مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد
Navigating Ambiguity: Exploring the Role of Uncertainty in the Classical Arab-Islamic Culture
Makānat Al-Iltibās fī al-Thaqāfah al- ʿArabiyya al-Islāmiya Fī ʿAṣrihā al-Klāsīkī:
Bawākīr Manẓūr Jadīd
مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي
بواكير منظور جديد
فؤاد بن أحمد
Fouad Ben Ahmed
جامعة القرويين-الرباط
Al-Quarawiyyine University-Rabat
« Le grand intellectuel est l’homme de la nuance, du degré, de la qualité… de la complexité. » André Malraux
الملخص: شهد الربع الأول من القرن الحادي والعشرين نقلة نوعية في دراسة الإسلام والثقافة الإسلامية، اتسمت بإعادة تقييم الغموض والتعدد والتناقض داخل التراث الفكري الإسلامي. وكان المستشرق الألماني توماس باور قد نشر عملا هاما بعنوان ثقافة الالتباس: تاريخ بديل للإسلام في عام 2011، يستعرض فيه مواقف المفكرين والأدباء في سياقات المسلمين تجاه جوانب الالتباس والغموض والتعدد والتناقض. يهدف الكتاب إلى إظهار أن تجربة الالتباس ومواقفها تشكل مجالًا أساسيًا للبحث في الدراسات الإسلامية. يلاحظ باور أن الإسلام الكلاسيكي كان قادرًا على تحمل الغموض والتناقض بشكل هائل وقبوله. ويرى أن هذه الرؤية أدت إلى وجود خطابات متنافسة وأحيانًا متناقضة في السياق الديني الواحد. وقد ظهرت كتابات أخرى تسير في هذا الاتجاه الجديد؛ يمكن أن نذكر منها: محمد عبده: الإسلام الحديث وثقافة الالتباس لأوليڤر شاربرودت عام 2022، وما الإسلام؟ أهمية أن تكون إسلاميا لشهاب أحمد عام 2016. وتتسم هذه الدراسات برؤية غير ديكارتية، وتقدم نظرة مختلفة عن الحساسية التي يظهرها الإسلام الحديث تجاه التعدد والتناقض.
نحاول أن نظهر في هذا المقال، أن بعض الأعمال التي ألفها سعيد بن سعيد العلوي في فترة مبكرة من مساره (الربع الأخير من القرن الماضي) يمكن أن تعتبر تمهيدا لهذا المنظور الجديد، ولو أن الدراسات الحديثة لا تشير إليها. اشتغل سعيد بنسعيد العلوي في بيئة جامعية وفكرية تسيطر عليها النزعة الديكارتية. ولكن المراجع لأعماله المخصصة للتراث الأشعري، وللغزالي خاصة، يلحظ وعي بنسعيد الشديد تغلغل مظاهر الالتباس والغموض في هذا التراث، وفي أعمال هذا المفكر تحديدا. يشدد بنسعيد في مقاربته على توجه غير ديكارتي في تحليل التراث الإسلامي، ويبرز مواقف الغموض والتناقض كجزء لا يتجزأ من الطبيعة الفكرية لهذا التراث. من هذه الجهة، فإننا ندافع في هذا المقال على أن هذه الأعمال تحمل بواكير ذلك المنظور الجديد في مقاربة تراث المسلمين.
كلمات مفاتيح: ثقافة الالتباس، توماس باور، سعيد بنسعيد العلوي، الغزالي، التناقض، الرؤية اللاديكارتية
.
Abstract: The first quarter of the twenty-first century witnessed a paradigm shift in the study of Islam and Muslim culture, marked by a reevaluation of ambiguity, multiplicity, and contradiction within the Islamic intellectual heritage. German Orientalist Thomas Bauer’s seminal work, The Culture of Ambiguity: An Alternative History of Islam (2011), explored the perspectives of thinkers and writers in Muslim contexts on these nuanced aspects. Bauer argued that classical Islam exhibited a remarkable capacity to tolerate and embrace ambiguity, giving rise to competing and occasionally conflicting discourses within the religious context.
Building on this evolving discourse, recent works such as Oliver Charbrodt’s Muhammad Abduh: Modern Islam and the Culture of Ambiguity (2022) and Shahab Ahmed’s What is Islam: The Importance of Being Islamic (2016) have furthered the exploration of a non-Cartesian perspective, shedding light on the sensitivity of modern Islam towards multiplicity and contradiction.
This article contends that the early works of the Moroccan scholar Saʿīd Bensʿaīd al-ʿAlawī, serve as a precursor to this emerging perspective. Al-ʿAlawī, raised in an intellectual environment dominated by Cartesian tendencies, diverged from the mainstream by drawing attention to the Ashʿarite heritage, particularly referencing al-Ghazālī. Through an analysis of al-ʿAlawī’s works, the article unveils the permeation of ambiguity within this heritage, emphasizing the non-Cartesian approach and positioning ambiguity and contradiction as integral facets of Islamic intellectual nature.
In advocating for the recognition of al-ʿAlawī’s contributions, this article posits that his early works laid the foundation for the contemporary approach to Muslim heritage, adding a valuable layer to the ongoing discourse on ambiguity and contradiction within Islamic studies.
