Loading

محمد بن عمر بن أبي محلي وامتحان الناس بسجلماسة: مراجعة لمقالة كايتلين ألسون حول آفاق جديدة في دراسة العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي بعد السنوسي

Muḥammad b. ʿUmar Ibn Abī Maḥallī and the Persecution of People in Sijlmassah: A Review of Caitlyn Olson’s Article on New Perspectives on the Study of the Ashʿari Creed in the Post-Sanussi Islamic West

Muḥammad b. ʿUmar Ibn Abī Maḥallī wa-mtiḥān al-nās bi-Sijilmāssa: murājaʿat li-mqālat Caitlyn Olson ḥawla āfāq Jadīda fī Dirāsat al-ʿaqīda al-Ashʿariyya fī l-Gharb al-Islāmī baʿd al-Sanūsī

محمد بن عمر بن أبي محلي وامتحان الناس بسجلماسة:

مراجعة لمقالة كايتلين ألسون حول آفاق جديدة في دراسة العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي بعد السنوسي

Lahcen Iziki
الحسن ازيكي

 

تنبيه الناشر: نودُّ أن نلفت انتباه الباحثين والقرّاء أنّ هذا المنشور يتضمن قولين: الأوّل، قول الحسن ازيكي الذي يراجع فيه مقالة كايتلين ألسون التي سبق أن نشرت في هذه المجلّة [هنا]، والقول الثاني جواب ألسون على اعتراضات ازيكي وملاحظاته. ويجد القارئ هذا الجواب مباشرةً بعد انتهاء قول ازيكي. القصد من نشر الملاحظات والجواب في آن معًا هو أن نوفّر للمختصّين والمهتمّين نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه النقاش العلمي الجدّي.

Abstract: This article examines some ideas about Muḥammad b. ʿUmar Ibn Abī Maḥallī in Caitlyn Olson’s article, related to his intellectual authority, his dispute with some of his contemporary scholars his engagement with the legacy of Muḥammad b. Yusuf al-Sanūsī, the current status of his works manuscripts and the circulation of his ideas in North and West Africa.

Key words: Ibn ʿUmar b. Abī Maḥallī, al-Sanūsī, Ashʿarism, taqlīd, belief of the common folk, Sijilmāssa.

ملخص: تحاور هذه المقالة ما ورد عند كايتلين ألسون مما يتعلق بالحادثة المرتبطة بمحمد بن عمر بن أبي محلي، وتُراجع بالأساس ما يتعلق بشخص الفقيه المذكور ومكانته العلمية، وصلب الخلاف بينه وبين فقهاء عصره، وعلاقته بإرث السنوسي، والوضع الحالي لمؤلفاته، ومدى تأثر من جاء بعده بآرائه خارج حدود سجلماسة.

كلمات مفتاحية: ابن عمر بن أبي محلي، السنوسي، العقيدة الأشعرية، التقليد، إيمان العوام، سجلماسة.

نشر موقع مؤسسة البحث في الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية مقالة كايتلين ألسون بعنوان: ”ما بعد السنوسي: آفاق جديدة في دراسة العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي،“ وذلك بتاريخ 3 يوليوز 2022، أصلها محاضرة ألقتها الباحثة افتراضيا بنفس المؤسسة، يوم 28 يناير 2022.

ركزت الباحثة على ثلاثة ميادين اعتبرتها مهمة لمستقبل دراسات العقيدة الأشعرية في تاريخ إفريقيا الشمالية- الغربية، وعليها قسمت هذه المقالة، بحيث عنونت الميادين الثلاثة بـ ”إرث السنوسي“، و”المخطوطات“، و”البحث عبر الحدود الدولية“، وقبلها، تمهيد طويل تناولت فيه الباحثة الحادثة المرتبطة بمحمد بن عمر بن أبي محلي (حوالي 1090ه/1679م)[1] والواقعة بسجلماسة في القرن الحادي عشر الهجري.

وأول ما يلاحظ على هذه المقالة هو هيمنة الحادثة المذكورة على مفاصلها؛ ولذلك أرى الاكتفاء في هذه المراجعة بما يتعلق بهذه الحادثة والشخص المرتبط بها، وذلك من خلال النقاط الآتية:

أولا: ابن أبي محلي الشاب وأصحابه

وصف أبو سالم العياشي (ت. 1090هـ/1679م) ابن أبي محلي بـ”الفقيه الناسك الشاب الناشئ في عبادة الله تعلى[2] الصالح فيما أحسب ولا أزكي على الله أحدا: “سيدي محمد بن عمر بن أبي محلي”“[3]، فهذه مجموعة من الأوصاف تقربنا من معرفة حقيقة الرجل، لكن حين يُكتفى بوصف ابن أبي محلي بالشاب لوحده، فالأمر مدعاة للاستشكال، لأنه قد لا يخرج عن خيارين، إما ألا يوجد مبرر لذكر هذا الوصف أصلا، وهذا نوع من العبث، أو يوجد مبرر له، مما يستدعي ذكره تنصيصا أو تلميحا، وهذا لا يظهر في مقالة الباحثة.

إن الإشكال في هذا الوصف منفردا، وخاصة في عصرنا، هو ما يحيل عليه من قلة المعرفة، أو الخبرة، ومن طيش واندفاع، وما إلى ذلك، فيكون ما نصت عليه الباحثة من إصرار ابن أبي محلي على اكتشافه لمشكلة كبيرة بين الناس، من باب قلة المعرفة أو الاندفاع أو ما يشبه ذلك لديه.

إن وصف الشباب قد لا يخص ابن أبي محلي وحده، بل سينطبق على أصحابه أيضا، فينطبق عليهم ما ينطبق عليه، ذلك أن الباحثة وصفتهم بأصحابه ولم تتجاوز ذلك، ومن يسمع أن هناك شابا وأصحابه، قد لا يتبادر إلى ذهنه شيء غير كون هؤلاء في سنه. والحقيقة أن هؤلاء ومن خالفهم الرأي، هم فضلاء سجلماسة وأماثل علمائها كما وصفهم للعياشي بعض السُّفُّار ممن أطال الإقامة بسجماسة[4].

