(ندوة) الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن
الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن
ندوة من تنظيم شعبة الفلسفة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور ومؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تكريما للأستاذ عبد الحي أزرقان
تقرير
شهدت رحاب الكلية المتعددة التخصصات بالناظور يوم 28 مايو 2022 ندوة علمية، اتخذ لها منظموها كعنوان: ”الفلسفة والكلام وتاريخ العلوم في سياقات المسلمين: أسئلة التاريخ والراهن.“ وقد انطلقت أشغال هذه الندوة على الساعة العاشرة صباحا بالمدرجI؛ وافتتحتْ بجلسة أدارها الأستاذ يوسف أشلحي من الكلية التي احتضنت هذه الندوة. وفي هذه الجلسة أخذ الكلمة كل من السيد عميد الكلية، علي أزدي موسى، وقد تلاها نيابة عنه السيد نائب العميد المكلف بالشؤون البيداغوجية، أبو عبد السلام الإدريسي، والأستاذ فريد لمريني بصفته رئيسا لشعبة الفلسفة ومديرا لمختبر المجتمع والخطاب وتكامل المعارف، والأستاذ فؤاد بن أحمد بصفته رئيسا لجمعية مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية.
بعد كلمة الجهات المنظمة، انطلقت الأشغال العلمية لهذه الندوة، والتي توزعت بين جلستين، الأولى أدارها الأستاذ فريد لمريني، وتدخل خلالها كل من الأستاذة نظيرة فدواش من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والأستاذ محمد اشو من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور والأستاذ محمد الصادقي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والأستاذ فؤاد بن أحمد من جامعة القرويين- الرباط.
وهكذا، فقد تناولت الأستاذة نظيرة فدواش في مداخلتها مسألة تتعلق بإبراز أثر ابن باجة (533𞸤/1138م) في الغرب ووساطة ابن رشد (595𞸤/1198م)، هذه الوساطة التي كادت أن تشوش على انتساب ابن باجة إلى مذهب القوم في العلم الطبيعي، فمن خلال ميل ابن الصائغ إلى تبني فكرة الخلاء وإمكانية الحركة في وسط لا مقاومة فيه، كاد هذا الفيلسوف أن يعانق أفقا تشكل بعدة بقرون في ما يخص علم الديناميكا. ومن الحديث عن ابن باجة انتقل الحضور، الذي تشكل من طلبة و باحثين في سلك الدكتوراه، في الفلسفة والدراسات الإسلامية، ومهتمين قدموا من الناظور ومن مناطق مجاورة لهذه المدينة الساحلية الجميلة، إلى الاستماع إلى مداخلة الأستاذ محمد إشو، والتي ركز فيها على التأكيد على وجود فلسفة عربية إسلامية أسهمت، بشكل أو بآخر، في صناعة التاريخ الفكري للبشرية، مبرزا أن هذا الأمر أصبح الآن بمثابة مسلمة. وبخصوص الأستاذ محمد الصادقي، الذي اتجهت مداخلته نحو كشف الحجب عن صورة المتكلم في فكر الفلاسفة المسلمين، فقد سعى إلى إبراز كيفية حضور علم الكلام عند أعلام كبار في الفلسفة الإسلامية كالكندي (ت. 256𞸤/873م) الذي دشن فعل التفلسف في سياق المسلمين، وهو الفعل الذي جعل صورة علم الكلام في فلسفته صورة باهتة وغير واضحة المعالم؛ والفارابي (ت. 339𞸤/950م) الذي استأنف هذا التدشين، حيث ستعرف معه هذه الصورة نوعا من التغير، حيث منح المعلم الثاني منزلة لعلم الكلام ضمن اهتماماته، هذا وإن كانت هذه المنزلة دون مستوى المنزلة التي منحها لعلوم الحكمة التي يكون اليقين دائما من نصيبها؛ وابن سينا (ت. 427𞸤/1037م) الذي أدمج مواضيع كلامية ضمن اشتغال الفيلسوف، حيث فتح أبواب الفلسفة أمام ذلك الخلط العجيب الذي انعكس على تطور الفلسفة في سياقات المسلمين، إلى أن جاء ابن رشد الذي أرجع أمور الفلسفة إلى مجراها الأصلي وفق ما ينص عليه مذهب القوم. واختتمت أشغال هذه الجلسة بمداخلة الأستاذ فؤاد بن أحمد الذي، كعادته، لغَّمها بأسئلة من مثل: ما الذي يحركنا للاهتمام بتاريخ الفلسفة الإسلامية؟ وبأي معنى ندافع عن كون هذا الاهتمام هو تقليد حديث نشأ في أوروبا أساسا وموضوعه أو مادته ما تزال في طور البناء؟ وفي مقاربته لمثل هذه الأسئلة أبرز الأستاذ فؤاد بن أحمد أن مراجعة الكثير من الأحكام بخصوص مكانة هذه الفلسفة في تاريخ الفلسفة عامة لهي مهمة ملقاة على كل من يريد حقا أن يعرف حقيقة ما جرى في سياقات المسلمين بخصوص نشأة وتطور، سواء هذه الفلسفة بذاتها، أو تقليد البحث فيها، والذي هو تقليد حديث جدا.
