخير؛[49] وأما الاعتراض الثالث، فهو الذي صدر العام 1986 عن الراحل جمال الدين العلوي (ت. 1992) في كتابه المتن الرشدي: مدخل لقراءة جديدة؛ وأما الاعتراض الرابع، فهو في الحقيقة استعادة لاعتراض مهدي، وقد صدر عن تشارلس بتروورث عند إصداره نشرة جديدة/قديمة للفصل وللمسألة مصحوبة بترجمة إلى الإنجليزية.[50] وباستثناء هذا الأخير الذي سنكتفي بالإشارة إليه، فإننا سنورد بقية الاعتراضات ملحقة بملاحظاتنا.
لم يكن مُلِّر في نظر جورج فضلو الحوراني يملك أي ”مسوغ جيد“ ليضع الضميمة ”في نشرته بعد الكشف؛“ سيما وأنها بلورةٌ لنقطة أثيرت في الكتاب الأخير.[51] ولهذا السبب، عمد الحوراني إلى وضعها في نشرته بعد أن انتهى من فصل المقال، معتبرًا إياها ملحقًا أو ضميمةً له (كما ينص على ذلك العنوان الإنجليزي لنشرته: Kitāb Fasl al-Maqāl with its Appendix (Damīma))، مبقيًا، بذلك، على عنوان مُلِّر ومكتفيًا بوضعه بين معقوفين، هكذا: [ضميمة]. وإذن، فالذي يعترض عليه الحوراني في مسعى مُلِّر ليس هو استحداث عنوان لا أصل له في المخطوط، كما يقول هو نفسه، وإنما هو ترتيبها بعد الكشف. ولتصويب ذلك المسعى، يكفي في نظره إدخال تعديل على ذلك الترتيب لتصبح ”المسألة“ بعد الفصل؛ وهذا هو وضعها الأنسب، في تقديره، بوصفها ضميمة تبلور ما كان ابن رشد قد عالجه في الفصل.
هذا هو، بالجملة، تصور الحوراني؛ وقد ظل على هذا المذهب في ترجمته الإنجليزية للنشرة العربية؛[52] حيث تمسك بموقفه الأول بأن المسألة إنما هي فعلا ضميمة لفصل المقال، وأن ابن رشد قد كتبها بعد تأليف هذا الأخير، ويحيل عليها فيه أيضا، وأنها تتوسع في جواب قُدِّم هناك. أما حديثه الصريح عنها باستعمال فعلٍ ماضٍ (أفردنا)، فلا يعني بالضرورة الزمن الماضي. وعندما ننظر في حجة الحوراني نجده يعتمد مذهب گوتييه في المسألة، وقد ذكرناه، فيسوقه من أجل تسويغ أمر واحد، لا صلة له بابن رشد، هو استعمال مُلِّر مفردة الضميمة، وإظهار صواب هذا الاستعمال. ومع أن ما قصده مُلِّر من وضع عنوان الضميمة لا علاقة له بمحتواها كما سيظهر عند عودتنا إلى المسألة، فإنها حجة خاطئة، وفيها غير قليل من الليّ لعنق عبارة ابن رشد، لأن هذا الأخير يستعمل فعل ”أفرد“ في الفصل بصيغة تفيد الماضي قطعا، أعني أن السؤال والجواب معا قد حصلا في الماضي، بالقياس إلى الزمن الذي كان فيه المتكلم (الكاتب) عندما كان يؤلف الفصل، وكان بصدد استعادة أطراف من ذلك السؤال الذي حركه والجواب الذي أفرد له ذلك القول في ”المسألة.“[53]
وبالجملة، فإن ”المسألة“ ليست ”بلورة“ للمسألة الثانية من المسائل التي يثيرها ابن رشد في الفصل، أي ”بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات تعالى عن ذلك،“[54] والتي هي واحدة من المسائل التي من أجلها كفّر أبو حامد الغزالي (ت. 505هـ/1111م) الفلاسفة في كتابه المعروف تهافت الفلاسفة، وإنما الأحرى بنا أن نقول العكس، لأنها، باختصار، قد كُتبت زمنا ما قبل تأليف فصل المقال؛ ولذلك حصلت استعادتها من قبله عند تعرضه في هذا الكتاب للمسألة الثانية المتعلقة بعلم الله بالجزئيات.
وبعد سنوات قليلة من انتشار ملاحظات الحوراني، أصدر الراحل محسن مهدي مقالا بعنوان ”الشريعة الإلهية والحكمة الإنسانية عند ابن رشد“ “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” . ومن بين ما تعرض له في هذا المقال المسألة التي نحن بصددها. وإذا كان الحوراني قد اعترض على ترتيب الضميمة بعد الكشف في نشرة مُلِّر، ودافع، في المقابل، على ترتيبها بعد الفصل، كما دافع عن اسم ”الضميمة“ عنوانا ”للمسألة،“وهو ما تبناه في نشرته وترجمته، فإن مهدي قد اعترض بجهة ما على الأمرين معا، لكن دونما أدنى إشارة إلى مذهب الحوراني في المسألة؛ كما اعترض على الترتيب الذي يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها.
وهكذا، يلاحظ مهدي أن مُلِّر قد ”وجد الأعمال الثلاثة في مخطوطة فريدة من دون عنوان مشترك؛“ فأعطاها هذا العنوان: ثلاث رسائل للشيخ الأجل العلامة أبي الوليد محمد بن رشد، ورتبها فجعل الفصل أولا، ثم تلاه بالكشف؛ وأخيرا ما أسماه الناشر ضميمة— وهو مصنف صغير يعالج العلم الإلهي. وتقع هذه الضميمة في النسخة الخطية الوحيدة بين فصل المقال والكشف. وقد عرفها الناسخ بما يلي: ”المسألة التي ذكرها القاضي أبو الوليد ابن رشد في فصل المقال.“ مع أنه ليس بعنوانها الرسمي، وهو ليس جزءا من العمل، كما كُتب أو أهدي من قبل ابن رشد، وإنما هو تفسير من قبل الناسخ للداعي الذي حمله على ترتيب العمل بعد الفصل؛ وقد أوردنا هذا أعلاه.
ويلاحظ مهدي أن مُلِّر لم يقدم أي تبرير لإقدامه على نقل المصنف الصغير من موضعه الذي يحتله في النسخة الخطية إلى موضعه الجديد تاليا للكشف؛ لكن يسهل معرفة السبب، حسب مهدي. فقبل نهاية فصل المقال، يستبق ابن رشد الحديث عن الكشف، آملا أن يتسع له وقته لكتابته. وفي المقابل، يفتتح كتاب الكشف بقول يصله لا بـالضميمة، وإنما بـالفصل. أما في النسخة الخطية، فالملاحظ أن الضميمة تقطع ذلك الاتصال الموجود بين الفصل والكشف. وحسب مهدي دائما، فقد ذهب أغلب الناشرين اللاحقين والمترجمين والشراح مذهبا مختلفا عما ذهب إليه مُلِّر من دون تقديم تعليل مقنع لوجوب وضع الضميمة بعد الكشف. وحسب مهدي، صحيح أن الضميمة قصيرة عموما، وأنها مذكورة في الفصل، لكن للسبب ذاته يجب أن يوضع الفصل بعد الكشف، إذ كان هو أيضا مذكور فيه؛ لذلك فالترتيبان، ترتيبا الناسخ والناشر، يظلان اعتباطيين. إذ لا واحد منهما يدلنا على ما يريد ابن رشد تبليغه. ولذلك، يدعونا مهدي إلى ضرورة العودة إلى أقوال ابن رشد في صلب أعماله لنرى ما إن كانت تؤكد ترتيبا من الترتيبين أو أنها تقترح ترتيبا جديدا.
وباختصار شديد، إن الضميمة والفصل والكشف تشكل ثلاثيةtrilogy في تقدير مهدي. تتألف هذه الثلاثية من كتاب، هو الكشف، ويتقدمه قولان أحدهما أقصر من الثاني، وهما فصل المقال أولا، وثانيا الضميمة. وابن رشد نفسه يشير إلى تسلسل هذه الأعمال الثلاثة بالقول في الفصل بأنه قد سبق أن ألف الضميمة، وبالقول في الكشف بأنه قد سبق أن ألف الفصل. وبالنظر إلى ما تعالجه هذه المصنفات من موضوعات، فإن ابن رشد قد قصد بها أن تُقرأ هكذا: الضميمة أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وفي نظر مهدي، إذا لم يكن ابن رشد قد أعطى لهذا النص عنوانا، فإن ذلك ليس سهوا منه، وإنما لأنه لا يفترض به أن يحمل أي عنوان: إنه epistle dedicatory.[55]
مجمل القول، إنه إذا كان الحوراني أول من راجع الترتيب الذي اعتمده مُلِّر في نشرته، فإن محسن مهدي قد شكك في ذلك، أيضا، فضلا عن مراجعته للترتيب الموجود في النسخة الخطية. أكثر من ذلك، امتد نقد مهدي ليشمل محاولة ليون گوتييه، المذكورة أعلاه، تسويغَ الترتيب الذي قام به مرقص مُلِّر بالاعتماد على تلك الاعتبارات اللغوية الخاصة بالعربية، وقد أشرنا إليها. وفي نظر محسن مهدي، لم تكن محاولة گوتييه أكثر من إساءة قراءة لقول ابن رشد من أجل تبرير عنوان ابتدعه ناشر حديث.[56]
لكن الذي نلاحظه على اعتراض مهدي على وجاهة جوانب كبيرة منه، بل الذي نستغربه في اعتراضه هو أنه في الوقت الذي يعمد لمراجعة شاملة للمسألة يغفل تماما، بل يتجاهل الدعوى التي ادعاها الحوراني، وهي في جانب كبير منها تستعيد دعوى گوتييه، بل هي مؤسسة عليها؛ لذلك، فإن إبطال هذه الدعوى معناه فقدان الأساس الذي بنيت عليه تلك. ويجب أن نضيف هنا أن تشارلس بتروورث الذي استعاد دعوى مهدي قد تجاهل، أيضا، دعوى الحوراني، مع أنه قد لمح إليها تلميحا.[57]
ويجدر بنا أن نقف عند مراجعة ثالثة لدعوى مُلِّر نجدها عند الراحل جمال الدين العلوي، في عمله الشهير المتن الرشدي، مفادها ما يلي: ”مقالة في العلم الإلهي (الضميمة) 574/1178؟ وهذه هي المقالة التي اشتهرت باسم الضميمة، أو ضميمة العلم الإلهي، أعني أنها ضميمة للفصل أي فصل المقال. والحق أنها ليست كذلك، لأنها سابقة زمنا على تأليف الفصل، كما هو معروف، وكما يشير إلى ذلك عنوانها الذي يقول: ’المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال‘.“[58] والعلوي هنا لا يذكر أحدا ممن مال إلى استعمال كل من الأسماء السابقة؛ لذلك يمكننا أن نفترض أنه يراجع أقوال گوتييه والحوراني ومحسن مهدي، كما يمكن أن نفترض أنه يقصد بالأساس النشرات العربية المذكورة آنفا، والتي تعتبر ”المسألة“ ذيلا لفصل المقال؛ ولو أنه لا شيء في مصادره يفيدنا بذلك. ثم إنه إذا كان العلوي يعني بحديثه عن ”عنوانها“ ما يفهمه المهتمون بالتحقيق من مفردة ”العنوان“، وهو ذاك الذي يكون من وضع المؤلف نفسه قبل الشروع في تحرير نصه، أو يكون منصوصا عليه داخله، فإن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك؛ لأن هذا العنوان ليس من وضع ابن رشد، ولا شيء فيها يدل على وجود عنوان لها، بل هو من اقتراح الناسخ أو الشخص الذي رتب النصوص الثلاثة التي ترد في نسخة الإسكوريال، ولكي لا يتركها بدون عنوان، وكان هو على معرفة بمضامين الفصل ويعرف أن ابن رشد قد ذكرها فيها. ولذلك، فهذا العنوان، أي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال“ لم يُعط لها من قبل مؤلفها، ولا يفترض به أن يفعل، ولا هو ورد في ديباجتها، وإنما أعطي لها، لاحقا، بناءً على ورود ذكر لها في نصٍّ كُتب بعدها، وهو الفصل.
وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات فقد واصل هذا العنوان، أعني ”الضميمة،“ شهرته وامتد تداوله من قبل النظار، مع أنه لا أصل له عند ابن رشد، ولا مُلِّر نفسُه قصدَ بوضعه ما اشتهر بسببه.
خامسا: إعادة إنتاج الغموض واستدامته
الواقع أن الغموض بخصوص ”المسألة“ قد تواصل على الرغم من كل ما سجل من ملاحظات نقدية من قبل الحوراني ومهدي والعلوي وبتروورث. مثال ذلك أن آخر نشرة ”للمسألة“ في اللغات الأوربية لم تعر أدنى اهتمام لتاريخ مشكل العنوان، حيث يجد المرء في عمل ماسيمو كامپنيني (Massimo Campanini, 2020) ثلاثة عناوين في موضع واحد: اثنان بالإنجليزية ويتوسطهما واحد بالعربية، ولكن بحروف لاتينية. وهكذا، يجد المرء: Appendix on The Divine Science ثم Damīma؛ ثم بعد ذلك العنوان الأخير، وهو ترجمة محرفة قليلا للعنوان الموجود في المخطوط: On the Problem Already Mentioned by The Šayh Abū’l Walīd in the “Decisive Treatise.”[59]
ويبدو لنا أن كامپنيني قد اكتفى بترجمة مقترح محمد عابد الجابري (ت. 2010) الذي كان قد جمع في نشرته الخام للمسألة بين عنوانين أو ثلاثة؛ حيث يجد المرء قبل النص ما يلي: ضميمة في العلم الإلهي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[60] هذا دون أن يزود الجابري القارئَ بأي تفسير أو توضيح.[61] وبدوره، فإن محمد عمارة، يتحدث في تقديم نشرته عن ضميمة العلم الإلهي.[62] لكن الجدير بالذكر هو التزام هذا الأخير بما هو موجود في المخطوط وإبقاؤه عليه كما هو، فجاء العنوان في نشرته كما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[63]
والغريب، أيضا، أننا نجد تشارلس بتروورث، وهو ممن تبنى ملاحظات محسن مهدي واستعادها، يسقط في الغموض ذاته الذي تحدثنا عنه. وهكذا، فبَعدما اعتبر مهدي أن هذه المسألة لا يُفترض بها أن تحمل عنوانا، لأنها رسالة Epistle Dedicatory موجهة إلى شخصية موحدية وازنة لم يفصح عنها ابن رشد، كما ذكرنا أول الأمر، ذهب بتروورث أبعد من أستاذه، ليُحوِّل هذا التفسير إلى عنوان لعمل ابن رشد، ويستحدثَ تسميةً جديدةً هي ”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة.“[64] والواقع أن هذا العنوان، أعني ”رسالة الإهداء،“ تعريب فاسد للوصف Epistle Dedicatory الذي جاء في التفسير الذي قدمه مهدي للسبب الذي جعل ابن رشد لا يطلق عنوانا على رسالته. وفي تقديرنا، إذا كان مفاد العبارة الإنجليزية الأخيرة ينطبق عموما على ”المسألة“ التي بين أيدينا شكلا وأسلوبا، فإن العنوان بالعربية، أي ”رسالة الإهداء“ لا يفيد شيئا ذا معنى. إضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من مصادقته الصريحة على رأي أستاذه محسن مهدي بأن المسألة يجب أن تتقدم الفصل، وأن هذا هو مقصود ابن رشد، فإن أغرب ما في الأمر أن بتروورث عندما أعاد نشر الفصل والضميمة وترجمتيهما لم يخرج عن التقليد الذي سارت عليه النشرات التي انتقدها مهدي، وهو وضع المسألة بعد الانتهاء من الفصل.
ومثال آخر للغموض بخصوص ”المسألة“ في الدراسات الحديثة كتاب خالد زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية: ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية؛ وهو من أحدث ما صدر بخصوص قوائم أعمال ابن رشد، ولو أن هذا لم يكن القصد الأول ولا الثاني من الكتاب.
ففي معرض البحث عما يُسوغ إدراج كتبٍ لابن رشد ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، أورد زهري ثلاثة ”أمور“ لدعم مذهبه: أولها أن ابن رشد ”نشأ، شأنه شأن أبيه وجده، أشعري العقيدة“[65] وأنه لم يكن ”أشعريا عن تقليد، بل أشعريا عالما بأصول هذا المذهب،“[66] و”ثانيها، أنه لم يكن عن معزل عن المشاركة في علم الكلام، حيث إنه تعاطى تدريسه […]. [و]ثالثها: أنه ألف كتبا من صميم [كذا] علم الكلام، وقد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفات في هذا العلم […].“[67]
وفي هذا السياق، يورد زهري قائمة لأعمال ابن رشد التي يعتبرها ”من صميم علم الكلام،“ والتي تدخل ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية. وهكذا، فقد أحصى منها:
- ”فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال […] يصنف ضمن مؤلفات ابن رشد الفلسفية، بيد أننا لا نرى مانعا من إدراجه ضمن كتب علم الكلام أيضا.“[68]
- ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو ملر.“[69]
- ”مسألة في أن الله تعالى يعلم الجزئيات […] اعتبرها رينان من مؤلفات ابن رشد الفلسفية، وقد أدرجناها أيضا ضمن كتب علم الكلام، لأن موضوعها، وهو العلم الإلهي، مما انشغل به المتكلمون أيضا.“[70] ولا يهم زهري هل كان ابن رشد أشعريا أم لا في جوابه بخصوص مسألة العلم الإلهي.
لنا على كلام زهري ملاحظات كثيرة. وقد أدلينا ببعضها في موضع آخر.[71] أما هنا، فنكتفي بإيراد واستعادة ملاحظة أو اثنتين مما له تعلق مباشر بموضوعنا.
- أول ما يمكن أن يسجل على قائمة زهري، التي أوردنا منها هذه العناوين، هو أنه لم يرجع فيها إلى نسخها المخطوطة، ولا إلى قراءة نصوصها، وإنما اكتفى بما سجله بخصوصها إرنست رينان ومحمد عمارة. ولذلك، فالدليل عند زهري على أن ابن رشد قد ألف كتبا ”من صميم علم الكلام،“ هو أنه ”قد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفاتٍ في هذا العلم [=علم الكلام].“[72] وفي الواقع، فإن هؤلاء المتخصصين في ابن رشد ليسوا بالكثرة التي توحي بها عبارة زهري، لأن هذا الأخير لم يعول، في هذا الموضع بالذات، سوى على كتاب المؤرخ والفيلولوجي الفرنسي إرنست رينان.[73] وهكذا، فقد فضل زهري أن يدير ظهره لكل التراكم المعرفي الذي سجله تاريخ الدراسات الرشدية، فهرسةً وتحقيقا وتحليلا، ليعود بنا إلى عمل ألف في منتصف القرن التاسع عشر، وليستعيد أخطاءه، فضلا عما سقط فيه هو من أخطاء، كان يمكن تفاديها لو عاد إلى ما هو رائج بين النظار من دراسات عن سيرة أبي الوليد ابن رشد وأعماله.
- يورد زهري عملا لابن رشد في علم الكلام بعنوان تلخيص فصل المقال، يقول عنه: ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق (أي لكتاب الفصل)، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو مُلِّر أيضا.“[74] ويحيل، كعادته، على كتاب رينان في صيغته الأصلية (ص. 72) وفي ترجمته العربية (ص. 87).[75] والغريب أن زهري لم يعر أي أهمية للنص الفرنسي لابن رشد والرشدية الذي يرجح أن يكون النص ضميمةً للفصل بدل أن يكون تلخيصا له. وقد أوردنا عبارة النص الفرنسي مرتين سابقًا، ونعيدها هنا مرة ثالثة:
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[76]
والترجمة العربية، على علاتها، تقول: ”تلخيص للكتاب السابق أو ذيل له يشتمل عليه عين مخطوط الأسكوريال، وقد نُشر من قبل مسيو ملر أيضا.“[77] أما زهري فقد قرر حذف عبارة ”أو ذيل له،“ ليغدو ما ألفه ابن رشد إنما هو تلخيص لفصل المقال وليس شيئا آخر. ولكن، بما أن رينان كان قد اطلع على نشرة مُلِّر دون أن يمد نظره إلى المخطوط، مخطوط الإسكوريال (632)، فإنه قد نقل لنا ذلك العنوان الذي وضعه مُلّر مبتورا، كما سبق أن بينا، وجاء زهري ليجعل من ”المسألة“ في العلم الإلهي تلخيصا لفصل المقال؛ والحال أن عملا بهذا العنوان لا وجود له.
- يتحدث زهري في القائمة أعلاه عن عملين لابن رشد ليطلق على الأول تلخيص فصل المقال، ويطلق على الثاني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ والحال أنهما عمل واحد؛ وزهري في هذا يستعيد خطأً آخر ارتكبه رينان. فقد أدرج هذا الأخير ما أسماه ”ملخصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن قائمة الأعمال الكلامية لابن رشد، وقد أورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال. وفي مقابل هذا، كان قد أورد ضمن قائمة ما اعتبره أعمالا فلسفية لابن رشد عملا بعنوان:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières” [78]
وهذه المقالة التي تعالج مسألة ما إن كان الله يعلم الجزئيات ليست سوى العمل السابق الذي اعتبره رينان ضميمة للفصل، وتعالج السؤال ذاته. أما زهري، فيقرر أن يتبع رينان؛ فيورد عملين اثنين لابن رشد بعنوانين مختلفين، بينما هما ذات العمل الواحد؛ وأغرب ما في الأمر أن زهري يدرك من طريق إفادة رينان، أولا، أن تلخيص [أو ضميمة] فصل المقال منشور من قِبل مرقص مُلِّر، وهذا لم ينشر غير الكشف والفصل وتلخيصه أو ضميمته. كما يدرك من طريق محمد عمارة، ثانيا، أن مسألة أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ”منشورة في آخر فصل المقال بعنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[79] فالأمر، كما ترى، يتعلق بنص واحد، وليس بنصين ولا بتلخيص للفصل. فقد كُتِب لوهم رينان عام 1861 أن يعاد إنتاجه عام 2017.
