Loading

تصور فخر الدين الرازي لحقيقة الزمان ومرجعيته الأفلاطونية

تصور فخر الدين الرازي لحقيقة الزمان

ومرجعيته الأفلاطونية*

Tasawwūr Fakhr al-Dīn al-Rāzī liḥaqīqat al-zamān

wa marjiʿiyyatuh al-Aflāṭūniyyah

Fakhr al-Dīn al-Rāzī’s Conception of Quiddity of Time

and its Platonic Background

محمد الصادقي
Essadki Mohammed

جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس
Sidi Mohamed Ben Abdellah University, Fes

 

ملخص: رفض فخر الدين الرازي (ت. 606هـ/1209م) تصور المشائين للزمان بوصفه كما متصلا ومقدارا للحركة، وفسر ارتباط الزمان بالحركة بأنه ارتباط شعوري لا وجودي؛ كما رفض موقف المتكلمين المنكرين لوجود الزمان.

وأمام محدودية التفكير الكلامي والمشائي حول حقيقة الزمان يمّم نحو المرجعية الأفلاطونية سعيا منه لبناء تصور شمولي ومتماسك حول حقيقة الزمان؛ فاستقر به المقام بعد طول تفكير ليتبنى ما سماه مذهب أفلاطون (427ق.م/347ق.م) في الزمان، وحدد بموجبه الزمان في كونه جوهرا قائما بنفسه مستقلا بذاته. وفي هذه الدراسة سنقف عند طبيعة التصور الذي استقر عليه الرازي في المرحلة الأخيرة من حياته، ونسبه إلى أفلاطون؛ ونتساءل عن مدى أفلاطونيته؛ لنرى أخيرا كيف انتهى إلى صياغة تصور تركيبي خاص به، انتصر فيه لفكرة جوهرية الزمان كما عبرت عنها الأفلاطونية المحدثة في صيغتها الإسلامية، من غير أن يقطع مع تصورات المتكلمين والمشائين حول الزمان.

الكلمات المفاتيح: ماهية الزمان، جوهر، أفلاطون، المشاؤون، المتكلمون.

Abstract: Fakhr al-Dīn, al-Rāzī refuses the Peripatetic account of the quiddity of time which defines time as a measure of motion; he thinks that time is independent of and prior to changing things. He also refuses the account of the Mutakallimīn that denies completely the objective existence of time and considers it just as a coordination between two events (tawqīt) and has no extra existence. According to al-Rāzī, the existence of time is evident. al-Rāzī considers the thinking of these two accounts as limited and doubtful. So, in order to establish a coherent theory, he went back to what he called a “Platonic view” of time, which defines time as a “substance subsisting in itself and independent in itself.” In this paper, I will reveal the nature of the latest al­­-Rāzī’s conception of the quiddity of time and will verify whether this conception is really Platonic. Finally, I will reveal how al-Rāzī’ establishes a complex conception of time: he adoptes the idea that time is a self-subsisting substance, as it was elaborated by Muslim Neoplatonists, while he was still influenced by the Peripatetic and the mutakallimīn point of view.

Keywords: quiddity of time, substance, Plato, Peripatetics, Mutakallimūn.

مقدمة

عرض الرازي في المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات لمختلف التصورات بصدد وجود الزمان وحقيقته، غير أنه آثر في الأخير التوقف عن تبني موقف شخصي بعد أن لم تسلم أي من تلك التصورات من شكوكه، ولم ترجح أي منها عند نظره. وفي الكتب اللاحقة على المباحث والسابقة على شرح عيون الحكمة والمطالب العالية في العلم الإلهي، وبعد أن حسم موقفه بصدد وجود الزمان واعتبره بديهيا، خصص الحيز الأكبر من تفكيره في الزمان للنظر في ماهيته؛ وخص تصورات المشائين والمتكلمين بالقسط الأوفر من كلامه.[1] فانتقد تصور المتكلمين النافين لوجود الزمان أصلا، احترازا منهم مما قد يترتب على وجوده من القول بقدم العالم، الأمر الذي يتنافى وطريقتَهم في الاستدلال على وجود الله؛ كما رفض ما ذهبوا إليه من اختزال الزمان في مجرد التوقيت الذي تصنعه النفس عند اتخاذها بعض الحوادث وسيلة لتحديد زمان حوادث أخرى. وانتقد، أيضا، تصور المشائين لماهية الزمان بما هو كم متصل ومقدار للحركة؛ لأنه قائم، في نظره، على فلسفة طبيعية تؤمن باتصال الجسم والمسافة والحركة ولا تناهيها، بينما يعتقد هو بأن كل واحد من هذه المفاهيم يرتد إلى الجزء الذي لا يتجزأ.

وقد انتهى الرازي من نقده إلى أن الزمان ليس مقدارا للحركة ولا كما متصلا ولا آنا سيالا سيلانا متصلا، بل كما منفصلا يمتد في شكل آنات متتالية، كل واحد منها عبارة عن جزء لا يتجزأ مفصولٍ بعدمين: سابق، ولاحق. ولما كانت بنية الزمان مؤلفة من أجزاء لا تتجزأ، فإنه حادث بحدوث العالم وقابل للعدم بحكم ماهيته المتجددة؛ وبالتالي، فلا داعي لإنكار وجوده كما فعل المتكلمون، لأنه لا يهدد سلامة دليل الحدوث، بل يعزز من قوته النظرية.

غير أن هذا التصور التركيبي الذي بناه ابن الخطيب في تلك الكتب على أنقاض تصور المشائين والمتكلمين—وهو واحد منهم—لا يخلو مع ذلك من شكوك؛ فإنه وإن كان يتجاوز الشك الموجه إلى التصور المشائي، ويقترح الكم المنفصل بديلا عن الكم المنفصل في تفسير سيلان الزمان، فإنه مع ذلك يُبقي على ارتباط الزمان بالحركة والكم؛ والحال أن هناك أدلة قوية طرحها بنفسه، منذ المباحث المشرقية، تشير إلى أن الزمان سابق على الحركة والأجسام، ومقارن حتى للموجودات المجردة عن المادة. كما أن اعتبار الزمان تتاليا لآنات منفصلة يجرنا إلى السؤال عن وضعيتها الوجودية: هل هي من الأعراض أم من الجواهر؟ ذلك أنه يعتبر الزمان في الآن نفسه كما منفصلا وآنات متتالية؛ والحال أن الكم يندرج ضمن الأعراض، بينما الآنات عبارة عن جواهر مفردة كل واحد منها عبارة عن جزء لا يتجزأ. فكيف يجتمع في الزمان أن يكون جوهرا وعرضا في الآن ذاته؟

إن الشعور بمثل هذه الإشكالات ربما هو الذي دفع الرازي في المرحلة الأخيرة من حياته الفكرية، والتي تتزامن مع تأليفه كتابي شرح عيون الحكمة والمطالب العالية، إلى تعديل موقفه هذا من الزمان، سعيا منه وراء تصور أكثر تماسكا وأقل عرضة للشكوك. فأمام اقتناعه ببداهة وجود الزمان، وبمحدودية التفسيرين المشائي والكلامي لماهيته، انفتح على الفلسفة الأفلاطونية، كما اطلع على الاجتهادات التي تبلورت خارج إطار المشائية؛ لعل ذلك يسعفه في الجواب على شكوكه الكثيرة التي لم يجد لها أجوبة شافية في سائر كتبه السابقة لشرح عيون الحكمة والمطالب. فبلور أطروحة نسبها إلى أفلاطون، مضمونها أن الزمان جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته؛ يتبدى لشعورنا متجددا سيالا مقارنا للحوادث المتحركة، غير أنه في حقيقته ووجوده ثابت وسابق للحركة والأجسام. فما حقيقة هذا التصور الذي نسبه لأفلاطون؟ وهل يعكس حقا تصور أفلاطون أم تأويلا رازيًّا له؟

وقد رصد بيتر أدمسون Peter Adamson وأندرياس لامير Andreas Lammer في دراسة سابقة لهما ماهية الزمان عند الرازي، ووقفا عند جوهرية الزمان التي نسبها الرازي لأفلاطون؛ غير أنهما ركزا على كتابي المطالب وعيون الحكمة، وقارنا التصور الوارد فيهما بالموقف الذي سبق أن اتخذه الرازي في المباحث، من غير الوقوف عند التصور الذي اعتمده بين المرحلتين وحدد بموجبه الزمان في كونه كما منفصلا وتتاليا لآنات منفصلة بعضها عن بعض. أما نحن، وإن كنا سنركز على فكرة جوهرية الزمان التي تبناها الرازي في المرحلة الأخيرة، فسنبرز أولا: موقفه في طابعه الشمولي والتركيبي لنرى كيف استلهم موقفه الذي تبناه في المرحلة المتوسطة حتى في المرحلة الأخيرة؛ وننظر ثانيا في مدى أفلاطونية موقفه النهائي، وكيف أدمج عناصر أفلاطونية وأفلوطينية وكلامية ومشائية في مذهبه النهائي.

ولأجل الوفاء بغرض هذه الدراسة قسمناها إلى محطات ثلاث: نقف في أولاها مع عرض مركز وموجز لموقف أفلاطون من حقيقة الزمان؛ وفي الثانية نقدم بيانا مفصلا لمذهب الرازي في تركيبه وتعقيداته؛ لنختم نظرنا بمقاربة مذهب الرازي على ضوء الأصول الأفلاطونية والأفلوطينية، مع بيان أوجه اتصاله بهما وانفصاله عنهما.

 

أولا: التصور الأفلاطوني للزمان

يعرض أفلاطون للزمان عند عرضه لنظريته الكوزمولوجية ولكيفية صنع الإله للعالم؛ فهو يرى أن العالم كان من قبل مجرد مادة سديمية عمياء مضطربة، فخلق الإله النفس أولا، ثم من امتزاجها بالمادة المضطربة صنع بعنايته العالم حيا ذا نفس وعقل، وصنع العالم على صورة مثاله الحي الأزلي. ولما كان هذا المثال أزليا، وأراد الإله أن يجعل العالم مماثلا على قدر الإمكان لمثاله (الإله)، خلق الزمان من أجل دمج الحادث والمتحرك في الثابت والسرمدي. فالزمان هو الصورة المتحركة للأزل، وهذه الصورة تجسدها السماء في حركة كواكبها؛ يقول أفلاطون: ”وفيما كان يزين السماء صنع للأزل الباقي في وحدته صورة أزلية تجري على سنة العدد وهي ما سميناه زمانا، لأن النهار والليل والشهور والسنين لم تكن قبل حدوث السماء لكن الله استنبط حدوثها عندما كان يركب الفلك.“[2] فالزمان ولد مع الحركة الفلكية التي ولدت بدورها مع العدد الذي تجسده حركات الكواكب.

وتقسيم الزمان إلى القبل والبعد والآن، وكان وكائن وسيكون، ننسبها سهوا للجوهر الأزلي، والحال أنها لا تنطبق عليه، لأنه لا يليق به إلا أنه ”كائن“ دوما على حال دائمة دون تحول ولا صيرورة مما يلحق الأشياء الحسية الكائنة في الصيرورة. فالزمان يرتبط بالحادث والمتحرك ولا يمكن أن يكون في ذاته هو الأزلية ذاتها؛ لكن ميزة الزمن أنه يجمع بين الحدوث والتحول من جهة، والتشبه بالأزلية من جهة أخرى.

يبدو، إذن، أن للزمان عند أفلاطون بعدين: فيزيائي وميتافيزيقي: ”إذا نظر إليه من خارجه باعتباره ملابسا لظواهر زمنية كاليوم والشهر والسنة تكوّن لنا البعد الفيزيقي له، وإذا نظر إليه في ذاته مجردا عن الأيام تكون لنا البعد الميتافيزيقي له؛“[3] فحركة الأفلاك والشمس والقمر وباقي الكواكب، وانقسام الزمان إلى السنة والشهر واليوم كل ذلك مرتبط بالزمان الفيزيائي، فـ”شطحات تلك الكواكب هي الزمن.“[4] وفي مقابل هذا الزمان الفيزيائي المرتبط بحركة المحسوسات، هناك الأزل الباقي في وحدته؛ أي المثال الذي خُلق العالم على صورته والذي لا يسري عليه الزمان، ”لأن المثال هو الكائن مدى الأزلية كلها؛“[5] فهو خارج إطار الزمان لأنه لا مادي وغير متحرك، وهو سرمدية وحضور دائم بلا بداية ولا نهاية.

 

ثانيا: مذهب جوهرية الزمان عند الرازي

تبنى الرازي فكرة جوهرية الزمان في المرحلة الأخيرة من حياته؛ غيره أنه حتى عند تبنيه إياها لم يقطع مع تفكيره السابق حول الزمان، ومال إلى إدماج تصوره السابق ضمن هذه الفكرة، مع التوفيق بينهما في صيغة تركيبية خاصة. ولذلك سنعرض تصوره لماهية الزمان كما عرضه هو نفسه من خلال: أولا موضعته ضمن المذاهب المشهورة في عصره، خصوصا مذاهب المشائين والمتكلمين وأبي البركات البغدادي ودعاة جوهرية الزمان على اختلاف مذاهبهم؛ وثانيا إبراز صلة فكرته عن جوهرية الزمان بالآن، وبالرأي الذي استقر عليه في المرحلة ما قبل الأخيرة حين اعتبر الزمان كما منفصلا وآنات متعاقبة؛ وبيان صلتها بالحركة وبمذهب المشائين ثالثا.

1-    موقع هذا المذهب من المذاهب المشهورة في عصره

رغم أن الرازي قدم في المباحث المشرقية تفصيلا للمذاهب الموجودة حول حقيقة الزمان، فإنه لم يأت على ذكر القائلين بأنه جوهر روحاني ممكن، مع أن القسمة التي أوردها تفترض ذلك؛ ذلك أنه ذكر أن المثبتين للزمان: منهم من جعله عرضا، ومنهم من جعله جوهرا؛ ومن جعله جوهرا: منهم من جعله جسما، ومنهم من جعله جوهرا مجردا؛ ثم ذكر دعوى وحجج من جعله جوهرا مجردا واجب الوجود مشفوعةً بشكوكه عليها، ولم يأت على ذكر من اعتبره جوهرا مجردا ممكن الوجود، وهو اختياره في آخر حياته. وفي عمله الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية—الذي يحتمل أنه ينتمي إلى نفس المرحلة الزمنية للمباحث، كما أن الرازي قد امتنع فيه هو الآخر، عن الحكم في مسألتي وجود الزمان وماهيته— لمّح إلى هذا المذهب عندما ذكر قول من قال إنه جوهر قائم بنفسه، من غير تقرير ولا تفنيد؛ وذلك في مقابل مذهب من اعتبره واجب الوجود لذاته، وهو المذهب الذي عبر صراحة عن رفضه إياه.[6]

أما في المرحلة الأخيرة من حياته الفكرية، والتي تتزامن مع تأليفه كتابي شرح عيون الحكمة والمطالب العالية،[7] فانتهى إلى بلورة تصوره النهائي حول ماهية الزمان؛ حيث أخذ مسافة أكبر من المتكلمين والمشائين على حد سواء؛ وتبنى صراحة تصورا نسبه لأفلاطون، وقال إنه أكثر التصورات انسجاما وتماسكا، حتى وإن لم يرق إلى اليقين التام؛ مقابل محدودية التصورات الأخرى، بل وسطحيتها وعدم قدرتها على التعمق أكثر في حقيقة الزمان، واكتفائها بالوقوف عند تمظهراته وأعراضه الخارجية التي تقترن به أو تلزم عن وجوده دون أن تكون هي الزمان ذاته. فوظف هذا التصور من أجل حل التناقضات التي كشف عنها في نقده للتصورات الأخرى، أو تلك التي يكون قد شعر بها بصدد تصوره السابق للزمان ككم منفصل. غير أنه بلور مذهبه من غير أن يحدث قطيعة تامة مع هذه التصورات، بل سلك مسلكا تركيبيا-تأليفيا استوعب من خلاله المذاهب الأخرى، وخصوصا مذهبي المشائين والمتكلمين، ومذهبه الذي ارتضاه في المرحلة السابقة، والذي يرد الزمان إلى تعاقب الآنات. فالمذهب الأفلاطوني يعد في نظره أكثر المذاهب نضجا في مسألة الزمان، ولذلك عرض في المطالب لسائر المذاهب قبل صياغة مذهبه الخاص.