فابن أبي محلي إذن فقيه متصوف، ومن اعترض على ما أقدم عليه، لم يكن ينقص من مكانته العلمية، ولا أدل على ولا أدل على ذلك من قول العنبري (ت. 1090هـ/1679م)[5] في تقريظ على مؤلف لابن أبي محلي: ”(…) نظرت هذا التأليف وما تضمنه من كفر كثير من العامة نطقوا به لإعراضهم عن مخالطة أهل العلم، فوجدته تأليفا عجيبا ضمنه جزاه الله عن الإسلام علما غزيرا[6] غريبا كشف فيه الغطاء لذوي الألباب وأزواج[7] جلابيب الجهالة المتراكبة التي هي أعظم حجاب، فواجب على من بلغه أن يعمل بمقتضاه ويحمل [من] أَطَاعَهُ على قبول فنون نصحه ولا يتعداه إذ هذا منهاج من سلف من العلماء العاملين الذين لا يجوز الخروج عن طريقهم للمؤمنين“[8]، وأصحابه أو على الأقل بعضهم لن يكونوا إلا مثله علما وعملا.

إن ما أخشاه من الوصف المذكور منفردا، هو تقديم ابن أبي محلي وأصحابه للمتلقي المعاصر في صورة كاريكاتورية لشاب مندفع يتزعم مجموعة من أصحابه، يعترضون الناس في أسواق وطرقات سجلماسة، فمن ظفروا به، سألوه في عقيدته، فإما أن يجيب أو يطبق عليه حد الكفر، وهذه الصورة قد تفوت علينا كثيرا من الحقائق عن هذه الحادثة.

ثانيا: اكتشاف ابن أبي محلي لفساد عقائد الناس، وخلافه مع علماء عصره

أرجعت الباحثة ما وقع في سجلماسة إلى عام تسعة وسبعين وألف[9]، وأن وقتها هنالك شاب اسمه ابن عمر أصر على اكتشافه لمشكلة كبيرة منتشرة بين الناس، وهي جهلهم بالمعتقدات الصحيحة، وقد اكتشف ذلك من خلال طالب علم، فانطلق هو وأصحابه يختبر الناس في عقائدهم، وتأكد له أن عددا لا يحصى منهم على عقيدة فاسدة، مما يوقعهم في الكفر.

اعتمدت الباحثة على نص يوحي في ظاهره بكون ابن أبي محلي لم يكن يعرف بوجود من يجهل العقائد في عصره، ولم يكتشف ذلك إلا بعد نطق ذلك الشخص الوارد في النص بما نطق به من كفر. ولا أظن هذا الظاهر هو هدف ابن أبي محلي من النص، ومستندي في ذلك ما ذكره هو نفسه من أن عمه القاضي[10] كان يسأل من يأتيه لأجل الزواج في عقائده، ولا يأذن له فيه إلا بعد تعليمه[11]، ويغلب على ظني أن هذا الأمر كان يقع قبل أن يقدم ابن أبي محلي على ما أقدم عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون قد علم بوجود من يجهل العقائد قبل وقوفه على أمر ذلك الشخص المذكور في النص.

وإذا لم يكن ما ذكرته الباحثة هو هدفه من النص، فما عساه يكون؟

للإجابة عن السؤال أعلاه لا بد من البحث عن صلب الخلاف بين ابن أبي محلي وغيره من العلماء في النازلة المذكورة، وسأرجع إلى الاجتماع الذي أشارت إليه الباحثة، فقد ذكر العنبري، أن صاحب المقالة أنكر ما نسب إليه من التفتيش في عقائد الناس، فنقل لنا قوله: ”ما كفرت أحدا، ولا أمرت أحدا بسؤال الناس، ولا سألت أحدا، لكني أعلم من جاءني، ومن لم يأتني لا أطلبه“[12]، ويهمني من النص، نفي صاحبه سؤال الناس، أو الأمر بذلك، فاختبار الناس في عقائدهم هو ما أعتبره صلب الخلاف المذكور، ويؤكد ذلك ما ورد عند أبي سالم العياشي من أسباب رده على ابن أبي محلي، وفي مقدمتها التعرض للناس بالسؤال والبحث في عقائدهم[13]، وأيضا ما أجاب به العنبري على قول ابن أبي محلي بظهور الكفر المجمع عليه في العامة والنساء وأكثر الطلبة، حيث قال: ”نعم ظهر التجسس المجمع على تحريمه عن بواطن العامة والنساء والطلبة، بل والفقهاء.“[14].

إذا عدنا الآن إلى نص ابن أبي محلي الوارد عند الباحثة، فسنلاحظ أمرا هاما في تعبيره اللغوي، فقد استعمل كلمة ظهر، ولم يقل إنه اكتشف كما عبرت عن ذلك الباحثة، ومعنى هذا أن هدفه من النص هو إعلان ظهور فساد العقائد في الناس وتفشيه، وأن الأمر لا يحتاج إلى البحث والتنقيب عنه لاكتشافه، بل هو ظاهر وبارز للعيان، وإعلانه هذا سيبعد عنه تهمة التجسس على الناس في عقائدهم، والتعرض لهم بالسؤال عنها.

نعم، لقد لجأ ابن أبي محلي إلى اختبار الناس، ونص على ذلك قائلا: ”ولما اختبرنا الناس فوجدنا ما لا يحصى من أنواع الاعتقادات الفاسدة المجمع على أنه كفر، والمختلف فيه، فيمن يظن به ومن لا يظن به“[15]، وعلى افتراض صحة ما ذكره العنبري من نفي ابن أبي محلي لاختباره الناس في عقائدهم، وأنه بالفعل صادق فيما قاله، فمعنى هذا استمرار ابن أبي محلي في مشروعه بعد الاجتماع المذكور، بل وتقدمه فيه باللجوء إلى اختبار الناس، ويؤيد هذا الرأي، قول اليوسي (ت.1102) باستمرار هذه الفتنة إلى أن أطفأها الله بمرض طاعون عام تسعين وألف[16]، بل قد يؤيده كلام العنبري نفسه بالرغم من تصريحه بخمود تلك الفتنة بعد المجلس المذكور، والمقصود ما أشار إليه من تهنئة من كان في صف ابن أبي محلي لبعضهم البعض على ما اعتبروه ظهور حجة صاحبهم وغلبتها[17]، فلعل هذا التوجيه يزيل ما أشارت إليه الباحثة من غموض في نتيجة الاجتماع، على اعتبار أنه لم يغير من الواقع شيئا، لكن إذا تمسكنا برأي العنبري الذي اعلن انتهاء تلك البدعة بذلك المجلس[18]، فالغموض يلف نتيجته كما قالت الباحثة.