- يقول زهري متحدثا عن ”المسألة“: ”أشار المحقق [=محمد عمارة] في الهامش إلى أن إحدى النسخ [كذا] التي اعتمد عليها في التحقيق؛ وهي النسخة التي رمز إليها بالحرف م، ورد فيها العنوان هكذا: ضميمة لمسألة العلم القديم[80] التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[81] وهنا يجب أن نسجل أن محمد عمارة قد أشار إلى نشرتين وليس إلى نسخة واحدة، كما ورد في كلام زهري؛ وهما ما رمز إليهما الأولُ، أي عمارة، في الهامش المذكور بـ”م“ و”ص“؛ ويقصد بهما على التوالي: ”طبعة موللر (مخطوط الأسكوريال)“[82] و”طبعة المكتبة المحمودية التجارية بالقاهرة.“[83] ولو أن زهري تجشم بعض العناء فعاد، أولا، إلى مخطوط الإسكوريال، لوجد ما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“[84] ولو أنه عاد، ثانيا، إلى طبعة مُلِّر، لوجد ما يلي: ”الضميمة: [عودة إلى السطر] المسئلة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“ وقد وقفنا عند كل هذا أعلاه. فلو أن زهري راجع الأمر على أصوله لوقف على أن ما نسبه عمارة إلى مُلِّر وإلى مخطوط الإسكوريال باطل، وأن ما يدعيه لا يصدق إلا على الطبعة الثانية، أعني طبعة المكتبة المحمودية التجارية ”ص“؛ وقد ذكرنا هذا في ما مضى. هذا مع أن العنوان الذي نجده في نشرة عمارة هو الآتي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[85] وعمارة في هذا كان، كما هو واضح، أمينا في نقله ما يوجد في مخطوط الإسكوريال.
خاتمة
كان غرضنا في هذه الدراسة أن نقف عند ”الهويات“ التي راكمها، عبر التاريخ، هذا العملُ القصيرُ الذي خلفه ابن رشد في العلم الإلهي، والذي عادة ما يذيل به الناشرون طبعات الكشف وفصل المقال. وهكذا، فقد انطلقنا من رصد الوضعية الحالية للنص في النسخة الخطية الفريدة التي لدينا اليوم لهذا العمل، لنراجع طرق تعامل المفهرسين والمترجمين القدامى والدارسين المحدثين معه. وقد وقفنا على أشكال الغموض التي لفت عنوان هذا النص وموقعه بالقياس إلى فصل المقال بالذات. والذي يمكن أن نستخلصه من كل هذا هو أن طمسا كبيرا قد مسّ هوية هذا العمل وأثر على إدراك أهميته. والظاهر أن قصره قد شجع على ذلك. هذا، على الرغم من أن النص—في تقديرنا، وكما حاولنا أن نظهره—يملك هوية مستقلة بالقياس إلى فصل المقال، فهو متقدم عليه زمانيا؛ بل إنه ربما يكون القول الوحيد الذي أفرده ابن رشد للنظر في العلم الإلهي؛ وبالنظر إلى أنه قد كتبه في وقت مبكر بالقياس إلى فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة وتهافت التهافت وتفسير ما بعد الطبيعة، فإنه قد استعاده بأشكال مختلفة في هذه النصوص. وعليه، فلا معنى في تقديرنا لمواصلة تجاهل هذه المعطيات والإصرار على اعتبار النص ضميمة للفصل، أو اختصارا له، أو أنه قد كتب بعده. لذلك، فإن اقتضى الأمر أن نضع لهذا النص عنوانا، فالأقرب إلى هويته هو العنوان الموجود في البرنامج، أعني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ هذا مع أننا نميل إلى أن ابن رشد قد ترك النص بلا عنوان، لأنه كان رسالة جوابية على سؤال طرحه عليه صاحبه.
Bibliography
Averroes. The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Averroes. The Decisive Treatise: The Connection Between Islamic Religious Law and Philosophy. Edited with an Introduction by Massimo Campanini. Piscataway: Gorgias Press, 2017.
Ben Ahmed, Fouad. “Fī murājaʿat ʿalāqat Ibn Rushd bi al-Madhhab al-ashʿarī wa bi al-daʿwah al-muwaḥḥidiyyah.” In al-Multaqā al-waṭaniy li al-fikr al-ashʿarī bi al-Andalus: Tarīkh wa Ishkālat. Edited by ʿAllāl Jamāl al-Bakhtī, 493–510. Rabat-Tetuan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2020.
Butterworth, Charles. “Translator’s Introduction.” The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Derenbourg, Hartwig. Les Manuscrits arabes de l’Escurial. Volume I. Paris: Ernest Leroux, 1884.
Gauthier, Léon. “Introduction.” in Ibn Rochd (Averroès), Traité décisif (Façl el-maqâl) sur l’accord de la religion et de la philosophie, suivi de l’Appendice (dhamîma). Texte arabe, traduction française, remaniée avec notes et introduction par Léon Gauthier, 3ème édition. Alger: Editions Carbonel, 1948.
Griffel, Frank. “[Appendix Zur] Frage, Die Der Meister Ibn Rushd In Seiner Massgeblichen Abhandlung Angesprochen Hat.” in Ibn Rushd, Maßgebliche Abhandlung – Fasl al-maqal, Aus dem Arabischen übersetzt und herausgegeben von Frank Griffel. Berlin: Verlag Der Weltreligionen, 2010.
Hourani, George F. “Introduction.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla. Edited by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Hourani, George F. “Introduction.” In Kitāb Faṣl al-maqāl wa-taqrīr mā bayna al-sharīʿa wa al-ḥikma min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
Hourani, George F. “Notes to the Translation.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Ibn Rushd, Abū al-ʿAbbās Yaḥyā. Bārnāmaj al-faqīh al-qādī al-Imām Abī al-Walīd Ibn Rushd radhiya al-Lāh ʿanh. Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 884.
Ibn Rushd, Muḥammad b. Aḥmad. al-Jawāmiʿ Fī al-Falsafah: kitāb al-Samāʿ al-ṭabīʿī. Edited by Josep Puig. Madrid: al-Maʿhad al-ʿarabī li al-thaqāfah-al-Majlis al-aʿlá li al-Buḥūth al-ʿislamiyah, 1983.
____ . al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah. Edited by Muṣtafā ḥanafī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdat al-ʿarabiyah, 1998.
____ . Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-Asrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-ḥikmah wa al-sharīʿah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿImārah. 3d edition. Cairo: Dār al-mʿārif, 1983.
____ . Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 632.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa yalīh dhayl Faṣl al-maqāl. Cairo: Maṭbaʿat al-Ādāb wa al-Muʾayyid, 1317/1899.
____ . [Ḍamīma] al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh abū al-walīd fī Faṣl al-maqāl. In Ibn Rushd, Kitāb Faṣl al-maqāl wa taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
____ . Ḍamīma fī al-ʿilm al-ilāhī: al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh Abū al-Walīd fī Faṣl al-maqāl raḍiya al-Lāh ʿanh. In Ibn Rushd,Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-ʿAsrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Aḥmad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mutawaffā sanat 595 raḥimah al-Lāh al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhayl Faṣl al-maqāl, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. Edited by al-Shaykh Maḥmūd al-Bayṭār al-Ḥalabī al-Kutbī. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Ḥamīdiyya, 1319/1901.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Muḥammad b. Aḥmad b. Muḥammad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhaylih, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. al-ṭabʿa al-thāniyya ʿalā nafaqat Aḥmad Nājī al-Jamālī and Muaḥammad Amīn al-Khānjī wa akhīh. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Jamāliyya, 1328/1910.
al-ʿAlawī, Jamāl al-Dīn. al-Matn al-Rushdī: madkhal li qirāʾah jadīdah. Casablanca: Dār Tūbqāl, 1986.
Ibn Sharīfa, Muḥammad. Ibn Rushd al-ḥafīd: Sīrah wathāʾiqiyya. Casablanca: Maṭbaʿat al-Najāḥ al-Jadīda, 1999.
Ibn Taymiyya, Taqiy al-Dīn. Darʾ taʿāruḍ al-ʿaql wa al-naql, aw Muwāfaqat ṣaḥīḥ al-manqūl li-ṣarīḥ al-maʿqūl. Edited by Muḥammad Rashād Sālim. Volume 9. Beirut: Dār al-Kunūz al-Adabiyya, 1399/1979.
Mahdi, Muhsin. “Averroes on Divine Law and Human Wisdom.” In Ancients and Moderns: Essays on the Tradition of Political Philosophy in Honor of Leo Strauss. Edited by Joseph Cropsey, 114–131. New York: Basic Books, 1964.
Müller, Marcus Josef. Philosophie und Theologie von Averroes. Aus dem arabischen uebersetzt von Marcus Josef Müller. München: Franz, 1875.
____ . Philosophie und Theologie von Averroes. Herausgegeben von Marcus Josef Müller (München: Franz, 1859).
al-Murrākushī, Ibn ʿAbd al-Malik. al-Dhayl wa al-Takmila li kitābay al-Mawṣūl wa al-Ṣilah. Al-mujallad al-rābi (al-sifr al-sādis). Edited by Iḥsān ʿAbbās Muḥammad Ben Sharīfa and Bashār ʿAwwād. Tunis: Dār al-Gharb al-Islāmī, 2012.
Musāʿd, Muḥammad. al-Mustadrak ʿalā al-Matn al-Rushdī. Meknes: Manshūrāt al-Madrasa al-ʿulyā li al-Asātidha, 2017.
Renan, Ernest Averroès et l’averroïsme. Essai historique. 4ème édition revue et augmentée. Paris : Calmann Lévy Frères, 1882.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme, Essai historique. 2ème édition revue et augmentée. Paris : Michel Lévy Frères, 1861.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme. Essai historique. Paris: Auguste Durant, 1852.
Renan, Ernest. Ibn Rushd wa al-rushdiyya. Translated into Arabic by ʿĀdil Zuʿaytar. Cairo: Dār Iḥyāʾ al-kutub al-ʿarabiyya-ʿĪsā al-bābī al-ḥalabī wa shurakāh, 1957.
Zahrī, Khālid. al-Maṣādir al-maghribiyya li- al-ʿaqīda al-ashʿariyya: bibliyūghrāfyā wa dirāsah bibliyūmitriyyah. Volume 1. Rabat-Tetouan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2017.
تقديم
لم يعرف عمل للفيلسوف ابن رشد (ت. 595هـ/1198م) تضاربا في هويته كما عرفه هذا العمل الصغير الذي عادة ما نُشر ملحقا بـكتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال. ففي قائمة أعمال ابن رشد التي أوردها ابن عبد الملك المراكشي الأنصاري (ت. 703هـ/1303م) في الذيل والتكملة،[1] يَنسب إلى الفيلسوف الأندلسي عملا يحمل عنوان: مقالة في أن الله يعلم الجزئيات؛ وهو عنوان غامض، بل مُغلّط؛ لأنه يقرر أن ابن رشد يقول بعلم الله بالجزئيات بإطلاق. وفي المقابل، يرد في برنامج ابن رشد[2] عمل بهذا العنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛[3] وهذا العنوان أقرب إلى مضمون العمل؛ لأنه على الأقل يعكس طابعه المسألي والشكوكي؛ وهو ما يغيب عن عنوان ابن عبد الملك أعلاه. لكننا في النسخة الخطية للعمل الذي نتحدث عنه، نجد عنوانا مختلفا، أو لنقل ما يُشبه العنوان، وهو المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛ وهذا ليس عنوانا بالحقيقة بقدر ما هو إخبار بأن النص الذي أمامنا في المخطوط هو نفسه الذي كان ابن رشد قد ذكره في فصل المقال. أما في العصر الحديث، فقد وصل التضارب في العناوين التي أعطيت لعمل ابن رشد مداه. فعلى سبيل المثال، وكما سنظهر بتفصيل أدناه، نجد هذا العمل يحمل عنوان ”ضميمة“ عند مرقص جوزيف مُلِّر (Marcus Joseph Muller, d. 1874) وجورج فضلو حوراني (George Fadlo Hourani, d. 1984) وآخرين؛ وsupplement عند إرنست رينان (Ernest Renan, d. 1892)؛ وZusatz في ترجمة مُلِّر، و appendice عند هرتفيغ درنبورغ (Hartwig Derenbourg, d. 1908)، وضميمة فصل المقال عند ليون گوتييه (Léon Gautier, d. 1949)، و”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة“ عند تشارلس بتروورث (Charles Butterworth). أما في النشرات العربية المبكرة، فقد زاوج هذا العمل بين حمل اسم الذيل وضميمة لمسألة العلم القديم. ولعل هذه العناوين، على تضاربها، قد حكمت على هذا العمل، بالإضافة إلى حجمه، بأن يُنشر دائما ملحقا بـفصل المقال.
وفي المقابل، يبدو لنا أن ابن رشد نفسه لم يعط أي عنوان لقوله هذا في العلم الإلهي؛ والسبب ببساطة أنه كان عبارة عن رسالة جوابية؛ ذلك أنه قد كتبه تفاعلا مع نقاش له مع أحد أصحابه ممن كان يحتل موقعا بارزا في الدولة الموحدية، أو لنقل كتبه رسالةً جوابيةً عن سؤال وجهه إليه هذا ”الصاحب“ بخصوص معرفة الله تعالى؛ أعني هل يعلم الكليات فقط أم أنه يعلم الجزئيات أيضا؟ وهذا ما يظهر من نص كلام ابن رشد في فصل المقال: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا.“[4] وهو الذي وجه إليه الخطاب في مطلع ”المسألة،“ حيث قال: ”أدام الله عزتَكم وأبقى بركَتكم وحجبَ عيونَ النوائب عنكم لما فُقتم بجودة ذهنكم وكريم طبعكم كثيرا ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في علم القديم سبحانه، مع كونه متعلقا بالأشياء المحدَثَة عنه، وجب علينا، لمكان الحق ولمكان إزالة هذه الشبهة عنكم، أن نحل هذا الشك.“[5] والملاحظ، هنا، أن ابن رشد لم يصرح باسم مخاطبه، لكن الدّارسين فهموا من الإشارات الواردة في هذا القول أن الأمر يتعلق بشخص الخليفة نفسه، أعني أبا يعقوب يوسف المنصور الموحدي (حكم بين 558-580هـ/1163-1184م).[6] وفي كل الأحوال، لا يملك المرء سوى أن يخمن أن صاحبه هذا قد كان ذا موقع مكين في الدولة؛ لكن الأهم من هذا هو أننا نستفيد من بعض إشارات ابن رشد أن هذه ”المسألة“ أو الرسالة ليست سوى استئناف لنقاش دار بينهما من قبل.[7]
وعليه، فإذا كان ابن رشد ربما مسؤولا عن هذا الغموض الذي يلف الجانب المتعلق بمخاطبه بـ”المسألة،“ فإن أشكال الغموض الأخرى قد عرضت لها عبر تاريخها؛ ويبدو أن النساخ والناشرين المحدثين والدّارسين هم الذين يقفون وراء اختلاق هذه الهويات التي حملتها هذه ”المسألة“، وطمس هويتها الأصل، التي يفترض أنها تحملها في النسخة الخطية. وبالجملة، فقد مسّ هذا الغموض الأخير ثلاثة جوانب أساسية في العمل: الأول عنوانه؛ والثاني موقعه بالنسبة إلى بعض الكتب الأخرى لابن رشد، وبخاصة الكتاب المعروف بـفصل المقال؛ والثالث وجود هذا العمل وبقاؤه. والغرض من هذه الدراسة أن نسهم، بقدر وسعنا، في تبديد هذا الغموض، ولو جزئيا، عن طريق العودة إلى تاريخه وملابسات حصوله، وبالتركيز على الجانبين الأول والثاني، على أن نعود إلى الثالث في موضع منفرد.[8]
أولا: وضعية النص
يجدر بنا أن نُذَكر بما أشرنا إليه في التقديم من أن نص هذه ”المسألة“ يوجد، في حدود معرفتنا اليوم، في مصدرين اثنين: أولهما النسخة الخطية المحفوظة في خزانة الإسكوريال (هرتويغ درنبورغ: 632)؛[9] وثانيهما درء تعارض العقل والنقل لأبي العباس أحمد ابن تيمية (ت. 728هـ/1328م)، حيث يحتفظ هذا الأخير بكامل نصها، مُعنوِنا إياها ”مقالة في العلم [الإلهي].“[10] وإذا كنا سنقف عند وضع النص في هذا المصدر في موضع آخر، فلنشرع في الحديث عن ”المسألة“ كما توجد في نسختها الخطية، قبل الانتقال إلى الفهارس والنشرات والدراسات الحديثة.
يأتي نص ”المسألة“ ثانيا في ترتيب النصوص التي يحتوي عليها المجموع المحفوظ بنسخة الإسكوريال 632. ويهمنا أن نقف هنا عند النصوص الثلاثة الأولى التي توجد في بداية المجموع، وتحتل الحيز من الورقة 1ظ إلى 74و، وهي كما يلي:
- كتاب فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ورقة 1ظ–18ظ؛[11]
- المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، ورقة 18ظ–20ظ؛[12]
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة، ورقة 20ظ–74و.[13]
والنص الثاني الذي يحمل عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه هو المقصود بكلامنا. وكما يظهر، فهذا العنوان وضعه ناسخ النص، الذي لا نعرف اسمه، ليبرر إيراده بعد الفصل مباشرة، عن طريق إخبار القارئ بأن النص الذي وضع في هذا الموضع قد ورد ذكره في الكتاب الأخير.
أما الترتيب العام الذي توجد عليه تلك النصوص الثلاثة في النسخة الخطية المذكورة، فهو لا يحمل أي مبرر من قبل واضعه؛ وهو بكل تأكيد ليس من وضع ابن رشد، وإنما من وضع الناسخ.[14] بل أكثر من ذلك، إنه ترتيب يبدو متعارضا مع ما توحي به النصوص الثلاثة المذكورة. وفي الواقع، يسهل على المرء أن يجد في كتاب الكشف أكثر من إحالة على فصل المقال.[15] كما يسهل عليه أن يجد في خاتمة هذا الأخير وعدا، أو بالأحرى إعلانا عن النية في تأليف كتاب الكشف؛[16] مثلما يمكن أن يجد في الفصل إقرارا بأنه قد أفرد لمسألة العلم الإلهي قولا حركه إليه بعض أصحابه؛ وقد ذكرنا ذلك أعلاه.[17]
ونستخلص من هذا بعض الأمور:
أولا: ثمة اتصال فكري واضح بين الفصل والكشف؛ تماما كما يوجد اتصال فكري جلي أيضا بين ”المسألة“ وجزء من الفصل؛ وهو الأمر الذي سبق لمحسن مهدي أن وقف عليه في دراسته التي سنعود إليها أدناه.
ثانيا: إن الإحالة على ”المسألة“ في الفصل تفيد بما لا شك فيه أنها قد كُتبت قبله، استجابة لسؤال كان هو الذي حرك ابن رشد إلى الجواب؛ وأما الفصل فواضح أنه قد كتب قبل الكشف، وهو يمهد له في جزئه الأخير على الأقل.
ثالثا: إن الترتيب الذي توجد عليه هذه النصوص ثلاثتها في المخطوط لا معنى له، فهو مجرد ترتيب اقتضته شروط النسخ أو تصرُّف مالك النسخة نفسه، ولا علاقة له بما يجمع النصوص بعضها إلى بعض فكريا؛ بل أكثر من ذلك، إن وجود ”المسألة“ بين الفصل والكشف قد قطع الصلة الفكرية الموجودة بين النصين، كما قطع الصلة الموجودة بين المسألة نفسها والفصل. لذلك، فإذا أراد المرء أن يحترم تلك الصلة، فالأَوْلى أن يرتب هذه النصوص على النحو الموالي: أن يضع ”المسألة“ أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وبهذا، يكون السبق الزمني في التأليف، على أقل تقدير، قد ”رُوعي“؛ وهذا بغض النظر عن كون ابن رشد قد راجع أحد هذه الأعمال أو كلها في فترة لاحقة.[18]
رابعا: قد تحمل إحالة ابن رشد في الفصل على ”المسألة“—بوصفها قد أفرد لها قولا مستقلا—المرءَ على عنونتها بالقول أو بقول في العلم الإلهي. وبهذا، يصبح لدينا أربعة عناوين، وهي للتذكير كالآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، ومقالة في أن الله يعلم الجزئيات، والمسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، وقول في العلم الإلهي.
هذه، بالجملة، هي الوضعية التي توجد عليها ”المسألة“ في النسخة الخطية الفريدة، وهذه هي العناوين التي ترد بها في المصادر التاريخية المكتوبة بالعربية. ومن هذه الجهة، يجوز أن نقول: إن ”المسألة“ قد وصلت إلينا بصعوباتها التي تخللت عنوانها ووضعها في هذه المصادر. وقد انضافت إلى هذه الصعوبات أشكال من الغموض، حصلت في الدرس الأكاديمي الحديث.[19] وهو ما سنفصل فيه في الفقرات الموالية.
ثانيا: تاريخ الغموض
يُعد عمل المؤرخ والفيلولوجي إرنست رينان، ابن رشد والرشدية: مقالة تاريخية، أقدم المحاولات في العصر الحديث في جرد أعمال ابن رشد؛ وقد صدرت الطبعة الأولى من العمل عام 1852. وكان قد قسم، في هذه الطبعة من كتابه، أعمال أبي الوليد إلى عدة قوائم، تبعا للعلوم التي اهتم بها هذا الأخير. ومن ضمن هذه القوائم، قائمةٌ أولى تضم أعماله الفلسفية؛ وقائمة أخرى تضم أعماله الكلامية. وبما أننا هنا لسنا بصدد المراجعة الشاملة لهذه القوائم، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى ما يتصل منها بموضوعنا مباشرة. وكان من بين نصوص ابن رشد التي أوردها رينان ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، النصُّ الذي حمل العنوان الآتي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial” [20]
وهكذا، فقد أورد رينان اعتمادا على برنامج ابن رشد المحفوظ في الإسكوريال (رقم 884) العنوان الآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات[21] ضمن مؤلفات ابن رشد في الفلسفة. لكن رينان لم يكن يعلم في هذه الفترة أي شيء عن هذا العمل؛ أعني هل هو محفوظ أم مفقود؟ وإن كان محفوظا، فأين يوجد؟ إلى آخر الأسئلة التي يقتضيها الحديث عن أعمال الرجل. وما أظن أن رينان قد راجع الأمر أصلا؛ لأن هذه النقطة بالذات قد ظلت معلقة، كما سنأتي على ذكره.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى أصدر رينان طبعات جديدة لعمله. وهكذا، نقرأ في التنبيه Avertissement الذي صدّر به الطبعة الثانية، التي نشرت عام 1861، أن هذه الأخيرة قد أدخل عليها تعديلات وتصويبات مسّت جوانب من الكتاب، ومنها سيرة ابن رشد وأعماله. وقد حصلت هذه التعديلات والتصويبات بفضل نشر نصوص جديدة وصدور دراسات حديثة، كما يقول.[22] ويهمنا أن نذكر من هذه النصوص أول نشرة في العصر الحديث لأعمال ابن رشد بالعربية؛ وهي ذاتها الأعمال الثلاثة المذكورة أعلاه، أعني الفصل و”المسألة“ والكشف. وقد صدرت بعناية المستشرق الألماني جوزيف مرقص مُلِّر (Marcus Joseph Müller, d. 1874) عام 1859.