Keywords: Culture of Ambiguity, Thomas Bauer, Saʿīd Bensʿaīd al-ʿAlawī, Al-Ghazālī, Ibn Rushd, Contradiction, Non-Cartesian Vision
مقدمة
كان المستشرق الألماني توماس باور Thomas Bauer قد أصدر عام 2011 عملا هاما بعنوان ثقافة الالتباس: تاريخ بديل للإسلام،[1] يرصد فيه مواقف النظار والأدباء تجاه مظاهر الالتباس[2] والغموض والتعدد والتناقض في سياقات المسلمين. و”أحد أهداف الكتاب“، كما يقول، هو ”إظهار أن تجربة الالتباس والمواقفَ تجاهه تشكل مجالا أساسيا من مجالات البحث في الدراسات الحضارية.“[3] ويلاحظ باور أن إحدى أهم السمات أو الخصائص المميزة للإسلام ما قبل العصر الحديث قدرته الهائلة على تحمل الغموض والتناقض وتقبلهما. وفي هذا السياق يسجل أن الغموض لم يكن في الإسلام الكلاسيكي موضوع تساهل وتجاوز فقط، بل كان أمرا مرغوبا. ولقد أدت هذه الرؤية إلى تساكن خطابات متنافسة، وأحيانا متناقضة، في ذات النسق الديني الواحد. ومن هذه الجهة، يمكن أن نَعُدّ هذا الكتاب احتفاءً بهذه المقاربة التي تؤدي، في نظره، إلى رؤية للعالم فيها كثير من الاطمئنان تجاه مظاهر التعدد والتناقض في الخطابات والمواقف؛ وهي في كل الأحوال رؤية مختلفة كثيرا عن ما أفرزه الإسلام الحديث من حساسية ومخاوف متعددة تجاه تلك المظاهر، ناتجة بالأساس عن الاستعمار والاحتكاك بالثقافة الغربية، في تقديره. يقول باور: ”حافظ الناس في العالم الإسلامي إلى حدود القرن التاسع عشر على درجة عالية من التساهل مع الالتباس أو التعدد، والذي لم يكن موضع خطر إلا نادرا وفي أنحاء جغرافية قليلة.“[4]
وفي الاتجاه نفسه، ظهرت دراسات أخرى حديثة نذكر منها: محمد عبده: الإسلام الحديث وثقافة الالتباس لأوليڤر شاربرودت (Oliver Scharbrodt)؛[5] وقبلُ ظهر الكتاب الهام: ما الإسلام؟ أهمية أن تكون إسلاميا لشهاب أحمد.[6] والذي يجمع بين هذه الدراسات الثلاث هو تسلحها برؤية غير ديكارتية (نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي رُني ديكارت، René Descartes, d. 1650). بل يمكن القول، إنها كانت تقع على الجانب الآخر من قاعدة ”الوضوح والتميز“ التي صاغها الفيلسوف الفرنسي، بغير قليل من الطموح والثقة، بوصفها أحد معايير الحقيقة؛ أعني قاعدة: لا أدرك بوضوح وتميز إلا ما هو صواب؛ إذ لا يمكن لأي معرفة واضحة سوى أن تكون متميزة.[7] أما ما هو غير واضح ولا متميز فلا يُسمح لنا بإصدار حكم عليه. في مقابل هذا التصور، تبدو النصوص الأدبية والظواهر الفكرية التي يتعامل معها هؤلاء الدارسون تحمل من الالتباس والغموض ما يجعل قاعدة ديكارت تفقد نجاعتها تماما، ويجعل اعتمادها أمرا لا فائدة منه؛[8] بل قد يؤدي استعمالها إلى طريق مسدود.[9] ويقول باور: ”لم يكن عالَم الإسلام في حقبة ما بعد التشكل Post-formative Islam)) عالَم اليقينيات وإنما عالم المرجحات والاحتمالات.“[10]
نشط سعيد بنسعيد العلوي في بيئة جامعية وفكرية هيمنت عليها النزعة الديكارتية، إن جازت العبارة؛ حيث كان الناس يسارعون إلى التمييز على نحو حاسم بين ”معسكر العقلانيين“ و”معسكر اللاعقلانيين“ في التراث الفكري للمسلمين، ولا يترددون في رمي متون فكرية وفلسفية كاملة باللاعقلانية والرجعية واللاواقعية، في مقابل إضفاء كل خصائص العقلانية والتقدمية والواقعية على متون أخرى، مع أن هذه المتون لم تكن معنية بهذه التمييزات القاطعة. وعلى الرغم من التأثير الذي مارسه هذا الجو الفكري السائد لفترة ما على عقول الباحثين في الجامعة المغربية وعلى عموم المثقفين، فإن بنسعيد كان يملك كل الشجاعة الفكرية لمقاومته،[11] وظلت كتاباته بمنأى عن التأثر بهذا الجو إلى حد كبير.
أخرج سعيد بن سعيد العلوي عددا من الدراسات والمقالات بخصوص ما يسميه الثقافة العربية الكلاسيكية. فقد انشغل بالكتابات الأخلاقية والسياسية لعدد من النظار المسلمين، كما انشغل بالكتابات الكلامية والفلسفية لمفكرين مثل أبي الحسن الماوردي (ت. 450هـ/1058م) وأبي حامد الغزالي (ت. 505هـ/1111م) وغيرهما. ويعتبر الموقفُ الذي تبناه الفكر الإسلامي السني بمختلف مدارسه (الكلامية والفلسفية والفقهية…) من التراث الفلسفي والعلمي اليوناني أحد الأسئلة الأساسية التي تخترق أغلب هذه الدراسات. كما يمكن القول، عموما، إن السمة الطاغية على هذا الموقف هي التردد والغموض والتعدد والازدواجية. وفي هذا السياق، يقدم لنا متنُ الغزالي في نظر بنسعيد، الصورة الأكثر تعبيرا عن التناقض والتباين الذي كان يعرفه الفكر الأشعري والإسلام عموما.
ومن هذه الجهة، فإن بنسعيد لا يبتعد كثيرا عن الرؤية التي يدافع عنها باور وشاربرودت وشهاب أحمد،[12] بل إننا نستطيع أن نقول إن بعض أعماله تمهد لهذه الرؤية، وهو ما نحاول أن نظهره في هذه المقالة. وبالفعل، ما يدعم مقارنتنا مقاربة بنسعيد للتراث الإسلامي خلال العصر الكلاسيكي عموما، وللتراث الأشعري خصوصا، مع مقاربة باور في عمله ثقافة الالتباس، هو اشتراكهما في أسئلة وقضايا والتقاؤهما في تحليل تلك القضايا والأسئلة والموقف منها. فمن المثير للانتباه، حقا، أن يكون الرد على دعوى المستشرق الهنغاري إگناس گولدتسيهر (Ignaz Goldziher, d. 1921) بخصوص موقف المسلمين والغزالي خاصة من التراث الفلسفي اليوناني من الموضوعات المشتركة بين الدارسَيْن، والتي سجلا بخصوصها موقفين متقاربين جدا.[13] أكثر من ذلك، إنهما معا يتبنيان مقاربة تبتعد عن افتراض الوحدة والانسجام في أنساق المفكرين وخطاباتهم وتفترض وجود الالتباس والغموض فيها؛ ولا ترى في هذا الالتباس دليلا على فساد تلك الأنساق والخطابات وسقوطها، وإنما جزءًا من طبيعتها وعنصرا مخصبا فيها.
ننظر في هذه المقالة في إسهام بنسعيد في معالجة هذه المسألة عن طريق التركيز على موقف الغزالي الملتبس من الفلسفة ومن التراث اليوناني عموما، من جهة، وعلى موقف ابن رشد من الأشعرية، كما قرأه صاحبنا، من جهة ثانية. وهدفنا أن نبرز قيمة هذا الإسهام الذي عرف توسيعا وتطويرا كبيرين في الدراسات الإسلامية المعاصرة.