أما بالنسبة للمتكلمين، فقد تعرض لموقفهم عند الحديث عن وجود الزمان وأدمجهم ضمن المنكرين للوجود الموضوعي للزمان، ولخص هذا الموقف بشكل دقيق بالقول: ما دام المتكلمون ينكرون أن يكون للزمان وجود، فقد أعفوا أنفسهم من الحديث عن ماهيته؛ كما أعفى الرازي نفسه في كتاب المطالب من الرد عليهم ومناقشة تصورهم لماهية الزمان. وعلق على أدلتهم حول نفي الزمان بأنها ”بأسرها حسنة قوية معلومة،“[8] وقوتها في نظره ربما تستمدها من كشفها لعيوب تصور الفلاسفة الذين أثبتوا الزمان بناء على تحديد ماهيته في كونه كما متصلا؛ فهو يتفق معهم في رفضهم الاعتراف بوجود زمان عبارة عن كم متصل، تابع في وجوده وماهيته للحركة، لأن الحركة عنده مقارنة للزمان كاشفة عن وجوده وليست هي أساس وجوده.[9] كما كشف عن الخلفية الفكرية التي تحكم إنكارهم لوجود الزمان؛ فأدلتهم يحركها بشكل عام هاجس الرد على الفلاسفة لتفادي القول بزمان خطي متصل وقديم، لأن من شأن ذلك في نظرهم أن يهدم المقدمات العقلية التي رتبوا عليها قسما معتبرا من العقائد، وخصوصا مقدمة حدوث العالم. وقد عرض في المباحث لوجهة نظرهم التي تفسر الزمان بالتوقيت، مع ما لها من حجج وما عليها من شكوك، من غير أن يدرجهم ضمن المعترفين بوجود الزمان؛ لأن مرادهم من التوقيت كان هو مجرد تفسير الزمان النفسي الذاتي، أي ذلك الذي اعتقدت الفلاسفة أنه ليس مجرد ظاهرة نفسية، بل أمر خارجي موضوعي.

كما رفض الرازي مذهب أبي البركات البغدادي (ت. 560هـ/1165م) الذي حدد الزمان بأنه مقدار الوجود،[10] ووصف تعريفه هذا بأنه مبهم مجمل يحتمل عدة تأويلات.[11] وعلى فرض أن مقصوده منه أن الزمان مقدار امتداد الوجود،[12] فهو باطل في نظره، لأن امتداد وجود الشيء عبارة عن بقاء الشيء ودوامه واستمراره، وبقاء الأشياء ليس شيئا زائدا على ذواتها؛ ولو كان صفة قائمة بها لكان بقاء كل شيء ودوامه غير بقاء الآخر؛ فيلزم أن تتعدد الأزمنة في الساعة الواحدة بحسب تعدد الأشياء الباقية في تلك الساعة، وهو محال. وإذ خالف الرازي البغدادي في ماهية الزمان، فإنه وافقه في التأكيد على غيرية الزمان للحركة وأسبقيته عليها واستقلاله عنها؛ وهي الفكرة التي عرضها البغدادي بوضوح كبير، غير أن الرازي نسبها إلى أفلاطون وأصحابه؛ وسيأتي بيان موقف الرازي بصدد هذه الفكرة بتفصيل.

أما بخصوص مذهب المشائين، فقد جاء موقف الرازي من تصورهم، في هذين الكتابين، واضحا ورفضه تاما؛ بل إنه عمق الانتقادات التي سبق وأن وجهها لهم في المرحلة السابقة، بعد أن اعتمد هذه المرة خلفية جديدة هي الخلفية الأفلاطونية. فبعد أن فصل الزمان من حيث حقيقته وتقومه عن الحركة والجسم ومجمل العالم، وبعد أن اعتبره في المرحلة السابقة على المطالب عبارة عن تتال للآنات، أخرجه هذه المرة من دائرة الأعراض والجواهر المادية كلية، ووضعه ضمن الجواهر المفارقة، التي هي قائمة بنفسها وغير متحيزة ولا حالة في المتحيز.[13] فانتصر بذلك لما اعتبره مذهب قدماء الحكماء على حساب مذهب ”أرسطوطاليس المنطقي“ وأصحابه.

فلما بطلت هذه المذاهب، لم يبق حسب الرازي إلا القول الذي اختاره الحكيم ”أفلاطون الإلهي،“ فصرح قائلا: ”الحق في تقرير المدة والزمان ما ذكره أفلاطون، لا ما ذكره أرسطوطاليس.“[14] ومضمونه أن الزمان موجود روحاني أي ”جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته؛“[15] مستمر من غير تغير، ودائم من غير قبلية ولا بعدية، ليس بعرض حتى يحتاج إلى جسم يقومه، ولا بجسم حتى يحتاج إلى عوارض تلزمه من حركة ومكان وتبدل أحوال. فلا يمكن، حسب الرازي، أن يكون الزمان صفة أو عرضا يعرض لأي من الموجودات، سواء أكان صفة لوجودها كما هو الأمر عند أبي البركات، أم صفة لحركتها كما هو الشأن عند الفلاسفة المشائين. لكن، ألا يفضي القول بجوهرية الزمان وقدمه واستقلاله إلى جعله مشاركا واجب الوجود في وجوب وجوده؟

وقد ميز الرازي في القائلين بجوهرية الزمان بين ثلاثة آراء: منهم من قال إنه ممكن الوجود بذاته واجب الوجود بغيره؛ ومنهم من قال بأنه واجب الوجود لذاته ممتنع العدم لذاته، وهؤلاء منهم من جعله عين واجب الوجود؛ ومنهم من اعتبره موجودا آخر غيره. واحتج دعاة وجوب وجوده من الفريقين بحجج أربع ذكرها في المطالب:

أولها: إن الواجب هو ”الذي يلزم من مجرد فرض عدمه محال؛“[16] وهذا ما ينطبق على الزمان، لأنا لو فرضنا عدمه لكان وجوده بعد عدمه، وهذه البعدية بالزمان، فثبت أن افتراض عدم الزمان يؤدي إلى وجوده، وما امتنع عدمه وجب وجوده. الثانية: أن العقل كلما حاول أن يحكم بارتفاع الزمان إلا ويجده ثابتا، فهو موجود أزلا وأبدا. الثالثة: لما كان كل ما سوى الزمان لا يعقل دوامه إلا بدوام الزمان، وكان الزمان غنيا عن دوام شيء آخر، فقد استحق أن يكون واجب الوجود لذاته. الرابعة: الزمان ظرف لكل موجود، ولا يعقل دوام كل موجود إلا بدوام المدة، بينما تستغني المدة عن دوام شيء آخر من شأنه أن يكون ظرف لها؛ ولما كان الاستغناء عن سائر الموجودات من صفات واجب الوجود كان الزمان واجب الوجود.[17]

ثم إن هؤلاء القائلين بوجوب وجوده كما ينقل الرازي عنهم، منهم من بالغ وذهب إلى حد القول إن الزمان هو إله العالم ذاته، بدعوى أن الزمان متصف بصفات واجب الوجود من وجوب الوجود والقدم والاستغناء عن الجهة، وبأنه الأول والآخر والظاهر والباطن؛ فيسمى إلها من جهة كونه خالقا للعالم، ودهرا وسرمدا من جهة كونه باقيا مع الموجودات المتغيرة والثابتة. وعزز بعضهم دعواه بنصوص دينية أورد منها الرازي في المطالب: الحديث النبوي ”لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ،“ كما أورد هذا الذكر: ”يَا هُوَ. يَا مَنْ لَا هُوَ، إِلَّا هُوَ. يَا مَنْ لا يَدْري أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ، إِلاَّ هُوَ. يا مَنْ لا إِلَه إِلاَّ هُوَ. يَا أَزَلُ. يَا أَبَدُ. يَا دَهْرُ. يا سرمد. يا دهر. يَا دَيْهَارُ. يَا دَيْهُورُ. يَا مَنْ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.“[18] ومنهم، وهم الأكثرية، من قال جل تعالى عن أن يكون هو الزمان، بل الزمان أحد القدماء الخمسة واجبة الوجود، أحدها هو إله العالم والأربعة الأخرى هي الهيولى والنفس والفضاء والدهر، ويمتاز الإله عنها بأن كل ما ثبت لها من صفات الرفعة والجلال فقد ثبتت له بأتم وأشرف وأكمل مما لديها؛ ونسب الرازي هذا المذهب إلى قدماء الفلاسفة ولم يذكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب (ت. 315هـ/ 925م) الذي تبنى بدوره هذا المذهب، مثلما تبناه أفلوطين (ت. 270م).

وبعد عرض كلام الفريقين الأخيرين، اختار الرازي رأي الفريق الأول؛ فهو يشاطر الفريقين الثاني والثالث في القول بجوهرية الزمان وقدمه وثباته، لكن يخالفهما في نزع صفة وجوب الوجود عنه كلية، سواء أكان وجوب وجوده ينطبق على الإله تعالى على ما هو رأي الفريق الثاني، أم على موجود آخر غيره على ما هو رأي الفريق الثالث. واستدل في المباحث على امتناع وجوب الزمان، بكونه منقضيا متغيرا تتقدم أجزاؤه بعضها على بعض لذاتها وتتقدم الحوادث بعضها على بعض بسببها، وإلا فلو كان ثابتا لامتنع تقدم الحوادث بعضها على بعض، ولكان الحاصل الآن حاصلا في الزمان الماضي؛ فالزمان إذا موجود ممكن يلاحق العدم أجزاءه، وهذا خلاف واجب الوجود الذي يمتنع في حقه العدم.[19] واستدلال الرازي بانقضاء الزمان وتغيره على إمكانه إنما اعتمده في المباحث لأنه لم يكن قد تبنى بعد فكرة الزمان الجوهري الذي لا تغير في ذاته. وفي المطالب لم يعلق على الصفات والخصائص التي أسندها للزمان من ادعوا وجوب وجوده، واستندوا عليها لتزكية دعواهم؛ واكتفى بالتذكير بأن الدلائل دلت على أن واجب الوجود تعالى واحد، وهو واجب الوجود من كل الجهات، فلا واجب وجود سواه. كما نبه إلى أن الزمان وإن كان ثابتا في ذاته مستقلا بذاته فهو عرضة للتغير والتبدل وتتوارد عليه القبليات والبعديات؛ ففيه الإمكان والقوة، فلم يكن واجب الوجود لذاته. يقول: ”والأقرب من كل هذه الأقوال أن يقال: دلت الدلائل على أن واجب الوجود لذاته واحد، وثبت أن واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جميع جهاته، وذلك ينافي كونه تعالى موردا للتغيرات والتبدلات. لكن المدة والزمان مورد للتغيرات والتبدلات بحسب توارد القبليات والبعديات عليه [الزمان]، فلم يكن واجب الوجود لذاته من جميع جهاته، فلم يكن واجب الوجود بحسب ذاته، بل كان ممكن الوجود بحسب ذاته. وأما الإله فهو الموجود المقدس عن التغيرات، العالي عن أن يلحقه شيء ما بالقوة، فهذا هو الذي به نقول، وعليه نعول والله الهادي.“[20]

لكن التغيرات التي تتوراد على الزمان والتي استند عليها الرازي لتزكية دعواه هي في الحقيقة صفات إضافية عارضة لذاته وليست من صميم ذاته كما بين مرارا؛ فلا يلزم عنها إمكانه، لأن الباري تعالى يجوز أن تتوارد عليه أيضا القبليات والبعديات كصفات إضافية، فيصح وصفه بأنه قبل كل شيء ومع كل شيء وبعد كل شيء؛ من غير أن يتنافى هذا مع وجوب وجوده. ما يعني أن الدليل الصلب المعول عليه في موقف الرازي هو ما ثبت في الإلهيات من امتناع أن يكون الموجود الواجب الوجود أكثر من واحد.[21] وهذا يكشف كيف أن تفكير الرازي في الزمان الجوهري يبدو أنه لم يتبلور بشكل كامل، ولم يبلغ موقفه درجة اليقين التام، كما توحي كذلك عبارته ”والأقرب من كل هذه الأقوال.“

لقد رفض الرازي دعوى وجوب وجود الزمان منذ المباحث المشرقية، بل قد يكون نفوره من فكرة جوهرية الزمان مدة طويلة من حياته الفكرية بسبب القائلين بوجوبه؛ فلم يتبن الفكرة إلا بعد أن ميز فيها بين دعاة الوجوب ودعاة الإمكان.[22] وما ساعده على القبول بإسناد نمط وجود مفارق وغير محسوس للزمان، أنه كان قد خالف المتقدمين من المتكلمين وتابع الغزالي في الاعتراف بوجود موجودات مفارقة أو غير متحيزة ولا حالة في المتحيز غير الله. ولأجل طمأنة المتكلمين إلى أن هذا الزمان—وبالرغم من مفارقته وكونه مستقلا بذاته—لا يخرج عن فاعلية الباري وصفه بأنه ممكن الوجود.

بناء على ما سبق نخلص مع الرازي إلى أن الزمان، وبعد اعتبار وجوده الخارجي بديهيا لا يمكن إنكاره كما ذهب إلى ذلك المتكلمون، فإن حقيقته لا تتحدد في كونه امتدادا للوجود كما ذهب إلى ذلك أبو البركات البغدادي، ولا في كونه عرضا أي مقدارا للحركة الفلكية كما ذهب إلى ذلك المشاؤون؛ بل في كونه جوهرا روحانيا مفارقا وثابتا لا تجدد فيه، قائم بنفسه مستقل بذاته. وهو عنده وإن شابه واجب الوجود في اتصافه بأنه غير متحيز ولا حال في متحيز فقد انفصل عنه بإمكانه وقابليته للعدم. لكن إلى أي حد يعكس هذا الرأي الذي ارتضاه الرازي ونسبه إلى أفلاطون موقف هذا الأخير حقيقة، فإن ذلك ما سنجرد له مبحثا مستقلا.

2-    الزمان الجوهري والآن

في المرحلة الأخيرة من حياته الفكرية مع شرح عيون الحكمة والمطالب العالية تبنى الرازي مذهب جوهرية الزمان الذي نسبه إلى أفلاطون؛ غير أنه لم يكتف بهذا بل عمل على بيان صلة هذا الزمان الميتافيزيقي، الذي يعكس موقفه النهائي، بالزمان الفيزيائي الذي ارتضاه في كتبه اللاحقة على المباحث والسابقة على عيون الحكمة والمطالب. ففي هذه المرحلة المتوسطة كان قد حسم موقفه من هيولى المشائين وتبنى الجزء الذي لا يتجزأ، ثم ردَّ الزمان والأجسام والحركة إلى الجزء الذي لا يتجزأ. وهكذا حدد الزمان بكونه كما منفصلا وتتاليا لآنات منفصلة متعاقبة، كل واحد منها غير قابل للقسمة، ويمتاز بماهية خاصة به مخالفة لغيره. فصرح في معالم أصول الدين قائلا: ”الحركة والزمان كل واحد منهما مركب من أجزاء متعاقبة كل واحد منها لا يقبل القسمة بحسب الزمان.“[23] كما أكد في الأربعين في أصول الدين ”أن الزمان كم، وهو إما كم منفصل أو متصل، لا جائز أن يكون كما متصلا […] فإذن هو كم منفصل، فيكون مركبا من وحدات متعاقبة.“[24] وإلى حدود تأليفة للتفسير الكبير ظل معتقدا أن ”الزّمان منقسم لا محالة من آنات متعاقبة.“[25]

وفي ظل تشبثه بمذهبين يبدو أنهما متعارضين، سينظر في مشكلة صلة الزمان الجوهري الثابت بالآن السيال المتجدد سعيا وراء إيجاد صيغة لرفع لتعارضهما. فإذا كان الزمان في حقيقته جوهرا روحانيا مفارقا لا يمسك به إلا التأمل العقلي الخالص، وكان في ظاهره لا يتبدى لنا في الغالب إلا في صورة محسوسة وباتصال بالحركة والحوادث، وإذا لم يكن هذا الزمان المحسوس لا توقيتا ولا كما متصلا، بل كما منفصلا عبارة عن تتال لآنات متعاقبة منفصلة؛ فما العلاقة بين هذين الزمانين: الميتافيزيقي والفيزيائي؟ وكيف يجتمع في الزمان أن يكون جوهرا مفارقا ثابتا لا تغير ولا سيولة فيه، ويكون في الآن نفسه آنات متجددة سيالة؟

هكذا سيواصل الرازي استدعاء الزمان بالمعنى السابق الذي ارتضاه، والذي حدده في كونه كما منفصلا وتتاليا لآنات متعاقبة، حتى في هذه المرحلة التي استقر فيها رأيه على اعتباره جوهرا روحانيا. وسيؤكد أن وجود الزمان، الذي يتجلى لشعورنا من خلال هذه الآنات المتعاقبة، أمر وجداني حسي، يرقى وجوده إلى مقام البديهة ويستغني عن البرهان، لأنه أساس شعورنا بحضور الحال الحاضر، والذي لولاه لارتد وجود الحاضر إلى العدم.[26] كما سيستمر في التأكيد على امتناع أن يكون هذا الآن الحاضر منقسما، مع التمسك بكون بنيته التي لا تتجزأ تعكس بنية الحركة والأجسام ذاتها، والتي ترتد إلى أجزاء لا تتجزأ. فقد رفض في كتبه اللاحقة على المباحث تصور المشائين للزمان، غير أنه استعار منهم مصطلح الآن،[27] ثم كيفه مع فلسفته الطبيعية القائمة على رد المادة إلى الجزء الذي لا يتجزأ، فصور الزمان في صورة كم متصل عبارة عن آنات متعاقبة.