وبما أن الإحالة على عمل مُلِّر ستتكرر كثيرا في دراستنا هذه، فإننا نرى أنه من الأنسب تقديم منجزه بخصوص موضوعنا. لقد سبقت الإشارة إلى أن مُلِّر هو أول من أخرج نصوصا عربية لابن رشد في العصر الحديث؛ ولسنا ندري الحيثيات التي جعلته يختار هذه النصوص الثلاثة دون غيرها، لكن عمله يعد منجزا علميا كبيرا في حد ذاته. ولم يكن بيد مُلِّر عندئذ من نسخ ليقارن بينها، بل كان يتعامل مع نسخة خطية فريدة، هي نسخة الإسكوريال (632). وكنا، أيضا، قد قدمنا صورة أولية عن محتوياتها أعلاه، ويهمنا أن نضيف أن مُلِّر قد عمد إلى إدخال تغييرين هامين على النص الذي هو موضوع دراستنا: وأولهما هو إضافة مفردة ”ضميمة“ إلى عنوان ”المسألة“ الموجود في المخطوط، وثانيهما هو تعديل الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632)، لتصبح نشرته على الترتيب الآتي:
- كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال؛
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة؛
- ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ولم يقدم مُلِّر، في حدود ما اطلعنا عليه، أي تبرير للترتيب الذي استحدثه ولإقدامه على إلحاق مفردة ”ضميمة“ بالعنوان الثالث؛ هذا ولم يغير، أيضا، من ترتيبه ذاك عندما ترجم النصوص الثلاثة المؤلفة لنشرته إلى الألمانية، التي صدرت بعد وفاته.
وإذن، فبعد صدور أول نشرة لنصوص عربية لابن رشد، أصبح رينان مدعوا إلى تعديل بعض أحكامه، وكذا قائمته في ضوء هذه النشرة الحديثة، أعني نشرة 1859؛ وقد حصل ذلك فعلا.[23] غير أن القارئ يجد نفسه في الطبعة الجديدة لكتاب رينان أمام أمر غريب فعلا: فقد احتفظ الرجل بـمسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، تماما كما جاء في الطبعة الأولى من الكتاب دون أي تعديل يذكر. فأورد في الصفحة 70 من الطبعة المذكورة، كما يلي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial.” [24]
ولكن رينان عاد في الصفحة 72 عند حديثه عن الأعمال الكلامية théologiques لابن رشد، فأورد له من بين ما أورد العملين الآتيين:
“Un opuscule intitulé : Critique des diverses opinions sur l’accord de la philosophie et de la théologie […].” ويقصد به الكتاب المعروف بـفصل المقال
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[25]
والنتيجة هي أن ابن رشد قد ألف عملا في الفلسفة بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، وعملا في علم الكلام عبارة عن تلخيص، أو بالأحرى ضميمة للفصل، وهي تلك التي نشرها مرقص مُلِّر. وهكذا، فإذا كان رينان قد أدرج مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية معولا في ذلك على برنامج ابن رشد، فإنه قد أحصى، في المقابل، ما أسماه ”تلخيصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن الأعمال الكلامية لابن رشد، وأورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال، وأضاف إلى ذلك بعض المعلومات، منها أنه يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها حيث يوجد فصل المقال، ومنها أيضا أن مرقص مُلِّر قد قام بنشره. ورينان في معلوماته هذه لا يعول على برنامج ابن رشد ولا على ابن عبد الملك ولا على مخطوطة الإسكوريال (632)، وإنما يعول حصريا على عمل مُلِّر الذي كان قد صدر العام 1859.
ولنا على هذا التصنيف الذي تبناه رينان في الطبعة الثانية المعدلة المصححة من كتابه ثلاث ملاحظات مركزية:
فقد أخطأ رينان التقدير، أولا، عندما نسب لابن رشد عملين اثنين: أحدهما في الفلسفة، والآخر في علم الكلام؛ والحال أنهما نفس العمل الواحد الذي ورد في برنامج ابن رشد وفي الذيل والتكملة، وهو ذاك الذي ضُمّن في نشرة مُلِّر. والظاهر أن رينان لم يطلع على هذا العمل في نسخته الخطية ولا في نشرة مُلِّر.
وأخطأ رينان التقدير، ثانيا، عندما اعتبر عمل ابن رشد اختصارا للفصل؛ والحال أننا قد ذكرنا أعلاه أن هذا العمل مكتوب قبل الفصل، بدليل أن ابن رشد يحيل عليه داخل هذا الأخير؛ وهو ليس اختصارا له، بالنظر إلى الاختلاف في الغرض من تأليفهما. فالغرض من الفصل هو الحكم على الفلسفة من ”جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع أم محظور أم مأمور به، إما على جهة الندب أو على جهة الوجوب؛“[26] وأما الغرض من ”المسألة“ فهو حل الشك المتعلق بالعلم الإلهي، الذي عرض لمخاطبه. صحيح أن ابن رشد قد أحال على ”المسألة في العلم الإلهي“ في الفصل، لكن هذه تظل إحدى المسائل الثلاث التي عالجها باختصار في هذا الكتاب. ومن هذه الجهة، فإن صح لنا الحديث عن علاقة فكرية بين المسألة والفصل، قلنا: إن الأولى تظل مسألة من بين المسائل التي من أجلها ألف ابن رشد فصل المقال.
وأخطأ رينان التقدير، ثالثا، عندما اعتبر عمل ابن رشد ضميمة؛ والحال أن العمل مستقل، ويدخل في أدب المسائل؛ أي أنه عبارة عن جواب على سؤال وُجه إليه، وهو لا عنوان له أصلا، ولا يفترض أن يكون له عنوان إلا أنه جواب عن مسألة في موضوع ما. وكما ذكرنا أعلاه، فقد ورد فعلا في برنامج ابن رشد بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ ولكي لا يظل العمل غُفلا في المجموع المخطوط 632، فقد اجتهد ناسخ ما، اعتمادا على الإشارة الموجودة في فصل المقال، فوضع له العنوان الآتي: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ونتصور أن رينان قد راح ضحية العنوان الذي وضعه مُلِّر للقِسم من نشرته التي تضمنت أعمال ابن رشد الثلاثة المذكورة؛ بدليل أن رينان لا يتحدث في الطبعة الأولى من عمله ابن رشد والرشدية سوى عن مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات.[27] ولا وجود لعمل بعنوان الضميمة ضمن القائمة التي أوردها لأعمال ابن رشد. ومجمل القصة أن ”الضميمة“ يظل عنوانا أضافه مُلِّر في نشرته المذكورة إلى العنوان الذي يوجد بالمخطوط، وهو ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[28] ليصبح عنوان العمل في تلك النشرة هو: ”ضميمة: المسألة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[29] وبدوره، لما اطلع رينان على نشرة مُلِّر، نقل في الطبعة الثانية من كتابه عنوان مُلِّر مبتورا، عن طريق ترجمة جزء من العنوان الذي هو من وضع هذا الأخير، وهو ضميمة: بـ: appendice[30]، لا العنوان كما هو في المخطوط، وهو: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ومن هنا، فإننا نتصور أن رينان لو كان راجع الأمر على أصوله لما وقع في هذه الأخطاء، ولمَا أوقع معه فيها كثيرا من الناس، ممن يقنع إلى اليوم عند حديثه عن قوائم مؤلفات ابن رشد بالاعتماد عليه، مُسهما في استدامة غموض مجاني. وبهذا، فقد صار الناس، دون فحص، يعتقدون أن أبا الوليد قد ضمّ مقالته المذكورة إلى فصل المقال وألحقها به، حتى إن هرتويغ درنبورغ، صاحب فهرس المخطوطات العربية بالإسكوريال نفسه، والذي يفترض به أنه فحص النسخة الخطية التي وصفها في فهرسه هذا، يعتبر مقالة ابن رشد ”ملحقا“ لفصل المقال[31]supplement؛ وهذه، في نظرنا، ليست سوى ترجمة فرنسية ثانية لمفردة ”ضميمة“ التي وضعها مُلِّر، وكأن ترجمة رينان، أي appendice، لم تف بالمطلوب. وهكذا، فإن شيوع مفردة ”ضميمة“ عنوانا أو جزءًا من عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه حَالَ، جزئيا على الأقل، دون أن ينتبه الدارسون إلى أنه ليس من وضع المؤلف داخل النص ولا خارجه، ولا من وضع النساخ، ولا من وضع أصحاب التراجم والبرامج، وإنما من وضع أول ناشر حديث لثلاثة نصوص عربية لابن رشد، وهو مُلِّر.
وفي الواقع، فإننا نفهم من مفردة ”الضميمة“ التي أضافها مُلِّر غير ما فَهمه كثير من الدارسين والناشرين. فقد أراد مُلِّر أن يشير بمفردة ”الضميمة“ في عمله إلى أمر شبيه بملحق لكتابه، لذلك وضعها في آخر الكتاب،[32] أي بعد أن انتهى من تحقيق الفصل والكشف. وهكذا، فقد غيّر مُلِّر الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632) ليصبح النص الذي يأتي ثانيا في المخطوط ثالثا في نشرته، وليضيف مفردة ”ضميمة“ إلى العنوان الذي يوجد في المخطوط ليغدو كما يلي: ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
وأما في الترجمة الألمانية التي صدرت العام 1875، أي سنة واحدة بعد وفاة مُلِّر، فنجد.
Zusatz.
Die Frage, welche Ibn Roschd in der ersten Abhandlung berührt hat.[33]
وترجمته الحرفية إلى العربية:
ضميمة.
المسألة التي ذكرها ابن رشد في المقالة الأولى [=فصل المقال]
ولأجل هذا، فـ”الضميمة“ هنا ضميمةٌ لكتاب مُلِّر وليس لكتاب فصل المقال؛ وإلا فلو كان مُلِّر يقصد بـها ضميمة هذا الكتاب الأخير، لوضعها بعد الانتهاء منه مباشرة، تَأسيا بوضعها في المخطوط، ولما وضعها في آخر كتابه هو، أي بعد الانتهاء من الكشف. ومن هذه الجهة، فلا معنى لأغلب الاعتراضات التي وجهت لمسعى مُلِّر، خاصة وأنه لم يصدر من مُلِّر ما يمكن أن يُعتمد قولا في إظهار وجاهة أو خطأ ما قام به؛ دون أن يعني ذلك أن الرجل كان على صواب في هذه التسمية؛ لكننا نتصور أن النصين الأساسيين اللذين يشكلان عمود نشرته هما الفصل والكشف، وأما المسألة فقد عدّها، لقصرها، ملحقا أو ضميمة لكتابه هو.
ومع كل ذلك، فإن مُلِّر ورينان ما كانا المسؤولين الوحيدين عن شيوع هذا العنوان، وإنما الظاهر أن ليون گوتييه وجورج فضلو الحوراني قد أسهما، أيضا، في استدامة ذلك الغموض بشكل كبير؛ وهو ما سنعرضه في القسم الموالي، ولكن بعد أن نبرز وضعية ”المسألة“ كما هي في نشراتها العربية البواكر.
وهكذا، فقد أطبقت نشرات ”المسألة“ في العالم العربي، وخاصة تلك التي أُنجزت مبكرا، على اعتبارها ذيلا لفصل المقال وليس عملا قائما بذاته.[34] ولكي نظهر ذلك من المفيد أن نقف عند وضعيتها في أربع من هذه النشرات المبكرة. وأقدم نشرة اطلعنا عليها ”للمسألة“ صدرت عام 1899 بمصر، وقد وردت في كتيب يحمل العنوان التالي: فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال.[35] والملاحظ أن هذه النشرة حتى وإن عدت ”المسألة“ ذيلا للفصل، فإنها قد فصلتها إلى حد ما عنه. والدليل أنه بعد تمام الفصل،[36] انتقل صاحب النشرة إلى صفحة مستقلة ليضعنا أمام العنوان الآتي: ”ذيل فصل المقال: ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال.“[37] وهذا الفاصل هو ما غاب عن الطبعات التي جاءت بعد هذا. وفعلا، لم يمض سوى عامين على هذه النشرة المبكرة حتى تلتها نشرة أشمل، تضم إلى النصين السابقين كتاب الكشف. وهكذا، نجد ”المسألة“ في نشرة عام 1901 مدرجة ضمن ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل أحمد [كذا] ابن أحمد بن رشد الأندلسي المتوفى سنة 595 رحمه الله المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيل فصل المقال، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[38] وكما يظهر من العنوان أن كتاب فلسفة ابن رشد لا يتألف إلا من عملين، هما الفصل والكشف، أما ”المسألة“ فهي مجرد ذيل للأول منهما ومتصلة به. وكذلك الأمر بالنسبة لنشرة ثانية صادرة عام 1910، التي نقرأ في فهرسها ما يلي: ”الضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها المؤلف وهي ذيل الكتاب.“[39] وهذه أيضا لا يظهر فيها العمل إلا بوصفه ملحقا بـالفصل. وتحمل هذه النشرة كسابقتها، العنوان الآتي: ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد الأندلسي المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيله، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[40] أما في متن الكتاب، فنجد العنوان التالي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[41] ويظهر أن الناشر قد تقصّد، هو أيضا، وضعها مباشرة بعد نهاية كتاب الفصل ليظهر أن ابن رشد قد ذيّل كلامه في هذا الكتاب بقول في مسألة العلم الإلهي. أما في الطبعة التي أخرجت عام 1935، فالملاحظ أن المسألة قد اختفت تماما من عنوان الكتاب. وهكذا نقرأ في الغلاف: ”فلسفة ابن رشد: يحتوي على كتابي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة.“[42] أما في الغلاف الداخلي، فتظهر ”المسألة“ بوصفها ذيلا لـفصل المقال على غرار النشرتين السابقتين، حيث نقرأ ما يلي: ”مجموعة فيها كتابين جليلين: الأول-فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال: وذيله؛ الثاني-الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“ ومباشرة بعد انتهاء نص فصل المقال نجد العنوان الآتي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم الذي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[43]
والذي يمكن ملاحظته في هذه النشرات العربية المبكرة ”للمسألة“ هو حصول انزياح في عنوانها من ”ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال،“ كما نجده عند مُلِّر[44] إلى ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[45] وهو أمر لم نجد له ما يبرره. وفي كل الأحوال، فإن الدراسات الحديثة قد تجاهلت تماما هذه النشرات.
ثالثا: ترسيم الغموض
أسهم المستعرب الفرنسي ليون گوتييه في ترسيخ ذلك الغموض الذي كان مُلِّر الأصل فيه؛ وذلك عن طريق نهوضه بالبحث عن مسوغات لغوية-ثقافية للعنوان، تجعل من ”المسألة“ لا ضميمة لكتاب مُلِّر، وإنما ضميمة لفصل المقال أو ضميمة للمجموع كله الذي يضم فصل المقال والكشف والضميمة.
جاء كلام گوتييه، الذي نستعيده هنا بأمانة، في سياق وصف الوضعية التي توجد عليها نشرات الكتب الثلاثة المذكورة، سواء في ألمانيا أو في مصر. فَطوْرًا تُنزِل هذه النشرات الضميمةَ الموقعَ الثالث في الترتيب، وهذه هي حالتا النشرة التي أصدرها مُلِّر بميونيخ عام 1859، والنشرة التي تحمل عنوان كتاب فلسفة ابن رشد، وقد صدرت عن المطبعة العلمية بالقاهرة عام 1313هـ/1895-1896م؛ وطَورا تجعلها تحتل الموقع الثاني، وهذه حالة كل من النشرة التي صدرت بعنوان كتاب فلسفة ابن رشد، أيضا، عن المطبعة الحميدية عام 1319هـ/1901-1902م،[46] والنشرة التي صدرت عن المطبعة الجمالية 1328هـ/1910م بالعنوان نفسه؛[47] أما تلك النشرات التي تستثني الكشف، فقد ألحقت الضميمة بـالفصل. وفي نظر گوتييه، كلا التصورين يمكن الدفاع عنه، طالما أنه بوسعنا أن ننظر إلى المصنفات الثلاثة على أنها تشكل وحدة ما، بل تشكل عملا واحدا؛ وفي هذه الحالة، تكون الضميمة بما هي ملحقُ المصنف الأول، في آخر مجموع الكتاب طبعا؛ أو نعتبر كتاب الكشف كتابا مستقلا عن الفصل؛ وفي هذه الحالة، أيضا، تكون الضميمة، من حيث هي ذيلُ الفصل، تالية له.
غير أن گوتييه يعرض لمناقشة ما دأب عليه الناس من تسمية المصنف الأصغر من هذه الثلاثة ضميمة، سيما وأن ابن رشد، كما يقول، يذكر هذا المصنف الأصغر في الفصل قائلا: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا،“ مما قد يفهم أنه أُلِّف قبل الفصل، ومن ثم فهو ليس بالملحق بالمعنى الحصري للكلمة. ويضيف گوتييه مستدركا: ”لكن يجب ألا نغفل، من جهة أخرى، أن العرب يستعملون أزمنة للفعل على نحو مختلف عنا. فعندما نقول نحن [الفرنسيين] مثلا: Je viens vous consulter، يقولون هم [العرب]: je suis venu vous consulter ، فيعطون بذلك للماضي معنى المضارع. لهذا، فبدلا من أن نترجم عبارة ابن رشد: ’وقد أفردنا،‘ بـnous avons consacré قد نترجمها بـ nous consacrons؛ وهذه الصيغة هي التي تبرر الاسم الرائج الذي أعطي لهذا المصنف في العلم الإلهي. ولهذا السبب نلحقه هنا (أو قد ألحقناه، كما نقول بالعربية وحتى بالفرنسية).“[48]
مجمل القول، إن الوضع الذي كان عليه ترتيب الضميمة في نشرة مُلِّر، والذي كان في مستوى الوضع الاصطلاحي، إذ لم يكن يحمل أي تبرير، قد غدا مع گوتييه يملك تعليلا. وهكذا، فقد وجد هذا الأخير في عادات العرب في استعمال الأفعال ما جعل ابن رشد قد أراد الحاضر أو المستقبل، حتى وإن كان قد استعمل فعلا يدل بوضوح على زمن مضى وانتهى؛ كل ذلك حتى تستقيم تسميتها ضميمةً من قبل مُلِّر.
رابعا: في مراجعة الوضعية
سجّل تاريخ الاهتمام بهذه ”المسألة“ ثلاثة أو أربعة اعتراضات، في حدود اطلاعنا، على مسعى مُلِّر. الأول، هو ذاك الذي سجله الراحل جورج فضلو الحوراني عند إقدامه على إخراج نشرة جديدة لـفصل المقال و”للمسألة“ ولمقاطع من الكشف العام 1959 وترجمة إنجليزية عام 1961؛ أما الاعتراض الثاني، فقد سجله الراحل محسن مهدي (ت. 2007) ثلاث سنوات بعد عمل الحوراني الأخير؛[49] وأما الاعتراض الثالث، فهو الذي صدر العام 1986 عن الراحل جمال الدين العلوي (ت. 1992) في كتابه المتن الرشدي: مدخل لقراءة جديدة؛ وأما الاعتراض الرابع، فهو في الحقيقة استعادة لاعتراض مهدي، وقد صدر عن تشارلس بتروورث عند إصداره نشرة جديدة/قديمة للفصل وللمسألة مصحوبة بترجمة إلى الإنجليزية.[50] وباستثناء هذا الأخير الذي سنكتفي بالإشارة إليه، فإننا سنورد بقية الاعتراضات ملحقة بملاحظاتنا.
لم يكن مُلِّر في نظر جورج فضلو الحوراني يملك أي ”مسوغ جيد“ ليضع الضميمة ”في نشرته بعد الكشف؛“ سيما وأنها بلورةٌ لنقطة أثيرت في الكتاب الأخير.[51] ولهذا السبب، عمد الحوراني إلى وضعها في نشرته بعد أن انتهى من فصل المقال، معتبرًا إياها ملحقًا أو ضميمةً له (كما ينص على ذلك العنوان الإنجليزي لنشرته: Kitāb Fasl al-Maqāl with its Appendix (Damīma))، مبقيًا، بذلك، على عنوان مُلِّر ومكتفيًا بوضعه بين معقوفين، هكذا: [ضميمة]. وإذن، فالذي يعترض عليه الحوراني في مسعى مُلِّر ليس هو استحداث عنوان لا أصل له في المخطوط، كما يقول هو نفسه، وإنما هو ترتيبها بعد الكشف. ولتصويب ذلك المسعى، يكفي في نظره إدخال تعديل على ذلك الترتيب لتصبح ”المسألة“ بعد الفصل؛ وهذا هو وضعها الأنسب، في تقديره، بوصفها ضميمة تبلور ما كان ابن رشد قد عالجه في الفصل.
هذا هو، بالجملة، تصور الحوراني؛ وقد ظل على هذا المذهب في ترجمته الإنجليزية للنشرة العربية؛[52] حيث تمسك بموقفه الأول بأن المسألة إنما هي فعلا ضميمة لفصل المقال، وأن ابن رشد قد كتبها بعد تأليف هذا الأخير، ويحيل عليها فيه أيضا، وأنها تتوسع في جواب قُدِّم هناك. أما حديثه الصريح عنها باستعمال فعلٍ ماضٍ (أفردنا)، فلا يعني بالضرورة الزمن الماضي. وعندما ننظر في حجة الحوراني نجده يعتمد مذهب گوتييه في المسألة، وقد ذكرناه، فيسوقه من أجل تسويغ أمر واحد، لا صلة له بابن رشد، هو استعمال مُلِّر مفردة الضميمة، وإظهار صواب هذا الاستعمال. ومع أن ما قصده مُلِّر من وضع عنوان الضميمة لا علاقة له بمحتواها كما سيظهر عند عودتنا إلى المسألة، فإنها حجة خاطئة، وفيها غير قليل من الليّ لعنق عبارة ابن رشد، لأن هذا الأخير يستعمل فعل ”أفرد“ في الفصل بصيغة تفيد الماضي قطعا، أعني أن السؤال والجواب معا قد حصلا في الماضي، بالقياس إلى الزمن الذي كان فيه المتكلم (الكاتب) عندما كان يؤلف الفصل، وكان بصدد استعادة أطراف من ذلك السؤال الذي حركه والجواب الذي أفرد له ذلك القول في ”المسألة.“[53]
وبالجملة، فإن ”المسألة“ ليست ”بلورة“ للمسألة الثانية من المسائل التي يثيرها ابن رشد في الفصل، أي ”بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات تعالى عن ذلك،“[54] والتي هي واحدة من المسائل التي من أجلها كفّر أبو حامد الغزالي (ت. 505هـ/1111م) الفلاسفة في كتابه المعروف تهافت الفلاسفة، وإنما الأحرى بنا أن نقول العكس، لأنها، باختصار، قد كُتبت زمنا ما قبل تأليف فصل المقال؛ ولذلك حصلت استعادتها من قبله عند تعرضه في هذا الكتاب للمسألة الثانية المتعلقة بعلم الله بالجزئيات.
وبعد سنوات قليلة من انتشار ملاحظات الحوراني، أصدر الراحل محسن مهدي مقالا بعنوان ”الشريعة الإلهية والحكمة الإنسانية عند ابن رشد“ “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” . ومن بين ما تعرض له في هذا المقال المسألة التي نحن بصددها. وإذا كان الحوراني قد اعترض على ترتيب الضميمة بعد الكشف في نشرة مُلِّر، ودافع، في المقابل، على ترتيبها بعد الفصل، كما دافع عن اسم ”الضميمة“ عنوانا ”للمسألة،“وهو ما تبناه في نشرته وترجمته، فإن مهدي قد اعترض بجهة ما على الأمرين معا، لكن دونما أدنى إشارة إلى مذهب الحوراني في المسألة؛ كما اعترض على الترتيب الذي يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها.