1. الغزالي ”الرجل الملتبس“ وعلوم القدماء
يحتل الغزالي، في نظر بنسعيد، مكانة استثنائية في تاريخ الفكر الإسلامي؛[14] فهو ”واسطة العقد في الأشعرية في عصرها الكلاسيكي“،[15] و”هو عميد المذهب الأشعري“،[16] و”كبير الأشاعرة“،[17] فضلا عن كونه ”حجة الإسلام“. ويظهر أن أبا حامد قد شغل هذه المكانة بالنظر إلى أمرين اثنين على الأقل: أولهما ”طبيعة المرحلة التاريخية-الفكرية التي نشأ فيها […] وكتبَ ما ألَّفه من كُتب كثيرة؛“ وثانيهما ”الطبيعة الجيدة لأغلب ما ألفه.“ وإذا أردنا الحديث عن أهم خصائص عصر الغزالي، قلنا باختصار: إنها التطور والنضج على المستوى المعرفي والعلمي لمكونات الفكر الإسلامي من جهة، والأزمة والصراع والتباين والتناقض على مستوى تلك المكونات من جهة ثانية. فمن جهة، جاء أبو حامد في عصر بلغ فيه الفكر العربي الإسلامي أوج تشكله العلمي والفلسفي والمذهبي، ومن جهة ثانية بلغ هذا الفكر أشد لحظاته توترا وتناقضا وتباينا بين مكوناته.[18] ومن الطبيعي أن تعكس كتابات الغزالي خصائص عصره وتنطبع بها. فإذا كانت أعمال مثل المستصفى من علم الأصول أو ميزان العمل تعكس نموذج التطور والنضج على مستوى التأليف في أصول الفقه أو في الأخلاق، فإن تأليفات مثل تهافت الفلاسفة أو فضائح الباطنية أو المنقذ من الضلال تعكس تلك التوترات المشار إليها، إن على مستوى المذاهب العقدية أو على مستوى شخصية الغزالي نفسه. وعليه، كان لابد أن تأتي هذه الكتابات غير منسجمة ولا متسقة، مع أنها صادرة عن مؤلف واحد.
طبعا، لا يتسع المجال لسرد تجليات هذا التناقض والتباين في المواقف عند الغزالي؛ لكن يكفي أن نمثل لها بمسألة رئيسية، وهي الموقف من التراث اليوناني الفلسفي والعلمي. وفي نظر بنسعيد، ليس هناك وحدة في الفكر الإسلامي بخصوص الموقف من التراث اليوناني ولا انسجام في المواقف عند مفكري الإسلام، الأشاعرة عموما، والغزالي خاصة، بخصوص هذا التراث. وفي هذا يقول: ”نحن نميل إلى الاعتقاد بأن هذا الموقف الغامض والمضطرب من التراث اليوناني، كما يعبر عنه الغزالي، يشكل السمة الغالبة والمميزة لتفكير عموم الأشاعرة في القرنين الرابع والخامس للهجرة.“[19] ويعود في موضع آخر ليقول: ”نشير إلى أن فكر الرجل، [أي الغزالي]، في غناه وتنوعه من جانب أول، وبما يموج به من أقوال متصارعة ومضطربة من جانب ثان، لسان أمين في التعبير عن الأشعرية وزمانها الثقافي.“[20] هكذا نجد أنفسنا أمام فكر إسلامي يقدّم لنا على أن الوحدة والانسجام في المواقف تغيب عنه، بينما يحضر فيه الغموض والاضطراب والتردد؛ والغزالي هو النموذج في هذا الباب. يضيف بنسعيد: ”تلك الخصوصيات نصادفها مجتمعة في الموقف المتردد والمضطرب الذي وقفه الغزالي من الفلسفة.“[21]
فكيف نفهم ذلك التناقض والاضطراب في هذا الموقف؟ هنا لا بد من الوقوف عند الخطوط العامة لمقاربة بنسعيد، وعند مظاهر الالتباس في موقف الغزالي.
أ. في المقاربة
تبدو لنا مقاربة بنسعيد مركبةً. ويظهر أنه يجمع فيها بين ثلاثة مناهج لا تكامل بينها في الظاهر على الأقل: فهو يلح، من جهة، على ضرورة قراءة النص الواحد للمؤلف في ضوء نصوصه الأخرى؛ كما يؤكد، من جهة ثانية، على ربط هذه النصوص بسياقاتها التاريخية والاجتماعية والسياسية؛ ويميز في النص، من جهة ثالثة، بين ظاهره الذي يصرح به مؤلفه ومضمره الذي يفترض بالدارس أن يكشف عنه.
هذه المقاربة لها فوائدها في قراءة المتن الفكري الإسلامي: فهي تعلمنا، من جهة أولى، قراءة النص الواحد في ضوء النصوص الأخرى للمؤلف، و”كيف ينبغي اجتناب الحديث عن كل وحدة في شخصية المفكر في العصر الوسيط الإسلامي.“[22] ومن جهة ثانية، إن ”الطريق الهادي“ إلى حل مسألة ”الغموض والاضطراب“ في المواقف الفكرية ”يكمن في محاولة قراءة النصوص الأشعرية في ضوء الظروف التاريخية والفكرية التي جعلت تكونها أمرا ممكنا.“[23] أما من جهة ثالثة، فإن أي عمل ألفه المفكر الأشعري فهو خطاب، و”ككل خطاب فهو يدفعنا إلى تأويله،“ أو كما يقول پول ريكور: يحملنا على هذا ”الجهد الفكري الذي يكمن في الكشف عن المعنى الخفي في المعنى الظاهر، والذي يحملنا على الإبانة عن مستويات الدلالة المتضمنة في الدلالة اللفظية.“[24] ولهذا يتبين لنا أن تلك المناهج متكاملة في ما بينها، لأنه قد يكون عنصر من العناصر الاجتماعية والتاريخية والسياسية والنفسية هو مضمرُ ذلك النص والفاعل فيه في الآن نفسه؛ والمواقف في نص بعينه لا يمكن أن تقرأ على ظاهرها من جهة، ولا بمعزل عن بقية النصوص من جهة ثانية، ولا بمعزل عن تلك العناصر التي تنتمي إلى سياق المؤلف.