غير أنه في المرحلة الأخيرة سيعمق تأمله أكثر في حقيقة الزمان، ليعتبر هذا التصور لزمان هو عبارة عن آنات متعاقبة لا ينطبق حقيقة إلا على الزمان المحسوس المرتبط في أذهاننا بفعل الحركة، والذي لا نشعر به إلا بمناسبة إدراكنا للحوادث المتغيرة مثل الشروق والغروب وحركة الكواكب؛ أما حقيقة الزمان في ذاته فسيحددها في شيء آخر سابق الوجود للحركة والجسم؛ هذا الزمان هو الزمان الجوهري الروحاني المفارق القائم بنفسه والمستقل بذاته، والذي هو عبارة عن ديمومة لا تجدد فيه ولا تعاقب، ليس بكـمّ ولا عدد، وغير مؤلف في ذاته من آنات أو أجزاء لا تتجزأ. فأخرجه من دائرة الموجودات الطبيعية كلية، واعتبره جوهرا وليس عرضا، ومن جنس الجواهر الروحانية وليس المادية.

وللتعبير عن هذين الصنفين من الزمان، أو لنقل عن الزمان في حقيقته الذاتية اللامادية كجوهر مفارق، والزمان في تجليه المادي كجوهر مفرد، تحدث الرازي في المطالب عن نوعين من الآن؛ ففي جوابه عن السؤال: كيف يفعل الآن بسيلانه الزمان؟ ميز في الآن بين الآن المتقدم في الوجود على وجود الزمان، والآن المتأخر في الوجود على وجود الزمان؛ وقال إن الزمان واحد متصل في نفسه، فإذا عرض له ما يوجب الانفصال فيه حدث فيه الآن، وهذا الآن يكون متأخرا في الوجود عن الزمان؛ أما المتقدم فيتعلق الأمر بالآن الذي يفعل بسيلانه الزمان؛ فمثلما أن النقطة تفعل بسيلانها الخط، فكذلك يفعل هذا الآن بسيلانه ودوامه الزمان. وإن قول المشائين بكون الآن غير قابل للقسمة الفعلية وبكونه يفعل بسيلانه الزمان هو في نظره إقرار بجوهرية الآن والزمان و”تسليم لكون الآن شيئا قائما بنفسه، مستقلا بذاته، ثم إنه يفعل بسيلانه الزمان. وذلك بعينه رجوع إلى مذهب أفلاطون من أن الزمان جوهر قائم بذاته، ثم إنه تحصل له نسب متعاقبة متوالية إلى الحوادث. فيكون هذا اعترافا بأن الحق في تقرير المدة والزمان ما ذكره أفلاطون لا ما ذكره أرسطو طاليس.“[28] فالآن الفاعل للزمان صار عنده هو الذي يعبر عن الزمان الجوهري الذي نسبه إلى أفلاطون، بل صار عينه.

ورغم وصفه هذا المذهب بـ”الحق،“ فإن الرازي يحتفظ بشيء من النسبية ويعتبره أقرب الآراء إلى الحق وأقلها عرضة للشكوك، ولا يضفي عليه يقينا تاما؛ وما أورده من أدلة في كتبه المختلفة هي في مجملها للتدليل على خطأ الآراء الأخرى أكثر مما هي للتدليل على صواب هذا الرأي.

فالآن الذي تحدث عنه الرازي في المرحلة السابقة الفاصلة بين المباحث والمطالب، واعتبره كما منفصلا وشيئا ماديا محسوسا، وقال إنه هو أساس الزمان، حافظ عليه في هذه المرحلة، لكن بعد أن جرده من ماديته وجعله منطبقا على الزمان المحسوس الذي هو مجرد تجل للزمان الحقيقي ومعلول له، أما الزمان الحقيقي فهو الآن السابق للزمان المحسوس ومواصفاته مغايرة له، لأنه في ذاته جوهر روحاني لا مادي، وفي ديمومة بلا تعاقب. كما يصفه بأنه شيء متصل في ذاته، وفي حضور دائم، وهذا الاتصال لازم له لذاته من حيث إنه في حقيقته غير منقسم، وليس باتصال لآنات متتالية ولا لمقدار سيال، لأنه ليس بشيء مادي أصلا. أما الانفصال الذي بموجبه ينقسم إلى القبل والبعد، ويكون مدركا لحواسنا فليس بأمر جوهري ذاتي له، بل أمر عارض يلحقه فقط من مقارنته للحوادث. فهل يتعلق الأمر بوجود زمانيين اثنين، وبحقيقتين مختلفتين: واحد جوهري معقول والثاني عرضي محسوس؟

بالتأكيد، لا وجود عند الرازي إلا لزمان حقيقي واحد هو ذلك الذي يجسده الآن الجوهري، إلا أن النظر إلى هذا الزمان من جهة مقارنته لحوادث العالم المحسوس هو الذي يجعلنا ندركه في تجليه المحسوس المنفصل والمتغير؛ فالتغير حاصل في النسبة والعلاقة لا في ذات الزمان. والذي دعاه إلى تصوير الزمان المحسوس الذي نشعر به بوساطة الحركات في صورة شيء مؤلف—بحسب ما يبدو لنا—من آنات منفصلة متعاقبة، اعتماده فلسفة طبيعية قائمة على الجزء الذي لا يتجزأ، وعلى كون المسافة والأجسام، تبعا لذلك، مؤلفة من أجزاء غير قابلة للقسمة. والحال أن الزمان في ذاته شيء واحد وغير مادي أصلا، غير أن الطبيعة بحكم بنيتها المادية المؤلفة هي التي تعرضه لنا في صورة آنات متصلة بالحوادث والأجسام المتحركة، والحواس هي التي تلتقط هذا الزمان. فالزمان مقترن في وعينا بالحركة والحوادث لا أنه في وجوده قائم عليهما. ولذلك تحفّظ على من شبه ماهية الزمان بالنقطة التي إذا امتدت فعلت بسيلانها خطا، أو بالآنات التي إذا تتالت فعلت بسيلانها وامتدادها الزمان؛ لأن الزمان ليس بكم أصلا، لا متصل ولا منفصل، ولا وضع له، بل أمر روحاني، فلا يمكن أن تتصور له حركة أصلا؛ فهذه مجرد تمثيلات لا تعكس حقيقة الزمان، ويجوز استعمالها لتقريب معناه، أما إدراكه مفصولا عن الحوادث المتغيرة فقد لا يتأتى إلا بتجربة عقلية حدسية. فالآن هنا عند التعبير عن الزمان الحقيقي هو الجوهر الروحاني ذاته؛ ولأن الجواهر الروحانية بسيطة وثابتة فإنه لا يمكن أن يتصور لهذا الآن حركة ولا انتقال ولا تتال، بل حضور وديمومة.

وفّق الرازي إذا بين الزمان المحسوس الذي كان يتبناه قبل المطالب والزمان الميتافيزيقي الذي تبناه في المطالب من خلال مفهوم الآن؛ بأن ميز في الآن بين الآن الفاعل للزمان، والذي هو نفسه الزمان الجوهري الذي نسبه لأفلاطون؛ ثم الآن المتأخر عن وجود الزمان والذي لا تشعر به النفس إلا بمناسبة شعورها بالحركة. واستعار من المشائين مصطلح ”الآن“ لتفسير الزمان الجوهري وصلته بمظهره الطبيعي المتجدد؛ غير أنه انتهى إلى الجمع بين المظهرين المختلفين للزمان بتعديل هذا المصطلح على ضوء ما اعتبره فكرة أفلاطونية، بأن وحد بين الآن الفاعل للزمان والزمان الجوهري؛ وعلى ضوء المرجعية الكلامية، بعد أن استلهم من المتكلمين الزمان الافتراضي والجزء الذي لا يتجزأ في تفسيره الزمان المحسوس.

3-    الزمان الجوهري والحركة

إذا كان الزمان في ذاته جوهرا ثابتا غير سيال، فكيف نفسر سيلانه وامتداده، ونميز فيه بين القبل والبعد، والماضي والحاضر والمستقبل، ونقسمه إلى ساعات وأيام وسنين؟ ولماذا لا نشعر به إلا وهو مرتبط بالحركة والحوادث؟ وإذا كان جوهرا مجردا ومستقلا في وجوده عن الحركة التي جعلها المشاؤون أساس وجوده، فلماذا لا نقدره ونعده إلا بوساطتها؟

اعتبر الرازي قول متأخري الحكماء (أرسطو والمشائين) بتجدد الزمان وسيلانه وارتباطه بالحركة بمثابة اعتراض على مذهب قدمائهم (أفلاطون) القائلين بجوهريته؛ وعبر عن منطق المتأخرين قائلا: ”الزمان شيء سيال متجدد الوجود، وما يكون كذلك فإنه يمتنع أن يكون جوهرا قائما بذاته، مستقلا بنفسه.“[29] ومع اقتناعه بدعوى جوهرية الزمان، لا ينكر حال التجدد الحاصل فيه؛ لذلك كان عليه في هذه المرحلة أن يرفع الإلزام الموجه إلى هذه الدعوى ويجد صيغة توفيقية بين خاصيتين متقابلتين داخل الشيء نفسه. ويوضح أن الزمان، وإن كان في ذاته في غاية البساطة والخلو من التركيب والتغير، تحصل له نسب إلى الحوادث المتغيرة المتعاقبة؛ وبموجب هذا الاقتران أمكن أن نميز فيه بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأن نتحدث عن زمان سابق وآخر لاحق؛ لكن عندما ننظر إليه في ذاته وماهيته فقط لا نجد إلا الدوام الواحد والاستمرار الواحد. فبدون الحركة قد نشعر بالزمان في سيلانه وامتداده لكن دون أن نميز فيه بين هذه الوحدات المعيارية مثل الساعة واليوم والشروق والغروب، فهذه الوحدات هي الشيء المحسوس من هذا الزمان غير المحسوس في ذاته. فالجانب المتغير والمحسوس من الزمان ليس إلا أمرا عارضا طارئا، بل ولا يمتلك صفة وجودية مستقلة، لأنه ناتج عن علاقة نسبية إضافية، والنسب والإضافات ليس لها وجود في الأعيان بل في الأذهان فقط؛[30] فالزمان ”جوهر باقي أزلي أبدي، إلا أنه إذا حدثت الحوادث، صارت تلك الحوادث المتعاقبة مقارنة له، وحينئذ يلزم من وقوع التغير والتبدل، وقوع التغير والتبدل في نسب ذلك الجوهر إلى تلك الحوادث. والحاصل أن السيلان ما وقع في ذات الزمان وفي جوهره، بل وقع في نسبته إلى الحوادث المتعاقبة.“[31]

ويلزم الرازي الخصم الإقرار بجواز مقارنة الثابت المتغير من غير أن يلزم عن ذلك تغير بذات الأول بمثال يستقيه من الخصم نفسه، ويتعلق الأمر بالعلاقة بين الإله وسائر الحوادث، فهو يعترف بأنه تعالى بالنسبة لكل شيء إما قبله أو معه أو بعده، فتتغير النسب بين ذاته وسائر الحوادث دون أن تتغير ذاته وصفاته. وهكذا يصف حجة الخصم بـ”الضعيفة“ و”الساقطة.“ والخصم المشار إليه هنا هو، في الغالب، ابن سينا.

فمقارنة الزمان للحوادث المتغيرة في نظره هو الذي دفع إلى الاعتقاد بأن الزمان سيال متغير في حقيقته، دون الانتباه إلى أن ”التغير واقع في أحواله الخارجة عن ماهيته، وفي الإضافات العارضة لذاته بحسب مقارنته لتلك الحوادث؛“[32] والحقيقة أن الزمان شيء آخر أعمق مما تصور المشاؤون، إنه جوهر مجرد دائم ”قائم بنفسه مستقل بذاته.“[33] ولأن العقول البشرية، حسب الرازي، عاجزة عن إدراك دوام من غير تغير، ولأنها نفسيا تعودت أن لا تشعر بالزمان إلا مع تعاقب الحوادث والحركات، فقد أعطت لهذه الحركات صورة كمية سمتها الزمان، وقسمته إلى وحدات معلومة، كما ذهب إلى ذلك المشاؤون، أو اكتفت باختزال الزمان في كل ما يصلح أن يتخذ مرجعا للمقارنة وتحديد الوقت، كما ذهب إلى ذلك المتكلمون. ويمثل لهذا التمايز بين الزمان الجوهري والزمان الطبيعي السيكولوجي بالعلاقة بين المكِيل والمكيال، والزمان وجهاز الساعة؛ فلأننا تعودنا أن لا ندرك الحبوب إلا وهي مقيسة بالمد والصاع وغيرهما، كدنا نعتقد أنه لا وجود لها إلا من حيث هي مقدرة بهذه المقادير؛ والحقيقة أن المكيل شيء والمكيال شيء آخر مختلف عنه. وكذلك الأمر بالنسبة للزمان مع الساعة، فهي جهاز لقياس الزمن وليس لإيجاده؛ ولذلك يقرر: ”لا تأثير للحركة الفلكية في وجود المدة والزمان البتة، وإنما تأثيرها في تقدير هذه المدة بالأجزاء والأبعاض. ومثاله: تقدير الليل والنهار بالفنجانات وصندوق الساعات، فإن تلك الآلات لا تأثير لها في إيجاد الزمان والمدة، وإنما تأثيرها في تقسيم الليل والنهار بالساعات والأجزاء، فكذلك تأثير الحركة الفلكية ليس في تكوين المدة وإيجادها، بل في تقسيمها بالأجزاء والأبعاض، وهي: السنون والشهور والأيام والساعات.“[34]

لا يعترض الرازي على الارتباط السيكولوجي للزمان بالتغير، بل ويتفهم ما ذهب إليه المشاؤون من قبل من أن إدراك الزمان غير ممكن خارج تجربة التغير. فقد ذهب أرسطو إلى أن تمثّل الوقت يفترض إدراك الآنات المتتالية المتمايزة، التي هي بدورها غير ممكنة دون تغير؛ ففي تجربة النوم أو في حالة أصحاب الكهف مثلا، ولأننا لا ندرك مقدار ما مر من آنات متمايزة، لا نشعر بالزمان، فنتمثل لحظة النوم ولحظة اليقظة كما لو أنهما لحظة واحدة؛ إلا أننا نرجع عادة إلى العلامات المصاحبة لبداية ونهاية نومنا، مثل مشاهدة الساعة أو المقارنة بين الظلمة المصاحبة لنومنا ونور الشمس المصاحب ليقظتنا، لننتبه عندئذ إلى مقدار ما تم من الوقت.