وهكذا، يلاحظ مهدي أن مُلِّر قد ”وجد الأعمال الثلاثة في مخطوطة فريدة من دون عنوان مشترك؛“ فأعطاها هذا العنوان: ثلاث رسائل للشيخ الأجل العلامة أبي الوليد محمد بن رشد، ورتبها فجعل الفصل أولا، ثم تلاه بالكشف؛ وأخيرا ما أسماه الناشر ضميمة— وهو مصنف صغير يعالج العلم الإلهي. وتقع هذه الضميمة في النسخة الخطية الوحيدة بين فصل المقال والكشف. وقد عرفها الناسخ بما يلي: ”المسألة التي ذكرها القاضي أبو الوليد ابن رشد في فصل المقال.“ مع أنه ليس بعنوانها الرسمي، وهو ليس جزءا من العمل، كما كُتب أو أهدي من قبل ابن رشد، وإنما هو تفسير من قبل الناسخ للداعي الذي حمله على ترتيب العمل بعد الفصل؛ وقد أوردنا هذا أعلاه.
ويلاحظ مهدي أن مُلِّر لم يقدم أي تبرير لإقدامه على نقل المصنف الصغير من موضعه الذي يحتله في النسخة الخطية إلى موضعه الجديد تاليا للكشف؛ لكن يسهل معرفة السبب، حسب مهدي. فقبل نهاية فصل المقال، يستبق ابن رشد الحديث عن الكشف، آملا أن يتسع له وقته لكتابته. وفي المقابل، يفتتح كتاب الكشف بقول يصله لا بـالضميمة، وإنما بـالفصل. أما في النسخة الخطية، فالملاحظ أن الضميمة تقطع ذلك الاتصال الموجود بين الفصل والكشف. وحسب مهدي دائما، فقد ذهب أغلب الناشرين اللاحقين والمترجمين والشراح مذهبا مختلفا عما ذهب إليه مُلِّر من دون تقديم تعليل مقنع لوجوب وضع الضميمة بعد الكشف. وحسب مهدي، صحيح أن الضميمة قصيرة عموما، وأنها مذكورة في الفصل، لكن للسبب ذاته يجب أن يوضع الفصل بعد الكشف، إذ كان هو أيضا مذكور فيه؛ لذلك فالترتيبان، ترتيبا الناسخ والناشر، يظلان اعتباطيين. إذ لا واحد منهما يدلنا على ما يريد ابن رشد تبليغه. ولذلك، يدعونا مهدي إلى ضرورة العودة إلى أقوال ابن رشد في صلب أعماله لنرى ما إن كانت تؤكد ترتيبا من الترتيبين أو أنها تقترح ترتيبا جديدا.
وباختصار شديد، إن الضميمة والفصل والكشف تشكل ثلاثيةtrilogy في تقدير مهدي. تتألف هذه الثلاثية من كتاب، هو الكشف، ويتقدمه قولان أحدهما أقصر من الثاني، وهما فصل المقال أولا، وثانيا الضميمة. وابن رشد نفسه يشير إلى تسلسل هذه الأعمال الثلاثة بالقول في الفصل بأنه قد سبق أن ألف الضميمة، وبالقول في الكشف بأنه قد سبق أن ألف الفصل. وبالنظر إلى ما تعالجه هذه المصنفات من موضوعات، فإن ابن رشد قد قصد بها أن تُقرأ هكذا: الضميمة أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وفي نظر مهدي، إذا لم يكن ابن رشد قد أعطى لهذا الأخير للضميمة، فإن ذلك ليس سهوا منه، وإنما لأنه لا يفترض به أن يحمل أي عنوان: إنه epistle dedicatory.[55]
مجمل القول، إنه إذا كان الحوراني أول من راجع الترتيب الذي اعتمده مُلِّر في نشرته، فإن محسن مهدي قد شكك في ذلك، أيضا، فضلا عن مراجعته للترتيب الموجود في النسخة الخطية. أكثر من ذلك، امتد نقد مهدي ليشمل محاولة ليون گوتييه، المذكورة أعلاه، تسويغَ الترتيب الذي قام به مرقص مُلِّر بالاعتماد على تلك الاعتبارات اللغوية الخاصة بالعربية، وقد أشرنا إليها. وفي نظر محسن مهدي، لم تكن محاولة گوتييه أكثر من إساءة قراءة لقول ابن رشد من أجل تبرير عنوان ابتدعه ناشر حديث.[56]
لكن الذي نلاحظه على اعتراض مهدي على وجاهة جوانب كبيرة منه، بل الذي نستغربه في اعتراضه هو أنه في الوقت الذي يعمد لمراجعة شاملة للمسألة يغفل تماما، بل يتجاهل الدعوى التي ادعاها الحوراني، وهي في جانب كبير منها تستعيد دعوى گوتييه، بل هي مؤسسة عليها؛ لذلك، فإن إبطال هذه الدعوى معناه فقدان الأساس الذي بنيت عليه تلك. ويجب أن نضيف هنا أن تشارلس بتروورث الذي استعاد دعوى مهدي قد تجاهل، أيضا، دعوى الحوراني، مع أنه قد لمح إليها تلميحا.[57]
ويجدر بنا أن نقف عند مراجعة ثالثة لدعوى مُلِّر نجدها عند الراحل جمال الدين العلوي، في عمله الشهير المتن الرشدي، مفادها ما يلي: ”مقالة في العلم الإلهي (الضميمة) 574/1178؟ وهذه هي المقالة التي اشتهرت باسم الضميمة، أو ضميمة العلم الإلهي، أعني أنها ضميمة للفصل أي فصل المقال. والحق أنها ليست كذلك، لأنها سابقة زمنا على تأليف الفصل، كما هو معروف، وكما يشير إلى ذلك عنوانها الذي يقول: ’المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال‘.“[58] والعلوي هنا لا يذكر أحدا ممن مال إلى استعمال كل من الأسماء السابقة؛ لذلك يمكننا أن نفترض أنه يراجع أقوال گوتييه والحوراني ومحسن مهدي، كما يمكن أن نفترض أنه يقصد بالأساس النشرات العربية المذكورة آنفا، والتي تعتبر ”المسألة“ ذيلا لفصل المقال؛ ولو أنه لا شيء في مصادره يفيدنا بذلك. ثم إنه إذا كان العلوي يعني بحديثه عن ”عنوانها“ ما يفهمه المهتمون بالتحقيق من مفردة ”العنوان“، وهو ذاك الذي يكون من وضع المؤلف نفسه قبل الشروع في تحرير نصه، أو يكون منصوصا عليه داخله، فإن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك؛ لأن هذا العنوان ليس من وضع ابن رشد، ولا شيء فيها يدل على وجود عنوان لها، بل هو من اقتراح الناسخ أو الشخص الذي رتب النصوص الثلاثة التي ترد في نسخة الإسكوريال، ولكي لا يتركها بدون عنوان، وكان هو على معرفة بمضامين الفصل ويعرف أن ابن رشد قد ذكرها فيها. ولذلك، فهذا العنوان، أي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال“ لم يُعط لها من قبل مؤلفها، ولا يفترض به أن يفعل، ولا هو ورد في ديباجتها، وإنما أعطي لها، لاحقا، بناءً على ورود ذكر لها في نصٍّ كُتب بعدها، وهو الفصل.
وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات فقد واصل هذا العنوان، أعني ”الضميمة،“ شهرته وامتد تداوله من قبل النظار، مع أنه لا أصل له عند ابن رشد، ولا مُلِّر نفسُه قصدَ بوضعه ما اشتهر بسببه.
خامسا: إعادة إنتاج الغموض واستدامته
الواقع أن الغموض بخصوص ”المسألة“ قد تواصل على الرغم من كل ما سجل من ملاحظات نقدية من قبل الحوراني ومهدي والعلوي وبتروورث. مثال ذلك أن آخر نشرة ”للمسألة“ في اللغات الأوربية لم تعر أدنى اهتمام لتاريخ مشكل العنوان، حيث يجد المرء في عمل ماسيمو كامپنيني (Massimo Campanini, 2020) ثلاثة عناوين في موضع واحد: اثنان بالإنجليزية ويتوسطهما واحد بالعربية، ولكن بحروف لاتينية. وهكذا، يجد المرء: Appendix on The Divine Science ثم Damīma؛ ثم بعد ذلك العنوان الأخير، وهو ترجمة محرفة قليلا للعنوان الموجود في المخطوط: On the Problem Already Mentioned by The Šayh Abū’l Walīd in the “Decisive Treatise.”[59]
ويبدو لنا أن كامپنيني قد اكتفى بترجمة مقترح محمد عابد الجابري (ت. 2010) الذي كان قد جمع في نشرته الخام للمسألة بين عنوانين أو ثلاثة؛ حيث يجد المرء قبل النص ما يلي: ضميمة في العلم الإلهي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[60] هذا دون أن يزود الجابري القارئَ بأي تفسير أو توضيح.[61] وبدوره، فإن محمد عمارة، يتحدث في تقديم نشرته عن ضميمة العلم الإلهي.[62] لكن الجدير بالذكر هو التزام هذا الأخير بما هو موجود في المخطوط وإبقاؤه عليه كما هو، فجاء العنوان في نشرته كما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[63]
والغريب، أيضا، أننا نجد تشارلس بتروورث، وهو ممن تبنى ملاحظات محسن مهدي واستعادها، يسقط في الغموض ذاته الذي تحدثنا عنه. وهكذا، فبَعدما اعتبر مهدي أن هذه المسألة لا يُفترض بها أن تحمل عنوانا، لأنها رسالة Epistle Dedicatory موجهة إلى شخصية موحدية وازنة لم يفصح عنها ابن رشد، كما ذكرنا أول الأمر، ذهب بتروورث أبعد من أستاذه، ليُحوِّل هذا التفسير إلى عنوان لعمل ابن رشد، ويستحدثَ تسميةً جديدةً هي ”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة.“[64] والواقع أن هذا العنوان، أعني ”رسالة الإهداء،“ تعريب فاسد للوصف Epistle Dedicatory الذي جاء في التفسير الذي قدمه مهدي للسبب الذي جعل ابن رشد لا يطلق عنوانا على رسالته. وفي تقديرنا، إذا كان مفاد العبارة الإنجليزية الأخيرة ينطبق عموما على ”المسألة“ التي بين أيدينا شكلا وأسلوبا، فإن العنوان بالعربية، أي ”رسالة الإهداء“ لا يفيد شيئا ذا معنى. إضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من مصادقته الصريحة على رأي أستاذه محسن مهدي بأن المسألة يجب أن تتقدم الفصل، وأن هذا هو مقصود ابن رشد، فإن أغرب ما في الأمر أن بتروورث عندما أعاد نشر الفصل والضميمة وترجمتيهما لم يخرج عن التقليد الذي سارت عليه النشرات التي انتقدها مهدي، وهو وضع المسألة بعد الانتهاء من الفصل.
ومثال آخر للغموض بخصوص ”المسألة“ في الدراسات الحديثة كتاب خالد زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية: ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية؛ وهو من أحدث ما صدر بخصوص قوائم أعمال ابن رشد، ولو أن هذا لم يكن القصد الأول ولا الثاني من الكتاب.
ففي معرض البحث عما يُسوغ إدراج كتبٍ لابن رشد ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، أورد زهري ثلاثة ”أمور“ لدعم مذهبه: أولها أن ابن رشد ”نشأ، شأنه شأن أبيه وجده، أشعري العقيدة“[65] وأنه لم يكن ”أشعريا عن تقليد، بل أشعريا عالما بأصول هذا المذهب،“[66] و”ثانيها، أنه لم يكن عن معزل عن المشاركة في علم الكلام، حيث إنه تعاطى تدريسه […]. [و]ثالثها: أنه ألف كتبا من صميم [كذا] علم الكلام، وقد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفات في هذا العلم […].“[67]
وفي هذا السياق، يورد زهري قائمة لأعمال ابن رشد التي يعتبرها ”من صميم علم الكلام،“ والتي تدخل ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية. وهكذا، فقد أحصى منها:
- ”فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال […] يصنف ضمن مؤلفات ابن رشد الفلسفية، بيد أننا لا نرى مانعا من إدراجه ضمن كتب علم الكلام أيضا.“[68]
- ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو ملر.“[69]
- ”مسألة في أن الله تعالى يعلم الجزئيات […] اعتبرها رينان من مؤلفات ابن رشد الفلسفية، وقد أدرجناها أيضا ضمن كتب علم الكلام، لأن موضوعها، وهو العلم الإلهي، مما انشغل به المتكلمون أيضا.“[70] ولا يهم زهري هل كان ابن رشد أشعريا أم لا في جوابه بخصوص مسألة العلم الإلهي.
لنا على كلام زهري ملاحظات كثيرة. وقد أدلينا ببعضها في موضع آخر.[71] أما هنا، فنكتفي بإيراد واستعادة ملاحظة أو اثنتين مما له تعلق مباشر بموضوعنا.
- أول ما يمكن أن يسجل على قائمة زهري، التي أوردنا منها هذه العناوين، هو أنه لم يرجع فيها إلى نسخها المخطوطة، ولا إلى قراءة نصوصها، وإنما اكتفى بما سجله بخصوصها إرنست رينان ومحمد عمارة. ولذلك، فالدليل عند زهري على أن ابن رشد قد ألف كتبا ”من صميم علم الكلام،“ هو أنه ”قد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفاتٍ في هذا العلم [=علم الكلام].“[72] وفي الواقع، فإن هؤلاء المتخصصين في ابن رشد ليسوا بالكثرة التي توحي بها عبارة زهري، لأن هذا الأخير لم يعول، في هذا الموضع بالذات، سوى على كتاب المؤرخ والفيلولوجي الفرنسي إرنست رينان.[73] وهكذا، فقد فضل زهري أن يدير ظهره لكل التراكم المعرفي الذي سجله تاريخ الدراسات الرشدية، فهرسةً وتحقيقا وتحليلا، ليعود بنا إلى عمل ألف في منتصف القرن التاسع عشر، وليستعيد أخطاءه، فضلا عما سقط فيه هو من أخطاء، كان يمكن تفاديها لو عاد إلى ما هو رائج بين النظار من دراسات عن سيرة أبي الوليد ابن رشد وأعماله.
- يورد زهري عملا لابن رشد في علم الكلام بعنوان تلخيص فصل المقال، يقول عنه: ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق (أي لكتاب الفصل)، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو مُلِّر أيضا.“[74] ويحيل، كعادته، على كتاب رينان في صيغته الأصلية (ص. 72) وفي ترجمته العربية (ص. 87).[75] والغريب أن زهري لم يعر أي أهمية للنص الفرنسي لابن رشد والرشدية الذي يرجح أن يكون النص ضميمةً للفصل بدل أن يكون تلخيصا له. وقد أوردنا عبارة النص الفرنسي مرتين سابقًا، ونعيدها هنا مرة ثالثة:
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[76]
والترجمة العربية، على علاتها، تقول: ”تلخيص للكتاب السابق أو ذيل له يشتمل عليه عين مخطوط الأسكوريال، وقد نُشر من قبل مسيو ملر أيضا.“[77] أما زهري فقد قرر حذف عبارة ”أو ذيل له،“ ليغدو ما ألفه ابن رشد إنما هو تلخيص لفصل المقال وليس شيئا آخر. ولكن، بما أن رينان كان قد اطلع على نشرة مُلِّر دون أن يمد نظره إلى المخطوط، مخطوط الإسكوريال (632)، فإنه قد نقل لنا ذلك العنوان الذي وضعه مُلّر مبتورا، كما سبق أن بينا، وجاء زهري ليجعل من ”المسألة“ في العلم الإلهي تلخيصا لفصل المقال؛ والحال أن عملا بهذا العنوان لا وجود له.
- يتحدث زهري في القائمة أعلاه عن عملين لابن رشد ليطلق على الأول تلخيص فصل المقال، ويطلق على الثاني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ والحال أنهما عمل واحد؛ وزهري في هذا يستعيد خطأً آخر ارتكبه رينان. فقد أدرج هذا الأخير ما أسماه ”ملخصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن قائمة الأعمال الكلامية لابن رشد، وقد أورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال. وفي مقابل هذا، كان قد أورد ضمن قائمة ما اعتبره أعمالا فلسفية لابن رشد عملا بعنوان:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières” [78]
وهذه المقالة التي تعالج مسألة ما إن كان الله يعلم الجزئيات ليست سوى العمل السابق الذي اعتبره رينان ضميمة للفصل، وتعالج السؤال ذاته. أما زهري، فيقرر أن يتبع رينان؛ فيورد عملين اثنين لابن رشد بعنوانين مختلفين، بينما هما ذات العمل الواحد؛ وأغرب ما في الأمر أن زهري يدرك من طريق إفادة رينان، أولا، أن تلخيص [أو ضميمة] فصل المقال منشور من قِبل مرقص مُلِّر، وهذا لم ينشر غير الكشف والفصل وتلخيصه أو ضميمته. كما يدرك من طريق محمد عمارة، ثانيا، أن مسألة أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ”منشورة في آخر فصل المقال بعنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[79] فالأمر، كما ترى، يتعلق بنص واحد، وليس بنصين ولا بتلخيص للفصل. فقد كُتِب لوهم رينان عام 1861 أن يعاد إنتاجه عام 2017.
- يقول زهري متحدثا عن ”المسألة“: ”أشار المحقق [=محمد عمارة] في الهامش إلى أن إحدى النسخ [كذا] التي اعتمد عليها في التحقيق؛ وهي النسخة التي رمز إليها بالحرف م، ورد فيها العنوان هكذا: ضميمة لمسألة العلم القديم[80] التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[81] وهنا يجب أن نسجل أن محمد عمارة قد أشار إلى نشرتين وليس إلى نسخة واحدة، كما ورد في كلام زهري؛ وهما ما رمز إليهما الأولُ، أي عمارة، في الهامش المذكور بـ”م“ و”ص“؛ ويقصد بهما على التوالي: ”طبعة موللر (مخطوط الأسكوريال)“[82] و”طبعة المكتبة المحمودية التجارية بالقاهرة.“[83] ولو أن زهري تجشم بعض العناء فعاد، أولا، إلى مخطوط الإسكوريال، لوجد ما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“[84] ولو أنه عاد، ثانيا، إلى طبعة مُلِّر، لوجد ما يلي: ”الضميمة: [عودة إلى السطر] المسئلة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“ وقد وقفنا عند كل هذا أعلاه. فلو أن زهري راجع الأمر على أصوله لوقف على أن ما نسبه عمارة إلى مُلِّر وإلى مخطوط الإسكوريال باطل، وأن ما يدعيه لا يصدق إلا على الطبعة الثانية، أعني طبعة المكتبة المحمودية التجارية ”ص“؛ وقد ذكرنا هذا في ما مضى. هذا مع أن العنوان الذي نجده في نشرة عمارة هو الآتي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[85] وعمارة في هذا كان، كما هو واضح، أمينا في نقله ما يوجد في مخطوط الإسكوريال.
خاتمة
كان غرضنا في هذه الدراسة أن نقف عند ”الهويات“ التي راكمها، عبر التاريخ، هذا العملُ القصيرُ الذي خلفه ابن رشد في العلم الإلهي، والذي عادة ما يذيل به الناشرون طبعات الكشف وفصل المقال. وهكذا، فقد انطلقنا من رصد الوضعية الحالية للنص في النسخة الخطية الفريدة التي لدينا اليوم لهذا العمل، لنراجع طرق تعامل المفهرسين والمترجمين القدامى والدارسين المحدثين معه. وقد وقفنا على أشكال الغموض التي لفت عنوان هذا النص وموقعه بالقياس إلى فصل المقال بالذات. والذي يمكن أن نستخلصه من كل هذا هو أن طمسا كبيرا قد مسّ هوية هذا العمل وأثر على إدراك أهميته. والظاهر أن قصره قد شجع على ذلك. هذا، على الرغم من أن النص—في تقديرنا، وكما حاولنا أن نظهره—يملك هوية مستقلة بالقياس إلى فصل المقال، فهو متقدم عليه زمانيا؛ بل إنه ربما يكون القول الوحيد الذي أفرده ابن رشد للنظر في العلم الإلهي؛ وبالنظر إلى أنه قد كتبه في وقت مبكر بالقياس إلى فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة وتهافت التهافت وتفسير ما بعد الطبيعة، فإنه قد استعاده بأشكال مختلفة في هذه النصوص. وعليه، فلا معنى في تقديرنا لمواصلة تجاهل هذه المعطيات والإصرار على اعتبار النص ضميمة للفصل، أو اختصارا له، أو أنه قد كتب بعده. لذلك، فإن اقتضى الأمر أن نضع لهذا النص عنوانا، فالأقرب إلى هويته هو العنوان الموجود في البرنامج، أعني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ هذا مع أننا نميل إلى أن ابن رشد قد ترك النص بلا عنوان، لأنه كان رسالة جوابية على سؤال طرحه عليه صاحبه.
Bibliography
Averroes. The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Averroes. The Decisive Treatise: The Connection Between Islamic Religious Law and Philosophy. Edited with an Introduction by Massimo Campanini. Piscataway: Gorgias Press, 2017.
Ben Ahmed, Fouad. “Fī murājaʿat ʿalāqat Ibn Rushd bi al-Madhhab al-ashʿarī wa bi al-daʿwah al-muwaḥḥidiyyah.” In al-Multaqā al-waṭaniy li al-fikr al-ashʿarī bi al-Andalus: Tarīkh wa Ishkālat. Edited by ʿAllāl Jamāl al-Bakhtī, 493–510. Rabat-Tetuan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2020.
Butterworth, Charles. “Translator’s Introduction.” The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Derenbourg, Hartwig. Les Manuscrits arabes de l’Escurial. Volume I. Paris: Ernest Leroux, 1884.
Gauthier, Léon. “Introduction.” in Ibn Rochd (Averroès), Traité décisif (Façl el-maqâl) sur l’accord de la religion et de la philosophie, suivi de l’Appendice (dhamîma). Texte arabe, traduction française, remaniée avec notes et introduction par Léon Gauthier, 3ème édition. Alger: Editions Carbonel, 1948.
Griffel, Frank. “[Appendix Zur] Frage, Die Der Meister Ibn Rushd In Seiner Massgeblichen Abhandlung Angesprochen Hat.” in Ibn Rushd, Maßgebliche Abhandlung – Fasl al-maqal, Aus dem Arabischen übersetzt und herausgegeben von Frank Griffel. Berlin: Verlag Der Weltreligionen, 2010.