لا ينظر بنسعيد إلى متن الغزالي مترامي الأطراف بمعيار الصدق والكذب؛ بل عبثا نحاول، في نظره، فهم مواقف أبي حامد المتضاربة والمترددة إن نحن تمسكنا بمعيار مبدأ عدم التناقض. ولهذا نجده يقول: ”يمكن القول بأن أبا حامد في المنقذ كاذب وصادق معا في الوقت ذاته، كاذب في صدقه وصادق في كذبه.“[25] وهكذا، فإن ”خطاب المنقذ من الضلال“ على سبيل المثال، ”يحمل المعنى الحرفي الظاهر، ولكنه يحمل المعنى الخفي الذي يغلفه اللفظ ويحجبه.“[26] ولهذا، نجد الغزالي نفسه ”لا ينتبه [أحيانا] إلى كذبه عندما ينبهنا في كل مرة ويذكرنا أنه قد طلق الفلسفة وهجر الفلاسفة؛“[27] إذ إن واقع حاله يكذبه.
ومن هذه الجهة، فإن
”مسألة صدق الغزالي المطلق في تصريحاته، وكذا مسألة كذبه المطلق في تصريحاته، [تغدو] غير واردة إطلاقا. لا يكون الأمر كذلك إلا إذا أخذنا تصريح الغزالي في كليته أو رفضناه في كليته. لا يكون كذلك إلا إذا كنا نفترض سلفا وجود الشخصية الواحدة المنسجمة، ووجود الغزالي الرجل الواحد الذي يكون صادقا أو كاذبا في اللحظة ذاتها، يكون كذلك بمحض اختياره.“[28]
ولم يكن الغزالي في موقع الاختيار في أكثر أحواله.
تجنبنا هذه المقاربة أعطاب القراءة ذات البعد الواحد أو تلك التي تحمل النصوص محملا تستند فيه إلى مبدأ عدم التناقض وأن الصدق والكذب لا يجتمعان. وهكذا فإن ”العقل المستقيل عند الغزالي ليس مستقيلا بالفعل إلا بالنسبة لقراءة معينة لكتاب المنقذ، وهي القراءة التي تظل ماسكة بمعيار الصدق والكذب، لقراءة تثير مسألة يقين الغزالي أو عدم يقينه جملة واحدة.“[29] ولا يخفى أن المقصود بهذا النقد هو محمد عابد الجابري (ت. 2010) الذي كان يرى في الغزالي أحد ممثلي العقل المستقيل في الإسلام؛ والذي انتهى به المطاف إلى أن يتبنى ما كان قد كفر من أجله الفلاسفة.[30]
وفي نظر بنسعيد، لا نستطيع أن نفهم موقف الغزالي من الفلسفة ”متى أخذنا بأي من هذه الآراء التي تقر بهذا الرأي أو بالرأي المناقض له على طول الخط. [والحال أن] في استطاعة أكثر القراءات تعارضا وتناقضا في موقفها من الغزالي أن تجد في لائحة المصنفات العديدة التي كَتَب فعلا […] ما يعاضدها؛ فالمتن الغزالي غزير ومتنوع.“[31] وبعبارة أخرى، إن ”تلك النصوص تحتمل التأويلات كافة.“ [32] هذه بالجملة هي الخطوط العامة لمقاربة بنسعيد؛ أما تقديم عينات لاشتغالها فهو ما سنعرض له في الفقرات الآتية.
ب. بنسعيد ومحاوروه
لا يسكت بنسعيد عن أسماء محاوريه من القدامى والمعاصرين. فهو يحاور المستشرقين والدّارسين العرب… كما يحاور القدامى، أيضا، ومنهم تاج الدين السبكي (ت. 771هـ/1370م) وغيره؛ وقبل هذا وذاك يحاور الغزالي نفسه. وفي محاورته هذا الأخير، يحاول أن يجد لنفسه طريقا بين هذه المقاربات الحديثة والقديمة.
على الرغم من ظهور عدم الانسجام والاضطراب والتردد في كتابات المفكرين الأشاعرة، فإن الحكم العام الذي درج الدارسون على تبنيه منذ القرن التاسع عشر هو أن الأشاعرة خصوم الفلسفة، والغزالي عدو الفلاسفة. يقول بنسعيد: ”الرأي الشائع حول موقف الأشاعرة من الفكر اليوناني يقضي بالحكم على ذلك الموقف بالمعارضة المبدئية له، معارضة تكون جزئية حينا، وكلية حينا آخر.“[33] ونجد الصورة النموذجية لهذا الرأي في المقال الشهير للمستشرق إگناس گولدتسيهر، موقف أهل السنة القدماء بإزاء تراث الأوائل، الذي نشر عام 1916، حيث يعلن أنه ”كلما ازدادت شوكة أهل السنة المتشددين، كان عدم الثقة لدى البيئات الدينية في شرقي الإسلام بإزاء الاشتغال بعلوم الأوائل أشد وأعنف وأقدم […] فكأن الاشتغال بهذه العلوم يسير جنبا إلى جنب مع الاستخفاف بقواعد الدين وبدراسته.“[34]
ولا يبتعد بنسعيد عن موقف باور بخصوص موقف النظار المسلمين من التراث اليوناني. وبدون أن نأخذ بعين الاعتبار مبدأ التساهل مع الالتباس والتعدد والتناقض عند المسلمين يصعب علينا، في نظر باور، فهم لماذا جمع بعض الأشعرية، مثلا، بين تكفير الفلاسفة والإقبال على الفلسفة، والأكثر من ذلك لماذا أقبل طلاب مدارس العلوم الشرعية على دراسة فلسفة ابن سينا (ت. 428هـ/1037م)؛ مع أنهم يدركون ويقررون أنها متناقضة مع المبادئ الأساسية للنسق العقدي الذي ينتسبون إليه.
يساعدنا مفهوم الالتباس على تبين مواقف هؤلاء دون أن نرمي أعمالهم بالتهافت والسقوط والتلفيق. يقول باور: ”كيف ندرك مثلا أن الغزالي (450-505/1058-1111)، الذي له في الفكر الغربي اليوم سمعةُ متكلم كاره للفلسفة، والحال أن عمله المستصفى الذي يضج بالمفاهيم والمناهج الفلسفية، أسهم في إدماج الفلسفة اليونانية، والمنطق خاصة، في أصول الفقه؟“[35]هذا السؤال الاستنكاري الذي طرحه باور يكاد يكون متطابقا مع قول بنسعيد الذي يعتبر المستصفى من علم الأصول السند المنطقي القوي لعلم الأصول، ومن ثم للمنهج الإسلامي القويم.[36] فقد دافع الغزالي في هذا الكتاب دفاعا صريحا وقويا عن المنطق بوصفه آلة العلوم الإسلامية (مقدمة لكل العلوم). وعلى خلاف تصور محمد عابد الجابري، لم يكن إقبال الغزالي على المنطق ”فقط من أجل التسلح بآلة للرد على الباطنية والفلاسفة، وإنما من أجل سبب آخر. [وإلا فـ] كيف نفهم كتابا أساسيا عند الغزالي مثل كتاب المستصفى؟ [و] كيف نفسر أن أبا حامد أسهم إسهاما فعليا في العمل على تطوير منطق الأصوليين وعلى تقعيده؟“[37] وعليه، فإن الإقبال على المنطق لم يكن بغرض الرد على الباطنية وإنما كان لغرض تجديدي، إعادة بناء علوم الدين.