ويبدو أن ابن أبي محلي لم يكتف بتكفير من اختبرهم من العوام، بل تجاوز ذلك، فقاس حال هؤلاء على حال من لم يختبر، وأجرى فيهم الحكم ذاته، وهذا ما سماه العنبري تكفير العامة بالقياس، واعتبره أمرا مستحدثا، لم يسبق إليه أحد من المتساهلين أو المتشددين في العقائد[19]. فما ذكرته من التعرض للناس بالسؤال في عقائدهم، والمبالغة في تكفيرهم هو ما يفسر اعتراض العنبري على ابن أبي محلي، بعد أن كان على وفاق معه كما رأينا في التقريظ السابق.

ثالثا: في علاقة ابن أبي محلي بإرث السنوسي (ت. 895هـ/1490م)

نجد الباحثة، وهي بصدد مراجعة الفكرة القائلة بانحطاط أو ركود الإنتاج العقدي بعد السنوسي في المناطق التي سادت فيها عقائده، تعلن عن تركيزها على استحقاق هذا الإنتاج للبحث، وتنفي عن اللاحقين للسنوسي تقليدهم له، مؤكدة أنهم استخدموا كتاباته بطرق مختلفة جدا، وقد بنت هذا الرأي على بحثها للنقاش الدائر في ”إيمان العوام“، لكن ما جلبته الباحثة من أمثلة تبدو وكأنه جزئيات، قد يظهر بينها رابط وقد لا يظهر، مما قد لا يسمح بإدراك مدى تميز هؤلاء عن السنوسي.

تذكر الباحثة أن ابن عمر بالرغم من اقتباساته من كتب السنوسي، فإنه لم يتبع أفكاره بدون وعي أو تفكير، وأهم ما استدلت به على ذلك ما يلاحظ من تركيز السنوسي على النظر، وابن عمر على الجهل الصريح بالمعتقدات، ثم عادت لتقول بعدم تناقض جهود الرجلين، باعتبار أن ابن أبي محلي اعتبر عقيدته سلما تعين على فهم الصغرى.

لا أرى كفاية ما ذكرته الباحثة لإدراك مدى اختلاف مواقف ابن أبي محلي العقدية عن مواقف السنوسي أو اتفاقها، بل لا بد من التعمق في آراءهما، ومحاولة إدراك العلاقة بينها، ولعل مفتاح هذا الأمر هو العودة إلى ما ورد في شرح الكبرى من تنزيل مراتب ما ينشأ عنه الحكم الحادث على الإيمان، ولا يهمنا منها سوى القسم الأول، أي الحكم الجازم، وهو ثلاث مستويات:

مستوى أدنى، وهو الاعتقاد الجازم غير المطابق لما في نفس الأمر، ويسمى الاعتقاد الفاسد والجهل المركب، وهو الذي سمته الباحثة بالجهل الصريح بالمعتقدات.

مستوى أوسط، وهو الاعتقاد الجازم المطابق لما في نفس الأمر، ويسمى الاعتقاد الصحيح، وهو المقصود بالتقليد عند إطلاقه.

مستوى أعلى، وهو العلم الجازم المطابق لما في نفس الأمر، ويسمى علما ومعرفة ويقينا[20].

فالمستوى الأدنى وما دونه متفق على كفر صاحبه، والمستوى الأعلى متفق على إيمان صاحبه، والمرتبة التي بينهما مختلف في إيمان صاحبها، والخلاف فيه على ثلاثة أقوال كما ورد عند السنوسي في شرح الكبرى نقلا عن ابن عرفة (ت.803هـ/1401م)[21]، وتكرر عنده في شرح الوسطى[22].

فالمرتبة الوسطى إذن هي محل النزاع، وقد انتهيت في مقالة لي إلى القول بترجيح السنوسي للقول بكفر المقلد[23]، لكن الإشكال عندي في مفهوم الكفر عنده، ولذلك قلت: ”يبدو أن مشروع السنوسي العقدي، لم يكن الغرض منه إصدار الحكم بكفر المقلد، لأن هذا الأمر يقتضي إجراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالكافر على المقلد، وهي أحكام دنيوية تتعلق بإباحة ماله ودمه في الدنيا، وحكم أخروي يتعلق بالحكم بخلوده في النار، والسنوسي لم يجر هذه الأحكام عليه، وإنما قال إن التقليد غير مخلص في الآخرة عند كثير من المحققين، وبين ذلك بكون كلامه ليس في أحكام الدنيا التي مبناها على الظواهر، وإنما فيما بين العبد وربه، وفيما ينجيه من الخلود في النار، فيكون غرضه هو الدفع به إلى تبني النظر وترك التقليد المشكوك في مصير صاحبه في الآخرة، بمعنى أن غرضه تعليم هؤلاء المقلدة ما يرى أنه يحقق لهم النجاة في الآخرة، وليس النظر في حالهم، وما إذا كان ينطبق عليهم وصف الإيمان أو العصيان أو الكفر“[24]. وأما ابن أبي محلي فالراجح عنده هو أن المقلد مؤمن، فقد قال وهو بصدد الحديث عمن كان معتقده فاسدا: ”ولا تظن أن هذا هو المقلد المختلف فيه كما يظنه بعض من ضل ولم يفهم كلام العلماء، فإن المقلد من فهم جميع العقائد وجزم بها لكن بلا دليل، فالصحيح أنه مؤمن“[25].