Hourani, George F. “Introduction.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla. Edited by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Hourani, George F. “Introduction.” In Kitāb Faṣl al-maqāl wa-taqrīr mā bayna al-sharīʿa wa al-ḥikma min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
Hourani, George F. “Notes to the Translation.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Ibn Rushd, Abū al-ʿAbbās Yaḥyā. Bārnāmaj al-faqīh al-qādī al-Imām Abī al-Walīd Ibn Rushd radhiya al-Lāh ʿanh. Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 884.
Ibn Rushd, Muḥammad b. Aḥmad. al-Jawāmiʿ Fī al-Falsafah: kitāb al-Samāʿ al-ṭabīʿī. Edited by Josep Puig. Madrid: al-Maʿhad al-ʿarabī li al-thaqāfah-al-Majlis al-aʿlá li al-Buḥūth al-ʿislamiyah, 1983.
____ . al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah. Edited by Muṣtafā ḥanafī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdat al-ʿarabiyah, 1998.
____ . Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-Asrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-ḥikmah wa al-sharīʿah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿImārah. 3d edition. Cairo: Dār al-mʿārif, 1983.
____ . Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 632.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa yalīh dhayl Faṣl al-maqāl. Cairo: Maṭbaʿat al-Ādāb wa al-Muʾayyid, 1317/1899.
____ . [Ḍamīma] al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh abū al-walīd fī Faṣl al-maqāl. In Ibn Rushd, Kitāb Faṣl al-maqāl wa taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
____ . Ḍamīma fī al-ʿilm al-ilāhī: al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh Abū al-Walīd fī Faṣl al-maqāl raḍiya al-Lāh ʿanh. In Ibn Rushd,Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-ʿAsrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Aḥmad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mutawaffā sanat 595 raḥimah al-Lāh al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhayl Faṣl al-maqāl, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. Edited by al-Shaykh Maḥmūd al-Bayṭār al-Ḥalabī al-Kutbī. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Ḥamīdiyya, 1319/1901.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Muḥammad b. Aḥmad b. Muḥammad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhaylih, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. al-ṭabʿa al-thāniyya ʿalā nafaqat Aḥmad Nājī al-Jamālī and Muaḥammad Amīn al-Khānjī wa akhīh. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Jamāliyya, 1328/1910.
al-ʿAlawī, Jamāl al-Dīn. al-Matn al-Rushdī: madkhal li qirāʾah jadīdah. Casablanca: Dār Tūbqāl, 1986.
Ibn Sharīfa, Muḥammad. Ibn Rushd al-ḥafīd: Sīrah wathāʾiqiyya. Casablanca: Maṭbaʿat al-Najāḥ al-Jadīda, 1999.
Ibn Taymiyya, Taqiy al-Dīn. Darʾ taʿāruḍ al-ʿaql wa al-naql, aw Muwāfaqat ṣaḥīḥ al-manqūl li-ṣarīḥ al-maʿqūl. Edited by Muḥammad Rashād Sālim. Volume 9. Beirut: Dār al-Kunūz al-Adabiyya, 1399/1979.
Mahdi, Muhsin. “Averroes on Divine Law and Human Wisdom.” In Ancients and Moderns: Essays on the Tradition of Political Philosophy in Honor of Leo Strauss. Edited by Joseph Cropsey, 114–131. New York: Basic Books, 1964.
Müller, Marcus Josef. Philosophie und Theologie von Averroes. Aus dem arabischen uebersetzt von Marcus Josef Müller. München: Franz, 1875.
____ . Philosophie und Theologie von Averroes. Herausgegeben von Marcus Josef Müller (München: Franz, 1859).
al-Murrākushī, Ibn ʿAbd al-Malik. al-Dhayl wa al-Takmila li kitābay al-Mawṣūl wa al-Ṣilah. Al-mujallad al-rābi (al-sifr al-sādis). Edited by Iḥsān ʿAbbās Muḥammad Ben Sharīfa and Bashār ʿAwwād. Tunis: Dār al-Gharb al-Islāmī, 2012.
Musāʿd, Muḥammad. al-Mustadrak ʿalā al-Matn al-Rushdī. Meknes: Manshūrāt al-Madrasa al-ʿulyā li al-Asātidha, 2017.
Renan, Ernest Averroès et l’averroïsme. Essai historique. 4ème édition revue et augmentée. Paris : Calmann Lévy Frères, 1882.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme, Essai historique. 2ème édition revue et augmentée. Paris : Michel Lévy Frères, 1861.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme. Essai historique. Paris: Auguste Durant, 1852.
Renan, Ernest. Ibn Rushd wa al-rushdiyya. Translated into Arabic by ʿĀdil Zuʿaytar. Cairo: Dār Iḥyāʾ al-kutub al-ʿarabiyya-ʿĪsā al-bābī al-ḥalabī wa shurakāh, 1957.
Zahrī, Khālid. al-Maṣādir al-maghribiyya li- al-ʿaqīda al-ashʿariyya: bibliyūghrāfyā wa dirāsah bibliyūmitriyyah. Volume 1. Rabat-Tetouan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2017.
تقديم
لم يعرف عمل للفيلسوف ابن رشد (ت. 595هـ/1198م) تضاربا في هويته كما عرفه هذا العمل الصغير الذي عادة ما نُشر ملحقا بـكتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال. ففي قائمة أعمال ابن رشد التي أوردها ابن عبد الملك المراكشي الأنصاري (ت. 703هـ/1303م) في الذيل والتكملة،[1] يَنسب إلى الفيلسوف الأندلسي عملا يحمل عنوان: مقالة في أن الله يعلم الجزئيات؛ وهو عنوان غامض، بل مُغلّط؛ لأنه يقرر أن ابن رشد يقول بعلم الله بالجزئيات بإطلاق. وفي المقابل، يرد في برنامج ابن رشد[2] عمل بهذا العنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛[3] وهذا العنوان أقرب إلى مضمون العمل؛ لأنه على الأقل يعكس طابعه المسألي والشكوكي؛ وهو ما يغيب عن عنوان ابن عبد الملك أعلاه. لكننا في النسخة الخطية للعمل الذي نتحدث عنه، نجد عنوانا مختلفا، أو لنقل ما يُشبه العنوان، وهو المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛ وهذا ليس عنوانا بالحقيقة بقدر ما هو إخبار بأن النص الذي أمامنا في المخطوط هو نفسه الذي كان ابن رشد قد ذكره في فصل المقال. أما في العصر الحديث، فقد وصل التضارب في العناوين التي أعطيت لعمل ابن رشد مداه. فعلى سبيل المثال، وكما سنظهر بتفصيل أدناه، نجد هذا العمل يحمل عنوان ”ضميمة“ عند مرقص جوزيف مُلِّر (Marcus Joseph Muller, d. 1874) وجورج فضلو حوراني (George Fadlo Hourani, d. 1984) وآخرين؛ وsupplement عند إرنست رينان (Ernest Renan, d. 1892)؛ وZusatz في ترجمة مُلِّر، و appendice عند هرتفيغ درنبورغ (Hartwig Derenbourg, d. 1908)، وضميمة فصل المقال عند ليون گوتييه (Léon Gautier, d. 1949)، و”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة“ عند تشارلس بتروورث (Charles Butterworth). أما في النشرات العربية المبكرة، فقد زاوج هذا العمل بين حمل اسم الذيل وضميمة لمسألة العلم القديم. ولعل هذه العناوين، على تضاربها، قد حكمت على هذا العمل، بالإضافة إلى حجمه، بأن يُنشر دائما ملحقا بـفصل المقال.
وفي المقابل، يبدو لنا أن ابن رشد نفسه لم يعط أي عنوان لقوله هذا في العلم الإلهي؛ والسبب ببساطة أنه كان عبارة عن رسالة جوابية؛ ذلك أنه قد كتبه تفاعلا مع نقاش له مع أحد أصحابه ممن كان يحتل موقعا بارزا في الدولة الموحدية، أو لنقل كتبه رسالةً جوابيةً عن سؤال وجهه إليه هذا ”الصاحب“ بخصوص معرفة الله تعالى؛ أعني هل يعلم الكليات فقط أم أنه يعلم الجزئيات أيضا؟ وهذا ما يظهر من نص كلام ابن رشد في فصل المقال: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا.“[4] وهو الذي وجه إليه الخطاب في مطلع ”المسألة،“ حيث قال: ”أدام الله عزتَكم وأبقى بركَتكم وحجبَ عيونَ النوائب عنكم لما فُقتم بجودة ذهنكم وكريم طبعكم كثيرا ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في علم القديم سبحانه، مع كونه متعلقا بالأشياء المحدَثَة عنه، وجب علينا، لمكان الحق ولمكان إزالة هذه الشبهة عنكم، أن نحل هذا الشك.“[5] والملاحظ، هنا، أن ابن رشد لم يصرح باسم مخاطبه، لكن الدّارسين فهموا من الإشارات الواردة في هذا القول أن الأمر يتعلق بشخص الخليفة نفسه، أعني أبا يعقوب يوسف المنصور الموحدي (حكم بين 558-580هـ/1163-1184م).[6] وفي كل الأحوال، لا يملك المرء سوى أن يخمن أن صاحبه هذا قد كان ذا موقع مكين في الدولة؛ لكن الأهم من هذا هو أننا نستفيد من بعض إشارات ابن رشد أن هذه ”المسألة“ أو الرسالة ليست سوى استئناف لنقاش دار بينهما من قبل.[7]
وعليه، فإذا كان ابن رشد ربما مسؤولا عن هذا الغموض الذي يلف الجانب المتعلق بمخاطبه بـ”المسألة،“ فإن أشكال الغموض الأخرى قد عرضت لها عبر تاريخها؛ ويبدو أن النساخ والناشرين المحدثين والدّارسين هم الذين يقفون وراء اختلاق هذه الهويات التي حملتها هذه ”المسألة“، وطمس هويتها الأصل، التي يفترض أنها تحملها في النسخة الخطية. وبالجملة، فقد مسّ هذا الغموض الأخير ثلاثة جوانب أساسية في العمل: الأول عنوانه؛ والثاني موقعه بالنسبة إلى بعض الكتب الأخرى لابن رشد، وبخاصة الكتاب المعروف بـفصل المقال؛ والثالث وجود هذا العمل وبقاؤه. والغرض من هذه الدراسة أن نسهم، بقدر وسعنا، في تبديد هذا الغموض، ولو جزئيا، عن طريق العودة إلى تاريخه وملابسات حصوله، وبالتركيز على الجانبين الأول والثاني، على أن نعود إلى الثالث في موضع منفرد.[8]
أولا: وضعية النص
يجدر بنا أن نُذَكر بما أشرنا إليه في التقديم من أن نص هذه ”المسألة“ يوجد، في حدود معرفتنا اليوم، في مصدرين اثنين: أولهما النسخة الخطية المحفوظة في خزانة الإسكوريال (هرتويغ درنبورغ: 632)؛[9] وثانيهما درء تعارض العقل والنقل لأبي العباس أحمد ابن تيمية (ت. 728هـ/1328م)، حيث يحتفظ هذا الأخير بكامل نصها، مُعنوِنا إياها ”مقالة في العلم [الإلهي].“[10] وإذا كنا سنقف عند وضع النص في هذا المصدر في موضع آخر، فلنشرع في الحديث عن ”المسألة“ كما توجد في نسختها الخطية، قبل الانتقال إلى الفهارس والنشرات والدراسات الحديثة.
يأتي نص ”المسألة“ ثانيا في ترتيب النصوص التي يحتوي عليها المجموع المحفوظ بنسخة الإسكوريال 632. ويهمنا أن نقف هنا عند النصوص الثلاثة الأولى التي توجد في بداية المجموع، وتحتل الحيز من الورقة 1ظ إلى 74و، وهي كما يلي:
- كتاب فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ورقة 1ظ–18ظ؛[11]
- المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، ورقة 18ظ–20ظ؛[12]
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة، ورقة 20ظ–74و.[13]
والنص الثاني الذي يحمل عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه هو المقصود بكلامنا. وكما يظهر، فهذا العنوان وضعه ناسخ النص، الذي لا نعرف اسمه، ليبرر إيراده بعد الفصل مباشرة، عن طريق إخبار القارئ بأن النص الذي وضع في هذا الموضع قد ورد ذكره في الكتاب الأخير.
أما الترتيب العام الذي توجد عليه تلك النصوص الثلاثة في النسخة الخطية المذكورة، فهو لا يحمل أي مبرر من قبل واضعه؛ وهو بكل تأكيد ليس من وضع ابن رشد، وإنما من وضع الناسخ.[14] بل أكثر من ذلك، إنه ترتيب يبدو متعارضا مع ما توحي به النصوص الثلاثة المذكورة. وفي الواقع، يسهل على المرء أن يجد في كتاب الكشف أكثر من إحالة على فصل المقال.[15] كما يسهل عليه أن يجد في خاتمة هذا الأخير وعدا، أو بالأحرى إعلانا عن النية في تأليف كتاب الكشف؛[16] مثلما يمكن أن يجد في الفصل إقرارا بأنه قد أفرد لمسألة العلم الإلهي قولا حركه إليه بعض أصحابه؛ وقد ذكرنا ذلك أعلاه.[17]
ونستخلص من هذا بعض الأمور:
أولا: ثمة اتصال فكري واضح بين الفصل والكشف؛ تماما كما يوجد اتصال فكري جلي أيضا بين ”المسألة“ وجزء من الفصل؛ وهو الأمر الذي سبق لمحسن مهدي أن وقف عليه في دراسته التي سنعود إليها أدناه.
ثانيا: إن الإحالة على ”المسألة“ في الفصل تفيد بما لا شك فيه أنها قد كُتبت قبله، استجابة لسؤال كان هو الذي حرك ابن رشد إلى الجواب؛ وأما الفصل فواضح أنه قد كتب قبل الكشف، وهو يمهد له في جزئه الأخير على الأقل.
ثالثا: إن الترتيب الذي توجد عليه هذه النصوص ثلاثتها في المخطوط لا معنى له، فهو مجرد ترتيب اقتضته شروط النسخ أو تصرُّف مالك النسخة نفسه، ولا علاقة له بما يجمع النصوص بعضها إلى بعض فكريا؛ بل أكثر من ذلك، إن وجود ”المسألة“ بين الفصل والكشف قد قطع الصلة الفكرية الموجودة بين النصين، كما قطع الصلة الموجودة بين المسألة نفسها والفصل. لذلك، فإذا أراد المرء أن يحترم تلك الصلة، فالأَوْلى أن يرتب هذه النصوص على النحو الموالي: أن يضع ”المسألة“ أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وبهذا، يكون السبق الزمني في التأليف، على أقل تقدير، قد ”رُوعي“؛ وهذا بغض النظر عن كون ابن رشد قد راجع أحد هذه الأعمال أو كلها في فترة لاحقة.[18]
رابعا: قد تحمل إحالة ابن رشد في الفصل على ”المسألة“—بوصفها قد أفرد لها قولا مستقلا—المرءَ على عنونتها بالقول أو بقول في العلم الإلهي. وبهذا، يصبح لدينا أربعة عناوين، وهي للتذكير كالآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، ومقالة في أن الله يعلم الجزئيات، والمسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، وقول في العلم الإلهي.
هذه، بالجملة، هي الوضعية التي توجد عليها ”المسألة“ في النسخة الخطية الفريدة، وهذه هي العناوين التي ترد بها في المصادر التاريخية المكتوبة بالعربية. ومن هذه الجهة، يجوز أن نقول: إن ”المسألة“ قد وصلت إلينا بصعوباتها التي تخللت عنوانها ووضعها في هذه المصادر. وقد انضافت إلى هذه الصعوبات أشكال من الغموض، حصلت في الدرس الأكاديمي الحديث.[19] وهو ما سنفصل فيه في الفقرات الموالية.
ثانيا: تاريخ الغموض
يُعد عمل المؤرخ والفيلولوجي إرنست رينان، ابن رشد والرشدية: مقالة تاريخية، أقدم المحاولات في العصر الحديث في جرد أعمال ابن رشد؛ وقد صدرت الطبعة الأولى من العمل عام 1852. وكان قد قسم، في هذه الطبعة من كتابه، أعمال أبي الوليد إلى عدة قوائم، تبعا للعلوم التي اهتم بها هذا الأخير. ومن ضمن هذه القوائم، قائمةٌ أولى تضم أعماله الفلسفية؛ وقائمة أخرى تضم أعماله الكلامية. وبما أننا هنا لسنا بصدد المراجعة الشاملة لهذه القوائم، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى ما يتصل منها بموضوعنا مباشرة. وكان من بين نصوص ابن رشد التي أوردها رينان ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، النصُّ الذي حمل العنوان الآتي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial” [20]
وهكذا، فقد أورد رينان اعتمادا على برنامج ابن رشد المحفوظ في الإسكوريال (رقم 884) العنوان الآتي: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات[21] ضمن مؤلفات ابن رشد في الفلسفة. لكن رينان لم يكن يعلم في هذه الفترة أي شيء عن هذا العمل؛ أعني هل هو محفوظ أم مفقود؟ وإن كان محفوظا، فأين يوجد؟ إلى آخر الأسئلة التي يقتضيها الحديث عن أعمال الرجل. وما أظن أن رينان قد راجع الأمر أصلا؛ لأن هذه النقطة بالذات قد ظلت معلقة، كما سنأتي على ذكره.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى أصدر رينان طبعات جديدة لعمله. وهكذا، نقرأ في التنبيه Avertissement الذي صدّر به الطبعة الثانية، التي نشرت عام 1861، أن هذه الأخيرة قد أدخل عليها تعديلات وتصويبات مسّت جوانب من الكتاب، ومنها سيرة ابن رشد وأعماله. وقد حصلت هذه التعديلات والتصويبات بفضل نشر نصوص جديدة وصدور دراسات حديثة، كما يقول.[22] ويهمنا أن نذكر من هذه النصوص أول نشرة في العصر الحديث لأعمال ابن رشد بالعربية؛ وهي ذاتها الأعمال الثلاثة المذكورة أعلاه، أعني الفصل و”المسألة“ والكشف. وقد صدرت بعناية المستشرق الألماني جوزيف مرقص مُلِّر (Marcus Joseph Müller, d. 1874) عام 1859.
وبما أن الإحالة على عمل مُلِّر ستتكرر كثيرا في دراستنا هذه، فإننا نرى أنه من الأنسب تقديم منجزه بخصوص موضوعنا. لقد سبقت الإشارة إلى أن مُلِّر هو أول من أخرج نصوصا عربية لابن رشد في العصر الحديث؛ ولسنا ندري الحيثيات التي جعلته يختار هذه النصوص الثلاثة دون غيرها، لكن عمله يعد منجزا علميا كبيرا في حد ذاته. ولم يكن بيد مُلِّر عندئذ من نسخ ليقارن بينها، بل كان يتعامل مع نسخة خطية فريدة، هي نسخة الإسكوريال (632). وكنا، أيضا، قد قدمنا صورة أولية عن محتوياتها أعلاه، ويهمنا أن نضيف أن مُلِّر قد عمد إلى إدخال تغييرين هامين على النص الذي هو موضوع دراستنا: وأولهما هو إضافة مفردة ”ضميمة“ إلى عنوان ”المسألة“ الموجود في المخطوط، وثانيهما هو تعديل الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632)، لتصبح نشرته على الترتيب الآتي:
- كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال؛
- كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة؛
- ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ولم يقدم مُلِّر، في حدود ما اطلعنا عليه، أي تبرير للترتيب الذي استحدثه ولإقدامه على إلحاق مفردة ”ضميمة“ بالعنوان الثالث؛ هذا ولم يغير، أيضا، من ترتيبه ذاك عندما ترجم النصوص الثلاثة المؤلفة لنشرته إلى الألمانية، التي صدرت بعد وفاته.
وإذن، فبعد صدور أول نشرة لنصوص عربية لابن رشد، أصبح رينان مدعوا إلى تعديل بعض أحكامه، وكذا قائمته في ضوء هذه النشرة الحديثة، أعني نشرة 1859؛ وقد حصل ذلك فعلا.[23] غير أن القارئ يجد نفسه في الطبعة الجديدة لكتاب رينان أمام أمر غريب فعلا: فقد احتفظ الرجل بـمسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية، تماما كما جاء في الطبعة الأولى من الكتاب دون أي تعديل يذكر. فأورد في الصفحة 70 من الطبعة المذكورة، كما يلي:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières ; mentionné dans la liste de l’Escurial.” [24]
ولكن رينان عاد في الصفحة 72 عند حديثه عن الأعمال الكلامية théologiques لابن رشد، فأورد له من بين ما أورد العملين الآتيين:
“Un opuscule intitulé : Critique des diverses opinions sur l’accord de la philosophie et de la théologie […].” ويقصد به الكتاب المعروف بـفصل المقال
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[25]
والنتيجة هي أن ابن رشد قد ألف عملا في الفلسفة بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات، وعملا في علم الكلام عبارة عن تلخيص، أو بالأحرى ضميمة للفصل، وهي تلك التي نشرها مرقص مُلِّر. وهكذا، فإذا كان رينان قد أدرج مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ضمن قائمة الأعمال الفلسفية معولا في ذلك على برنامج ابن رشد، فإنه قد أحصى، في المقابل، ما أسماه ”تلخيصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن الأعمال الكلامية لابن رشد، وأورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال، وأضاف إلى ذلك بعض المعلومات، منها أنه يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها حيث يوجد فصل المقال، ومنها أيضا أن مرقص مُلِّر قد قام بنشره. ورينان في معلوماته هذه لا يعول على برنامج ابن رشد ولا على ابن عبد الملك ولا على مخطوطة الإسكوريال (632)، وإنما يعول حصريا على عمل مُلِّر الذي كان قد صدر العام 1859.
ولنا على هذا التصنيف الذي تبناه رينان في الطبعة الثانية المعدلة المصححة من كتابه ثلاث ملاحظات مركزية:
فقد أخطأ رينان التقدير، أولا، عندما نسب لابن رشد عملين اثنين: أحدهما في الفلسفة، والآخر في علم الكلام؛ والحال أنهما نفس العمل الواحد الذي ورد في برنامج ابن رشد وفي الذيل والتكملة، وهو ذاك الذي ضُمّن في نشرة مُلِّر. والظاهر أن رينان لم يطلع على هذا العمل في نسخته الخطية ولا في نشرة مُلِّر.
وأخطأ رينان التقدير، ثانيا، عندما اعتبر عمل ابن رشد اختصارا للفصل؛ والحال أننا قد ذكرنا أعلاه أن هذا العمل مكتوب قبل الفصل، بدليل أن ابن رشد يحيل عليه داخل هذا الأخير؛ وهو ليس اختصارا له، بالنظر إلى الاختلاف في الغرض من تأليفهما. فالغرض من الفصل هو الحكم على الفلسفة من ”جهة النظر الشرعي، هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع أم محظور أم مأمور به، إما على جهة الندب أو على جهة الوجوب؛“[26] وأما الغرض من ”المسألة“ فهو حل الشك المتعلق بالعلم الإلهي، الذي عرض لمخاطبه. صحيح أن ابن رشد قد أحال على ”المسألة في العلم الإلهي“ في الفصل، لكن هذه تظل إحدى المسائل الثلاث التي عالجها باختصار في هذا الكتاب. ومن هذه الجهة، فإن صح لنا الحديث عن علاقة فكرية بين المسألة والفصل، قلنا: إن الأولى تظل مسألة من بين المسائل التي من أجلها ألف ابن رشد فصل المقال.