ويلاحظ بنسعيد منذ البداية أن الصورة التي غلبت على الغزالي تظل صورة ذات بعد واحد، وأن الدراسات والكتابات القديمة والحديثة لم تستطع أن تبني وتركب صورة لأبي حامد تعكس كل المكونات المتفاعلة في فكره. ويجد بنسعيد أصول هذه الصورة عند الأصولي الشافعي تاج الدين السبكي الذي رسم في طبقاته الملامح الكبرى للتصور التقليدي للغزالي: صورة فقيه أشعري مناضل عارف بالفلسفة والفلاسفة استطاع أن ينتقل من شك هؤلاء واضطراب آرائهم، في فترة حاسمة من حياته، إلى يقين الصوفية ورسوخ اطمئنانهم.[38] ولا تنفصل الصورة التي رسمها علي سامي النشار لأبي حامد عن صورة السبكي. وهكذا ”لم يكن الغزالي في رأي النشار أصيلا وعظيما إلا بقدر ما كان مهاجما للفلاسفة ومشنعا عليهم. وتبعا لهذا يكون الغزالي ممثلا في القسم الأول من حياته على الأقل نهاية الفلسفة في الإسلام؛ تلك النهاية التي تعتبر عند النشار البداية الفعلية للفكر الإسلامي الحقيقي؛ لأن الواحد منهما يقضي على الآخر ويلغيه بالفعل.“[39] وفي نظر الطيب تيزيني، لا يمكن أن يكون الغزالي قد لعب دورا إيجابيا في إدماج الفلسفة في سياقات المسلمين. لقد مارس الغزالي في نظر تيزيني دورا مدمرا ضد الفلسفة عاكسا بذلك اتجاه الاضمحلال والانحطاط الاجتماعي والعلمي في المجتمع العربي الإسلامي، ومعبرا بقوة على نحو شامل عن عصره الحضاري الآخذ بسرعة في التمزق والتكلس.[40]
يقف بنسعيد مطولا عند عيوب هذه القراءات. وأكبر هذه العيوب أنها تظل عاجزة عن تفسير الالتباس ”والتنوع، بل التناقض في شخصية الغزالي [مثلا].“[41] وبعبارة جيدة لمحمد أركون (ت. 2010)،
”لا تستطيع [هذه القراءات] أن تفهم كيف ’كان الغزالي، الفرد الواحد، يقبل الفلسفة ويهاجمها في الوقت ذاته، يمارس الكلام ويتبرأ منه، يشغل منصبا رسميا ويدين الفقهاء، يدافع عن نظام سياسي ويكشف (بكيفية ضمنية) عن فشله الأخلاقي والسياسي، يرفض التاريخية ويبشر بنوع من الحياة الاجتماعية المثلى، يستعمل نوعا من الثقافة ذات القيم المتعددة ويرفضها باسم الدين الخالص.‘“[42]
وهكذا، فعلى الرغم من الغنى الشديد الذي تتمتع به كتابات الغزالي، فإن كثيرا من الدراسات المعاصرة، وسيرا على نهج كتب الطبقات، قد نحت إلى اختزال حياة الغزالي وأعماله في بعد واحد أو في صورة واحدة. أكثر من ذلك، تبدو لنا هذه الدراسات واقعة تحت تأثير الغزالي نفسه في المنقذ من الضلال حيث ”يتحدث الرجل عن التجربة الروحية التي عاشها وعن الرحلة التي قطعها من الشك والاضطراب إلى اليقين والثبات.“[43] وعموما، فإن تلك القراءات أعلاه، على اختلاف خلفياتها، كلها تلتقي عند موقف واحد ينظر إلى الغزالي على أنه مسار خطي لا تبدأ فيه مرحلة فكرية إلا بعد أن تنتهي أخرى، وكأن ”الغزالي ابتدأ حياته فيلسوفا ثم انتقل بعد ذلك إلى التصوف.“[44] وبعبارة أخرى، إن
”النظرة العاجزة التي لا تستطيع أن تفهم كيف يكون التعدد ممكنا في الشخصية الواحدة، ولا كيف لا يكون المعنى الجلي والمباشر في النص إلا أحد معاني ذلك النص، إلا أحد مستوياته الممكنة، بل وربما أقل المستويات قيمة وأهمية؛ تلك النظرة تكتفي بتسجيل الانتقال [في سيرة الغزالي] من الفلسفة إلى التصوف متحدثة عن ذلك الانتقال بنوع من الفرح أو بقليل أو كثير من الأسى.“[45]
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إطباق عدد من المستشرقين وغيرهم على كون الإسلام يعارض علوم الأوائل ليس نابعا من فكرة اختلقها المستشرقون اختلاقا، طالما أن هؤلاء يجدون في بعض نصوص النظار المسلمين شواهد يسندون بها أحكامهم. وهكذا، فإذا أخذنا على سبيل المثال كتابا للغزالي، كـالمنقذ من الضلال، سنجد تلك المعارضة تجاه علوم القدماء معلنة صريحة. ويكفي أن نتصفحه، حتى نقف على ”مجموعة من الملاحظات السلبية في شأن الفلسفة،“[46] التي كان قد انتحلها في فترة من حياته. وفي الحقيقة، فإن أبا حامد يستعيد في هذا الكتاب ”الدعاوى نفسها التي يقرها“في تهافت الفلاسفة، ”الذي يعتبر حكما بالإعدام صادرا ضد الفلسفة.“[47]ومن المعلوم أن المنقذ هو أول كتاب للغزالي يترجم في العصر الحديث إلى اللغة الفرنسية،[48] ليصبح هو النافذة التي يطل منها الدارسون على فكر الغزالي، فصار معروفا بتكفيره الفلاسفة. والحال أن المنقذ ليس سوى أحد أعمال الغزالي وليس كل أعماله. لذلك يحق لنا أن نسأل: هل موقف الغزالي في المنقذ والتهافت هو موقفه النهائي من الفلسفة؟ هل تساعدنا أقواله في المنقذ على تفسير إقباله هو نفسه على الفلسفة والمنطق اليوناني واستعماله في كتبه الأخرى كالإحياء والمستصفى وميزان العمل؟ وأي الكتب تستطيع أن تفيدنا أكثر في فهم موقف الغزالي من الفلسفة؟
ت. مثال: في التباس موقف الغزالي
إذا كان هناك من خصائص تجتمع، مع تعارضها البين، في المتن الغزالي فهي خصائص الاضطراب والتردد والحيرة والتصارع والغنى والتنوع والتناقض والتخبط،[49] حتى إن ”أمر الغزالي عجيب ومحير في مؤلفاته.“[50] ولعل هذا ما جعل ”الآراء في الغزالي تختلف وتضطرب […] بين من يرى فيه فيلسوفا أصيلا ومن يذهب إلى أنه أحدث في الفلسفة جرحا غائرا وألحق بالفلاسفة، في الإسلام، أذى كثيرا.“[51] وبالجملة، فإن ”المتن الغزالي ظل في تاريخ الفكر الإسلامي حمال أوجه.“[52]