فقد ربط أرسطو الزمان بالحركة ربطا وجوديا؛ فإذا لم يكن الزمان في نظره هو الحركة ذاتها، فإنه لا يمكن أن يوجد بدون وجود حركة ونفس تَعُدّ تلك الحركة؛ لأن كون الزمان هو عدد الحركة[35] لا يعني أن كلمة عدد هنا تعني الذي يَعُدُّ بل المعدود، والمعدود من دون وجود نفس تعده لا وجود له؛ ولذلك أجاب عن السؤال: هل يمكن أن يكون الزمان موجودا وإن لم تكن ثم نفس تعده، أو لا يمكن ذلك؟ بما يلي: ”فغير ممكن أن يكون الزمان موجودا إذا لم تكن نفس موجودة.“[36] فالزمان عند أرسطو مرتبط في وجوده بالحركة وفي إدراكه بالنفس.[37] أما الرازي، فإنه وإن اعترف بارتباط الزمان بالحركة، فقد حصر هذا الارتباط في الإدراك الحسي للزمان في تجليه المادي المتغير، لكنه فصل وجوده وحقيقته عن الحركة فصلا تاما.

يتسم هذا الزمان الجوهري بخاصيتين اثنتين: أولاهما الثبات الذي لا تغير فيه، وثانيتهما اللانهاية في القدم؛ وبحكم الخاصية الأولى، لا توجد فيه حركات ولا آنات متتالية متمايزة يمكن لنفس عدها، فيصعب عليها بالتالي إدراكه؛ وبحكم الخاصية الثانية فإن امتدادا لا متناهيا يوجد بكليته في كل آن، ومن دون أن يكون له بداية ونهاية، لا يمكن للذهن أن يلم به. فما يزيد العقول صعوبة في الإمساك بماهية الزمان هو طابع اللانهاية الذي يميزه؛ يقول الرازي: ”فالدوام الخالي من شوائب التغير مما لا يصل إليه العقل […] فالذي لا نهاية له لا يتصوره العقل البتة.“[38] فتصور الزمان في حقيقته ربما يعد أعلى شأنا من العقول البشرية، وما يدرك منه هو فقط وجوده، أو بالأحرى تمظهرات وجوده البادية في المحسوسات؛ ولذلك فما يذكره الناس من أقوال لتحديد حقيقته، إنما هي في الحقيقة مجرد تمثيلات لتقريب ماهيته، من قبيل القول بأن الآنات إذا امتدت فعلت بسيلانها الزمان.

وإذا كان الزمان الجوهري مما يعجز العقل عن إدراك ماهيته لقوته، فإن الزمان الحسي يعجز أيضا عن إدراكه لضعفه. ونظرا لضعف تلك التمظهرات ونقصها، أدرجها الرازي في المباحث في صنف الموجودات التي هي في غاية الضعف ”حتى تكون كأنها يخالطها العدم؛“[39] فيعجز العقل عن إدراكها مثلما يعجز البصر عن رؤية المحسوسات الضعيفة.

ولشرح كيف يجتمع الثبات والتغير في الزمان، وكيف يكون في ذاته ثابتا وفي الآن نفسه مقارنا للحوادث المتغيرة، رجع الرازي إلى مفاهيم ”الزمان“ و”الدهر“ و”السرمد“ التي استعملها ابن سينا في عيون الحكمة؛[40] غير أنه سجل كيف أن أبا علي استعملها من غير شرح، ووردت عنده مناقضة لمذهبه المشائي في الزمان. فبسبب أن هذه المفاهيم ذات خلفية أفلاطونية ولا تستقيم دلالاتها إلا في سياق أفلاطوني، لم يستطع ”الشيخ“ بيان دلالاتها ولا إدماجها في مذهبه. وقد أورد الرازي ما قاله ”الشيخ“ في عيون الحكمة من أن اعتبار أحوال المتغيرات مع المتغيرات هو الزمان، واعتبار أحوال الأشياء الثابتة مع الأشياء المتغيرة هو الدهر، واعتبار حال الأشياء الثابتة هو السرمد؛ ثم سجل أنه لا يستطيع الجواب عن جملة من التساؤلات تهم حقيقة هذه المفاهيم، من قبيل: هل ما سماه الدهر والسرمد هو النسب ذاتها (القبلية والبعدية والمعية) أم هو أمر آخر غيرها يقتضي حصول هذه النسب؟ ولماذا لا يكون الزمان هو بدوره مجرد هذه النسب؟ وإذا كان الزمان أمرا موجودا كما ذهب إلى ذلك في كتبه، فلماذا لا يجعل الدهر والسرمد أيضا أمرين موجودين يقتضيان هذه النسب؟ وإن كانا موجودين فهل هما من صنف الجواهر أم من صنف الأعراض؟ وإن كان جوهرين فهل هما روحيان أم جسمانيان؟ ثم هل ما سماه الدهر ثابت في نفسه أم متغير سيال؟ وإن كان ثابتا، فبأي معنى يكون سببا لحصول التغيرات؟ ثم لماذا أثبت شيئا آخر غير الزمان هو الدهر والسرمد ولم يكتف بالزمان؟ وما يمنع ”الشيخ“ من الجواب عن هذه الأسئلة، حسب الرازي، هو مرجعيته المشائية. ويوضح الرازي، بناء على مرجعيته الأفلاطونية، أن الزمان والدهر والسرمد تحيل على شيء واحد ثابت في ذاته لا تعدد ولا تغير فيه؛ وإنما التغير في النسب والإضافات التي تحدث عند مقارنته بالمتغيرات، وبحسب هذه المقارنة أو عدمها تتعدد مسمياته.

ومن أسماء هذا الزمان الجوهري أيضا المدة، وإنما سميت مدة حسب الرازي لأنها تمتد في وعي النفس عند تعاقب الآنات وتتاليها؛ وإلا فإن المدة ”في ذاتها وفي جوهرها موجود باقي دائم مستمر، إلا أن شعور العقل بها إنما يحصل بسبب توالي الآنات الحاضرة وتعاقبها.“[41] ما يعني أن المدة لا تدرك إلا بحدس عقلي خالص، بينما التغير الذي ننسبه إليها عند إدراكنا للحوادث المتحركة هو مجرد أمر شعوري من صنع الذهن.

ويرفض مسلك من فرق بين المدة والزمان جاعلا المدة والدهر اسمين للزمان الجوهري، والزمان اسما للمدة المقدرة بالحركة. ويوضح أن ما حمل هؤلاء على هذا هو ما وجدوه في كلام المتقدمين—ويقصد في الغالب أفلاطون—من أن المدة والدهر قديمان والزمان حادث؛ ولما صعب عليهم الجمع بين النقيضين قالوا الدهر قديم ثابت والزمان المقدر بالحركة حادث متجدد. أما الرازي فيبدو أنه تجاوز التناقض بأن اعتبر الزمان الحقيقي هو عين المدة والدهر؛ أما الزمان الفيزيائي المقدر بالحركة فعدّه مجرد أمر شعوري لا وجود له إلا في النفس. ولما كانت الحركة حادثة، وكانت النفس لا تدرك هذا الزمان إلا بمناسبة إدراكها للحركة، فقد صح قول من قال ”الزمان محدث وله أول.“[42]

يبدو أن الرازي قد استلهم تصور المتكلمين للزمان الموهوم، أي ”التوقيت“، ووظفه لفهم التصور المشائي للزمان؛ وهذا ما يفسر ربما مدحه لحججهم التي راموا من خلالها إبطال وجود الزمان، كما ورد في التصور المشائي. ومثلما فسر علاقة الزمان الجوهري بالزمان الفيزيائي، فسر أيضا علاقته بالوقت قائلا: ”والوقت اسم له [المدة في ذاتها] بشرط أن يصير جزء معين فيه معرِّفا لحدوث حادث معلوم الوقوع.“[43] وفي ختام الفصل المخصص للزمان في المطالب، خلص إلى أن عموم ”الناصرين لمذهب أرسطوطاليس في أن الزمان مقدار الحركة، لا يمكنهم التوغل في شيء من مضايق المباحث المتعلقة بالزمان إلا عند الرجوع إلى مذهب أفلاطون.“[44]

ثالثا: الرازي ومذهب أفلاطون بين الاتصال والانفصال

1-    الانفصال عن التصور الأفلاطوني للزمان

استقر الرازي على تصور واضح لماهية الزمان، صاغه في العبارة: ”جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته،“ ونسبه صراحة لأفلاطون؛ غير أن هذه النسبة لا تمنعنا مع ذلك من التساؤل عن مدى أفلاطونية هذه الفكرة التي لم يرد بصددها تعبير صريح من أفلاطون نفسه بتبنيها؛ فهل تبنى أفلاطون حقا هذا المذهب؟ أم أن الرازي نسبه إليه فقط من أجل تسويغ القول بمذهب يبدو مخالفا للمذاهب المشهورة في عصره؟

فعند أفلاطون، نجد حقا تمييزا بين الزمان والأزل، وحصرا للزمان في عالم الموجودات المتحركة؛ فهو يستثني الموجودات الخالدة عن أن يسري عليها الزمان، ويتعلق الأمر في المقام الأول بالله صانع العالم على مثاله، ثم المادة الأولى السديمية التي صنع منها العالم بعد أن امتزجت بالنفس؛ فهذه المادة ربما هي أيضا أزلية لم يسبقها عدم، ولم يسر عليها الزمان إلا بعد أن انقسمت إلى موجودات مختلفة. كما أنه جعل القبل والبعد، والحاضر والماضي والمستقبل، أوصافا تلحق الزمان الطبيعي، ونزّه الأزلية عن ذلك، بعد أن جعل حدوث العالم وظهور الزمان متلازمين. وهذا التمييز ربما لا يدع مجالا للشك في تصور أفلاطون للأزلية كشيء متميز عن الزمان.[45]

واستقلال الزمان في ذاته عن الحركة والأجسام المتحركة، وأسبقية وجوده عليها كما وضحه الرازي ربما يكون هو ما عبر عنه أفلاطون من قبل بغيرية الزمان للأزلية وأسبقيتها له؛ فالرازي يتابعه في القول بأن ما اعتبره أرسطو أزليا وتجسيدا لحقيقة الزمان، إن هو في الحقيقة إلا أمر حادث وتابع لحركة الموجودات، وأن الأزل سابق عليه وهو منزه عن الحركة أصلا. فبينما يميل أفلاطون إلى جعل الزمان الطبيعي مقدار الحركة،[46] كان الرازي واضحا في الحكم على مقدار الحركة بأنه ليس هو الزمان ذاته بل مجرد تمظهر خارجي له، أو هو الزمان كما يبدو لشعورنا، لأن المدة والسرمد والأزل والدهر عنده ليست إلا أسماء مختلفة لمسمى واحد هو الزمان الجوهري. وبينما يستعمل أفلاطون مصطلحين اثنين بمعنيين متفاوتين للحديث عن الزمان: ”الأزل“ الثابت، و”الزمان“ المتغير، فإن الرازي كان واضحا في استعمال مصطلح الزمان أو مرادفاته بمعنى واحد هو الذي يعكس حقيقة هذا الشيء الثابت والأزلي.

وبفصله للزمان كليا عن الحركة والمتحركات وسائر المحسوسات، انتهى الرازي إلى القول بحدوث العالم، مقابل إبقاء أفلاطون المادة السديمية خارج منطق الحدوث. كما كان الرازي حاسما في التمييز بين الزمان وبين واجب الوجود، مع المحافظة للأخير على سموه؛ فلم يسند للزمان وظيفة محاكاة اللامادي الأزلي في المادي الحادث.

فعلى الرغم من نسبة الرازي هذا المذهب إلى أفلاطون، فقد تبين من عرض تصور أفلاطون أن الرازي لم يكن مجرد ناقل للتصور الأفلاطوني بل قارئا مؤولا له؛ فمن المحتمل أن يكون قد فهم لفظ الصورة الوارد في العبارة الأفلاطونية التي تعتبر الزمان ”صورة“ الأزل، لا بمعناها الفيزيائي بل بمعناها الشعوري النفسي، بحيث يكون الزمان في حقيقته هو الأزل ذاته أو الجوهر الروحاني بتعبير الرازي، والذي لا ننفذ إلى حقيقته الجوهرية إلا عندما ننظر إليه نظرة عقلية خالصة؛ ويكون الزمان الحسي هو التمثل الذي ينطبع عن هذا الجوهر عندما ندركه إدراكا حسيا، أي من حيث هو مقترن بالمحسوسات المتغيرة.

فإن أفلاطون، وبحكم اعتماده نظرية المثل، أعطى للزمان الطبيعي نصيبا من الوجود، وإن كان وجودا باهتا ومختلطا بالعدم، واحتفظ للأزل بصفات الكمال؛ ووصل بينهما بعلاقة محاكاة، بحيث صارت الموجودات المتحركة هي المرآة التي تعكس الأزل. أما الرازي، وبحكم رفضه لنظرية المثل، وحد بين الزمان والأزل، وأخرج الزمان من دائرة الطبيعة كلية؛ وذهب في اتجاه تفسير كلام أفلاطون بكون مقصوده من الأزل هو الزمان ذاته، وبكون التغير الذي نسبه للزمان لا يمس الزمان ذاته، بل هو نتيجة اقترانه بالمتغيرات. ولذلك رأينا الرازي، في سياق رده على دعوى المشائين التي تنسب التغير للزمان ذاته بحكم ارتباطه بالحركة، يستشهد بقول منسوب لأفلاطون.[47] غير أن الوحدة الاصطلاحية والدلالية التي اعتمدها الرازي لمفهوم الزمان، مقابل الازدواجية الأفلاطونية: الزمان والأزل، تجعلنا نتساءل عن جوهرية الزمان هذه التي نسبها الرازي لأفلاطون ومدى انطباقها على أي من المفهومين الأفلاطونيين.

يبدو أن أفلاطون لم يذكر صراحة بأن الزمان جوهر روحاني. أما الزمان الحادث المتعلق بحركة السماء، فأبعد عن الجوهرية عند فيلسوف لا يعترف بالجوهرية إلا للمثل، لأنه مجرد صورة متحركة للأزل وليس هو الأزل الثابت ذاته.[48] وأما الأزل، فيبدو أن أفلاطون لم يقدم بصدده تعريفا محددا؛[49] بحيث لا نستطيع أن نجزم إن كان هو النفس الكلية التي هي أول ما خلق الإله، أم أنه مجرد وصف لبقاء الموجودات الأزلية في الوجود؛ مما يثير الشكوك بصدد وجود زمان جوهري أصلا عند أفلاطون. ويذهب الألوسي أيضا إلى أننا لا نستطيع أن نتأكد من وجود جوهرية الزمان هذه عند أفلاطون، لأنه ”يعتبر الموجودات العقلية العليا—النموذج الله أو مثلا—ليست في زمان بل في أبدية، دون أن نتأكد أن هذا الأبدية هي النموذج نفسه أم هي حالة أو مدة لوجوده.“[50] فمن أين جاء الرازي إذن بفكرة جوهرية الزمان هذه التي نسبها لأفلاطون؛ خصوصا وأنه لم يكن أول من نسب هذه الفكرة إلى أفلاطون، بل سبقه إلى ذلك مؤرخو أفكار، كما تابعه متكلمون لاحقون؟ فهل تكون فكرة أفلوطينية، استلهمها الرازي من الأفلاطونية المحدثة، إما في صيغتها الإسكندرانية مع أفلوطين أو غيره، أو في صيغتها الإسلامية مع أبي بكر الرازي أو غيره؟

2-    الاتصال بتصور الأفلوطينة المحدثة للزمان

في غياب دليل تاريخي على اطلاع الرازي المباشر على تصور أفلوطين للزمان، تفيدنا القراءة المقارنة لفكر الرجلين، أن الرازي كان في مذهبه حول ماهية الزمان أقرب إلى أفلوطين منه إلى أفلاطون الذي طالما ردد اسمه وأشاد برأيه.