وأخطأ رينان التقدير، ثالثا، عندما اعتبر عمل ابن رشد ضميمة؛ والحال أن العمل مستقل، ويدخل في أدب المسائل؛ أي أنه عبارة عن جواب على سؤال وُجه إليه، وهو لا عنوان له أصلا، ولا يفترض أن يكون له عنوان إلا أنه جواب عن مسألة في موضوع ما. وكما ذكرنا أعلاه، فقد ورد فعلا في برنامج ابن رشد بعنوان: مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ ولكي لا يظل العمل غُفلا في المجموع المخطوط 632، فقد اجتهد ناسخ ما، اعتمادا على الإشارة الموجودة في فصل المقال، فوضع له العنوان الآتي: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ونتصور أن رينان قد راح ضحية العنوان الذي وضعه مُلِّر للقِسم من نشرته التي تضمنت أعمال ابن رشد الثلاثة المذكورة؛ بدليل أن رينان لا يتحدث في الطبعة الأولى من عمله ابن رشد والرشدية سوى عن مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات.[27] ولا وجود لعمل بعنوان الضميمة ضمن القائمة التي أوردها لأعمال ابن رشد. ومجمل القصة أن ”الضميمة“ يظل عنوانا أضافه مُلِّر في نشرته المذكورة إلى العنوان الذي يوجد بالمخطوط، وهو ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[28] ليصبح عنوان العمل في تلك النشرة هو: ”ضميمة: المسألة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[29] وبدوره، لما اطلع رينان على نشرة مُلِّر، نقل في الطبعة الثانية من كتابه عنوان مُلِّر مبتورا، عن طريق ترجمة جزء من العنوان الذي هو من وضع هذا الأخير، وهو ضميمة: بـ: appendice[30]، لا العنوان كما هو في المخطوط، وهو: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
ومن هنا، فإننا نتصور أن رينان لو كان راجع الأمر على أصوله لما وقع في هذه الأخطاء، ولمَا أوقع معه فيها كثيرا من الناس، ممن يقنع إلى اليوم عند حديثه عن قوائم مؤلفات ابن رشد بالاعتماد عليه، مُسهما في استدامة غموض مجاني. وبهذا، فقد صار الناس، دون فحص، يعتقدون أن أبا الوليد قد ضمّ مقالته المذكورة إلى فصل المقال وألحقها به، حتى إن هرتويغ درنبورغ، صاحب فهرس المخطوطات العربية بالإسكوريال نفسه، والذي يفترض به أنه فحص النسخة الخطية التي وصفها في فهرسه هذا، يعتبر مقالة ابن رشد ”ملحقا“ لفصل المقال[31]supplement؛ وهذه، في نظرنا، ليست سوى ترجمة فرنسية ثانية لمفردة ”ضميمة“ التي وضعها مُلِّر، وكأن ترجمة رينان، أي appendice، لم تف بالمطلوب. وهكذا، فإن شيوع مفردة ”ضميمة“ عنوانا أو جزءًا من عنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه حَالَ، جزئيا على الأقل، دون أن ينتبه الدارسون إلى أنه ليس من وضع المؤلف داخل النص ولا خارجه، ولا من وضع النساخ، ولا من وضع أصحاب التراجم والبرامج، وإنما من وضع أول ناشر حديث لثلاثة نصوص عربية لابن رشد، وهو مُلِّر.
وفي الواقع، فإننا نفهم من مفردة ”الضميمة“ التي أضافها مُلِّر غير ما فَهمه كثير من الدارسين والناشرين. فقد أراد مُلِّر أن يشير بمفردة ”الضميمة“ في عمله إلى أمر شبيه بملحق لكتابه، لذلك وضعها في آخر الكتاب،[32] أي بعد أن انتهى من تحقيق الفصل والكشف. وهكذا، فقد غيّر مُلِّر الترتيب الذي يوجد عليه الجزء الأول من مكونات المخطوط المحفوظ بالإسكوريال (632) ليصبح النص الذي يأتي ثانيا في المخطوط ثالثا في نشرته، وليضيف مفردة ”ضميمة“ إلى العنوان الذي يوجد في المخطوط ليغدو كما يلي: ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.
وأما في الترجمة الألمانية التي صدرت العام 1875، أي سنة واحدة بعد وفاة مُلِّر، فنجد.
Zusatz.
Die Frage, welche Ibn Roschd in der ersten Abhandlung berührt hat.[33]
وترجمته الحرفية إلى العربية:
ضميمة.
المسألة التي ذكرها ابن رشد في المقالة الأولى [=فصل المقال]
ولأجل هذا، فـ”الضميمة“ هنا ضميمةٌ لكتاب مُلِّر وليس لكتاب فصل المقال؛ وإلا فلو كان مُلِّر يقصد بـها ضميمة هذا الكتاب الأخير، لوضعها بعد الانتهاء منه مباشرة، تَأسيا بوضعها في المخطوط، ولما وضعها في آخر كتابه هو، أي بعد الانتهاء من الكشف. ومن هذه الجهة، فلا معنى لأغلب الاعتراضات التي وجهت لمسعى مُلِّر، خاصة وأنه لم يصدر من مُلِّر ما يمكن أن يُعتمد قولا في إظهار وجاهة أو خطأ ما قام به؛ دون أن يعني ذلك أن الرجل كان على صواب في هذه التسمية؛ لكننا نتصور أن النصين الأساسيين اللذين يشكلان عمود نشرته هما الفصل والكشف، وأما المسألة فقد عدّها، لقصرها، ملحقا أو ضميمة لكتابه هو.
ومع كل ذلك، فإن مُلِّر ورينان ما كانا المسؤولين الوحيدين عن شيوع هذا العنوان، وإنما الظاهر أن ليون گوتييه وجورج فضلو الحوراني قد أسهما، أيضا، في استدامة ذلك الغموض بشكل كبير؛ وهو ما سنعرضه في القسم الموالي، ولكن بعد أن نبرز وضعية ”المسألة“ كما هي في نشراتها العربية البواكر.
وهكذا، فقد أطبقت نشرات ”المسألة“ في العالم العربي، وخاصة تلك التي أُنجزت مبكرا، على اعتبارها ذيلا لفصل المقال وليس عملا قائما بذاته.[34] ولكي نظهر ذلك من المفيد أن نقف عند وضعيتها في أربع من هذه النشرات المبكرة. وأقدم نشرة اطلعنا عليها ”للمسألة“ صدرت عام 1899 بمصر، وقد وردت في كتيب يحمل العنوان التالي: فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال.[35] والملاحظ أن هذه النشرة حتى وإن عدت ”المسألة“ ذيلا للفصل، فإنها قد فصلتها إلى حد ما عنه. والدليل أنه بعد تمام الفصل،[36] انتقل صاحب النشرة إلى صفحة مستقلة ليضعنا أمام العنوان الآتي: ”ذيل فصل المقال: ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال.“[37] وهذا الفاصل هو ما غاب عن الطبعات التي جاءت بعد هذا. وفعلا، لم يمض سوى عامين على هذه النشرة المبكرة حتى تلتها نشرة أشمل، تضم إلى النصين السابقين كتاب الكشف. وهكذا، نجد ”المسألة“ في نشرة عام 1901 مدرجة ضمن ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل أحمد [كذا] ابن أحمد بن رشد الأندلسي المتوفى سنة 595 رحمه الله المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيل فصل المقال، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[38] وكما يظهر من العنوان أن كتاب فلسفة ابن رشد لا يتألف إلا من عملين، هما الفصل والكشف، أما ”المسألة“ فهي مجرد ذيل للأول منهما ومتصلة به. وكذلك الأمر بالنسبة لنشرة ثانية صادرة عام 1910، التي نقرأ في فهرسها ما يلي: ”الضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها المؤلف وهي ذيل الكتاب.“[39] وهذه أيضا لا يظهر فيها العمل إلا بوصفه ملحقا بـالفصل. وتحمل هذه النشرة كسابقتها، العنوان الآتي: ”كتاب فلسفة القاضي الفاضل محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد الأندلسي المشتمل على كتابين جليلين الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيله، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“[40] أما في متن الكتاب، فنجد العنوان التالي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[41] ويظهر أن الناشر قد تقصّد، هو أيضا، وضعها مباشرة بعد نهاية كتاب الفصل ليظهر أن ابن رشد قد ذيّل كلامه في هذا الكتاب بقول في مسألة العلم الإلهي. أما في الطبعة التي أخرجت عام 1935، فالملاحظ أن المسألة قد اختفت تماما من عنوان الكتاب. وهكذا نقرأ في الغلاف: ”فلسفة ابن رشد: يحتوي على كتابي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة.“[42] أما في الغلاف الداخلي، فتظهر ”المسألة“ بوصفها ذيلا لـفصل المقال على غرار النشرتين السابقتين، حيث نقرأ ما يلي: ”مجموعة فيها كتابين جليلين: الأول-فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال: وذيله؛ الثاني-الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة.“ ومباشرة بعد انتهاء نص فصل المقال نجد العنوان الآتي: ”ضميمة لمسألة العلم القديم الذي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[43]
والذي يمكن ملاحظته في هذه النشرات العربية المبكرة ”للمسألة“ هو حصول انزياح في عنوانها من ”ضميمة: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال،“ كما نجده عند مُلِّر[44] إلى ”ضميمة لمسألة العلم القديم التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه،“[45] وهو أمر لم نجد له ما يبرره. وفي كل الأحوال، فإن الدراسات الحديثة قد تجاهلت تماما هذه النشرات.
ثالثا: ترسيم الغموض
أسهم المستعرب الفرنسي ليون گوتييه في ترسيخ ذلك الغموض الذي كان مُلِّر الأصل فيه؛ وذلك عن طريق نهوضه بالبحث عن مسوغات لغوية-ثقافية للعنوان، تجعل من ”المسألة“ لا ضميمة لكتاب مُلِّر، وإنما ضميمة لفصل المقال أو ضميمة للمجموع كله الذي يضم فصل المقال والكشف والضميمة.
جاء كلام گوتييه، الذي نستعيده هنا بأمانة، في سياق وصف الوضعية التي توجد عليها نشرات الكتب الثلاثة المذكورة، سواء في ألمانيا أو في مصر. فَطوْرًا تُنزِل هذه النشرات الضميمةَ الموقعَ الثالث في الترتيب، وهذه هي حالتا النشرة التي أصدرها مُلِّر بميونيخ عام 1859، والنشرة التي تحمل عنوان كتاب فلسفة ابن رشد، وقد صدرت عن المطبعة العلمية بالقاهرة عام 1313هـ/1895-1896م؛ وطَورا تجعلها تحتل الموقع الثاني، وهذه حالة كل من النشرة التي صدرت بعنوان كتاب فلسفة ابن رشد، أيضا، عن المطبعة الحميدية عام 1319هـ/1901-1902م،[46] والنشرة التي صدرت عن المطبعة الجمالية 1328هـ/1910م بالعنوان نفسه؛[47] أما تلك النشرات التي تستثني الكشف، فقد ألحقت الضميمة بـالفصل. وفي نظر گوتييه، كلا التصورين يمكن الدفاع عنه، طالما أنه بوسعنا أن ننظر إلى المصنفات الثلاثة على أنها تشكل وحدة ما، بل تشكل عملا واحدا؛ وفي هذه الحالة، تكون الضميمة بما هي ملحقُ المصنف الأول، في آخر مجموع الكتاب طبعا؛ أو نعتبر كتاب الكشف كتابا مستقلا عن الفصل؛ وفي هذه الحالة، أيضا، تكون الضميمة، من حيث هي ذيلُ الفصل، تالية له.
غير أن گوتييه يعرض لمناقشة ما دأب عليه الناس من تسمية المصنف الأصغر من هذه الثلاثة ضميمة، سيما وأن ابن رشد، كما يقول، يذكر هذا المصنف الأصغر في الفصل قائلا: ”وقد أفردنا في هذه المسألة قولا حركنا إليه بعض أصحابنا،“ مما قد يفهم أنه أُلِّف قبل الفصل، ومن ثم فهو ليس بالملحق بالمعنى الحصري للكلمة. ويضيف گوتييه مستدركا: ”لكن يجب ألا نغفل، من جهة أخرى، أن العرب يستعملون أزمنة للفعل على نحو مختلف عنا. فعندما نقول نحن [الفرنسيين] مثلا: Je viens vous consulter، يقولون هم [العرب]: je suis venu vous consulter ، فيعطون بذلك للماضي معنى المضارع. لهذا، فبدلا من أن نترجم عبارة ابن رشد: ’وقد أفردنا،‘ بـnous avons consacré قد نترجمها بـ nous consacrons؛ وهذه الصيغة هي التي تبرر الاسم الرائج الذي أعطي لهذا المصنف في العلم الإلهي. ولهذا السبب نلحقه هنا (أو قد ألحقناه، كما نقول بالعربية وحتى بالفرنسية).“[48]
مجمل القول، إن الوضع الذي كان عليه ترتيب الضميمة في نشرة مُلِّر، والذي كان في مستوى الوضع الاصطلاحي، إذ لم يكن يحمل أي تبرير، قد غدا مع گوتييه يملك تعليلا. وهكذا، فقد وجد هذا الأخير في عادات العرب في استعمال الأفعال ما جعل ابن رشد قد أراد الحاضر أو المستقبل، حتى وإن كان قد استعمل فعلا يدل بوضوح على زمن مضى وانتهى؛ كل ذلك حتى تستقيم تسميتها ضميمةً من قبل مُلِّر.
رابعا: في مراجعة الوضعية
سجّل تاريخ الاهتمام بهذه ”المسألة“ ثلاثة أو أربعة اعتراضات، في حدود اطلاعنا، على مسعى مُلِّر. الأول، هو ذاك الذي سجله الراحل جورج فضلو الحوراني عند إقدامه على إخراج نشرة جديدة لـفصل المقال و”للمسألة“ ولمقاطع من الكشف العام 1959 وترجمة إنجليزية عام 1961؛ أما الاعتراض الثاني، فقد سجله الراحل محسن مهدي (ت. 2007) ثلاث سنوات بعد عمل الحوراني الأخير؛[49] وأما الاعتراض الثالث، فهو الذي صدر العام 1986 عن الراحل جمال الدين العلوي (ت. 1992) في كتابه المتن الرشدي: مدخل لقراءة جديدة؛ وأما الاعتراض الرابع، فهو في الحقيقة استعادة لاعتراض مهدي، وقد صدر عن تشارلس بتروورث عند إصداره نشرة جديدة/قديمة للفصل وللمسألة مصحوبة بترجمة إلى الإنجليزية.[50] وباستثناء هذا الأخير الذي سنكتفي بالإشارة إليه، فإننا سنورد بقية الاعتراضات ملحقة بملاحظاتنا.
لم يكن مُلِّر في نظر جورج فضلو الحوراني يملك أي ”مسوغ جيد“ ليضع الضميمة ”في نشرته بعد الكشف؛“ سيما وأنها بلورةٌ لنقطة أثيرت في الكتاب الأخير.[51] ولهذا السبب، عمد الحوراني إلى وضعها في نشرته بعد أن انتهى من فصل المقال، معتبرًا إياها ملحقًا أو ضميمةً له (كما ينص على ذلك العنوان الإنجليزي لنشرته: Kitāb Fasl al-Maqāl with its Appendix (Damīma))، مبقيًا، بذلك، على عنوان مُلِّر ومكتفيًا بوضعه بين معقوفين، هكذا: [ضميمة]. وإذن، فالذي يعترض عليه الحوراني في مسعى مُلِّر ليس هو استحداث عنوان لا أصل له في المخطوط، كما يقول هو نفسه، وإنما هو ترتيبها بعد الكشف. ولتصويب ذلك المسعى، يكفي في نظره إدخال تعديل على ذلك الترتيب لتصبح ”المسألة“ بعد الفصل؛ وهذا هو وضعها الأنسب، في تقديره، بوصفها ضميمة تبلور ما كان ابن رشد قد عالجه في الفصل.
هذا هو، بالجملة، تصور الحوراني؛ وقد ظل على هذا المذهب في ترجمته الإنجليزية للنشرة العربية؛[52] حيث تمسك بموقفه الأول بأن المسألة إنما هي فعلا ضميمة لفصل المقال، وأن ابن رشد قد كتبها بعد تأليف هذا الأخير، ويحيل عليها فيه أيضا، وأنها تتوسع في جواب قُدِّم هناك. أما حديثه الصريح عنها باستعمال فعلٍ ماضٍ (أفردنا)، فلا يعني بالضرورة الزمن الماضي. وعندما ننظر في حجة الحوراني نجده يعتمد مذهب گوتييه في المسألة، وقد ذكرناه، فيسوقه من أجل تسويغ أمر واحد، لا صلة له بابن رشد، هو استعمال مُلِّر مفردة الضميمة، وإظهار صواب هذا الاستعمال. ومع أن ما قصده مُلِّر من وضع عنوان الضميمة لا علاقة له بمحتواها كما سيظهر عند عودتنا إلى المسألة، فإنها حجة خاطئة، وفيها غير قليل من الليّ لعنق عبارة ابن رشد، لأن هذا الأخير يستعمل فعل ”أفرد“ في الفصل بصيغة تفيد الماضي قطعا، أعني أن السؤال والجواب معا قد حصلا في الماضي، بالقياس إلى الزمن الذي كان فيه المتكلم (الكاتب) عندما كان يؤلف الفصل، وكان بصدد استعادة أطراف من ذلك السؤال الذي حركه والجواب الذي أفرد له ذلك القول في ”المسألة.“[53]
وبالجملة، فإن ”المسألة“ ليست ”بلورة“ للمسألة الثانية من المسائل التي يثيرها ابن رشد في الفصل، أي ”بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات تعالى عن ذلك،“[54] والتي هي واحدة من المسائل التي من أجلها كفّر أبو حامد الغزالي (ت. 505هـ/1111م) الفلاسفة في كتابه المعروف تهافت الفلاسفة، وإنما الأحرى بنا أن نقول العكس، لأنها، باختصار، قد كُتبت زمنا ما قبل تأليف فصل المقال؛ ولذلك حصلت استعادتها من قبله عند تعرضه في هذا الكتاب للمسألة الثانية المتعلقة بعلم الله بالجزئيات.
وبعد سنوات قليلة من انتشار ملاحظات الحوراني، أصدر الراحل محسن مهدي مقالا بعنوان ”الشريعة الإلهية والحكمة الإنسانية عند ابن رشد“ “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” . ومن بين ما تعرض له في هذا المقال المسألة التي نحن بصددها. وإذا كان الحوراني قد اعترض على ترتيب الضميمة بعد الكشف في نشرة مُلِّر، ودافع، في المقابل، على ترتيبها بعد الفصل، كما دافع عن اسم ”الضميمة“ عنوانا ”للمسألة،“وهو ما تبناه في نشرته وترجمته، فإن مهدي قد اعترض بجهة ما على الأمرين معا، لكن دونما أدنى إشارة إلى مذهب الحوراني في المسألة؛ كما اعترض على الترتيب الذي يوجد بمخطوطة الإسكوريال ذاتها.
وهكذا، يلاحظ مهدي أن مُلِّر قد ”وجد الأعمال الثلاثة في مخطوطة فريدة من دون عنوان مشترك؛“ فأعطاها هذا العنوان: ثلاث رسائل للشيخ الأجل العلامة أبي الوليد محمد بن رشد، ورتبها فجعل الفصل أولا، ثم تلاه بالكشف؛ وأخيرا ما أسماه الناشر ضميمة— وهو مصنف صغير يعالج العلم الإلهي. وتقع هذه الضميمة في النسخة الخطية الوحيدة بين فصل المقال والكشف. وقد عرفها الناسخ بما يلي: ”المسألة التي ذكرها القاضي أبو الوليد ابن رشد في فصل المقال.“ مع أنه ليس بعنوانها الرسمي، وهو ليس جزءا من العمل، كما كُتب أو أهدي من قبل ابن رشد، وإنما هو تفسير من قبل الناسخ للداعي الذي حمله على ترتيب العمل بعد الفصل؛ وقد أوردنا هذا أعلاه.
ويلاحظ مهدي أن مُلِّر لم يقدم أي تبرير لإقدامه على نقل المصنف الصغير من موضعه الذي يحتله في النسخة الخطية إلى موضعه الجديد تاليا للكشف؛ لكن يسهل معرفة السبب، حسب مهدي. فقبل نهاية فصل المقال، يستبق ابن رشد الحديث عن الكشف، آملا أن يتسع له وقته لكتابته. وفي المقابل، يفتتح كتاب الكشف بقول يصله لا بـالضميمة، وإنما بـالفصل. أما في النسخة الخطية، فالملاحظ أن الضميمة تقطع ذلك الاتصال الموجود بين الفصل والكشف. وحسب مهدي دائما، فقد ذهب أغلب الناشرين اللاحقين والمترجمين والشراح مذهبا مختلفا عما ذهب إليه مُلِّر من دون تقديم تعليل مقنع لوجوب وضع الضميمة بعد الكشف. وحسب مهدي، صحيح أن الضميمة قصيرة عموما، وأنها مذكورة في الفصل، لكن للسبب ذاته يجب أن يوضع الفصل بعد الكشف، إذ كان هو أيضا مذكور فيه؛ لذلك فالترتيبان، ترتيبا الناسخ والناشر، يظلان اعتباطيين. إذ لا واحد منهما يدلنا على ما يريد ابن رشد تبليغه. ولذلك، يدعونا مهدي إلى ضرورة العودة إلى أقوال ابن رشد في صلب أعماله لنرى ما إن كانت تؤكد ترتيبا من الترتيبين أو أنها تقترح ترتيبا جديدا.