والواقع أن موقف الغزالي من الفلسفة والفلاسفة لم يكن دائما ”من الوضوح على نحو ما توهمنا إياه هذه المقتطفات من المنقذ من الضلال وتهافت الفلاسفة.“[53] وهذان الكتابان اللذان عادة ما لجأ إليهما الباحثون عن موقف نهائي وحاسم من الفلسفة ليسا سوى عملين اثنين ضمن أعمال أخرى. أكثر من ذلك، إن ما يقوله الغزالي في المنقذ، مثلا، يجب أن لا يحمل على ظاهره. فهذا الكتاب ”حمال تأويلات مختلفة بل ومتناقضة، ولأنه كذلك فهو يتطلب منا أن نتعامل معه باحتراس شديد تكون أولى مظاهره عدم اطمئناننا إلى الأحكام التي يصدرها الغزالي فيه على الفلسفة والفلاسفة.“[54] يقول بنسعيد: ”يريد منا الغزالي أن نعتبر الأحكام التي يصدرها في المنقذ على نفسه وعلى محيطه صادقة تماما ونهائية وحاسمة في حين أن المنهجية العلمية المعاصرة تعلمنا كل يوم كيف لا يكون علينا أن نحمل الاعترافات العلنية أكثر مما تحتمله في واقعها السيكولوجي.“[55] وإذا كان الغزالي يعبر في المنقذ عن الأزمة النفسية التي مر بها، فإن تعبيره فيه عنها كان ”تعبيرا متناقضا، تعبيرا رمزيا يخفي أكثر مما يعلن، يعلن ما يحرص على إخفائه كل الحرص وهو عمق موقفه من الفلاسفة: كره الفلاسفة ومحبة الفلسفة.“[56] هناك أسباب عديدة جعلت الغزالي في المنقذ ”يموه ويغالط في جمل وفقرات، مثلما هي [جعلته] يَصدق القول في فقرات أخرى.“ لهذا كله، فإن ”شهادات المنقذ من الضلال […] توقعنا في الضلال في فهم الغزالي؛ إنها في كلمة واحدة عائق يقوم في وجه الفهم.“[57]
وتهافت الفلاسفة نفسه حتى وإن أفتى الغزالي فيه بكفر الفلاسفة ولمح فيها إلى القتل، فإنه لا يحمل موقفا نهائيا من الفلاسفة؛ بل قد يفهم من بعض المواضع فيه أن الكتاب قد ألف جزئيا على الأقل للدفاع عن الفلاسفة الكبار في وجه الأتباع الذين أساؤوا فهمهم. وبنسعيد محق تماما في إشارته إلى وجود ”دفاع ضمني عن الفلاسفة في تهافت الفلاسفة“[58] لكنه لا يقدم تفاصيل كافية في الموضوع يمكن أن تظهر ذلك الدفاع. وفي الواقع، فإن الغزالي لا يفتأ يؤكد أن حكايته في التهافت نفسه مذاهب الفلاسفة على حقيقتها قبل نقدها إنما هو من أجل إظهار ”اتفاق كل مرموق من الأوائل والأواخر على الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن الاختلافات راجعة إلى تفاصيل خارجة عن هذين القطبين؛“[59] ومن ثم فـ”زعماء الفلاسفة ورؤساؤهم براء عما قُرِفوا به من جحد الشرائع، وأنهم مؤمنون بالله ومصدقون برسله وأنهم اختبطوا في تفاصيل بعد هذه الأصول، قد زلوا فيها فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.“[60] وليس هؤلاء الزعماء والرؤساء سوى الفلاسفة الإلهيين، أي أفلاطون وأرسطو من الأوائل والفارابي وابن سينا من الأواخر.[61]
لهذا يبدو أن شهادات التهافت والمنقذ لا تساعدنا في إعادة بناء موقف نهائي لصاحبها من الفلسفة، بقدر ما يفضيان بنا إلى مأزق: رمي أعمال الغزالي بالسقوط والتناقض. للخروج من هذا المأزق يقترح بنسعيد ربط الكتابين السابقين بالكتب الأخرى التي ألفها أبو حامد لأغراض إديولوجية وسياسية. وبما أن الفكر الأشعري ”فكر نضال سياسي،“[62] مرتبط بالخلافة العباسية، فإن الكتب السياسية والإديولوجية تبدو أكثر فائدة من الكتب النظرية في تفسير موقف الغزالي المركب من الفلسفة. ويقول بنسعيد في هذا: ”الكتب التي ألفت من أجل خدمة معرفة سياسية تستطيع أن تلقي من الأضواء على موقف الغزالي من الفلسفة ما لا يستطيعه المنقذ من الضلال ولا يستطيعه تهافت الفلاسفة، وبالتالي فإن المؤلفات السياسية عند كبير الأشاعرة توضح لنا ما لا توضحه المؤلفات النظرية التي اعتدنا النظر إليها بتقدير خاص،“[63] واعتمادها وكأنها تحمل مواقف نهائية. من هنا جاء تأكيد بنسعيد على ”القيمة المزدوجة التي تكتسبها المؤلفات الأخلاقية والسياسية لدى عموم الأشاعرة،“[64] ولدى الغزالي خاصة. فهي من جهة، تعرفنا على الفكر الأشعري في توتراته وتقلباته، وتحملنا من جهة ثانية على ”مراجعة الرأي الشائع حول موقف الأشاعرة من علوم الأوائل.“[65] وفي كل الأحوال، فإن بنسعيد يعتبر هذه النصوص الأخلاقية والسياسية ”المحكَ الذي يكشف الكيفية الفعلية للتعامل مع الثقافة اليونانية وعن المدى البعيد أو القريب الذي بلغ من تسرب تلك الثقافة إلى ما اعتدنا على اعتباره مجالا فكريا سنيا خالصا.“[66]