إن ما ذكرته من خلاف بين السنوسي وابن أبي محلي في حكم المقلد، هو ما يمكن أن يفسر به سبب عدم تركيزهما على المشكلة ذاتها، فالسنوسي لما رأى أن مصير المقلد مجهول في الآخرة، انصب تركيزه عليه للانتقال به إلى مرتبة الاستدلال، في حين أن ابن أبي محلي رأى صحة اعتقاده، فانصب تركيزه على صاحب الاعتقاد الفاسد، لينتقل به إلى مرتبة المقلد صحيح الاعتقاد. ومن هذا نفهم معنى قول ابن أبي محلي بكون عقيدته سلما لـلصغرى وغيرها، لأن من فهم عقيدته لا يتحصل له سوى مرتبة التقليد، فإن شاء الارتقاء عن هذه المرتبة المختلف في إيمان صاحبها، إلى مرتبة النظر، قرأ الصغرى وغيرها من المتون المتضمنة للدليل.

قد يكون ابن أبي محلي- في قوله بكون عقيدته سلما لـلصغرى وغيرها- على هدي قول السنوسي: ”ولقد ألف علماء السنة رضي الله عنهم كابن أبي زيد وابن الحاجب وغيرهما تآليف مختصرة اقتصروا فيها على سرد العقائد مجردة عن الأدلة لتحفظها العامة، ومن قصر عقله عن النظر ليرتقوا من معرفتها تقليدا إلى البحث عن أدلتها وما ذاك إلا أنهم رأوا أكثر العامة لا يحسن العقائد، ولو بالتقليد فأرادوا من نصيحتهم أن ينقلوهم من مرتبة يخشى عليهم فيها أن يكونوا على اعتقاد مجمع فيه على الكفر إلى مرتبة مختلف فيها ولعلها تكون سلما إلى المعرفة“[26]، فابن أبي محلي لما رأى أن أكثر أهل عصره على اعتقاد مجمع على كفره، ألف متنا مجردا عن الأدلة لينقل به هؤلاء إلى مرتبة مختلف فيها على كفر صاحبها، لعل ذلك يكون سلما إلى المرتبة المتفق فيها على إيمان صاحبها. وأشير هنا إلى أن نص السنوسي المذكور قد يكون مبررا لتأكيد نسبة المفيدة للولدان والنساء المؤمنات إليه، فمع أنني أرى أن الأدلة المرجحة للتشكيك في نسبتها إليه أقوى وأوفر، فلا أستبعد أيضا أن يكون السنوسي قد تخلى عن الدليل مؤقتا بسبب ملاحظة وجود فئة من العامة لا تحسن العقائد تقليدا، ولا قدرة لها على الانتقال من هذا الوضع إلى وضع المستدل[27]، فألف لهم متنا مجردا عن الأدلة وفاء لمسلكه التدرجي. أما الباحثة فقد نسبت إليه المتن المذكور مرة، وأسقطته مرة أخرى[28].

وأما أمر التكفير بين السنوسي وابن أبي محلي، فلعل فهمه يكمن في التمييز في الحكم بالكفر بين الإطلاق والتعيين، أي أن هناك فرقا بين القول بظهور الاعتقادات الفاسدة المجمع على كفر صاحبها في عصر معين، وبين القول بأن فلانا على عقيدة مجمع على كفر صاحبها، فالسنوسي وإن كان يرى كفر من كان على عقيدة مشابهة لما ذكر في فتاوى فقهاء بجاية[29]، إلا أنه لم يقل على أحد بعينه إنه على هذه العقيدة، في حين أن ابن أبي محلي كان يعين أشخاصا باعتبارهم على هذه العقيدة، ولعل ما دفعه إلى هذا الأمر هو تركيزه على المرتبة المتفق على كفر صاحبها، في حين أن السنوسي ركز على المرتبة المختلف في إيمان صاحبها.

رابعا: أهمية المخطوطات

لا أجادل في أهمية ما ذكرته الباحثة من أهمية دراسة المخطوطات والبحث في فهارس (الكتالوجات بتعبير الباحثة) خزائن المخطوطات، لكني أود الإشارة إلى بعض النقاط في الموضوع، وهي:

1- أن ما يرد في فهارس المخطوطات، من وصف أو عناوين قد لا يعبر دائما على الحقيقة، ولذلك عندما تعنون الباحثة نصا لابن أبي محلي بـرسالة في الكفريات، فلا بد من التأكد مما إذا كان هذا العنوان من ابن أبي محلي أو من أحد المفهرسين أو غيرهم.

2- أن الباحثة أشارت إلى سعيها لتحقيق مؤلفات ابن أبي محلي، ولذلك أشير إلى أن هذه النصوص أو بعضها على الأقل بصدد التحقيق، وذلك في إطار أطروحة لنيل شهادة الدكتورة بكلية أصول الدين بتطوان، بعنوان: التراث العقدي لابن أبي محلي السجلماسي (ت: 1090هـ) – جمع ودراسة وتحقيق، سجلها الطالب الباحث جواد بلبشير، منذ سنة 2015[30]، فلا بد من مواكبة الجهود المبذولة في هذا الشأن، والبناء عليها[31].

3- أن المطلع على نصوص ابن أبي محلي يتأكد له أن هذه النصوص تحتاج إلى الترتيب قبل التحقيق، فلا بد من بذل جهود في هذا الاتجاه.