وباختصار شديد، إن الضميمة والفصل والكشف تشكل ثلاثيةtrilogy في تقدير مهدي. تتألف هذه الثلاثية من كتاب، هو الكشف، ويتقدمه قولان أحدهما أقصر من الثاني، وهما فصل المقال أولا، وثانيا الضميمة. وابن رشد نفسه يشير إلى تسلسل هذه الأعمال الثلاثة بالقول في الفصل بأنه قد سبق أن ألف الضميمة، وبالقول في الكشف بأنه قد سبق أن ألف الفصل. وبالنظر إلى ما تعالجه هذه المصنفات من موضوعات، فإن ابن رشد قد قصد بها أن تُقرأ هكذا: الضميمة أولا، ثم الفصل ثانيا، فـالكشف ثالثا. وفي نظر مهدي، إذا لم يكن ابن رشد قد أعطى لهذا الأخير للضميمة، فإن ذلك ليس سهوا منه، وإنما لأنه لا يفترض به أن يحمل أي عنوان: إنه epistle dedicatory.[55]
مجمل القول، إنه إذا كان الحوراني أول من راجع الترتيب الذي اعتمده مُلِّر في نشرته، فإن محسن مهدي قد شكك في ذلك، أيضا، فضلا عن مراجعته للترتيب الموجود في النسخة الخطية. أكثر من ذلك، امتد نقد مهدي ليشمل محاولة ليون گوتييه، المذكورة أعلاه، تسويغَ الترتيب الذي قام به مرقص مُلِّر بالاعتماد على تلك الاعتبارات اللغوية الخاصة بالعربية، وقد أشرنا إليها. وفي نظر محسن مهدي، لم تكن محاولة گوتييه أكثر من إساءة قراءة لقول ابن رشد من أجل تبرير عنوان ابتدعه ناشر حديث.[56]
لكن الذي نلاحظه على اعتراض مهدي على وجاهة جوانب كبيرة منه، بل الذي نستغربه في اعتراضه هو أنه في الوقت الذي يعمد لمراجعة شاملة للمسألة يغفل تماما، بل يتجاهل الدعوى التي ادعاها الحوراني، وهي في جانب كبير منها تستعيد دعوى گوتييه، بل هي مؤسسة عليها؛ لذلك، فإن إبطال هذه الدعوى معناه فقدان الأساس الذي بنيت عليه تلك. ويجب أن نضيف هنا أن تشارلس بتروورث الذي استعاد دعوى مهدي قد تجاهل، أيضا، دعوى الحوراني، مع أنه قد لمح إليها تلميحا.[57]
ويجدر بنا أن نقف عند مراجعة ثالثة لدعوى مُلِّر نجدها عند الراحل جمال الدين العلوي، في عمله الشهير المتن الرشدي، مفادها ما يلي: ”مقالة في العلم الإلهي (الضميمة) 574/1178؟ وهذه هي المقالة التي اشتهرت باسم الضميمة، أو ضميمة العلم الإلهي، أعني أنها ضميمة للفصل أي فصل المقال. والحق أنها ليست كذلك، لأنها سابقة زمنا على تأليف الفصل، كما هو معروف، وكما يشير إلى ذلك عنوانها الذي يقول: ’المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال‘.“[58] والعلوي هنا لا يذكر أحدا ممن مال إلى استعمال كل من الأسماء السابقة؛ لذلك يمكننا أن نفترض أنه يراجع أقوال گوتييه والحوراني ومحسن مهدي، كما يمكن أن نفترض أنه يقصد بالأساس النشرات العربية المذكورة آنفا، والتي تعتبر ”المسألة“ ذيلا لفصل المقال؛ ولو أنه لا شيء في مصادره يفيدنا بذلك. ثم إنه إذا كان العلوي يعني بحديثه عن ”عنوانها“ ما يفهمه المهتمون بالتحقيق من مفردة ”العنوان“، وهو ذاك الذي يكون من وضع المؤلف نفسه قبل الشروع في تحرير نصه، أو يكون منصوصا عليه داخله، فإن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك؛ لأن هذا العنوان ليس من وضع ابن رشد، ولا شيء فيها يدل على وجود عنوان لها، بل هو من اقتراح الناسخ أو الشخص الذي رتب النصوص الثلاثة التي ترد في نسخة الإسكوريال، ولكي لا يتركها بدون عنوان، وكان هو على معرفة بمضامين الفصل ويعرف أن ابن رشد قد ذكرها فيها. ولذلك، فهذا العنوان، أي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال“ لم يُعط لها من قبل مؤلفها، ولا يفترض به أن يفعل، ولا هو ورد في ديباجتها، وإنما أعطي لها، لاحقا، بناءً على ورود ذكر لها في نصٍّ كُتب بعدها، وهو الفصل.
وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات فقد واصل هذا العنوان، أعني ”الضميمة،“ شهرته وامتد تداوله من قبل النظار، مع أنه لا أصل له عند ابن رشد، ولا مُلِّر نفسُه قصدَ بوضعه ما اشتهر بسببه.
خامسا: إعادة إنتاج الغموض واستدامته
الواقع أن الغموض بخصوص ”المسألة“ قد تواصل على الرغم من كل ما سجل من ملاحظات نقدية من قبل الحوراني ومهدي والعلوي وبتروورث. مثال ذلك أن آخر نشرة ”للمسألة“ في اللغات الأوربية لم تعر أدنى اهتمام لتاريخ مشكل العنوان، حيث يجد المرء في عمل ماسيمو كامپنيني (Massimo Campanini, 2020) ثلاثة عناوين في موضع واحد: اثنان بالإنجليزية ويتوسطهما واحد بالعربية، ولكن بحروف لاتينية. وهكذا، يجد المرء: Appendix on The Divine Science ثم Damīma؛ ثم بعد ذلك العنوان الأخير، وهو ترجمة محرفة قليلا للعنوان الموجود في المخطوط: On the Problem Already Mentioned by The Šayh Abū’l Walīd in the “Decisive Treatise.”[59]
ويبدو لنا أن كامپنيني قد اكتفى بترجمة مقترح محمد عابد الجابري (ت. 2010) الذي كان قد جمع في نشرته الخام للمسألة بين عنوانين أو ثلاثة؛ حيث يجد المرء قبل النص ما يلي: ضميمة في العلم الإلهي ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[60] هذا دون أن يزود الجابري القارئَ بأي تفسير أو توضيح.[61] وبدوره، فإن محمد عمارة، يتحدث في تقديم نشرته عن ضميمة العلم الإلهي.[62] لكن الجدير بالذكر هو التزام هذا الأخير بما هو موجود في المخطوط وإبقاؤه عليه كما هو، فجاء العنوان في نشرته كما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[63]
والغريب، أيضا، أننا نجد تشارلس بتروورث، وهو ممن تبنى ملاحظات محسن مهدي واستعادها، يسقط في الغموض ذاته الذي تحدثنا عنه. وهكذا، فبَعدما اعتبر مهدي أن هذه المسألة لا يُفترض بها أن تحمل عنوانا، لأنها رسالة Epistle Dedicatory موجهة إلى شخصية موحدية وازنة لم يفصح عنها ابن رشد، كما ذكرنا أول الأمر، ذهب بتروورث أبعد من أستاذه، ليُحوِّل هذا التفسير إلى عنوان لعمل ابن رشد، ويستحدثَ تسميةً جديدةً هي ”رسالة الإهداء“ أو ”رسالة الإهداء الملقبة بالضميمة.“[64] والواقع أن هذا العنوان، أعني ”رسالة الإهداء،“ تعريب فاسد للوصف Epistle Dedicatory الذي جاء في التفسير الذي قدمه مهدي للسبب الذي جعل ابن رشد لا يطلق عنوانا على رسالته. وفي تقديرنا، إذا كان مفاد العبارة الإنجليزية الأخيرة ينطبق عموما على ”المسألة“ التي بين أيدينا شكلا وأسلوبا، فإن العنوان بالعربية، أي ”رسالة الإهداء“ لا يفيد شيئا ذا معنى. إضافة إلى ذلك، فعلى الرغم من مصادقته الصريحة على رأي أستاذه محسن مهدي بأن المسألة يجب أن تتقدم الفصل، وأن هذا هو مقصود ابن رشد، فإن أغرب ما في الأمر أن بتروورث عندما أعاد نشر الفصل والضميمة وترجمتيهما لم يخرج عن التقليد الذي سارت عليه النشرات التي انتقدها مهدي، وهو وضع المسألة بعد الانتهاء من الفصل.
ومثال آخر للغموض بخصوص ”المسألة“ في الدراسات الحديثة كتاب خالد زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية: ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية؛ وهو من أحدث ما صدر بخصوص قوائم أعمال ابن رشد، ولو أن هذا لم يكن القصد الأول ولا الثاني من الكتاب.
ففي معرض البحث عما يُسوغ إدراج كتبٍ لابن رشد ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، أورد زهري ثلاثة ”أمور“ لدعم مذهبه: أولها أن ابن رشد ”نشأ، شأنه شأن أبيه وجده، أشعري العقيدة“[65] وأنه لم يكن ”أشعريا عن تقليد، بل أشعريا عالما بأصول هذا المذهب،“[66] و”ثانيها، أنه لم يكن عن معزل عن المشاركة في علم الكلام، حيث إنه تعاطى تدريسه […]. [و]ثالثها: أنه ألف كتبا من صميم [كذا] علم الكلام، وقد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفات في هذا العلم […].“[67]
وفي هذا السياق، يورد زهري قائمة لأعمال ابن رشد التي يعتبرها ”من صميم علم الكلام،“ والتي تدخل ضمن المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية. وهكذا، فقد أحصى منها:
- ”فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال […] يصنف ضمن مؤلفات ابن رشد الفلسفية، بيد أننا لا نرى مانعا من إدراجه ضمن كتب علم الكلام أيضا.“[68]
- ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو ملر.“[69]
- ”مسألة في أن الله تعالى يعلم الجزئيات […] اعتبرها رينان من مؤلفات ابن رشد الفلسفية، وقد أدرجناها أيضا ضمن كتب علم الكلام، لأن موضوعها، وهو العلم الإلهي، مما انشغل به المتكلمون أيضا.“[70] ولا يهم زهري هل كان ابن رشد أشعريا أم لا في جوابه بخصوص مسألة العلم الإلهي.
لنا على كلام زهري ملاحظات كثيرة. وقد أدلينا ببعضها في موضع آخر.[71] أما هنا، فنكتفي بإيراد واستعادة ملاحظة أو اثنتين مما له تعلق مباشر بموضوعنا.
- أول ما يمكن أن يسجل على قائمة زهري، التي أوردنا منها هذه العناوين، هو أنه لم يرجع فيها إلى نسخها المخطوطة، ولا إلى قراءة نصوصها، وإنما اكتفى بما سجله بخصوصها إرنست رينان ومحمد عمارة. ولذلك، فالدليل عند زهري على أن ابن رشد قد ألف كتبا ”من صميم علم الكلام،“ هو أنه ”قد أحصى له الباحثون المتخصصون فيه مصنفاتٍ في هذا العلم [=علم الكلام].“[72] وفي الواقع، فإن هؤلاء المتخصصين في ابن رشد ليسوا بالكثرة التي توحي بها عبارة زهري، لأن هذا الأخير لم يعول، في هذا الموضع بالذات، سوى على كتاب المؤرخ والفيلولوجي الفرنسي إرنست رينان.[73] وهكذا، فقد فضل زهري أن يدير ظهره لكل التراكم المعرفي الذي سجله تاريخ الدراسات الرشدية، فهرسةً وتحقيقا وتحليلا، ليعود بنا إلى عمل ألف في منتصف القرن التاسع عشر، وليستعيد أخطاءه، فضلا عما سقط فيه هو من أخطاء، كان يمكن تفاديها لو عاد إلى ما هو رائج بين النظار من دراسات عن سيرة أبي الوليد ابن رشد وأعماله.
- يورد زهري عملا لابن رشد في علم الكلام بعنوان تلخيص فصل المقال، يقول عنه: ”تلخيص لفصل المقال: وهو اختصار للمصدر السابق (أي لكتاب الفصل)، ذكره إرنست رينان، وأفادنا بنشره من قبل مسيو مُلِّر أيضا.“[74] ويحيل، كعادته، على كتاب رينان في صيغته الأصلية (ص. 72) وفي ترجمته العربية (ص. 87).[75] والغريب أن زهري لم يعر أي أهمية للنص الفرنسي لابن رشد والرشدية الذي يرجح أن يكون النص ضميمةً للفصل بدل أن يكون تلخيصا له. وقد أوردنا عبارة النص الفرنسي مرتين سابقًا، ونعيدها هنا مرة ثالثة:
“Un résumé ou plutôt une sorte d’appendice du précèdent traité (=Le Fasl), contenu dans le même manuscrit de l’Escurial et publié aussi par M. Müller.”[76]
والترجمة العربية، على علاتها، تقول: ”تلخيص للكتاب السابق أو ذيل له يشتمل عليه عين مخطوط الأسكوريال، وقد نُشر من قبل مسيو ملر أيضا.“[77] أما زهري فقد قرر حذف عبارة ”أو ذيل له،“ ليغدو ما ألفه ابن رشد إنما هو تلخيص لفصل المقال وليس شيئا آخر. ولكن، بما أن رينان كان قد اطلع على نشرة مُلِّر دون أن يمد نظره إلى المخطوط، مخطوط الإسكوريال (632)، فإنه قد نقل لنا ذلك العنوان الذي وضعه مُلّر مبتورا، كما سبق أن بينا، وجاء زهري ليجعل من ”المسألة“ في العلم الإلهي تلخيصا لفصل المقال؛ والحال أن عملا بهذا العنوان لا وجود له.
- يتحدث زهري في القائمة أعلاه عن عملين لابن رشد ليطلق على الأول تلخيص فصل المقال، ويطلق على الثاني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ والحال أنهما عمل واحد؛ وزهري في هذا يستعيد خطأً آخر ارتكبه رينان. فقد أدرج هذا الأخير ما أسماه ”ملخصا للفصل أو بالأحرى ضميمة“ ضمن قائمة الأعمال الكلامية لابن رشد، وقد أورده في الترتيب مباشرة بعد فصل المقال. وفي مقابل هذا، كان قد أورد ضمن قائمة ما اعتبره أعمالا فلسفية لابن رشد عملا بعنوان:
“Traité sur cette question : Si Dieu connait les choses particulières” [78]
وهذه المقالة التي تعالج مسألة ما إن كان الله يعلم الجزئيات ليست سوى العمل السابق الذي اعتبره رينان ضميمة للفصل، وتعالج السؤال ذاته. أما زهري، فيقرر أن يتبع رينان؛ فيورد عملين اثنين لابن رشد بعنوانين مختلفين، بينما هما ذات العمل الواحد؛ وأغرب ما في الأمر أن زهري يدرك من طريق إفادة رينان، أولا، أن تلخيص [أو ضميمة] فصل المقال منشور من قِبل مرقص مُلِّر، وهذا لم ينشر غير الكشف والفصل وتلخيصه أو ضميمته. كما يدرك من طريق محمد عمارة، ثانيا، أن مسألة أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات ”منشورة في آخر فصل المقال بعنوان المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[79] فالأمر، كما ترى، يتعلق بنص واحد، وليس بنصين ولا بتلخيص للفصل. فقد كُتِب لوهم رينان عام 1861 أن يعاد إنتاجه عام 2017.
- يقول زهري متحدثا عن ”المسألة“: ”أشار المحقق [=محمد عمارة] في الهامش إلى أن إحدى النسخ [كذا] التي اعتمد عليها في التحقيق؛ وهي النسخة التي رمز إليها بالحرف م، ورد فيها العنوان هكذا: ضميمة لمسألة العلم القديم[80] التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[81] وهنا يجب أن نسجل أن محمد عمارة قد أشار إلى نشرتين وليس إلى نسخة واحدة، كما ورد في كلام زهري؛ وهما ما رمز إليهما الأولُ، أي عمارة، في الهامش المذكور بـ”م“ و”ص“؛ ويقصد بهما على التوالي: ”طبعة موللر (مخطوط الأسكوريال)“[82] و”طبعة المكتبة المحمودية التجارية بالقاهرة.“[83] ولو أن زهري تجشم بعض العناء فعاد، أولا، إلى مخطوط الإسكوريال، لوجد ما يلي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“[84] ولو أنه عاد، ثانيا، إلى طبعة مُلِّر، لوجد ما يلي: ”الضميمة: [عودة إلى السطر] المسئلة التي ذكرها أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه؛“ وقد وقفنا عند كل هذا أعلاه. فلو أن زهري راجع الأمر على أصوله لوقف على أن ما نسبه عمارة إلى مُلِّر وإلى مخطوط الإسكوريال باطل، وأن ما يدعيه لا يصدق إلا على الطبعة الثانية، أعني طبعة المكتبة المحمودية التجارية ”ص“؛ وقد ذكرنا هذا في ما مضى. هذا مع أن العنوان الذي نجده في نشرة عمارة هو الآتي: ”المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه.“[85] وعمارة في هذا كان، كما هو واضح، أمينا في نقله ما يوجد في مخطوط الإسكوريال.
خاتمة
كان غرضنا في هذه الدراسة أن نقف عند ”الهويات“ التي راكمها، عبر التاريخ، هذا العملُ القصيرُ الذي خلفه ابن رشد في العلم الإلهي، والذي عادة ما يذيل به الناشرون طبعات الكشف وفصل المقال. وهكذا، فقد انطلقنا من رصد الوضعية الحالية للنص في النسخة الخطية الفريدة التي لدينا اليوم لهذا العمل، لنراجع طرق تعامل المفهرسين والمترجمين القدامى والدارسين المحدثين معه. وقد وقفنا على أشكال الغموض التي لفت عنوان هذا النص وموقعه بالقياس إلى فصل المقال بالذات. والذي يمكن أن نستخلصه من كل هذا هو أن طمسا كبيرا قد مسّ هوية هذا العمل وأثر على إدراك أهميته. والظاهر أن قصره قد شجع على ذلك. هذا، على الرغم من أن النص—في تقديرنا، وكما حاولنا أن نظهره—يملك هوية مستقلة بالقياس إلى فصل المقال، فهو متقدم عليه زمانيا؛ بل إنه ربما يكون القول الوحيد الذي أفرده ابن رشد للنظر في العلم الإلهي؛ وبالنظر إلى أنه قد كتبه في وقت مبكر بالقياس إلى فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة وتهافت التهافت وتفسير ما بعد الطبيعة، فإنه قد استعاده بأشكال مختلفة في هذه النصوص. وعليه، فلا معنى في تقديرنا لمواصلة تجاهل هذه المعطيات والإصرار على اعتبار النص ضميمة للفصل، أو اختصارا له، أو أنه قد كتب بعده. لذلك، فإن اقتضى الأمر أن نضع لهذا النص عنوانا، فالأقرب إلى هويته هو العنوان الموجود في البرنامج، أعني مسألة في أن الله تبارك وتعالى يعلم الجزئيات؛ هذا مع أننا نميل إلى أن ابن رشد قد ترك النص بلا عنوان، لأنه كان رسالة جوابية على سؤال طرحه عليه صاحبه.
Bibliography
Averroes. The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Averroes. The Decisive Treatise: The Connection Between Islamic Religious Law and Philosophy. Edited with an Introduction by Massimo Campanini. Piscataway: Gorgias Press, 2017.
Ben Ahmed, Fouad. “Fī murājaʿat ʿalāqat Ibn Rushd bi al-Madhhab al-ashʿarī wa bi al-daʿwah al-muwaḥḥidiyyah.” In al-Multaqā al-waṭaniy li al-fikr al-ashʿarī bi al-Andalus: Tarīkh wa Ishkālat. Edited by ʿAllāl Jamāl al-Bakhtī, 493–510. Rabat-Tetuan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2020.
Butterworth, Charles. “Translator’s Introduction.” The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory. Translation with introduction and notes by Charles Butterworth. Provo: Brigham Young University Press, 2001.
Derenbourg, Hartwig. Les Manuscrits arabes de l’Escurial. Volume I. Paris: Ernest Leroux, 1884.
Gauthier, Léon. “Introduction.” in Ibn Rochd (Averroès), Traité décisif (Façl el-maqâl) sur l’accord de la religion et de la philosophie, suivi de l’Appendice (dhamîma). Texte arabe, traduction française, remaniée avec notes et introduction par Léon Gauthier, 3ème édition. Alger: Editions Carbonel, 1948.
Griffel, Frank. “[Appendix Zur] Frage, Die Der Meister Ibn Rushd In Seiner Massgeblichen Abhandlung Angesprochen Hat.” in Ibn Rushd, Maßgebliche Abhandlung – Fasl al-maqal, Aus dem Arabischen übersetzt und herausgegeben von Frank Griffel. Berlin: Verlag Der Weltreligionen, 2010.
Hourani, George F. “Introduction.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla. Edited by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Hourani, George F. “Introduction.” In Kitāb Faṣl al-maqāl wa-taqrīr mā bayna al-sharīʿa wa al-ḥikma min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
Hourani, George F. “Notes to the Translation.” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy. A Translation, with introduction and notes of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla by George F. Hourani. London: Luzac & Co., 1961.
Ibn Rushd, Abū al-ʿAbbās Yaḥyā. Bārnāmaj al-faqīh al-qādī al-Imām Abī al-Walīd Ibn Rushd radhiya al-Lāh ʿanh. Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 884.
Ibn Rushd, Muḥammad b. Aḥmad. al-Jawāmiʿ Fī al-Falsafah: kitāb al-Samāʿ al-ṭabīʿī. Edited by Josep Puig. Madrid: al-Maʿhad al-ʿarabī li al-thaqāfah-al-Majlis al-aʿlá li al-Buḥūth al-ʿislamiyah, 1983.
____ . al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah. Edited by Muṣtafā ḥanafī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdat al-ʿarabiyah, 1998.
____ . Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-Asrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-ḥikmah wa al-sharīʿah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿImārah. 3d edition. Cairo: Dār al-mʿārif, 1983.
____ . Escorial Manuscript. Madrid: Arabic Section, n. 632.
____ . Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa yalīh dhayl Faṣl al-maqāl. Cairo: Maṭbaʿat al-Ādāb wa al-Muʾayyid, 1317/1899.
____ . [Ḍamīma] al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh abū al-walīd fī Faṣl al-maqāl. In Ibn Rushd, Kitāb Faṣl al-maqāl wa taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by George Fadlo Hourani. Leiden: Brill, 1959.
____ . Ḍamīma fī al-ʿilm al-ilāhī: al-Masʾalah al-latī dhakarahā al-shaykh Abū al-Walīd fī Faṣl al-maqāl raḍiya al-Lāh ʿanh. In Ibn Rushd,Faṣl al-maqāl fī taqrīr mā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl. Edited by Muḥammad ʿAbd al-Wāḥid al-ʿAsrī. Introduced by Muḥammad ʿĀbid al-Jābirī. Beirut: Markaz dirāsāt al-waḥdah al-ʿarabiyah, 1997.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Aḥmad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mutawaffā sanat 595 raḥimah al-Lāh al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhayl Faṣl al-maqāl, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. Edited by al-Shaykh Maḥmūd al-Bayṭār al-Ḥalabī al-Kutbī. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Ḥamīdiyya, 1319/1901.
____ . Kitāb falsafat al-qādhī al-fādhil Muḥammad b. Aḥmad b. Muḥammad b. Aḥmad b. Rushd al-andalusī al-mushtamil ʿalā kitābayn jalīlayn, al-awwal: Faṣl al-maqāl fīmā bayn al-sharīʿah wa al-ḥikmah min al-ittiṣāl wa dhaylih, wa al-thānī al-Kashf ʿan manāhij al-adilah fī ʿaqāʾid al-millah wa taʿrīf mā waqaʿ fihā biḥasab al-taʾwīl min al-shubah al-muzayyifa wa al-ʿaqāʾid al-mudillaj. al-ṭabʿa al-thāniyya ʿalā nafaqat Aḥmad Nājī al-Jamālī and Muaḥammad Amīn al-Khānjī wa akhīh. Cairo: al-Maṭbaʿa al-Jamāliyya, 1328/1910.
al-ʿAlawī, Jamāl al-Dīn. al-Matn al-Rushdī: madkhal li qirāʾah jadīdah. Casablanca: Dār Tūbqāl, 1986.