ومن جهة أخرى، يقترح علينا بنسعيد قراءة للغزالي نميز فيها بين مستويات القول في موقف هذا الأخير من الفلسفة؛ وفي هذا يقول: ”أما أن الغزالي قد هاجم الفلسفة فهذا أمر جلي. وأما كون هذه الهجمة تعني تنكرا للفلسفة وتنصلا منها فإن هذا ما لا تؤيده الشواهد، سواء نصوص الغزالي المتأخرة أو شهادات اللاحقين.“[67] ولهذا نجد بنسعيد يميز في تعامل الغزالي مع الفلسفة والفلاسفة بين مستويين: مستوى أول، ويسميه ”التعامل الإديولوجي“، حيث أعلن فيه أبو حامد خصومته للطرفين لارتباطهما بالباطنية، خصمه الأول وخصم كل من الأشعرية والخلافة السنية. وبما أنه في ذهن الغزالي كان هناك تحالف موضوعي بين الباطنية والفلسفة،[68] وموافقة تامة في الرأي بينهما،[69] فإنه ”لم يكن يملك الاختيار في الواقع“[70] عندما كفر الفلاسفة. فقد كانت الأولوية للمعركة الكلامية ضد الباطنية وحلفائها الفلاسفة، وبخاصة ابن سينا. ومن هنا، فقد كان الغزالي مضطرا لمهاجمة الفلسفة وتكفير الفلاسفة، وإن لم يكن صادقا تماما في هجمته على الفلسفة.[71]
وأما المستوى الثاني من تعامل الغزالي مع الفلسفة فهو ما ينعته بنسعيد بـ”التعامل الفعلي أو الإيجابي، إنه التعامل على مستوى الفعل وليس على مستوى القول وحده.“[72] في هذا المستوى ”لا تخلو بعض المواطن من كتاب فضائح الباطنية ذاته من دفاع ضمني عن الفلاسفة في بعض الأحيان، تماما مثلما نجد ذلك الدفاع الضمني في كتاب تهافت الفلاسفة. وبالمقابل، نستطيع أن نفهم لماذا يكون الغزالي في كتاب أخلاقي متأخر وحاسم (ونقصد به ميزان العمل) هيلينستي المنحى والنزعة.“[73] فقد كان هذا الكتاب، أعني ميزان العمل ذا نفحة فلسفية يونانية قوية.[74] وكان حِكمتْ هاشم قد أظهر أن ميزان العمل يشكل في حقيقته التعبير الفلسفي الكامل عن نظرية الغزالي في الأخلاق، ويحق اعتباره العماد الفلسفي النظري لمختلف الآراء الأخلاقية في كتاب إحياء علوم الدين. والأهم من ذلك أن الغزالي كان متأثرا فيه تأثرا كبيرا بكتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو.[75] في ميزان العمل، يبلغ الموقف الإيجابي لصاحبه من الثقافة اليونانية غاية تطوره،[76] حيث يتحدث فيه عن الفلاسفة حديثا كله حمد وثناء.[77] وهكذا، فإن الفلسفة لم تكن حدثا واضحا ومتميزا في سيرة الغزالي، حتى يسهل عليه أن يقف منها موقفا حاسما إما بالرفض أو القبول أو الحياد. إن هذا الموقع الذي تحتله الفلسفة في سيرة أبي حامد هو الذي فرض أن يكون ذلك الموقف كذلك، أعني أن يكون ”التعامل مع الفلسفة […] على مستويين متناقضين تماما: الأول منهما هو [سلبي]، كما يحدثنا عنه هو نفسه في كتاب المنقذ على وجه الخصوص، وكما توهم به القراءات السريعة لكتب أخرى مثل فضائح الباطنية وتهافت الفلاسفة؛ والثاني منهما هو التعامل الإيجابي أو الفعلي والذي قد يكون أحيانا مناقضا لما يعلنه هو ذاته.“[78]
وبالإضافة إلى ما سبق، إن انخراط الغزالي في أسئلة الفلاسفة وتعاطيه للفلسفة—رغم هجومه عليها—لم يكن ليخفى على اللاحقين ممن كان يقرأ له؛ كما لم يكن ليخفى تمسكه بالمنطق اليوناني وإدخاله على علوم الشرع. ولعل أكبر من انتبه لهذا الموقف الإيجابي لأبي حامد تجاه الثقافة اليونانية هما ابن الصلاح وابن تيمية.[79] فلقد انتبه هذا الأخير إلى هذا التناقض الذي اجتمع عند الغزالي، فلم يستطع ”أن يخفي حيرته في أمر هذا الرجل الملتبس“ عن طريق اضطراب أمره بين الزهد والعبادة، وحسن القصد، والعلم بالفقه والتصوف والأصول، وموافقة الصابئة المتفلسفة والتمسك بالمنطق وإدخاله على أصول الفقه والدين.[80] وقبل ابن تيمية، كان ابن الصلاح الشهرزوري قد انتبه إلى هذا الأمر بالذات، حيث قدم الغزالي في المدخل الذي خصه به في طبقات الشافعية على أنه ”الإمام الفقيه المتكلم النظار، المصنف، الصوفي؛“[81] لكنه سرعان ما انقلب على ذلك ليفرد في آخر المدخل فصلا ”لبَيَان أَشْيَاء مهمة أنْكرت على الإِمَام الْغَزالِيّ فِي مصنفاته وَلم يرتضها أهل مذْهبه وَغَيرهم من الشذوذات فِي متصرفاته.“[82] وعندما نقرأ هذا الفصل ونبحث عن هذه الأشياء المهمة المنكرة، نقف على شيء واحد أوحد: موقف الغزالي الإيجابي من الفلسفة. وتحديدا: ”قَوْله فِي مُقَدّمَة الْمنطق فِي أول الْمُسْتَصْفى: ”هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا، وَمن لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة لَهُ بِعُلُومِهِ أصلا.“ يضيف ابن الصلاح: ”فَلَقَد أَتَى بخلطه الْمنطق بأصول الْفِقْه بِدعَة عظم شؤمها على المتفقهة حَتَّى كثر—بعد ذَلِك—فيهم المتفلسفة.“[83] فهل قتل الغزالي الفلسفة أم أحياها في دوائر المشتغلين بالعلوم الشرعية؟
من نصدق إذن؟ الغزالي صاحب المنقذ، أم الغزالي صاحب ميزان العمل أم ابن تيمية وابن الصلاح؟ إن هذه الأطراف على اضطرابها وترددها تظهر كلها ”حقيقة الموقف العسير الذي لدى الغزالي من العناصر الثقافية الأجنبية عن دائرة الثقافة الإسلامية السنية، أي المباحة. الأمر يتعلق بعلوم الأوائل المرفوضة [و] المطلوبة معا: المرفوضة لأسباب إيديولوجية خفية والمطلوبة لأسباب إبستمولوجية واضحة وجلية. لذلك كانت تلك العلوم في الظاهر، علوما دخيلة مرفوضة. ولكنها كانت في العمق أصيلة تلاحق العلوم الأصيلة فعلا وتحاصرها في عقر دارها.“[84] وبالجملة، فقد أراد أبو حامد ”أن يقصي الفلاسفة من دائرة تفكيره دون أن يتمكن من إقصاء الفلسفة؛“[85] بل ربما على العكس من ذلك، ارتمى في أحضانها؛ وأعماله وشهادات اللاحقين تظهر ذلك.