فقد انتقد أفلوطين المذاهب التي تحدد طبيعة الزمان بناء على الحركة، واتهمها بأنها لم تقف عند حقيقته، لأن الحركة هي بدورها في الزمان؛ فصرح قائلا: ”أما أن يكون الزمان هو الحركة فهذا أمر مستحيل […] فالحركة في نوعيها إنما هي في زمان.“[51] وليس الزمان بمقياس أصلا، ولكنه يتيح بالعرض قياس الحركة ويقدرها، كما أن الحركة تقيسه بالعرض وتدل عليه، غير أنها ”لا تحدثه بل تكشف عنه؛“[52] ولذلك لا سبيل إلى إدراكه إلا بوساطة كم الحركة. ولأن الحركة تدلنا على الزمان بأفضل مما يفعل السكون، ذهب البعض حسب أفلوطين إلى القول إن الزمان مقدار الحركة، والحقيقة أن الزمان ما يقاس بالحركة وليس هو الحركة. وأرسطو وإن لم يقف عند حقيقة الزمان، فإن تحليلاته مفيدة في تنبيهنا إلى أهمية الحركة في قياسه؛ لأنه لو لم يُقَس بها سينفلت منا.

وأفلاطون حسب أفلوطين لم يذكر حقيقة الزمان ما هي، لا بأنه قياس ولا بأنه ما يقاس، ولكنه عندما حاول أن يكشف عن حقيقته قال إنه الأثر المتحرك للأزل. ولكي نعرف ما الزمان علينا، حسب أفلوطين، معرفة حقيقة الأزل أولا قبل معرفة الزمان الذي هو صورة له. والأزل عنده هو جوهر معقول ”إنه الذات الروحانية؛“[53] وهو حياة ثابتة باقية لا نهاية لها، وفي حضور دائم مع ذاته لا تغير فيه؛ فـ”أفلوطين يسمي الأزل، في نفس الوقت، حياة لامتناهية وحياة الكائن العاقل.“[54] والأقانيم الأزلية عنده ثلاثة، هي الله والعقل والنفس. والأزل الذي يعتبر الزمان أثرا له هو النفس؛ فهو متحد معها ومظهر من مظاهرها ليس بخارج عنها، يقول: ”الزمان ظاهرة من ظواهر النفس وهو فيها ومعها مثلما هو حال الأزل مع العالم الروحاني.“[55]

وإذا كان أفلوطين يتفق مع أفلاطون في كون الزمان صورة للأزل، فإنه يختلف معه في علة وجوده، حيث يجعله أفلاطون أثرا للصانع في حين يربطه أفلوطين بالنفس؛ الزمان هو الحياة الخاصة للنفس، ”إنه حياة النفس وهي تتنقل من حال إلى حال“[56] أي من حيث هي متغيرة. فميلاد الزمان تم مع تدشين النفس لحياتها الأرضية، ولذلك وحد أفلوطين بين الزمان وحياة النفس.[57] ولفهم نشأة الزمان، ينبغي العودة إذن إلى النفس، لأنه ظاهرة سيكولوجية وليس ظاهرة كوزمولوجية خالصة؛ إنه فعل النفس ومنها أصله.[58]

لكن، من هي هذه النفس التي عنها صدر الزمان؟ فبعد أن ربط الزمان بالنفس، لم يقدم أفلوطين توضيحا صريحا بصدد هوية النفس التي يتعلق بوجودها الزمان، هل هي نفس الكل أم النفوس البشرية الفردية؟[59] ولذلك اختلف الدارسون في هوية هذه النفس، بين من ذهب إلى أنها النفس الإنسانية الفردية،[60] ومن ذهب إلى أنها نفس الكل المسؤولة عن حركة الأفلاك.[61]

فهل يكون هذا التصور الأفلوطيني للزمان بوصفه حياة النفس ذاتها هو الملهم للرازي فيما ذهب إليه من اعتبار الزمان جوهر روحانيا مفارقا؟ يبدو تصور أفلوطين في موضوع الزمان تصورا تركيبا نقديا للمذاهب السابقة وخصوصا مذهبي أفلاطون وأرسطو؛ فإنه وإن وافق أفلاطون في اعتبار الزمان صورة للأزل إلا أنه فصله عن الحركة الفلكية وجعله مرتبطا بحياة النفس؛ كما أدمج التصور الأرسطي للزمان في مذهبه، لكن بعد أن جعل الحركة مجرد مظهر خارجي سطحي تقيس النفس من خلالها الزمان دون أن تكون هي الزمان ذاته. وبغض النظر عن مقصود أفلوطين بالنفس التي هي علة الزمان، فهذا المذهب يبدو أنه أقرب إلى التصور الذي سيتبناه الرازي منه إلى تصور أفلاطون ذاته؛ ما دام أفلاطون ربط الزمان بالحركة، في حين ربطه أفلوطين بجوهر مفارق هو النفس.

غير أن هذا التقارب بين التصورين لا يلغي الاختلاف بينهما؛ فإن الرازي يشدد على جعل الزمان ذاته جوهرا روحيا قائما بنفسه مستقلا بذاته، وليس تجسيدا لحياة النفس ولا نتيجة لهبوطها واتصالها بالجسد وإدراكها للعالم المتغير. وليس للنفس الفردية عنده تأثير في وجود الزمان أبدا، بل فقط في إدراكه؛ والزمان الذي قد يدين بوجوده للنفس في نظره هو الزمان الفلكي الذي نقدره بالأيام والشهور، والذي هو مجرد مقياس من إنتاج النفس استنادا إلى الحركة، لكنه ليس هو الزمان ذاته. كما أن هذا الكائن الروحاني الذي تجسد حياته ماهية الزمان لا يتصف عند الرازي بما نسبه إليه أفلوطين من حياة وتغير وهبوط وتقهقر.

وحتى على فرض أن تكون النفس المولِّدة للزمان في مقصود أفلوطين هي النفس الكلية المفارقة، ثاني الموجودات الفائضة عن الأول بعد العقل، فإن الرازي قد رفض أصلا نظرية الفيض، مثلما رفض ما سماه أفلوطين بالنفس الكلية التي أوكل إليها مهمة تشكيل صورة متحركة للأزل؛ لأنه لا يعتبر الزمان نتيجة لجوهر روحاني وترجمة لحياته، بل يجعله هو ذاته جوهرا روحانيا قائم بذاته. كما لا يسند إليه مهمة أن يكون صورة متحركة للأزل سواء أكانت هذه الصورة من إنتاج الكواكب كما عند أفلاطون أو من إنتاج النفس كما عند أفلوطين، لأنه يعتبر سائر الموجودات عدا الخالق خلقا لله لا صورة ناقصة له ولا مساعدا له في تدبير العالم؛ فضلا عن أنه يقطع بحدوث كل الموجودات المادية، ويجعل حركتها ووجودها صادرين مباشرة عن الباري، ويرفض كل وساطة للنفس أو الزمان في تدبيرها. إن الزمان إذن، بحسب الرازي، ليس أثرا ولا صورة للأزل ولا حياة للنفس، بل هو ذاته كائن روحاني أزلي في حضور دائم لا تغير فيه.

وهكذا، فإن يكن الرازي قد أفاد من أفلوطين في قراءته لمذهب أفلاطون في الزمان، فلربما في ربط حقيقة الزمان بالنفس وفصله عن الحركة الطبيعية؛ غير أن هذا الاستلهام تم بعد تخليص هذا التصور من حمولته الفيضية، واعتبار الزمان هو ذاته شيئا روحانيا لا مجرد حياة لكائن روحاني، مع تعديل علاقته بالمحسوسات ليصير مقارنا لها محيطا بها لا مؤثرا فيها. وفي غياب دليل تاريخي مؤكد حول اطلاع الرازي على متن أفلوطين، فهل يكون في تعديلاته التي أدخلها على التصور الأفلاطوني-الأفلوطيني للزمان قد أفاد من مصادر أفلاطونية محدثة لاحقة خصوصا المصادر الإسلامية؟ ثم ماذا تقول المصادر التي أرخت للأفكار حول أصول فكرة جوهرية الزمان واستقلاليته التي تبناها الرازي؟

من هذه المصادر، نجد أبا حاتم الرازي (ت. 277هـ/890م) معاصر الرازي الطبيب ومناظره؛ فإنه ينسب إلى هذا الأخير جوهرية الزمان وقدمه واستقلاليته عن الحركة. ويقول إنه يعتقد بقدماء خمسة هم: الباري، والنفس، والهيولى، والمكان، والزمان، وبأن الزمان ليس هو عدد حركة الفلك. وينقل عنه بأنه ميز بين الزمان الفلكي أو ما اصطلح عليه ”الزمان المحصور“ الذي تعده الأيام والسنين، وندركه بمناسبة إدراكنا لحركة الفلك، وهو زمان حادث بسبب حدوث الفلك وحركته؛ و”الزمان المطلق“ المستقل عن الحركة والمطابق للدهر والسرمد، وهو ثابت لا يتغير رغم تغير العالم وتتالي حركاته وانقضائها. يقول الرازي فيما يحكيه عنه أبو حاتم: ”وأنا أقول إن الزمان زمان مطلق، وزمان محصور، فالمطلق هو المدة والدهر، وهو القديم، وهو متحرك غير لابث. والمحصور هو الذي بحركات الفلك وجري الشمس والكواكب. وإذا ميزت هذا وتوهمت حركة الدهر، فقد توهمت الزمان المطلق؛ وهذا هو الأبد السرمد. وإن توهمت حركة الفلك فقد توهمت الزمان المحصور.“[62] وإن كان الرازي الطبيب ينسب هذا المذهب إلى نفسه، فإنه يعترف مع ذلك بانتسابه إلى أفلاطون، يقول: ”أرسطو كان يعتقد ما تقوله أنت [أبو حاتم الرازي] وقد خولف فيه. وقول أفلاطن لا يكاد يخالف ما نعتقد في الزمان؛ وهذا عندي أصوب الأقوال.“[63]

ومن هؤلاء، أيضا، أبو علي المرزوقي الأصفهاني (ت. 421هـ/1030م)، فإنه لم ينسب جوهرية الزمان لأفلاطون، حيث قال: ”وقال أفلاطون: هو صورة العالم متحركة بعد[د]صورة الفلك؛“[64] بل نسبها إلى ”قوم من الأوائل؛“ وذكر أن محمد بن زكريا الرازي الطبيب (ت. 315هـ/ 925م) قد تابعهم. ويحكي عن هؤلاء قولهم إن الزمان ليس بالحركة الفلكية ولا بجسم ولا عرض بل جوهر قائم الذات، قديم يمتنع عدمه؛ وهو ليس بأمر مضاف إلى متحرك بعينه بل موجود مطلق سابق على كل متحرك، تقدِّره الحركة ولكن لا توجده. وقد عولوا على البداهة في إثبات وجوده؛ فقال حاكيا عنهم:

ذكر بعضهم حاكيا عن قوم من الأوائل، أنّ الدّهر والخلاء قائمان في فطر العقول بلا استدلال، وذاك أنه ليس من عاقل إلا وهو يجد ويتصور في عقله وجود شيء للأجسام بمنزلة الوعاء والقراب […] والزّمان المطلق هو المدة قُدّرت أو لم تُقدّر، وليس الحركة فاعلة المدة بل مقدرته[ا]، ولا المتمكّن فاعل المكان بل الحال فيه[…]ليس في بطلان الفلك أو في سكونه ما يبطل الزّمان الحقيقي الذي هو المدة والدّهر، فقد ينبغي أنهما جوهران لا عرضان، إذ كانا ليسا بمحتاجين إلى مكان ولا إلى حامل فليسا إذا بجسم ولا عرض، فبقي أن يكونا جوهرين.

فهذا ما حكي عن الأوائل. وابن زكريا المتطبّب يحوم في هذيانه عند حجاجه حول ما ذكرناه عنهم ولم يبيِّن بيانهم ولا بلغ غايتهم، فلذلك جعل تابعا لهم.[65]

هناك إذن تقارب كبير بين المذهب الذي نسب إلى الرازي الطبيب في شهادة أبي حاتم الرازي وهذا المذهب الذي نسبه المرزوقي إلى الأوائل، مما يعني في نظره أن الرازي وإن قال به، فمذهبه غير أصيل، بل مأخوذ عن ”الأوائل.“

وممن نسب هذا المذهب إلى الرازي الطبيب، نجد أيضا أبا محمد ابن حزم الأندلسي (ت. 456هـ/1064م)؛ فإنه في سياق إحصائه للفرق المخالفة لدين الإسلام، أتى على ذكر المذهب الذي نسبه إلى الرازي الطبيب، والذي مع قوله بحدوث العالم وأن له مدبرا قديما، يقول بقدم النفس والزمان المطلق والمكان المطلق. وذكر أن هذا المذهب هو كالغالب على ”ملحدي“ أهل زمانه، وكان له أنصار في الأندلس، قال إنه ناظرهم، وذكر بعضهم.[66]

وقبل أبي زكريا الرازي بأكثر من قرن، تبنى جابر ابن حيان (ت. 200هـ/815م) فكرة جوهرية الزمان وسرمديته واستقلاله عن الحركة، دون أن ينسبه إلى أحد آخر غيره؛ ويبدو أنه متأثر في ذلك بالأفلاطونية المحدثة، إذ يؤمن بحدوث الطبيعة والحركة والسكون مقابل قدم الأول والعقل والنفس والمادة، كما يؤمن باستقلالية الزمان وأسبقيته للحركة والآن؛ يقول: ”إن الزمان جوهر واحد، وهو بلا جزء ومتى مثل الآن، وهو جنس لا شيء فوقه، والمتزمّن بالزمان هو المتجزئ لا الزمان، وهو واحد أبدي سرمدي.“[67]

هذا عن السابقين على فخر الدين الرازي؛ أما اللاحقون، فقد تعرض بعضهم لجوهرية الزمان، وذكروا مذهب من يقول إنه جوهر مجرد أزلي، ونسبوه إلى قدماء الفلاسفة أو إلى أفلاطون وأصحابه. فناصر الدين البيضاوي (ت. 685هـ/1286م) ذكر مذهب من يقول ”إنه جوهر مجرد لا يقبل العدم.“[68] وعضد الدين الإيجي (ت. 756هـ/1355م) ردد العبارة نفسها ونسب المذهب إلى قدماء الفلاسفة، فقال: ”قال بعض قدماء الفلاسفة إنه جوهر مجرد لا يقبل العدم لذاته.“[69]

أما تقي الدين ابن تيمية (ت. 728هـ/1328م)، فإنه بعد أن قرر أن الزمان مقدار الحركة، وأنه من الأعراض القائمة بالجسم، وأنه مخلوق؛ وبعد أن أقر بعض أهل الحديث والمتصوفة في قولهم إن الدهر من أسماء الله، ونفى أن يكون مرادهم من الدهر هو الزمان؛ طرح السؤال المتعلق بالزمان الجوهري قائلا: وهل وراء ذَلِك الزمان العرضي جوهر قائم بنفسه سيال هو الدهر؟ ثم أجاب بأن ”هذا مما تنازع فيه النَّاس، فأثبته طائفة من المتفلسفة من أصحاب أَفلاطون، كما أَثبتوا الْكُلِّيَّات المجردة في الخارج الَّتي تسمى المثل الأفلاطونية والمثل المطلقة، وأثبتوا الهيولى التي هي مادة مجردة عن الصور، وأثبتوا الخلاء جوهرا قائما بنفسه.“[70] ولعل أول من قد يعنيهم ابن تيمية من أصحاب أفلاطون هو أبو بكر الرازي القائل بالقدماء الخمسة.

والسبب الذي دعا هؤلاء إلى إثبات زمان جوهري مستقل عن الزمان الطبيعي في نظره هو متابعتهم لأفلاطون؛ فإنه لما أثبت ماهيات كلية مجردة في الخارج مثل إنسان كلي وفرس كلي أزلي، تابعه شيعته، فأثبتوا، قياسا على ذلك، زمانا مجردا سموه الدهر، مثلما أثبتوا مكانا مجردا سموه الخلاء، ومادة وهيولى أولى مجردة عن الصور؛ لظنهم أن الثابت في الذهن هو بعينه ثابت في الخارج. والحال أن الدهر، مثله مثل سائر الماهيات الكلية المجردة، لا وجود له في نظره إلا في الذهن، وليس له وجود عيني متحقق في الخارج. وبهذا الكلام يقدم لنا ابن تيمية تفسيرا لا يخلو من مصداقية للسبب الذي من جهته عد تصور دعاة جوهرية الزمان مثل أبي بكر الرازي أفلاطونيا؛ فهو يعتبر قولهم هذا نتيجة لالتزامهم بمثالية أفلاطون وسحبها على الزمان، لا أن أفلاطون نفسه مصرح بذلك.