Ibn Sharīfa, Muḥammad. Ibn Rushd al-ḥafīd: Sīrah wathāʾiqiyya. Casablanca: Maṭbaʿat al-Najāḥ al-Jadīda, 1999.
Ibn Taymiyya, Taqiy al-Dīn. Darʾ taʿāruḍ al-ʿaql wa al-naql, aw Muwāfaqat ṣaḥīḥ al-manqūl li-ṣarīḥ al-maʿqūl. Edited by Muḥammad Rashād Sālim. Volume 9. Beirut: Dār al-Kunūz al-Adabiyya, 1399/1979.
Mahdi, Muhsin. “Averroes on Divine Law and Human Wisdom.” In Ancients and Moderns: Essays on the Tradition of Political Philosophy in Honor of Leo Strauss. Edited by Joseph Cropsey, 114–131. New York: Basic Books, 1964.
Müller, Marcus Josef. Philosophie und Theologie von Averroes. Aus dem arabischen uebersetzt von Marcus Josef Müller. München: Franz, 1875.
____ . Philosophie und Theologie von Averroes. Herausgegeben von Marcus Josef Müller (München: Franz, 1859).
al-Murrākushī, Ibn ʿAbd al-Malik. al-Dhayl wa al-Takmila li kitābay al-Mawṣūl wa al-Ṣilah. Al-mujallad al-rābi (al-sifr al-sādis). Edited by Iḥsān ʿAbbās Muḥammad Ben Sharīfa and Bashār ʿAwwād. Tunis: Dār al-Gharb al-Islāmī, 2012.
Musāʿd, Muḥammad. al-Mustadrak ʿalā al-Matn al-Rushdī. Meknes: Manshūrāt al-Madrasa al-ʿulyā li al-Asātidha, 2017.
Renan, Ernest Averroès et l’averroïsme. Essai historique. 4ème édition revue et augmentée. Paris : Calmann Lévy Frères, 1882.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme, Essai historique. 2ème édition revue et augmentée. Paris : Michel Lévy Frères, 1861.
Renan, Ernest. Averroès et l’averroïsme. Essai historique. Paris: Auguste Durant, 1852.
Renan, Ernest. Ibn Rushd wa al-rushdiyya. Translated into Arabic by ʿĀdil Zuʿaytar. Cairo: Dār Iḥyāʾ al-kutub al-ʿarabiyya-ʿĪsā al-bābī al-ḥalabī wa shurakāh, 1957.
Zahrī, Khālid. al-Maṣādir al-maghribiyya li- al-ʿaqīda al-ashʿariyya: bibliyūghrāfyā wa dirāsah bibliyūmitriyyah. Volume 1. Rabat-Tetouan: Manshūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li al-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī, 2017.
للتوثيق
بن أحمد، فؤاد. ”هل كتب ابن رشد عملًا بعنوان الضميمة؟ ملاحظات نقدية حول غموض عمّر أكثر من قرن ونصف.“ ضمن موقع الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، الرابط <https://philosmus.org/archives/3088>
فؤاد بن أحمد
[1] ابن عبد الملك المراكشي، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، المجلد الرابع (السفر السادس)، حققه وعلق عليه إحسان عباس ومحمد ابن شريفة وبشار عواد معروف (تونس: دار الغرب الإسلامي، 2012)، 24.
[2] لعله لحفيد ابن رشد أبي العباس يحيى ابن رشد. انظر، محمد ابن شريفة، ابن رشد الحفيد: سيرة وثائقية (البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1999)، 25–26. وليست بأيدينا اليوم أي تفاصيل عن حياة هذا الحفيد.
[3] برنامج الفقيه القاضي الإمام الأوحد أبي الوليد ابن رشد رضي الله عنه، مخطوط الإسكوريال 884، ورقة 83و.
[4] محمد بن أحمد ابن رشد، كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق جورج فضلو حوراني (ليدن: بريل، 1959)، 18؛ فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، تحقيق محمد عبد الواحد العسري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، 103.
[5] محمد بن أحمد ابن رشد، [ضميمة] المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال، ضمن ابن رشد، كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق جورج فضلو حوراني (ليدن: بريل، 1959)، 41؛ وضميمة في العلم الإلهي: المسألة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في فصل المقال رضي الله عنه، ضمن ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، تحقيق محمد عبد الواحد العسري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، 103.
[6] يذهب جورج فضلو حوراني إلى أن المعني برسالة ابن رشد ربما يكون الخليفة أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن؛ أما تشارلز بتروورث، فيجزم بذلك. انظر:
George F. Hourani, “Notes on the translation,” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy, a transl., with introd. and notes, of Ibn Rushd’s Kitāb Fasl al-maqāl, with its appendix (Damima) and an extract from Kitāb al-kashf ‘an manāhij al-adilla by George F. Hourani (London: Luzac & Co., 1961), 117, n. 198; Charles Butterworth, “Translator’s Introduction,” in The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory, translation with introduction and notes by Ch. Butterworth (Provo: Brigham Young University Press, 2001), xl.
[7] ويرد عند ابن رشد في معرض رسالته: ”فهذا هو تقرير هذا الشك على أبلغ ما يمكن أن يعرف به على ما فاوضناكم فيه.“ تحقيق الحوراني، 42؛ تحقيق العسري، 128.
[8] هذا الجانب هو موضوع تقديمنا للنشرة الجديدة التي أعددناها لهذا النص.
[9] Hartwig Derenbourg, Les Manuscrits arabes de l’Escurial (Paris: Ernest Leroux, 1884) I, n. 6322, 439–40.
[10] انظر: أبو العباس أحمد ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل أو موافقة المنقول لصريح المعقول، تحقيق محمد رشاد سالم (بيروت: دار الكنوز الأدبية، 1979)، ج. 9، 382.
[11] وقد نشر عشرات المرات وترجم إلى لغات عالمية عدة.
[12] مخطوط الإسكوريال، رقم: 632، ورقة 18ظ.
[13] لا نتوفر إلى اليوم على نشرة نقدية له، ونعمل على إعدادها.
[14] قد يكون الترتيب موجودا في نموذج أو نسخة أخرى ينقل عنها ناسخ المخطوطة الحالية.
[15] محمد بن أحمد ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة أو نقد علم الكلام ضدا على الترسيم الإيديولوجي للعقيدة ودفاعا عن العلم وحرية الاختيار في الفكر والعمل، تحقيق مصطفى حنفي، مدخل ومقدمة تحليلية وشروح المشرف على المشروع محمد عابد الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998)، 99، 153.
[16] ابن رشد، كتاب فصل المقال، تحقيق الحوراني، 39؛ تحقيق العسري، 125.
[17] ابن رشد، كتاب فصل المقال، تحقيق الحوراني، 18؛ تحقيق العسري، 103.
[18] ما هو في حكم القطع اليوم أن ابن رشد قد راجع الكشف عن مناهج الأدلة، في حين أنه لا شيء بأيدينا اليوم يدل على أنه راجع الفصل؛ أما ”المسألة“ فيبدو أنها قد خضعت لبعض التعديلات التي يصعب أن تكون كلها عائدة للنساخ.
[19] على الرغم من الأهمية التاريخية والفيلولوجية الكبرى لتاريخ ”المسألة“ في الترجمات العبرية واللاتينية، فإن مجال قولنا لا يسمح لنا بالوقوف عنده.
[20] Ernest Renan, Averroès et l’averroïsme. Essai historique (Paris: Auguste Durant, 1852), 52.
[21] برنامج الفقيه القاضي الإمام الأوحد أبي الوليد ابن رشد رضي الله عنه، مخطوط الأسكوريال 884، ورقة 83و.
[22] Ernest Renan, Averroès et l’averroïsme, Essai historique, 2ème édition revue et augmentée (Paris : Michel Lévy Frères, 1861), I.
[23] منها مثلا عبارته الآتية في النشرة الأولى لعمله:
“Aucune partie du texte arabe d’Ibn-Roschd n’a été publiée.” Averroès et l’averroïsme, 63.
والتي غدت مقيدة في النشرة الثانية:
“Aucune partie du texte arabe d’Ibn-Roschd n’a été publiée avant 1859. En cette année, M. J. Muller a publié à Munich sous les auspices de l’Académie des Sciences, les trois traites sur l’accord de la religion et de la philosophie contenu dans le ms. 629 (=632) de l’Escurial.” Renan, Averroès et l’averroïsme, 2ème édition revue et augmentée, 74.
[24] Ernest Renan, Averroès et l’averroïsme. Essai historique, 4ème édition revue et augmentée (Paris: Calmann Lévy Frères, 1882), 70.
ويرد في الترجمة العربية التي كان عادل زعيتر قد أنجزها ما يلي: ”رسالة في هل يعلم الله الجزئيات، وقد ذكرت في قائمة الإسكوريال.“ إرنست رينان، ابن رشد والرشدية، نقله إلى العربية عادل زعيتر (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1957)، 86–87.
[25] Renan, Averroès et l’averroïsme, 4ème éd., 72.
والترجمة العربية على علاتها تقول: ”1. كتاب صغير اسمه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال […]2. تلخيص للكتاب السابق أو ذيل له يشتمل عليه عين مخطوط الإسكوريال وقد نشر من قبل مسيو مُلِّر أيضا.“ رينان، ابن رشد والرشدية، نقله إلى العربية عادل زعيتر، 86–87.
[26] ابن رشد، كتاب فصل المقال، تحقيق الحوراني، 1؛ تحقيق العسري، 85.
[27] Renan, Averroès et l’averroïsme, 4ème éd, 52, n. 18.
[28] مخطوط الإسكوريال، رقم: 632، ورقة 18ظ.
[29] Philosophie und Theologie von Averroes, Herausgegeben von Marcus Josef Müller (München: Franz, 1859), 128.
[30] وبدل أن يرجع عادل زعيتر الى نشرة مُلِّر يكتفى بنقل appendice بالذيل.
[31] Derenbourg, Les Manuscrits arabes de l’Escurial, vol. I, n. 6322, 439.
[32] Philosophie und Theologie von Averroes, Herausgegeben von Marcus Josef Müller, 128–131.
[33] Philosophie und Theologie von Averroes, aus dem arabischen uebersetzt von Marcus Josef Müller (München: Franz, 1875), 119.
[34] لا شيء في هذه النشرات مما يدل على أنها تحقيق لنص ”المسألة“ اعتمادا على نسختها المخطوطة؛ والظاهر أنها إعادة إنتاج لنشرة يوسف مرقص مُلِّر لعام 1959.
[35] محمد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال (القاهرة: مطبعة الآداب والمؤيد بمصر، 1317 [/1899م]).
[36] ابن رشد، فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال، 28.
[37] ابن رشد، فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ويليه ذيل فصل المقال، 29.
[38] طبع الشيخ محمود البيطار الحلبي الكتبي (القاهرة: المطبعة الحميدية، 1319/1901)، 21.
[39] كتاب فلسفة القاضي الفاضل محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد الأندلسي المشتمل على كتابين جليلين: الأول فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال وذيله، والثاني الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والعقائد المضلة، الطبعة الثانية على نفقة أحمد ناجي الجمالي ومحمد أمين الخانجي وأخيه (القاهرة: مطبعة الجمالية، 1328/1910)، ز.
[40] انظر الهامش السابق.
[41] كتاب فلسفة القاضي الفاضل محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد الأندلسي المشتمل على كتابين جليلين، 26.
[42] محمد بن أحمد ابن رشد، فلسفة ابن رشد: يحتوي على كتابي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة، الطبعة الثانية (القاهرة: المطبعة المحمودية التجارية بالأزهر مصر، 1935).
[43] ابن رشد، فلسفة ابن رشد: يحتوي على كتابي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة، 36. وانظر رأس الصفحات التي تشغلها ”المسألة“ في هذه النشرة، 36–39؛ وانظر فهرس الكتاب، 159.
[44] انظر أدناه.
[45] ينسحب هذا على النشرة التي أعدها محمد عمارة بعد عدة عقود. انظر: أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، دراسة وتحقيق محمد عمارة، الطبعة الثانية (القاهرة: دار المعارف، 1983).
[46] أشرنا إليها في المقدمة.
[47] أشرنا إليها في المقدمة.
[48] Léon Gauthier, “Introduction,” in Ibn Rochd (Averroès), Traité décisif (Façl el-maqâl) sur l’accord de la religion et de la philosophie, suivi de l’Appendice (dhamîma), texte arabe, traduction française, remaniée avec notes et introduction par Léon Gauthier, 3ème édition (Alger: Editions Carbonel, 1948), iv.
[49] Muhsin Mahdi, “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” in Ancients and Moderns: Essays on the Tradition of Political Philosophy in Honor of Leo Strauss, ed. Joseph Cropsey (New York: Basic Books, 1964), 114–31.
[50] Averroes, The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory, translation with introduction and notes by Ch. Butterworth (Provo: Brigham Young University Press, 2001).
[51] Hourani, “Introduction,” in كتاب فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال للقاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، تحقيق جورج فضلو الحوراني (ليدن: بريل، 1959)، 11.
[52] George F. Hourani, “Introduction,” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy, 1, 72.
[53] Hourani said on “[Damima]”: This title, meaning “Appendix, has no manuscript authority, but was applied to this little essay by Müller and has been retained by subsequent editors. It is essentially fitting to consider this work as an appendix to Fasl, since it expands an answer given there, and is referred to there at 11.6, in the words “We have devoted a separate essay (qawl) to this question, impelled by one of our friends”; the title given in the Escurial manuscript, “The question mentioned”, etc., refers back to this sentence. On the use of the past tense “We have devoted”, afradnā, see Gr. Intro. to Traité, p. vi: it does not imply that the essay was published or even written before Fasl.” “Notes to the Translation,” in Averroes, On the Harmony of Religion and Philosophy, 117.
[54] ابن رشد، كتاب فصل المقال، تحقيق الحوراني، 16؛ تحقيق العسري، 101، ف. 30.
[55] Mahdi, “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” 118.
[56] Mahdi, “Averroes on Divine Law and Human Wisdom,” 128, n. 17.
[57] Charles Butterworth, “Translator’s Introduction,” in Averroes, The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory, xxxix.
[58] جمال الدين العلوي، المتن الرشدي: مدخل لقراءة جديدة (البيضاء: دار توبقال، 1986)، 95.
[59] Averroes, The Decisive Treatise: The Connection Between Islamic Religious Law and Philosophy, edited with an Introduction by Massimo Campanini (Piscataway: Gorgias Press, 2017), 118.
[60] محمد عابد الجابري، ابن رشد، فصل المقال، 127. هذا وقد ألحق فرانك غريفل ”المسألة“ بترجمته الألمانية للفصل. انظر:
Frank Griffel, “[Appendix Zur] Frage, Die Der Meister Ibn Rushd In Seiner Massgeblichen Abhandlung Angesprochen Hat,” in Ibn Rushd, Maßgebliche Abhandlung – Fasl al-maqal, Aus dem Arabischen übersetzt und herausgegeben von Frank Griffel (Berlin: Verlag Der Weltreligionen, 2010), 52.
[61] ونستغرب كيف أن الراحل محمد مساعد قد واصل في عمله، المستدرك على المتن الرشدي (مكناس: منشورات المدرسة العليا للأساتذة، 2017)، إنتاج الغموض بخصوص هذا العمل دونما اعتبار لما قد تراكم على مستوى البحث دوليا في الموضوع، ولا حتى لما كان قد انتهى إليه الراحل جمال الدين العلوي في المتن الرشدي المستدرك عليه.
[62] محمد عمارة، أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، دراسة وتحقيق محمد عمارة، الطبعة الثانية (القاهرة: دار المعارف، 1983) 8، 11، 12.
[63] ضمن عمارة، ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 71.
[64] انظر الغلافين الخارجي والداخلي ومواضع متفرقة من عمل بتروورث في:
Averroes, The Book of the Decisive Treatise and Epistle Dedicatory, translation with introduction and notes by Ch. Butterworth (Provo: Brigham Young University Press, 2001).
[65] خالد زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية: ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية (الرباط-تطوان: الرابطة المحمدية للعلماء-مركز أبي الحسن الأشعري، 2017) المجلد الأول، 130. والتشديد من المؤلف.
[66] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 130. والتشديد من المؤلف.
[67] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 131. والتشديد من المؤلف.
[68] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 184. والتشديد من المؤلف.
[69] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 185. والتشديد من المؤلف.
[70] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 185. والتشديد من المؤلف.
[71] انظر مقالنا: ”في مراجعة علاقة ابن رشد بالمذهب الأشعري وبالدعوة الموحدية،“ الملتقى الوطني للفكر الأشعري بالأندلس: تاريخ وإشكالات، تنسيق علال جمال البختي (الرباط-تطوان: منشورات الرابطة المحمدية للعلماء-مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية، 2020): 493–501.
[72] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 131. والتشديد من المؤلف.
[73] ويجب أن نضيف أن زهري يعود بخصوص عمل آخر لابن رشد إلى محمد بنشريفة، انظر: المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 131.
[74] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 184، 186.
[75] والملفت للانتباه حقا أن زهري عندما يحيل على الترجمة العربية لعمل رينان يكتب: ابن رشد والرشدية، ثم يكتب رقم الصفحة؛ أما عندما يحيل على الأصل الفرنسي، فهو يكتب: Ernest, op. cit.، ثم يكتب رقم الصفحة. انظر: زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، 130، هـ1، 3؛ 183، هـ 2؛ 185، هـ 2، 3، 4، 7؛ 187، هـ1. وتقضي الأعراف الأكاديمية الحديثة، في التوثيق المختصر، أن نستعمل الاسم العائلي للمؤلِّف، وهو Renan في حالتنا هذه، وليس اسمه الشخصي، وهو Ernest في حالتنا هذه أيضا. وعلى سبيل التمثيل، فنحن لا نكتب: انظر: خالد، …إلخ، وإنما انظر: خالد زهري، …إلخ، أو خ. زهري، …إلخ، وذلك عندما نذكره لأول مرة؛ أو نكتفي بزهري عندما يتكرر ذكره. ومجمل القول إننا لا نستعمل الأسماء الشخصية في الكتابة الأكاديمية المعاصرة.
[76] Ernest Renan, Averroès et l’averroïsme, 4ème édition, 72.
[77] إرنست رينان، ابن رشد والرشدية، نقله إلى العربية عادل زعيتر، 87.
[78] Renan, Averroès et l’averroïsme, 4ème édition, 70.
[79] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 186.
[80] ”العلم القديم“ وليس ”العلم الإلهي“ كما أوردنا سهوا في دراستنا: ”في مراجعة علاقة ابن رشد بالمذهب الأشعري وبالدعوة الموحدية،“ 499.
[81] زهري، المصادر المغربية للعقيدة الأشعرية، المجلد الأول، 186.
[82] عمارة، ضمن ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 17.
[83] عمارة، ضمن ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 17.
[84] مخطوط الإسكوريال، رقم: 632، ورقة 18ظ.
[85] عمارة، ضمن ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، 17.
مقالات ذات صلة
في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف
On the Legitimacy of Sunni Theology against Abū Ḥāmid al-Ghazālī’s Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn (d. 505/1111): A Section from Abū Bakr al-Ṭurṭūshī’s al-Asrār wa-l-ʿIbar (d. 520/1126) - Introduction and Description Fī Mashrūʿiyyat al-Kalām al-Sunnī Ḍiddan ʿalā Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn...
منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق
Al-Ghazālī’s Methodology in His Writings on Logic Manhaj al-Ghazālī fī al-Taʾlīf fī ʿIlm al-Manṭiq منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق محمد رويMohamed Roui جامعة عبد الملك السعديUniversité Abdelmalek Essaadi ملخص: تتناول هذه الدراسة معالم منهج أبي حامد الغزالي...
المنطق في الحضارة الإسلاميّة
المنطق في الحضارة الإسلاميّة خالد الرويهبKhaled El-Rouayheb جامعة هارفارد-كمبريدجHarvard University-Cambridge ملخص: ”المنطق في الحضارة الإسلامية“ لخالد الرويهب (جامعة هارفارد بكمبريدج) هي في الأصل محاضرة بالعربية ألقيت في مؤسسة البحث في الفلسفة العلوم في...
مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد
Navigating Ambiguity: Exploring the Role of Uncertainty in the Classical Arab-Islamic Culture Makānat Al-Iltibās fī al-Thaqāfah al- ʿArabiyya al-Islāmiya Fī ʿAṣrihā al-Klāsīkī:Bawākīr Manẓūr Jadīd مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي بواكير...
أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)
The Impact of Ibn Rushd's (Averroes’) Philosophy on Maghribi Ashʿarī KalāmCurrent State of Studies on al-Miklātī (d.626/1229) Athar Falsafat Ibn Rushd fī al-Kalām al-Ashʿarī al-Maghribī: Dirāsa fī al-Munajaz ḥawl Fikr Abī al-Hajjāj Yusuf al-Miklatī (626/1229) Majda...
في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“
On the Approach to the Philosophy of Action in Fakhr al-Dīn al-Rāzī:A Critical Review of “Falsafat al-fiʿl wa-naẓarīyyat al-ʿādah al-tārīkhīyyah ʿinda al-mutakallimīn” Fī muqārabah Falsafat al-fiʿl ʿinda Fakhr al-Dīn al-Rāzī:Murājaʿat naqdīyyah li-maqālat “Falsafat...
أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان
Abū al-Barakāt al-Baghdādī on The Problem of Time Abū al-Barakāt al-Baghdādī wa Mushkil al-Zamān Jalel DridiUniversity of Tunis, Tunis أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان جلال الدريديجامعة تونس، تونس Abstract׃ The approach adopted by Abū al-Barakāt al-Baghdādī...
صورة العقل عند الشكّاك بين القديم والوسيط
Ṣūrat al-ʿaql ʿinda al-shukkāk bayna al-qadīm wa-al-wasīṭ Reason in the Ancient Skeptics and its Impacts during the Medieval Era صورة العقل عند الشكّاك بين القديم والوسيط سعاد جوينيجامعة تونس، تونس Souad JouiniUniversité de Tunis, Tunis Abstract: The creativity...
مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا
Machrūʿiyat al-naẓar al-ʿaqlī fī taqrīri al-ʿaqāʾid ʿinda al-mūtakalimīn:fakhr al-Dīne al-Rāzī namūdhajan The legitimacy of Speculated Reasoning from the Perspective of Fakhr al-Dīne al-Rāzī مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلّمين: فخر الدين الرازي...
”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“
“Which of the works of the ancient Greek philosophers [...] do we owe the first knowledge to the Arabs?” Revisiting an “old” Dispute “Mā hiya al-Aʿmāl al-Falsafīyah al-Yūnānīyah al-Qadīmah [... ] allatī Nadīn lil-ʿArab fī Awwal Maʿrifitinā bihā? ” ʿAwdah ilá Niqqāsh...