خامسا: أهمية البحث خارج الحدود الوطنية

لا شك أن انتشار المخطوطات في العالم لم تتأثر بالحدود الوطنية المعاصرة، ذلك أن هذه الحدود غير موجودة في العصور الماضية كما قالت الباحثة، فنصوص السنوسي انتشرت في كثير من مناطق العالم، ومخطوطات ابن أبي محلي وصلت إلى غرب إفريقيا، لكن هل كان من ذكرته الباحثة ممن ينتقدهم عثمان بن فودي (ت.1232هـ/ 1817م) متأثرا بمؤلفات السنوسي أو مؤلفات ابن أبي محلي أو غيرهما؟

لا أدري كيف أقدمت الباحثة على البحث في انتشار مؤلفات ابن أبي محلي في غرب إفريقيا، دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن انتشار مؤلفات السنوسي وغيره، فالنص الذي أوردته لابن فودي، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن من يقول هذا الكلام، لم يتأثر بابن أبي محلي، لأن هذا الأخير لم يتجاوز طلبه من المكلف مرتبة التقليد، وما في النص يؤكد أن صاحب هذا الرأي يطلب مرتبة النظر، فهو إذن أقرب لرأي السنوسي من رأي ابن أبي محلي، لكن ما يذكر صاحب هذا الرأي من شروط يبعدنا عن مذهب السنوسي أيضا، فهذا الأخير لم يشترط حل الشبهات على طريقة المتكلمين، ولا التمسك بعبارات بعينها، فقد قال ردا على من قال إن أبا بكر وعمر وسائر الصحابة رضوان الله عليهم ماتوا ولم يعرفوا الجوهر والعرض: ”فأنا أعجب أن يذكر مثل هذا دليلا على التقليد من له أدنى تمييز فأي مدخل للألفاظ المصطلح عليها في شيء من أدلة العقائد حتى يلزم من الجهل بشيء منها الجهل بشيء من الأدلة“[32]، وقال عن الألفاظ والأدلة: ”وقد جعل الله تعالى في الألفاظ والأدلة سعة فكل يخاطب على قدر فهمه والله المستعان“[33].

فلعل ما ذُكر هو الذي جعل لويس برينير يصف أقوال ومواقف الطائف المذكورة بالغريبة والغامضة كما ذكرت الباحثة، ولعل رأيه أوفق من رأيها، لأن آراء هذه الطائفة تتجاوز آراء السنوسي، بله ابن أبي محلي، ولا يكفي إثبات انتشار مؤلفات هذا الأخير في غرب إفريقيا، واطلاع ابن فودي عليها للربط بين ابن أبي محلي وآراء هذه الطائفة.

ختاما، أرجو أن تساهم هذه الكلمات في إثراء النقاش الدائر حول التراث العقدي بعد السنوسي على العموم، وتراث ابن أبي محلي على الخصوص، وذلك بتوضيح جوانب من فكر هذا الأخير، والدفع بتعميق البحث في تراثه.

Bibliography

Al-ʿAnbarī, Mubārak b. Muḥammad. Al-Kašf wa-l-tabyīn fī anna ʿibārat Muḥammad b. ʿUmar fī takfīri akṯari ṭalabati ʿaṣrihi wa-ġayrihim ḫāriqa li-ijmāʿi al-muslimīn. Edited by Jamāl Zarkī. Rabat-Tetuan: Manšūrat al-Rābiṭa al-muḥammadiyya li-l-ʿulamāʾ-Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿari, 2017.

Al-ʿAyyāšī, ʿAbdullah b. Muḥammad. Al- ḥukmu bi-al-ʿadli wa-l-insāf al-rāfiʿi li-l-ḫilāf fī mā waqaʿa bayna baʿ ḍi fuqahāʾ Sijilmāssa mina l-iḫtilāf fī takfīr man aqaraa bi-wahdāniyati Llahi wa-jahila baʿḍa mā lahū mina l-awsāf. Edited by ʿAbd al-ʿAẓīm Saġīrī. Volume 1. 1st edition. Rabat: Manshūrat Wizārat al-Awqāf wa-l-Šuʿūn al-Islāmiyya, 2015.

Al-Fāsī al-Fihrī, ʿAbdullah b. Muḥammad. Al-iʿlām bi-man ġabar min ahli l-qarni l-ḥādī ʿašar. Edited by Fātima Nāfiʿ. 1st edition. Casablanca-Beirut: Markaz at-Turāṯ al- ṯaqāfī al-Maġribī-Dār Ibn Ḥazm, 2008.

Al-Ġazālī, Muḥammad b. Muḥammad. Al-iqtiṣād fī l-iʿtiqād. Edited by Ibrahim Agah Çubukçu and Hüsseyin Atay. Ankara: Nur Matbaasi, 1962.

____. Fayṣal a-tafriqa bayna l-islām wa-z-zandaqa. Edited by Muḥammad Bījū. Damascus, 1993.

Al-Sanūsī, Muḥammad b. Yūsuf. Al-ʿaqīda al-wusṭā wa-šarḥuhā. Edited by Al-Ssayid Yūsuf Aḥmad. 1st edition. Beirut: Dār al-kutub al-ʿilmiyah, 2006.

____. Al-Kubrā. in Rasāʾil al-imām Abī ʿAbd illah Muḥammad b. Yūsuf, Edited and presented by ʿabd al-karīm qabūl. Casablanca: Dār al-Rašad al-ḥadīṯa, 2013.

____. ʿUmdat ahl al-tawfīq wa-l-tasdīd fī šarḥ ʿaqīdat ahl al-tawḥīd. Cairo: Maṭbaʿat Ǧarīdat al-Islām, 1899.

Al-Wansharīsī, Aḥmad b. Yaḥyā. Al-miʿyār al-muʿrib wa-l-jāmiʿ al-muġrib ʿan fatāwā ahli Ifrīqīya wa-l-Andalusi wa-l-Maġrib. Edited by Muḥammad Ḥajjī. Volume 2. Rabat: Manšūrat Wizārat al-Awqāf wa-l-Šuʿūn al-Islāmiyya, 1981.

Al-Yūsī, al-Ḥasan. b. Masʿūd. Al-Muḥāḍarāt fī l-adab wa-l-luġa. Edited and explained by Muḥammad Ḥajjī and Aḥmad al-Šarqāwī Iqbāl. Volume 1. 2nd edition. Beirut: Dār al-ġarb al-Islāmī, 2006.

Ibn Abī Maḥallī, Muḥammad b. ʿUmar. Bibliothèque Nationale de France, recueil: arabe-5500.

____. Bibliothèque Nationale de France, recueil: arabe-5383.

Ibn ʿArafa, Muḥammad. b. Muḥammad. Al-Muḫtaṣar al-kalāmī. Edited by Nizār Ḥammādī. Kuwait: Dār al-Ḍīyāʾ, 2014.