أما سعد الدين التفتازاني (ت. 793هـ/1390م) في شرح المقاصد[71] وأبو البقاء الكفوي (ت. 1094هـ/1683م) في الكليات،[72] فذكرا مذهب من يقول إن الزمان جوهر أزلي روحاني قائم بنفسه مستقل الذات، ممكن لذاته، يتجدد ويتصرم بحسب إضافته إلى الموجودات لا بحسب الحقيقة والذات، به يحصل التقدم والتأخر والماضي والمستقبل، سواء وجد جسم وحركة أم لا؛ وباعتبار نسبة هذا الجوهر إلى الأشياء المتغيرة يسمى زمانا، وباعتبار نسبته إلى ما قبل حدوث المتغيرات يسمى دهرا، وباعتبار نسبته إلى الموجودات الثابتة يسمى سرمدا؛ ونسب الكفوي هذا المذهب إلى أفلاطون، فيما نسبه التفتازاني إلى ”أفلاطون وشيعته.“ وقد تكون مصادرهما في نقلهما لمذهب جوهرية الزمان هي مؤلفات الرازي نفسه، نظرا لمشابهة ما نقلوه لما ذكره الرازي في كتبه لفظا ومعنى، وذلك عند توصيفه للمذهب الذي نسبه لأفلاطون.

أما صدر الدين الشيرازي (ت. 1050هـ/1640م) وبعد أن أحصى المذاهب المختلفة التي أوردها ابن سينا للسابقين، وأضاف إليها ما وجد بعد ابن سينا، ذكر مذهب من اعتبر من قدماء الفلاسفة الزمان جوهرا مفارقا واجب الوجود لذاته؛ كما ذكر قول من يقول إنه من الجواهر المفارقة الممكنة؛ ونسب هذا الرأي الأخير إلى أفلاطون وأشياعه، وشرحه أيضا بالمعنى نفسه الذي أورده الرازي، فقال: ”ومن الذاهبين إلى [المذهب] الرابع من تخيل للزمان وجودا مفارقا على أنه واجب الوجوب بذاته، وإليه ذهب جمع من متقدمة الفلاسفة؛ ومنهم من يضع إدراجه في الطبائع الإمكانية لكن لا على أن يعتريه تعلق بالمادة بل على أنه جوهر مستقل منفصل الذات عن المادة، وهذا الرأي منسوب إلى أفلاطون الإلهي وبعض أشياعه.“[73]

وبعد أن ذكّر الشيرازي بـ”تحير“ الرازي في المباحث في أمر الزمان، وما أثاره من شكوك على أصحاب أرسطو، ثم تشبثه ”بذيل“ أفلاطون في شرح عيون الحكمة؛ عقب على شكوك الرازي بالتفنيد، ثم نصر رأي الشيخ الرئيس ومذهب المشائين في الزمان.

كما حافظ محمد علي التهانوي[74] (ت. بعد 1158هـ/1745م) على هذا التمييز في القائلين بجوهرية الزمان بين من اعتبره ممكنا ومن اعتبره واجبا؛ ونسب إلى قدماء الفلاسفة وصف الزمان الجوهري بأنه واجب الذات؛ فقال: ”قال بعض قدماء الفلاسفة إنه جوهر مجرد عن المادة لا جسم مقارن لها، ولا يقبل العدم لذاته فيكون واجبا بالذات.“[75] ثم بعد ذلك عاد إلى جوهرية الزمان ونسب إلى أفلاطون المذهب نفسه الذي نسبه إليه الكفوي والتفتازاني.

وبعد عرض هذه الشهادات الواردة في بعض كتب السابقين واللاحقين على الرازي بصدد فكرة جوهرية الزمان، يتبين أن هذه الفكرة ورد ذكرها عند كثير من مؤرخي الأفكار والفلاسفة والمتكلمين المسلمين، ولم يكن الرازي أول ولا آخر من أشار إليها أو تبناها. وقد نسبها هؤلاء تارة لقدماء الفلاسفة وتارة أخرى، وهو الغالب، لأفلاطون وأصحابه ممن سموا بالأفلاطونيين المحدثين. وتبدو المصادر الإسلامية عند نقلها هذا المذهب أقرب إلى صيغته كما وردت في فكر الرازي الطبيب، وخصوصا تلك السابقة للقرن السادس الهجري، أو صيغته كما وردت لدى الرازي ابن الخطيب، وخصوصا تلك المصادر اللاحقة للقرن السادس الهجري؛ فقد ذكروا جميعا الزمان بوصفه جوهرا مفارقا أزليا قائم الذات ومستقلا عن الموجودات المتحركة. غير أن المثير للاستغراب أن كل المصادر الإسلامية المتأخرة التي أوردناها لم تشر إلى تبني ابن الخطيب الرّي لهذا المذهب عدا ابن تيمية والشيرازي.

ورغم أن الرازي نسب هذا المذهب إلى أفلاطون وليس إلى ابن بلده الرازي الطبيب، فإنه في صياغته النهائية لهذا المذهب كان أقرب إلى تلك الصيغة التي ورد بها عند ابن زكريا منه إلى الصيغة التي ورد بها عند أفلاطون أو أفلوطين؛ الأمر الذي يؤشر على أنه اطلع على تصور ابن زكريا لحقيقة الزمان وتأثر به، أو على الأقل قرأ تصور أفلاطون في ضوء تصور ابن زكريا.[76]

غير أن هذه القرابة لا تنفي مع ذلك فرادة الصيغة التي اعتمدها الرازي؛ فقد خلّص هذا المذهب من الرواسب الفيضية التي ظلت عالقة به مع ابن زكريا، وعرضه بوضوح أكبر، وبين علاقته بالزمان الطبيعي الذي تحدث عنه المشاؤون والزمان النفسي الذي تحدث عنه أفلوطين. فالصيغة التي انتهى إليها الرازي حول حقيقة الزمان ووجوده وقدمه وصلته بحدوث العالم، تجعل تصوره هذا—خصوصا عند وضعه في سياق فكره ككل—يكاد يكون متفردا وغير مطابق لأي من التصورات السابقة الذكر المندرجة ضمن جوهرية الزمان.

وبعد هذه التعديلات العميقة التي أدخلها الرازي على هذا الإرث الفلسفي الأفلاطوني حول الزمان، أمكنه أن يدمج هذا المفهوم ضمن نسق كلامي أشعري مغاير؛ ويحوله من مقدمة عقلية لإثبات قدم العالم وسلب الصفات عن الباري وتأكيد نظرية الفيض وصدور العالم عن الله وجوبا وليس اختيارا، إلى مقدمة عقلية أفضت به إلى نتائج مخالفة لتلك التي انتهت إليها الأفلاطونية والمشائية على حد سواء.

خاتمة

هكذا تطور تفكير الرازي حول الزمان من السكوت إلى التوقف إلى اعتباره كما منفصلا، ثم اعتباره أخيرا جوهرا روحانيا قائما بنفسه مستقلا بذاته. وقد سار هذا التطور في اتجاه تركيبي تأليفي انتهى به إلى إدماج أربعة تصورات حول الزمان: التصور المشائي والتصور الكلامي والتصور الأفلاطوني والتصور الأفلوطيني، ظلت إلى حدود عصره متنافرة متباعدة، في مذهب واحد نسبه إلى أفلاطون دون غيره. ولم يكن ليتحقق هذا الإدماج لولا التعديلات الجوهرية التي أدخلها على مذهب أفلاطون، مستلهما عناصر مشائية وكلامية وأفلوطينية؛ فلم يكن الفخر مجرد ناقل بل قارئ ومؤول لهذا المذهب؛ فما سماه مذهبا أفلاطونيا هو حصيلة تأمل أدمج فيه عناصر مختلفة، ليصوغ بذلك مذهبا متفردا وخاصا به.

ورغم إصرار الرازي على أفلاطونية تصوره، فإن جوهرية الزمان كما صاغها لا تتطابق حقيقة مع التصور الأفلاطوني إلا جزئيا، وتظل أقرب إلى الصيغة التي تبلورت مع الأفلاطونية المحدثة منها إلى أفلاطون. ورغم امتناع الرازي عن ذكر مصادره الأفلوطينية؛ وإصراره على جعل متأخري الحكماء بدءا من أرسطو في مقابل متقدميهم، وخاصة أفلاطون، في موضوع الزمان؛ إلا أننا نجد فكرة الزمان كجوهر قائم الذات معبر عنها بوضوح في نصوص منسوبة إلى بعض أعلام الأفلوطينية المتأخرة كأبي زكريا الرازي.

ولا نعلم على وجه اليقين لماذا سكت الرازي عن مصادره الأفلوطينية، التي يصعب افتراض عدم اطلاعه عليها، خصوصا ابن بلده الرازي الطبيب. ويمكن أن نخمن أن دواعي ذلك قد ترجع إلى عدم اعترافه بالسلطة الفلسفية لأبي زكريا، وما تواجهه مواقفه الاعتقادية من رفض واسع بين المتكلمين والفلاسفة. كما قد ترجع إلى رغبته في تعزيز وجهة نظره الرافضة لموقف أرسطو ”المنطقي“ بفيلسوف”إلهي“ (أفلاطون) لا تقل سلطته الفلسفية عن سلطة أرسطو. أو ترجع ببساطة إلى متابعة من سبقوه ممن نسبوا هذا المذهب لأفلاطون.

أما لماذا لجأ الرازي أخيرا إلى جوهرية الزمان بعد رحلة تأمل طويلة؟ فيبدو أنه لم يقتنع بموقف المتكلمين؛ لأنهم أرادوا تفادي القول بقدم العالم، فأنكروا وجود الزمان وردّوه إلى مجرد التوقيت، معتمدين في ذلك على قاعدتهم التدليلية التي تقتضي أن ما لا دليل عليه وجب نفيه؛ وهو موقف غير معقول في نظره، لأنه إنكار لأمر بديهي يدركه حتى العامة من الناس. كما أنه لم يقتنع بموقف المشائين لما يكتنفه، في تقديره، من تناقضات داخلية، ولما يثيره من إشكالات كبيرة خصوصا على مستوى الذات والصفات الإلهيين، وكيفية تدبيره تعالى للمخلوقات، ومسألة قدم العالم.

فالرجوع إلى جوهرية الزمان أو بالأحرى إلى صيغتها الأفلوطينية المحدثة، كان بالنسبة إليه مهما على مستويين: أولهما، لما وجده في تصور هذه الفلسفة لماهية الزمان من ”تماسك؛“ وثانيهما، لكونها تشكل عنده مقدمة عقلانية مناسبة لإزالة العائق الذي كان يضعه المشاؤون أمام حدوث العالم؛ فإذا كان المشاؤون قد اتخذوا وجود الزمان مقدمة للقول بقدم العالم، فإن المذهب الذي تبناه الرازي يفصل الزمان عن عالم الطبيعة، ويسمح بالتالي بالاستدلال على وجود الله بناء على حدوث أو إمكان العالم فقط، وبمعزل عن حدوث الزمان أو قدمه. وحتى على فرض قدم هذا الزمان الجوهري، فإن قدمه لا يشكل عائقا أمام الاستدلال على وجود الله، ما دام أنه ممكن الوجود، وإمكانه يحوجه ضرورة إلى فاعل واجب الوجود.

وبتبنيه لجوهرية الزمان، قام الرازي بنقل ماهية الزمان نهائيا من دائرة الطبيعة إلى دائرة الإلهيات. لكنه في الآن نفسه لم ينكر الزمان الطبيعي الذي يتجلى لنا من خلال ما اعتبره المشاؤون مقدارا للحركة، واعتبره المتكلمون توقيتا، غير أنه حصر وجوده في الذهن فقط، وربطه بالجانب الخارجي الظاهر والمحسوس من الزمان، واعتبره أداة لقياس الزمان دون أن يكون هو الزمان ذاته؛ وهو زمان يبدأ بحدوث العالم وينتهي بفنائه. وبذلك تأتى له الجمع بين أمرين عُرفا داخل الفكر الكلامي بكونهما متنافيين، وهما القول بحدوث العالم والإقرار بوجود الزمان.

Bibliography

Adamson, Peter. “Galen and Abū Bakr al-Rāzī on Time.” In Medieval Arabic Thought: Essays in Honor of Fritz Zimmermann. Edited by R. Hansberger, C. Burnett, and M. Afifi al-Akiti, 1–14. London: Warburg Institute, 2012.

Aflāṭūn. Tīmāws. In Tīmāws wa wākrītīs. Traduit par Albert Rivaud. Traduction Fuʾād Jurjī Barbārah. 2nd edition. Damascus: al-Hayʾah al-misriyah al-ʾāmah li-l-kitāb, 2014.

al-ʾAlūsī, Ḥusām al-Dīn. “al-Zamān fī al-fikr al-dīnī wa al-falsafī al-qadīm.” ʿĀlam al-Fikr. Vol. 8. No. 2 (1977): 109–186.

al-Baghdādī, Abū al-Barakāt. Al-Muʿtabar fī al-ḥikma wa al-manṭiq. 3 vol. Ḥaydar abād al-dukn: Jamʿiyat dāʾirat al-maʿārif al-islāmiyyah, 1939.

al-Bayḍāwī Nāṣīr al-Dīn. Twāliʿ al-ʾaAnwār. Edited by ʿAbbās Sulaymān. Beirut: Dār al-Jīl, 1991.

al-Ijī, ʿAḍuḍ al-Dīn. al-Mawāqif fī ʿilm al-kalām. Beirut: ʿĀlam al-kutub, undated.

al-Kafawī, Abū al-Baqāʾ. al-Kulliyāt. Edited by ʿAdnān Darwīsh and Muḥammad al-Miṣrī. 2nd edition. Beirut: Muʾassasat al-Risālah, 1998.

al-Marzūqī al-Asfahānī. Kitāb al-azminah wa al-amkinah. Edited by Khalīl Manṣūr. Beirut: Dār al-kutub al-ʿilmiyyah, 1996.

al-Rāzī, Abū Ḥātim. Aʿlām al-nubuwwah. Beirut-Geneva: Dār al-Sāqī-al-Mu’ssasah al-Arabiyyah li-t-taḥdīth al-fikrī, 2003.

al-Rāzī, Fakhr al-Dīn. al-Matālib al-ʿāliyah mina al-ʿilm al-ilāhi. Vol. 5. Fī al-zamān wa al-makān. Edited by aḥmad ḥijāzī al-Ssaq Beirut: Dār al-Kitāb al-ʿArabī, 1987.

ـــــــــــــــ.. al-Matālib al-ʿāliyah mina al-ʿilm al-ilāhi. Vol. 7. Fī al-arwāḥ al-ʿāliyah wa al-sāfilah. Edited by aḥmad ḥijāzī al-Saqā. Beirut: Dār al-kitāb al-ʿarabī, 1987.

ــــــــــــــــ.. al-Nafs wa al-rūḥ wa sharḥ kiwāhumā. Edited by Muḥammad Ḥassan al-Maʿṣūmī. Islamabad:Mațbūʿāt maʿhad al-dirāsāt al-islāmiyyah, 1968.

ــــــــــــــــ.. Kitāb al-ishārah fī ʿilm al-kalām. Edited by Muḥammad Ḥāmid Muḥammad. Cairo: al-Maktabah al-Azhariyah li-t-Turāth, 2009.

ــــــــــــــــ. Mafātiḥ al-ghayb: al-Tafsīr al-kabīr. Vol. 1. 3rd edition. Beirut: Dār Iḥyāʾ al-Turāth al-ʿArabī, 1999.

ــــــــــــــــ. Sharh al-ishārāt wa-t-tanbīhāt. Edited by Alireza Najafzādah. Vol. 2. Tehran: Institute of Islamic Studies, 2005.