وبعد الاستماع إلى هذه المداخلات، منحت الكلمة للذين حضروا أشغال هذه الجلسة العلمية، حيث كان التفاعل مثمرا، تجلى هذا في ردود الأساتذة المتدخلين.
وبخصوص الجلسة الثانية، والتي عاش الحضور فاصلا بين انتهاء أشغال الجلسة الأولى وانطلاق أشغالها، يتمثل في استراحة شاي، فقد أدارها الأستاذ فؤاد بن أحمد، وتدخل فيها كل من الأستاذ محمد مستقيم من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور، الذي تناول، في مداخلته، سؤال الهوية بالنسبة لتاريخ الفلسفة العربية الإسلامية، حيث أبرز في مداخلته كون السؤال: بأي معنى نتحدث عن فلسفة عربية إسلامية؟ لا يزال في حاجة إلى المزيد من البحث، حتى تتضح الكثير من الأمور، منها ما يتعلق، على سبيل المثال لا الحصر، بعلاقة ابن رشد بالغزالي (ت. 505𞸤/1111م). وفي سياق أشغال هذه الجلسة، تدخل الأستاذ محمد أبركان من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والذي تناولت مداخلته مسألة تتعلق بتحقيق النصوص العلمية من منجز المسلمين وكيف أن هذا التحقيق لمن شأنه أن يرسم لنا طريقا نحو فهم أقرب إلى الصواب لما جرى خلال تطور الأفكار العلمية (علم الفلك كنموذج) حتى فجر العصر الحديث، كما من شأنه أيضا أن يعلمنا، كباحثين، كيف يجب أن نؤرخ للأفكار العلمية؛ وفي هذا السياق قابل المتدخل بين أحكام كانت قد صدرت في حق الإسهام العلمي للمسلمين في الفلك خلال القرون الوسطى وبين اقتراحات أخرى تقدم بها أصحابها في ضوء تحقيق النصوص الفلكية لفلكيين انتموا إلى الحضارة الإسلامية. أما مداخلة الأستاذ الحسن أسويق من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور فقد قاربت مسألة في غاية الأهمية، ويتعلق الأمر بطرح مشكلة بدايات الفلسفة في الأندلس، وذلك في أفق استعادة الفلسفة الإسلامية لراهنيتها؛ وفي هذا الإطار تحرك الأستاذ الحسن أسويق ضمن دائرة ما سبق أن اقترحه أحد كبار المستشرقين الإسبان المعاصرين، ويتعلق الأمر بميكائيل أسين بلاصيوس (ت. 1944) مستشكلا ما طرحه هذا الأخير بخصوص التأريخ للفلسفة الإسلامية، وهو الاستشكال التي جرى عنده في ضوء ما تقترحه الفلسفة المعاصرة من رؤية للتاريخ بشكل عام.
وكما حصل مع الجلسة العلمية الأولى، فقد تفاعل الحضور مع ما ورد في هذه المداخلات من أسئلة وأفكار، الشيء الذي أغنى محتواها.
بعد هاتين الجلستين العلميتين، شهدت أشغال هذه الندوة لحظة من نوع خاص، تتمثل في تكريم أستاذ علم أجيالا جامعية، وذلك لمدة ثلاثة عقود؛ ويتعلق الأمر بتكريم الأستاذ عبد الحي أزرقان، الذي اشتغل مدرسا للفلسفة منذ بداية ثمانينيات القرن المنصرم بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كلية الآداب ظهر المهراز، قبل أن ينتقل لمواصلة مهمته النبيلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن تقاعد عن التدريس وليس عن البحث والتأليف في مختلف القضايا التي تهم الفلسفة.
ولأن للأستاذ عبد الحي أزرقان أصدقاء وزملاء وطلبة يحبونه ويكنون له احتراما يستحقه، فقد قيلت في حقه كلمات جد مؤثرة؛ فقد تحدث عنه في شهادة صادقة كل من الأساتذة: علي الإدريسي ومبارك حنون (عن بعد) وصديقه الفنان عبد الحي الديوري (قرأ شهادته الأستاذ فؤاد بن أحمد) والأستاذ محمد الولي والأستاذ فريد لمريني والأستاذ محمد الصادقي. وكل ما جاء على لسان أصحاب هذه الشهادات، إذ منهم من هو صديقه وزميله (الأساتذة: علي الإدريسي ومحمد الولي ومبارك حنون والفنان عبد الحي المودن) ومنهم من هو زميله ومن طلبته (الأستاذان فريد لمريني ومحمد الصادقي) يبرز المعدن الأصيل للأستاذ عبد الحي أزرقان ويبرز إنسانية الرجل وحبه لطلبته وللبحث وللحياة.