Iziki, lahcen. “Mašrūʿ al-Sanūsī al-ʿaqadī wa-muhāwalu tawṭīnihi fī bayʾati ʿaṣrihi al-kalāmīyah.” Forthcoming.

Olson, Caitlyn. “Beyond the Avicennian Turn: The Creeds of Muḥammad b. Yūsuf al-Sanūsī.” Studia Islamica 115 (2020): 101–140.

____. “Kayfiyat taqdīm al-ʿaqīda al-ašʿariyya ʿabra al-barāhīn al-mantiqiyah fī kitābāt Muḥammad b. Yūsuf al-Sanūsī.” In Al-ʿaqīda al-ašʿariyya wa-dawrūhā fī tarsīḫ al-ʿalāqat bayn al-maġrib wa-l-duwal al-ifrīqiyah. Prepared, coordinated and reviewed by maʾ al-ʿaynayn al-niʿmat ali, 227- 236. 1st edition. Tiznit: Manšūrat jamʿiyat al-šayḫ maʾ al-ʿaynayn li-l-tanmiyah wa-l-ṯaqāfat. 2020.

 

 

Olson’s Response to Iziki

جواب كايتلين ألسون إلى الحسن ازيكي

أشكر الحسن ازيكي لقراءته الدقيقة ولملاحظاته على مقالتي. مما يبدو لي أننا نتفق على النقط الثلاث التي أشرت إليها في المقالة، وهي أهمية دراسة الإرث السنوسي وأهمية البحث في المخطوطات وأهمية البحث عبر الحدود الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، فإنني أرى اتفاقًا عامًّا بين تحليله لمشروع ابن عمر ومشروع السنوسي وتحليلي لهذين المشروعين في أطروحتي للدكتوراه، مع أننا قد نؤكد على جوانب مختلفة للعلاقة بين آراء ابن عمر وآراء السنوسي. فقد أكد ازيكي على اتفاقهما الفكري بالنسبة لحالتي المقلّد والجاهل، في حين يعترف أن مشروع السنوسي كان يركز على مشكلة التقليد فيما يركز مشروع ابن عمر على مشكلة الجهل—وفيما ذهب ابن عمر إلى حد امتحان الناس. أما من جهتي، فقد أكدت على اختلافهما في ما يتعلق بمجال التركيز، في حين اعترفت بأن أفكارهما عن التقليد والجهل ليست بعيدة جدًّا بعضها عن بعض. لقد رأيت التأكيد على هذا الاختلاف مهمًّا، نظرًا للتوصيف السابق لهذا العصر بالركود والانحطاط، فأردت أن أشير إلى حركية الأنشطة الفكرية، ولكن تأكيد ازيكي على الاتصال بين السنوسي وابن عمر مهم أيضًا. ليس هناك إلا فوائد في تكاثر الدراسات ووجهات النظر.

أما التفاصيل التي لفت ازيكي النظر إليها فلن أجيب عنها كلها، وإنما سينحصر جوابي في ما يلي:

بالنسبة لعام وفاة ابن عمر والعنبري، فربما كان من الممكن أن أوضح موقفي أكثر. لم أحدد عام الوفاة في 1084هـ1673/م، وإنما كتبت ”ع. 1084هـ1673/م“ إشارةً إلى أنهما ”عاشا،“ أي، كان حيين، في ذلك العام، وذلك لأننا لا نعرف عام وفاتهما بالضبط. (يقول أحد زملائي الآن أن العبارة ”كان حيًّا“ أو ”ح.“ قد يكون أوضح.) لقد أصرّ بعض الباحثين على أن هذين الشخصين توفيا في عام 1090هـ1679/م مستنداً على قول اليوسي في المحاضرات، حيث يتم وصفه للحادثة في سجلماسة بهذا الكلام: ”وقد اشتعلت فتنهم حتى كادت تخرج إلى الآفاق كلها ثم أطفأها الله تعالى بفضله، فجاء الطاعون عام تسعين وألف فاجتث شجرتهم من فوق الأرض فلم يبق لها قرار.“ من الممكن أن تنطوي هذه الكلمات على وفاة ابن عمر والعنبري، ولكنها غامضة ومجازية (”أطفأها“ و”اجتث شجرتهم“) وليس فيها ذكر لأي اسم معين. لذلك أفضل أن أستخدم آخر عام نعرف بالضبط أنهما كانا حيين فيه وهو ­– حسب ما أذهب إليه – عام 1084هـ1673/م، أي تاريخ إتمام الكشف والتبيين للعنبري، ويذكر في النص أنشطة ابن عمر، فكانا على قيد الحياة.

أما تاريخ بداية أنشطة ابن عمر، فإن التاريخ يظهر من تتمة شرح المنبّهة التي اقتبستها في حاشيتي الثانية. فقبل أن يكبت ابن عمر ”أول ما ظهر…“ كان قد كتب: ”الكفر الذي ظهر لنا في رمضان سنة تسعة وسبعين وألف“ وذلك في نفس الورقة للمخطوط من خزانة كوسام في الجزائر (انظر الاقتباس الكامل في مقالتي). فأنا أفهم من هذا أن أنشطة ابن عمر قد بدأت في شهر رمضان عام 1079هـ1669/م.