ــــــــــــــــ. Sharḥ ʿuyūn al-ḥikmah. 3 vol. Tehran: Muʾassat al-Ṣādik li-t-Tibāʿah wa-n-Nashr, 1994.

ــــــــــــــــ. Yasʾalūnaka ʿani al-rūḥ. Edited by Muḥammad ʿAbd al-ʾAziz al-Hilālī. Cairo: Maktabat al-Qurʾān, undated.

ــــــــــــــــ. al-Maʿālim fī usūl al-dīn. In Ibn al-Tilimsānī, ʿAbdu al-Lah b. Muḥammad al-Fihrī al-Misrī. Sharḥ al-Maʿālim fī usūl al-dīn. Edited by Nizār ḥammādī. Oman: Dār al-Fatḥ li-n-Nashr wa-t-Tawzīʿ, 2010.

ــــــــــــــــ. al-Mabāḥit al-mashriqiyyah fī ʿilm al-ʾilāhiyāt wa al-tabīʿiyyāt. 2 vol. Tehran: Makabat al-ʾAsadī, 1966.

ــــــــــــــــ. al-Arbaʿīn fī uṣūl al-dīn. Edited by Ahmad Ḥijāzī al-Saqā. Beirut: Dār al-jīl, 2004.

ــــــــــــــــ. Muḥaṣṣalu afkar al-mutaqaddimīn wa al-mutaʾakhirīn. Edited by ʿAbd al-Raʾūf Saʿd. Beirut: Dār al-kitāb al-ʿarabī, 1984.

al-Shīrāzī, Sadr al-Din. al-Ḥikmah al-mutaʿāliyah fī al-asrār al-ʿaqliyah. Vol. 3. 4th edition. Beirut: Dār Iḥyāʾ al-Turāth al-ʿArabī, 1990.

al-Taftazānī, Saʿd al-Dīn. Sharḥ al-Maqāid. Edited by ʿAbd al-Raḥmān ʿMīrah. 2nd edition. Beirut: ʿĀlam al-kutub, 1998.

al-Tahānawī, Muḥāmmad Alī. Kashshāf istilāḥāt al-funūn. Vol. 1. Edited by ʿAlī Daḥrūj. Translated by ʿAbd al-Lah al-Khāldī and Jorj Zīnātī. Beirut: Maktabat Lubnān Nāshirūn, 1996.

Aristuṭālīs. al-Samāʿ al-tabīʿī: maʿa shurūḥ Ibn al-Samḥ wa Ibn ʿAdī wa Mattā Ibn Yūnus wa Abī al-Faraj Bnu al-Tayyib. Tarjamat Isḥāq Ibn Ḥunayn. Edited by ʿAbderraḥmān Badawī. Cairo: al-Markaz al-Qawmī li-t-Tarjamah, 2007.

Bnu ʿAdi, Yahya. Fī Sharḥi ʿalā al-samāʿ al-ṭabīʿī li Aristū. In al-Samāʿ al-tabīʿī: Maʿa shurūḥ Ibn al-Samh wa Ibn ʿAdī wa Mattā Ibn Yūnus wa Abī al-Faraj Bnu al-Tayyib. Tarjamat Isḥāq Ibn Ḥunayn. Edited by ʿAbderraḥmān Badawī. Cairo: al-Markaz al-Qawmī li-t-Tarjamah, 2007.

Brague, Rémi. Du temps chez Platon et Aristote. Quatre études. Paris: Presses Universitaires de France, 1982.

Essadki, Mohammad. “Naqd tasawwur al-mutakalimīn wa al-mashāʾīn li-z-zmān.” Tabayyun. Volume 8. 32. (2020): 8–29.

Fatḥī, Muḥammad. ʿAbdullah and ʿAlāʾ, ʿAbd al-Mutaʿāl. Dirāsāt fī al-falsafah al-islāmiyah. Tantā: Dār al-ḥadārah li-t-Tibāʿah wa-n-Nashr, undated.

Ibn al-Tilimsānī, ʿAbdullah b. Muḥammad al-Fihrī al-Misrī. Sharḥ al-Maʿālim fī usūl al-dīn. Edited by Nizār Ḥamādī. ʿAmmān: Dār al-Fatḥ li-n-Nashr wa-t-Tawzīʿ, 2010.

Ibn Ḥayyān, Jābir. Mukhtār rasāʾil Jābir Ibn Ḥayyān. Edited by Paul Kraus. Paris-Cairo: al-Maktabah al-Sharqiyyah wa-l-ʾAmrīkiyah-Maktabat al-Ghānjī wa Matbūʿātuhā, 1935.

Ibn Ḥazm. al-Fiṣal fi al-milal wa-l-ahwāʾ wa-n-niḥal. Vol. 1. Edited by Muḥammad Ibrāhīm Nasr and ʿAbd al-Raḥmān ʿMīrah. 2nd edition. Beirut: Dār al-jīl, 1996.

Ibn Sīnā, Abū ʿAlī. al-Shifāʾ: al-Ṭabīʿiyyāt, 1-al-Samāʿ al-Ṭabīʿī. Edited by Saʿīd Zāyid. Qum: manchūrāt āyatu al-lāh al-ʿuẓmā al-marʿichī al-najafī, 1985.

 ــــــــــــــــ. ʿUy n al-ḥikmah. In al-Rāzī, Fakhr al-Dīn. Sharḥ ʿuyūn al-hikmah. Vol. 2. Tehran: Muʾassasat al-Ṣādik li al-tibāʿah wa al-nashr, 1994.

Ibn Taymiyah, Taqiyy al-Dīn. al-Fatāwā al-kubrā. Vol.5. Edited by Muḥammad Abd al-Qādr ʿAtā et Mustafā Abd al-Qādr ʿAtā. Beirut: Dār al-Kutub al-ʿIlmiyyah, 1987.

ـــــــــــــــ. Darʾ taʿārud al-ʾaql wa-n-naql. Vol. 1. Edited by Moḥammad Rashād Sālim. 2nd edition. Riyadh: Imam Muhammad bin Saud Islamic University, 1991.

Koutlouka, Maria E. “La notion de temps, de l’antiquité au christianisme.” In: Platonisme et néoplatonisme. Antiquité et temps modernes. Actes du 1er colloque de la Villa Kérylos à Beaulieu-sur-Mer du 27 au 30 septembre 1990, 72–78. Paris: Académie des Inscriptions et Belles-Lettres-Cahiers de la Villa Kérylos 1991.

Lassègue, Monique. “Le Temps, Image de l’Éternité Chez Plotin.” Revue Philosophique de la France et de L’étranger, 172. 2, (1982): 418–505.

Moreau, Joseph. “Le Temps selon Aristote.” (à suivre). In Revue Philosophique de Louvain. Troisième série, tome 46, n°9, (1948): 57–84.

ــــــــــــــــ. “Le Temps selon Aristote.” (suite et fin). Revue Philosophique de Louvain. Troisième série, tome 46, n°11 (1948): 245–274.

Pigler, Agnès. “La théorie aristotélicienne du temps nombre du mouvement et sa critique plotinienne.” Revue Philosophique de Louvain. Quatrième série, tome 101, n°2 (2003): 282–305.

للتوثيق

الصادقي، محمد. ”تصوّر فخر الدين الرازي لحقيقة الزّمان ومرجعيّته الأفلاطونية.“ ضمن موقع الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، الرابط <https://philosmus.org/archives/3150>

محمد الصادقي

يعمل محمد الصادقي أستاذًا للفلسفة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية - ظهر المهراز. وهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة سنة 2013، وذلك بموضوع: الأفق السينوي في كلام فخر الدين الرازي. كما أنه عضوٌ بمختبر إقلاع في الفلسفة والقانون والمجتمع، وبالجمعية الدولية لتاريخ العلوم والفلسفة العربية والإسلامية (SIHSPAI). له العديد من المقالات المنشورة، ِمن بينها: ”شكوك فخر الدين الرازي على دعوى عَرَضِية الشر في العالم لدى ابن سينا“، مجلة مقاربات، العدد التاسع والعشرون، المجلد الخامس عشر (2017): 80-65؛ ”نقد تصور المتكلمين والمشائين للزمان عند فخر الدين الرازي“، مجلة تبيّن، العدد 32، المجلد الثامن (ربيع 2020): 7-29.

* أشكر للزميل ذ. فؤاد بن أحمد من جامعة القرويين-الرباط وللباحث هشام بوهدي من جامعة مرمرة-إستنبول مراجعاتهما لهذه الدراسة وملاحظاتهما المفيدة.

[1] بخصوص الانتقادات التي وجهها الرازي للتصورين الكلامي والمشائي حول الزمان، انظر مقالنا: محمد الصادقي ”نقد تصور المتكلمين والمشائين للزمان عند فخر الدين الرازي،“ تبين، ع. 32، 8 (ربيع 2020): 8–29.

[2] أفلاطون، طيماوس، ضمن: الطيماوس واكريتيّس، تحقيق وتقديم ألبير ريفو، ترجمة فؤاد جرجي بربارة، ط. 2 (دمشق: الهيئـة العامـة الـسورية للكتاب، 2014)، 215.

[3] محمد فتحي عبد الله وعلاء عبد المتعال، دراسات في الفلسفة اليونانية (طنطا: دار الحضارة للطباعة والنشر، [د.ت])، 221.

[4] أفلاطون، طيماوس، 219.

[5] أفلاطون، طيماوس، 216.

[6] انظر: الرازي، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات )طهران: مكتبة الأسدي، 1966)، ج. 1، 652؛ والرازي، الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية، تحقيق علي محيي الدين، ويليه كتاب المشاعر للملا صدر الدين الشيرازي، تحقيق خالد عبد الكريم الطرزي (بيروت: دار الكتب العلمية، 1423/2002)، 68.

[7] بخصوص الترتيب الزمني لكتب الرازي، انظر: الزركان، فخر الدين الرازي وآراؤه الكلامية، محمد صالح الزركان (بيروت: دار الفكر، 1963)، 62–117، 618–626؛ Ayman Shihadeh, The Teleological Ethics of Fakhr al-Dīn al-Rāzī (Leiden: Brill, 2006), 5–11.

[8] الرازي، المطالب العالية من العلم الإلهي، الجزء الخامس: في الزمان والمكان، تحقيق أحمد حجازي السقا (بيروت: دار الكتاب العربي، 1987)، ج. 5، 19.

[9] يقول ابن سينا: ”فحقيق بنا أن نشير إلى ماهية الزمان، فيتضح لنا من هناك وجوده،“ الشفاء: السماع الطبيعي، تصدير ومراجعة إبراهيم مذكور، تحقيق سعيد زايد (قم: منشورات آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1405هـ)، 154.

[10] يمهد البغدادي لتصوره عن حقيقة الزمان بنقد التصور المشائي؛ ويفصل الزمان عن الحركة والسكون، ويرى أنه في وجوده ومعقوليته سابق لكل الحركات والسكنات، يستمر في الوجود دونها أما هي فلا تستمر دونه. ومعرفته ثابتة في النفس مع وجود الحركة ومع عدمها وقبلها وبعدها، وذلك لتقدم وجوده لوجود الحركة، فهو غير الحركة وغير المسافة، وليس بمقدار للحركة الفلكية ولا هو عرض يعرض للأجسام؛ يمكن الشعور به حتى مع عدم الشعور بالحركة. ولا يتصور الذهن ارتفاعه، لأنه يتصور كل شيء وعدمه معه، ويتصور كل شيء فيه ومعه ولا يتصوره هو في شيء. وينتهي إلى أن الزمان هو مقدار وجود الموجود، لا على أنه عرض قار في الوجود، وتقديره للوجود أولى من تقديره للحركة. ويعبر عن هذا الموقف قائلا: ”ولو قيل إن الزمان مقدار الوجود لكان أولى من أن يقال إنه مقدار الحركة.“ أبو البركات البغدادي، المعتبر في الحكمة الإلهية (حيدر أباد الدكن: جمعية دائرة المعارف العثمانية، 1358هـ)، ج. 3، 39. وانظر أيضا: ج. 2، 69.

[11] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 45.

[12] ما حمله على هذا الرأي، حسب سعد الدين التفتازاني (ت. 793هـ/1390م)، هو اعتقاده أن ”الباقي لا يتصور بقاؤه إلا في زمان مستمر، وما لا يكون في الزمان ويكون باقيا لابد أن يكون لبقائه مقدار من الزمان، فالزمان مقدار الوجود.“ التفتازاني، شرح المقاصد، تحقيق عبد الرحمان عميرة، ط. 2 (بيروت: عالم الكتب، 1419هـ/1998م)، ج. 2، 191.

[13] أثبت الفلاسفة موجودات ممكنة مفارقة، واعتبروا النفوس الناطقة والعقول السماوية موجودات مفارقة؛ وتابعهم بعض الصوفية والغزالي في اعتبار النفس جوهرا روحانيا. ويذكر ابن التلمساني أن هذا هو عين مذهب معمر بن عباد السلمي من المعتزلة، وأكثر الإمامية، فيما رفض جمهور المتكلمين الاعتراف بها. انظر: ابن التلمساني عبد الله بن محمد الفهري المصري، شرح المعالم، تحقيق نزار حمادي (عمان: دار الفتح للدراسات والنشر، 2010م)، 132.

أما الرازي فاعترف بدوره بهذا الصنف من الموجودات؛ وبناء على ذلك اعتبر استدلال المتكلمين بحدوث العالم على وجود الله قاصرا لأنه لا يشمل هذا الصنف من الحوادث. أما بخصوص موقفه من جوهرية النفس فتقلب بين رأيين؛ فرفض الاعتراف بمفارقتها للجسد، وتبنى مذهبا قريبا من مذهب الجويني، فقال إنها جوهر جسماني نوراني شريف مداخل للجسم، وذلك في معالم أصول الدين والإشارة في علم الكلام. انظر: معالم أصول الدين، ضمن: ابن التلمساني عبد الله بن محمد الفهري المصري، شرح المعالم، تحقيق نزار حمادي (الأردن: دار الفتح للدراسات والنشر-الجزيرة للنشر والتوزيع، 2010م)، 568؛ كتاب الإشارة في علم الكلام، تحقيق محمد حامد محمد (القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث، 2009)، 382. كما نسب له ابن التلمساني أنه تبنى الرأي نفسه في الأربعين في أصول الدين؛ انظر، شرح المعالم، 559. كما تبنى جوهرية النفس ومفارقتها للجسد في: المباحث المشرقية، ج. 2، 232؛ وفي كتاب النفس والروح وشرح قواهما، تحقيق محمد صغير حسن المعصومي (إسلام أباد: مطبوعات معهد الأبحاث الإسلامية، 1968)، 33؛ وكتاب يسألونك عن الروح، تحقيق محمد عبد العزيز الهلالي (القاهرة: مكتبة القرآن، 2002)، 38؛ والمطالب العالية من العلم الإلهي، الجزء السابع: في الأرواح العالية والسافلة (النفس)، ج. 7، 105.

وحجة المتأخرين على المتقدمين من المتكلمين، حسب ابن تيمية، أن: ”هؤلاء المتأخرين —كالشهرستاني والرازي والآمدي— زعموا أن ما ادعاه هؤلاء المتفلسفة من إثبات عقول ونفوس مجردة لا دليل للمتكلمين على نفيه، وأن دليلهم على حدوث الأجسام لا يتضمن الدلالة على حدوث هذه المجردات.“ ويعلق ابن تيمية على هذا النقد قائلا: ”وهذا قول باطل، بل أئمة الكلام صرحوا بأن انتفاء هذه المجردات، وبطلان دعوى وجود ممكن ليس جسماً ولا قائماً بجسم: مما يعلم انتفاؤه بضرورة العقل، كما ذكر ذلك الأستاذ أبو المعالي وغيره.“ أبو العباس تقي الدين ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، ط. 2 (الرياض: منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1411هـ/1991م)، ج. 1، 337.

[14] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 88.

[15] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 86.

[16] انظر: المطالب العالية، ج. 5، 77.

[17] انظر: المطالب العالية، ج. 5، 77–78.