وفي ختام أشغال هذه الندوة، تم توقيع شراكة بين شعبة الفلسفة ومؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، وهي الشراكة التي وقعها كل من الأستاذ فريد لمريني بصفته رئيسا للشعبة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور،والأستاذ فؤاد بن أحمد بصفته رئيسا لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. هذا، كما شهد اختتام أشغال هذه الندوة توقيع العدد المزدوج (العددان الأول والثاني) من مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية.
أعد التقرير
ذ. محمد أبركان
مقالات ذات صلة
صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 3-4 (2023)
يسعدنا في مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية إخبار القراء والمهتمين والباحثين بصدور العدد المزدوج الثالث والرابع من مجلة فيلوسموس: مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. يمكن الآن اقتناؤها من دار الأمان (الرباط)، كما يمكن اقتناؤها من مكتبات أخرى...
تهنئة
بمناسبة نيله لشهادة الدكتوراه في الفلسفة، يتقدم أعضاء مكتب مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية وهيئة تحرير مجلتيها الورقة والإلكترونية، بأحر التهاني للباحث يونس أجعون، والذي هو أحد أعضاء مكتب المؤسسة، كما أنه يشرف، إلى جانب الأستاذ فؤاد بن أحمد، على...
تعزية
انتقل إلى جوار ربه والد زميلنا الأستاذ محمد الصادقي، أمين مال مؤسستنا وعضو هيئة تحرير مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم جميع أعضاء المكتب وهيئة التحرير للصديق ذ. محمد الصادقي ولأسرته الكريمة بخالص العزاء والمواساة في هذا المصاب...
استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية (العدد القادم)
استكتاب للنشر في مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية(العدد القادم) الباحثون والدارسون في تاريخ الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، تحية طيبة، بعد صدور العدد المزدوج (الأول والثاني) من مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، بدعم مشكور من أكاديمية الممكلة...
صدور مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022)
عرفت مجلة الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية 1-2 (2022) طريقها إلى النشر، بعد أشهر من العمل الجماعي، وبفضل دعم مشكور من أكاديمية المملكة المغربية بالرباط. وقد صدرت في حلة أنيقة كما تضمنت مجموعة من المقالات الجيدة. وقد جاءت محتوياتها مبوبة حسب ما يلي: أولا: دراسات...
الأستاذ ريتشارد تايلور ضيف مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية
يلقي الأستاذ ريتشارد تايلور من جامعة ماركيت بملووكي بالولايات المتحدة الأمريكية محاضرة عن ابن رشد في صيغتيه اللاتينية والعربية؛ وذلك يوم الجمعة 8 مارس على الساعة التاسعة بتوقيت المغرب لمتابعة المحاضرة والتفاعل معها يرجى الضغط على رابط صفحة المؤسسة بالفايس بوك...
صدر حديثًا: تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللّام)
تقديم الكتاب صدر في الفاتح من شهر جانفي/يناير لسنة 2022، عن دار زينب للنشر والتوزيع بتونس، مقالة الإسكندر الأفروديسي (ت.215 م) تفسير ميتافيزيقا أرسطو (مقالة اللاّم)، تحقيق رمضان بن منصور، أستاذ الفلسفة الإسلاميّة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بتونس. احتوى الكتاب...
المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية
المحاضرة العلمية الافتتاحية لمؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية تقرير من الأنشطة التي قررت مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية تنظميها خلال الموسم الأكاديمي 2021-2022 نجد سلسة محاضرات سيلقيها دارسون وباحثون كل في مجال اهتمامه. في هذا...
رحيل أحمد الصادقي
في ذكرى رحيل أحمد الصادقي رحل عن هذه الدنيا الأستاذ الباحث أحمد الصادقي يومَ 15 غشت 2021. وبهذا الرحيل تكون الجامعة المغربية (جامعة القرويين) قد فقدت أحد خيرة أساتذتها. الأستاذ أحمد الصادقي يشهد له مساره التربوي والأكاديمي بالجد والمثابرة ونكران الذات. فتربويا، راكم...
صدر حديثًا
صدر عن مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان - الرابطة المحمدية للعلماء، ضمن سلسلة ”ذخائر من التراث الأشعري المغربي“، كتابان: الأول بعنوان: شرح مرشدة محمد بن تومرت؛ والثاني بعنوان: أربعون مسألة في أصول الدين؛ وكلاهما لأبي عبد الله محمد بن خليل السكوني...