ولكن كيف يجب توصيف بداية الأنشطة؟ لقد اقترح ازيكي أنه غير صحيح القول إن ابن عمر ”اكتشف“ جهل الناس، لأن عمه القاضي سبق له الاهتمام بهذه القضية. بصراحة، أنا لا أعتبر التمييز بين ”الاكتشاف“ و”الظهور“ خطيرًا جدًا، ولكن العلاقة بين ابن عمر وعمه تهمني كثيرًا. وأود إعادة الاقتراح هنا أن هذا العم هو محمد العربي بن عبد العزيز الفلالي المترجم في الإعلام. وسأقدم دليلًا آخر، وهو قول ابن عمر في شرح المفيدة إن عمه ”قد تنازع“ مع بعض الطلبة حول معنى الشهادة. ويوجد في خزانة الزاوية الناصرية نص عن هذا الموضوع لأحدهم اسمه محمد بن عبد العزيز ابن أبي محلي. ما يزال الأمر يحتاج إلى البحث، ولكن مما يبدو لي أن إثبات هوية هذا العم وتحديد علاقته الفكرية والشخصية لابن أخيه سيسلط المزيد من الضوء على مشروع ابن عمر ووضعه الاجتماعي في سجلماسة. (ظهر هذا الذكر للعم في: ابن عمر، شرح المفيدة، خزانة الزاوية الهمزية-العياشية، الرشيدية، مخ. 293، 10و؛ والنص المذكور هو: محمد العربي بن عبد العزيز بن عبد المالك ابن أبي محلي، شرح أرجوزة في كلمة التوحيد لعبد الرحمن ابن محمد الفاسي، خزانة الزاوية الناصرية، تمگروت، ضمن مجموعة مخ. 2600).

أخيرًا، إن قول ازيكي بأن عملية التحقيق عملية دقيقة قول صائب. إنني الآن في طور ترتيب نصوص ابن عمر، وقد انتهيت من جمع المخطوطات الموجودة في الخزانات المغربية، وسأواصل عملي واشتغالي على مخطوطات خزانات غرب إفريقيا هذا العام، تحت رعاية منحة من الأكاديمية البريطانية. وأما بخصوص تأثير ابن عمر على فكر ابن فودي وأعلام آخرين في غرب إفريقيا، فليس من الضروري أن يكون ”التأثير“ هو التبني المباشر لآراء ابن عمر، كما يقترح ازيكي، وإنما من الممكن أن تكون كتابات ابن عمر قد أثرت على الأفكار والأنشطة في غرب إفريقيا بأنواع مختلفة. وحتى أكون واضحة، فإنني لا أصرّ على التأثير الهائل إصرارًا حازمًا ونحن في مرحلة أولية من البحث، ولكنني قد قرأت ما يكفي لأقول إن الموضوع يستحق انتباهنا. فإنني أتطلع إلى تعلم المزيد—عن هذا الموضوع ومواضيع أخرى—ومما أعرفه أن هذا التعلم سيأتي ليس من المصادر التاريخية فحسب، بل من تبادلات مثل هذا أيضاً.

 

للتوثيق

ازيكي، الحسن. ”محمد بن عمر بن أبي محلي وامتحان الناس بسجلماسة: مراجعة لمقالة كايتلين ألسون حول آفاق جديدة في دراسة العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي بعد السنوسي.“ ضمن موقع الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، الرابط <https://philosmus.org/archives/3449>

الحسن ازيكي

الحسن ازيكي، باحث في علم الكلام بالغرب الإسلامي في العصور المتأخرة. ناقش أطروحته في موضوع: الفكـر الكـلامـي بالمـغـرب في القـرن الـثـاني عـشـر الهـجـري: دراسـة في القـضايا والخـصائـص المنهجـية لـتـراث العـربي بـردلـة (ت. 1133) وأحـمـد بن مبـارك السـجـلـماسـي (ت. 1156)، نُشر له مقال بعنوان: حضور فكر الغزالي في الفكر الكلامي الخلدوني. iziki.la@gmail.com

[1] حددت الباحثة سنة وفاته في: (ع. 1084هـ/1673م)، ولا أدري ما يحيل عليه حرف العين ذاك، كما لا  أعرف مستندها في هذا التحديد. ولعل وفاته متأخرة عن هذا التاريخ، ويؤكد هذا الأمر ما ورد عند اليوسي (ت. 1102هـ/1691م) من استمرار الحادثة المشار إليها إلى سنة تسعين وألف. انظر: الحسن اليوسي، المحاضرات في الأدب واللغة، تحقيق وشرح محمد حجي وأحمد الشرقاوي إقبال، الطبعة الثانية (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 2006م)، ج. 1، 232.

[2] كذا في النص، والصحيح تعالى.

[3] أبو سالم العياشي، الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف فيما وقع بين بعض فقهاء سجلماسة من الاختلاف في تكفير من أقر بوحدانية الله وجهل بعض ما له من الأوصاف، تحقيق عبد العظيم صغيري، الطبعة الأولى (الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية، 2015)، ج. 1، 116.

[4] انظر: العياشي، الحكم بالعدل والإنصاف، ج. 1، 116.

[5] رجح جمال زركي هذا التاريخ استنادا إلى نص لمحمد مرزاق. انظر: مقدمة تحقيق الكشف والتبيين في أن عبارات محمد بن عمر في تكفير أكثر طلبة عصره وغيرهم خارقة لإجماع المسلمين، دراسة وتحقيق جمال زركي، الطبعة الأولى (الرباط-تطوان: الرابطة المحمدية-مركز أبي الحسن الأشعري، 2017)، 28–29؛ أما الباحثة فقد حددت وفاته في (ع. 1084ه/1673م) دون ذكر سندها في ذلك.

[6] كُتب في النسخة المعتمدة هكذا: عزيرا.

[7] كذا في النسخة المعتمدة، ولا معنى لها في هذا السياق، ولعله تحريف لكلمة أزاح.

[8] محمد بن عمر بن أبي محلي، مخطوط المكتبة الوطنية الفرنسية، ضمن مجموع 5500، ورقة 124أ.

[9] لم تذكر الباحثة مستندها في هذا التحديد.

[10] أود الإشارة هنا إلى أن الباحثة، نصت على أن عم ابن أبي محلي هو العربي بن عبد العزيز الفلالي (ت. 1087ه/ 1676م)، لكن الظاهر مما ذكُر عند عبد الله بن محمد الفاسي الفهري (ت. 1131ه/ 1718م)، كون الفلالي هذا غير عم ابن عمر، ذلك أنه لما ترجم لأبي عبد الله محمد العربي بن عبد العزيز الفلالي، ذكر أنه قاضي سجلماسة، تم نص في آخر ترجمته بأن قاضي تافيلالت هو العربي بن عبد العزيز بن عبد المالك بن بو محلي، ولعل هذا الأخير هو عم ابن عمر. انظر: الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر، تقديم وتحقيق فاطمة نافع، الطبعة الأولى (بيروت- الدار البيضاء: دار ابن حزم- مركز التراث الثقافي المغربي، 2008)، 246–247.