[18] أورد الرازي هذا الذكر أيضا في التفسير الكبير قائلا: ”ولنختم هذا الفصل بذكر شريف رأيته فِي بعض الكتب.“ مفاتيح الغيب: التفسير الكبير، ط. 3 (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1420هـ)، ج. 1، 140.

[19] انظر: الرازي، المباحث، ج. 1، 652.

[20] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 81؛ والمباحث، ج. 1، 652.

[21] وقد استدل ابن سينا بوجوب الوجود بالذات على وحدة واجب الوجود، وبين أن واجب الوجود واجب الوجود من كل الجهات فلا يكون منه إلا موجود واحد. انظر لابن سينا، المبدأ والمعاد، تحقيق عبد الله نوراني (طهران: معهد الدراسات الإسلامية، جامعة ماك جيل-فرع طهران، 1984)، 33؛ الإلهيات، 56.

[22] انظر: Peter Adamson and Andreas Lammer, Fakhr al-Dīn al-Rāzī’s Platonist Account of the Essence of Time,” in Philosophical Theology in Islam: Later Ashʿarism East and West, 95–122 (Leiden: Brill, 2020), 115.

[23] الرازي، المعالم، 155.

[24] الرازي، كتاب الأربعين في أصول الدين، تحقيق: أحمد حجازي السقا (بيروت: دار الجيل، 2004)، 249.

[25] الرازي، مفاتيح الغيب: التفسير الكبير، ج. 17، 189.

[26] بخصوص قوله ببداهة الزمان، انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 19.

[27] اعتبر المشاؤون الآن غير منقسم، غير أنهم قالوا بأن الزمان كم متصل قابل للقسمة الوهمية إلى ما لا نهاية. انظر: أرسطو طاليس، السماع الطبيعي، ج. 2، 622، 630؛ يحيى بن عدي، حاشيته على كتاب السماع الطبيعي، ج. 2، 624، 640؛ ابن سينا، السماع الطبيعي، 160.

[28] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 87–88.

[29] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 76.

[30] ولأجل تفسير العلاقة بين الزمان المتغير والزمان الثابت، أي بين الآن السابق والآن اللاحق للزمان، ذهب بيتر أدمسون Peter Adamson وأندرياس لامير Andreas Lammer إلى أن الرازي استلهم الفكرة الأفلوطينية كما تبلورت خصوصا مع يحيى النحوي (ت. 490/570م) الذي وفّق بين تصوري أفلاطون الذي يعتبر الزمان الصورة المتحركة للأزل، وأرسطو الذي يعتبره مقدار الحركة، أو نتيجة للآن السيال بحسب تفسير الإسكندر الأفروديسي (توفي حوالي 200م)؛ وبموجب هذا التوفيق يجتمع في الآن أن يظل هو ذاته وفي تغير دائم، أي يبقى ثابتا وينتج الزمان المتغير المتصل بسيلانه؛ انظر:

Adamson and Lammer, “Fakhr al-Dīn al-Rāzī’s Platonist Account,” 113.

والحقيقة أن الرازي، وإن استفاد من المشائين في تفسير كيف يقترن التغير بالزمان الثابت، فإنه اعتمد أساسا مرجعية كلامية في تفسير بنية هذا الزمان المتغير وتحديد علاقته بالزمان الجوهري؛ فرفض اعتباره كما متصلا كما ذهب إلى ذلك المشاؤون، وفسر الآن اللاحق بالزمان بالجزء الذي لا يتجزأ. ولم يتابع ابن سينا وأرسطو في جعلهما سيلانه امتدادا لشيء متصل في ذاته غير قابل للقسمة إلا بالقوة، بل اعتبره تعاقبا لآنات يخالف كل واحد منها الآخر بذاته وينفصل عن سابقه ولاحقه بالعدم. كما انفصل عن المشائين وانحاز إلى المتكلمين عندما أنكر الوجود الخارجي للزمان الأرسطي المتجدد كلية، وأرجع وجوده والإحساس باتصاله إلى مجرد الشعور النفسي.

[31] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 76.

[32] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 105.

[33] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 32.

[34] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 32.

[35] ”الزمان هو عدد الحركة من قبل المتقدم والمتأخر.“ أرسطو طاليس، السماع الطبيعي: مع شروح ابن السمح وابن عدي ومتى بن يونس وأبي الفرج بن الطيب، ترجمة إسحاق بن حنين، حققه وقدم له عبد الرحمان بدوي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2007)، ج. 1، 420.

[36] أرسطو، السماع، ج. 1، 473.

[37] يقول يحيى بن عدي (ت. 364هـ/974م) في حاشيته على كتاب السماع الطبيعي: ”والزمان […] لا يفهم ولا يقع في الأوهام إلا من الحركة.“ ضمن: أرسطو طاليس، السماع الطبيعي، ج. 1، 423.

[38] الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 100.

[39] الرازي، المباحث، ج. 1، 378.

[40] بصدد كلام ابن سينا وتعليق الرازي، انظر: الرازي، شرح عيون الحكمة (طهران: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر، 1415)، ج. 2، 145.

[41] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 107.

[42] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 107.

[43] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 107.

[44] انظر: الرازي، المطالب العالية، ج. 5، 87–88.

[45] فتحي عبد الله، دراسات، 229.

[46] يؤكد حسام الدين الألوسي هذا الأمر قائلا: ”من الواضح أن الزمان المتحرك الذي هو صورة الأبدية، عند أفلاطون هو مقدار للحركة الفلكية مثل أرسطو.“ ”الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم،“ مجلة عالم الفكر، المجلد الثامن، العدد 2، (يوليو-أغسطس-سبتمبر، 1977)، 158. غير أن أرسطو يشير ربما إلى أفلاطون عند حديثه عن مذهب من قال بأن الزمان هو الحركة ذاتها، وينتقده ليبين أنه مقدار الحركة وليس الحركة ذاتها. انظر: أرسطو، السماع الطبيعي، ج. 1، 412.

[47] يقول الرازي: ”وهذا هو قول الإمام أفلاطون فإنه كان يقول: المدة [إن] لم يقع فيها شيء من الحركات والتغيرات لم يحصل فيها إلا الدوام والاستمرار، وذلك هو المسمى بالدهر والسرمد. وأما إن حصلت فيه [فيها] الحركات والتغيرات، فحينئذ يعرض لها قبليات قبل بعديات، وبعديات بعد قبليات، لا لأجل وقوع التغير في كمال [ذات] المدة والزمان، بل لأجل التغير في ذات الأشياء.“ شرح عيون الحكمة، ج. 2، 127.

[48] بل إن هناك من يرى أن التحديد الأفلاطوني التقليدي والمتداول إلى أيامنا للزمان، الوارد في طيماوس، والذي يحدد الزمان بأنه الصورة المتحركة للأزلية، ناتج عن قراءة خاطئة لهذا النص، ويقترح بدل ذلك التعريف التالي: ”السماء، وبالتحديد الكواكب، هي التي تشكل صورة الأزلية. وفي هذه الحالة ليس الزمان هو صورة الأزلية، بل هو ذلك الشيء الذي بواسطته تعد السماء صورة للأزلية.“ انظر:

Rémi Brague, Du temps chez Platon et Aristote. Quatre études (Paris: Presses Universitaires de France, 1982), 59.

وهذا الشيء هو حركة السماء لكن من جهة أن هذه الحركة ذات طابع عددي؛ فالزمان لا يتحدد في السماء ولا في حركة كواكبها، بل في السماء من حيث هي في حركة ومن حيث أن هذه الحركة تنتظم بدورها في عدد. فهو ليس عدد الحركة كما سيذهب إلى ذلك أرسطو، بل حركة السماء من حيث تنتظم في عدد. فبفعل حركة الأجرام السماوية ولد العدد، وما ليس بعدد فليس في الزمان؛ فحدث عبر محاكاة الكواكب للأزل بواسطة الحركة؛ والسماء إذن لم تصر صورة للأزل إلا بوساطة الزمان.

[49] يقول ريمي براغ: ”لا يقدم أفلاطون أي تعريف للأزلية،“. 57 Brague, Du temps, كما يقول الألوسي إننا لا نستطيع أن نؤكد إن كانت الأزلية هي المثال نفسه أم هي مجرد امتداده في الوجود: الألوسي، ”الزمان،“ 158.

[50] الألوسي، ”الزمان،“، 158.

[51] أفلوطين، تاسوعات أفلوطين، نقله إلى العربية عن الأصل اليوناني فريد جبر، مراجعة جيرار جيهامي، سميح دغيم (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1997)، 270.

[52] أفلوطين، تاسوعات، 277.

[53] أفلوطين، تاسوعات، 264.

[54] Maria E. Koutlouka, “La notion de temps, de l’antiquité au christianisme,” In: Platonisme et néoplatonisme. Antiquité et temps modernes. Actes du 1er colloque de la Villa Kérylos à Beaulieu-sur-Mer du 27 au 30 septembre 1990, )Paris: Académie des Inscriptions et Belles-Lettres-Cahiers de la Villa Kérylos, 1991), 75.

[55] أفلوطين، تاسوعات، 276.

[56] أفلوطين، تاسوعات، 275.

[57] Agnès, Pigler, “La théorie aristotélicienne du temps nombre du mouvement et sa critique plotinienne,” Revue Philosophique de Louvain, Quatrième série, tome 101, n. 2 )2003( , 303.

[58] أفلوطين، تاسوعات، 245.

[59] Monique Lassègue, “Le temps, image de l’éternité chez Plotin,” Revue Philosophique de la France et de l’Étranger 172, 2 (1982), 407.

[60] Lassègue, “Le Temps,” 414.

[61] فقد ذهب عبد الرحمان بدوي إلى أنها ليست النفس الفردية، بل نفس الكل؛ انظر: عبد الرحمان بدوي، الزمان الوجودي، ط. 3 (بيروت: دار الثقافة، 1973)، 75. وإلى الرأي نفسه، ذهبت ماريا كوتلوكا، انظر: Maria E. Koutlouka, “La notion,” 76.

[62] أبو حاتم الرازي، أعلام النبوة: الرد على ”الملحد“ أبي بكر الرازي (جنيف-بيروت: المؤسسة العربية للتحديث الفكري-دار الساقي، 2003)، 25.

[63] أبو حاتم الرازي، أعلام النبوة، 25–26.

[64] أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني، كتاب الأزمنة والأمكنة، ضبطه وخرج آياته خليل منصور (بيروت: دار الكتب العلمية، 1417هـ/1996م)، 103.

[65] المرزوقي الأصفهاني، كتاب الأزمنة، 109–110.

[66] انظر: ابن حزم، الفِصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق محمد ابراهيم نصر وعبد الرحمان عميرة، ط. 2 (بيروت: دار الجيل، 1461هـ/1996م)، ج. 1، 37–38.

[67] جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، عني بتصحيحها ونشرها ب. كراوس (القاهرة: مكتبة الخانجي ومطبعتها، 1354هـ)، 2. انظر أيضا: زكي نجيب محمود، جابر بن حيان (بيروت: المركز العربي للثقافة والعلوم)، 171.

[68] ناصر الدين البيضاوي، طوالع الأنوار من مطالع الأنظار، تحقيق عباس سليمان (بيروت: دار الجيل، 1991)، 109.

[69] عضد الدين الإيجي، المواقف في علم الكلام (بيروت: عالم الكتب، [د. ت])، 110.

[70] ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، تحقيق وتعليق وتقديم محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ/1987م)، ج. 5، 67.

[71] انظر: التفتازاني، شرح المقاصد، ج. 2، 51–52.

[72] انظر: أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي الحسيني، الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، قابله على نسخة خطية وأعده للطبع ووضع فهارسه عدنان دويش ومحمد المصري، ط. 2 (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1419هـ/1998م)، 487.

[73] صدر الدين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ط. 4 (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1990)، ج. 3، 144–145.

[74] محمد علي التهانوي، كشاف اصطلاحات الفنون، تقديم وإشراف ومراجعة رفيق العجم، تحقيق علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية جورج زيناتي (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1996)، ج. 1، 909.

[75] التهانوي، كشاف، ج. 1، 909.

[76] بخصوص تصور الرازي الطبيب للزمان وأصوله خصوصا لدى جالينوس (ت. ؟129/216م) ينظر: Adamson. Peter, “Galen and Abū Bakr al-Rāzī on Time,” in Medieval Arabic Thought: Essays in Honor of Fritz Zimmermann, ed. R. Hansberger, C. Burnett, M. Afifi al-Akiti(London: Warburg Institute, 2012).

مقالات ذات صلة

في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف

في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف

On the Legitimacy of Sunni Theology against Abū Ḥāmid al-Ghazālī’s Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn (d. 505/1111): A Section from Abū Bakr al-Ṭurṭūshī’s al-Asrār wa-l-ʿIbar (d. 520/1126) - Introduction and Description Fī Mashrūʿiyyat al-Kalām al-Sunnī Ḍiddan ʿalā Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn...

منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق

منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق

Al-Ghazālī’s Methodology in His Writings on Logic Manhaj al-Ghazālī fī al-Taʾlīf fī ʿIlm al-Manṭiq منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق محمد رويMohamed Roui جامعة عبد الملك السعديUniversité Abdelmalek Essaadi  ملخص: تتناول هذه الدراسة معالم منهج أبي حامد الغزالي...

المنطق في الحضارة الإسلاميّة

المنطق في الحضارة الإسلاميّة

المنطق في الحضارة الإسلاميّة خالد الرويهبKhaled El-Rouayheb جامعة هارفارد-كمبريدجHarvard University-Cambridge  ملخص: ”المنطق في الحضارة الإسلامية“ لخالد الرويهب (جامعة هارفارد بكمبريدج) هي في الأصل محاضرة بالعربية ألقيت في مؤسسة البحث في الفلسفة العلوم في...

مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد

مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد

Navigating Ambiguity: Exploring the Role of Uncertainty in the Classical Arab-Islamic Culture Makānat Al-Iltibās fī al-Thaqāfah al- ʿArabiyya al-Islāmiya Fī ʿAṣrihā al-Klāsīkī:Bawākīr Manẓūr Jadīd مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي بواكير...

أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)

أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)

The Impact of Ibn Rushd's (Averroes’) Philosophy on Maghribi Ashʿarī KalāmCurrent State of Studies on al-Miklātī (d.626/1229) Athar Falsafat Ibn Rushd fī al-Kalām al-Ashʿarī al-Maghribī: Dirāsa fī al-Munajaz ḥawl Fikr Abī al-Hajjāj Yusuf al-Miklatī (626/1229) Majda...

في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“

في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“

On the Approach to the Philosophy of Action in Fakhr al-Dīn al-Rāzī:A Critical Review of “Falsafat al-fiʿl wa-naẓarīyyat al-ʿādah al-tārīkhīyyah ʿinda al-mutakallimīn” Fī muqārabah Falsafat al-fiʿl ʿinda Fakhr al-Dīn al-Rāzī:Murājaʿat naqdīyyah li-maqālat “Falsafat...

أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان

أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان

Abū al-Barakāt al-Baghdādī on The Problem of Time Abū al-Barakāt al-Baghdādī wa Mushkil al-Zamān Jalel DridiUniversity of Tunis, Tunis أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان جلال الدريديجامعة تونس، تونس Abstract׃ The approach adopted by Abū al-Barakāt al-Baghdādī...

مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا

مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا

Machrūʿiyat al-naẓar al-ʿaqlī fī taqrīri al-ʿaqāʾid ʿinda al-mūtakalimīn:fakhr al-Dīne al-Rāzī namūdhajan The legitimacy of Speculated Reasoning from the Perspective of Fakhr al-Dīne al-Rāzī مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلّمين: فخر الدين الرازي...

”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“

”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“

“Which of the works of the ancient Greek philosophers [...] do we owe the first knowledge to the Arabs?” Revisiting an “old” Dispute “Mā hiya al-Aʿmāl al-Falsafīyah al-Yūnānīyah al-Qadīmah [... ] allatī Nadīn lil-ʿArab fī Awwal Maʿrifitinā bihā? ” ʿAwdah ilá Niqqāsh...

مشاركة / Share
error: Content is protected !!