[11] انظر: ابن أبي محلي، مخطوط المكتبة الوطنية الفرنسية، ضمن مجموع 5500، ورقة 125ب.

[12] العنبري، الكشف والتبيين، 159.

[13] انظر: العياشي، الحكم بالعدل والإنصاف، ج. 1، 118–119.

[14] العنبري، الكشف والتبيين، 160.

[15] ابن أبي محلي، مخطوط المكتبة الوطنية الفرنسية، ضمن مجموع 5500، ورقة 127أ.

[16] انظر: اليوسي، المحاضرات في الأدب واللغة، 232.

[17] انظر: العنبري، الكشف والتبيين، 160.

[18] انظر: العنبري، الكشف والتبيين، 160.

[19] انظر: العنبري، الكشف والتبيين، 100.

[20] انظر: محمد بن يوسف السنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد الكبرى (القاهرة: مطبعة جريدة ((الإسلام))، 1316هـ)، 11–12.

[21] انظر: السنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد، 12–13؛ ومحمد بن عرفة، المختصر الكلامي، تحقيق وتعليق نزار حمادي، الطبعة الأولى (الكويت: دار الضياء، 2014)، 110–112.

[22] انظر: محمد بن يوسف السنوسي، العقيدة الوسطى وشرحها، تحقيق السيد يوسف أحمد، الطبعة الثانية (بيروت: دار الكتب العلمية، 2006)، 37–38.

[23] انظر: الحسن ازيكي، ”مشروع السنوسي العقدي ومحاولة توطينه في بيئة عصره الكلامية“ قيد النشر ضمن أعمال الملتقى الثالث للفكر الأشعري بالمغرب: الفكر الأشعري المغربي من المرينيين إلى السعديين: دلالات الاستقرار وسؤالات التحول، المنظم من طرف مركز أبي الحسن الأشعري، يومي 11 و12 ماي 2022، بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل.

[24] ازيكي، ”مشروع السنوسي العقدي ومحاولة توطينه في بيئة عصره الكلامية“ قيد النشر. انظر أيضا: أبو عبد الله السنوسي، الكبرى، ضمن رسائل الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي، حققه وقدم له عبد الكريم قبول (الدار البيضاء: دار الرشاد الحديثة، 2013)، 42؛ والسنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد، 15؛ وأبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، عارضه بأصوله، وعلق حواشيه، وقدم له إبراهيم آكاه چوبوقجي وحسن آتاي (أنقرة: كلية الإلهيات، 1962)، 246–248؛ وأبو حامد الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، قرأه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمود بيجو، الطبعة الأولى (دمشق: دار البيروني، 1993)، 66، 91.

[25] محمد بن عمر بن أبي محلي، مخطوط المكتبة الوطنية الفرنسية، ضمن مجموع 5383، ورقة 208ب.

[26] السنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد، 38.

[27] انظر: ازيكي، ”مشروع السنوسي العقدي ومحاولة توطينه في بيئة عصره الكلامية“ قيد النشر.

[28] انظر: كايتلين ألسون، ”كيفية تقديم العقيدة الأشعرية عبر البراهين المنطقية في كتابات محمد بن السنوسي،“ العقيدة الأشعرية ودورها في ترسيخ العلاقات بين المغرب والدول الإفريقية، إعداد وتنسيق ومراجعة ماء العينين النعمة علي، الطبعة الأولى (تزنيت: منشورات جمعية الشيخ ماء العينين للتنمية والثقافة، 2020)، 229–230، 235–236؛ وCaitlyn Olson, “Beyond the Avicennian Turn: The Creeds of Muḥammad .b. Yūsuf al-Sanūsī (d. 895/1490),” Studia Islamica 115 (2020), 102, 109.

[29] انظر: الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي (الرباط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1981)، ج. 2، 382–384.

[30] انظر: https://otrohati.imist.ma/handle/123456789/52113، روجع بتاريخ 15 يوليوز 2022.

[31] بعد تأليفي لهذه السطور، نبهني إسماعيل أصبان إلى كون الطالب المذكور، ناقش أطروحته بعنوان: شرح عقيدة الإمام ابن أبي زيد القيرواني لأبي علي ناصر الدين المشذالي البجائي (ت.731ه) دراسة وتحقيق. انظر إعلان المناقشة: https://fod.ac.ma/node/1446، روجع بتاريخ 2 غشت 2022؛ وأيضا تقريرا عنها: https://fod.ac.ma/node/1462، روجع بتاريخ 2 غشت 2022. مما يعني أن الطالب غيّر موضوع أطروحته، وأن موقع أطروحتي لا يحين.

[32] السنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد، 24.

[33] السنوسي، عمدة أهل التوفيق والتسديد، 15.

مقالات ذات صلة

حوار شامل مع فؤاد بن أحمد

حوار شامل مع فؤاد بن أحمد

حوار شامل مع فؤاد بن أحمد أنجزه محمد عبد الصمد الإدريسي (صحيفة المساء 4532، 6 يوليوز 2021) أنجزت مؤخرا بالتعاون مع روبرت پاسناو من جامعة كولورادو-بولدر مدخلا مفصّلا عن الفيلسوف ابن رشد بموسوعة استانفورد الفلسفية وهي أهم موسوعة فلسفية.. هل كان لا بد من كل هذا التأخر...

في الرّد على المقرئ أبي زيد الإدريسي

في الرّد على المقرئ أبي زيد الإدريسي

تاريخ الأفكار في السياقات الإسلامية بين إكراهات البحث ورهانات الدعوة في الرّد على المقرئ أبي زيد الإدريسي   المقرئ أبو زيد الإدريسي سياسي وداعية مغربي معروف في وسائط التواصل الاجتماعي بخصوماته وسجالاته مع من يختلف معهم ممن يتصور أنهم دعاة العلمانية والحداثة...

مشاركة / Share
error: Content is protected !!