2. ابن رشد والأشاعرة: أو الباطنية بوصفها لامُفَكَّر الفيلسوف الأندلسي
يشعر المرء وكأن بنسعيد كان يقاوم الانسياق وراء موجة الاهتمام بابن رشد في المغرب والعالم العربي. ففي الوقت الذي كان فيه اسم الفيلسوف الأندلسي رائجا وكان الشغل الشاغل لكثير من الناس، مختصين وغيرهم، في المحيط العام الذي كان يتحرك فيه صاحبنا، لم يعر هو كبير اهتمام له. وفي حدود معرفتي، فبقدر ما شغل الخطاب الأشعري بمختلف تلاوينه حيزا كبيرا من وقت بنسعيد وتفكيره، فإنه لم يفرد لابن رشد أي دراسة خاصة. غير أن هذا لا يعني أن أسئلة ابن رشد والرشديين لم تكن حاضرة في فكره، فقد كانت للرجل بعض الملاحظات، هنا وهناك، مما نجد فيه ذكرا لهذا الفيلسوف أو حوارا مضمرا أو صريحا مع بعض الأطروحات الرشدية.[86] وفي كل مرة نقرأ له هذه النتف التي كتبها عن ابن رشد، نشعر وكأنه لا يرغب في الخوض في ما يخوض فيه الناس، أو لكأنه كان مضطرا إلى ذلك اضطرارا. وفي المقابل، فإن تلك الملاحظات لم تكن لتخلو من وجاهة في تقديرنا. وفي ما يلي سنقف عند تقويم (من القيمة) بنسعيد للنقد الذي وجهه ابن رشد للأشاعرة؛ وقد ضمنه خاتمة عمله عن الخطاب الأشعري.
يعتبر بنسعيد ”الانتقادات“ التي وجهها ابن رشد إلى الأشعرية هي أهم الانتقادات و”كذا أكثرها شهرة وذيوعا بين دارسي الفكر الإسلامي.“[87] فقد ”اقتدر [هذا الأخير] على تشخيص أعراض الخطاب الأشعري اقتدارا كبيرا.“[88] لذلك فهو يساعد على ”استكشاف بنية الخطاب الأشعري والوقوف على مكوناته والتعرف على آلياته.“[89] ولعل هذا هو معنى عمله الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة.
وفعلا، فالعنوان الكامل لكتاب ابن رشد هذا هو: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة وتعريف ما وقع فيها بحسب التأويل من الشبه المزيفة والبدع المضلة. فالعمل إذن كشف وتعريف: كشف لمناهج الأدلة المستعملة في إثبات العقائد الكلامية، ولكنه أيضا تعريف بالشبه المزيفة والبدع المضلة الواقعة في الإسلام بسبب التأويل. ويظهر لنا أن ثلاثة أهداف رئيسية كانت وراء هذا الفحص المنهجي الذي أجراه ابن رشد في الكشف: الهدف الأول هو الكشف عن وهن استدلالات المتكلمين من وجهة نظر علمية؛ ومن هذه الزاوية، فإن علم الكلام لا يفي بمعايير العلماء ولا يتعدى عتبة الأقوال السفسطائية أحيانا والأقوال الخطابية أحيانا أخرى (وإن شئت الاختصار قلت هي شبه مزيفة، وليست حججا مصححة). والهدف الثاني هو إبطال منفعة المضامين العقائدية للكلام بالنسبة لعامة الناس، حتى لا يتبنوه؛ وذلك لصالح المعنى الظاهر للشريعة؛ لأن تاريخ التأويلات في الإسلام ما هو إلا تاريخ أخطاء واقعة فيه (وإن شئت قلت إن تاريخها هو تاريخ بدع مضلة).[90] والهدف الثالث من هذا الفحص، وهو غير مصرح به، هو إقناع الخليفة الموحدي، أمير المؤمنين، بحظر كتب الكلام، لأن المتكلمين يفسدون إيمان عامة الناس، ويهددون وحدة الشريعة وتماسكها: مصدر الأمن الروحي لجماعة المؤمنين.
يبدو أن سياقات العداء الفكري الذي أعلنه ابن رشد ضد الأشاعرة قد حملته على استبعاد طريق هؤلاء المتكلمين من طرق معرفة الله، بل وحتى إخراجهم من الإسلام. فقد انتهى به الأمر، بناءً على فحصه المنهجي لمناهج علماء الدين، إلى استنتاج مفاده أن مقاربة الأشاعرة في الإقرار بوجود الله مقاربة فاسدة من ناحيتين: أولًا، لأن استدلالاتهم لا تفي بالمتطلبات والشروط العلمية؛ وثانيًا، لأن مذهبهم لا يلبي احتياجات عامة الناس من حيث العلم (التصور والتصديق) والعمل. وفي هذا يقول ابن رشد إن طريقة علماء الكلام الأشعري ”التي سلكوها في إثبات تأويلاتهم ليسوا فيها، لا مع الجمهور ولا مع الخواص: أما مع الجمهور، فلكونها أغمض من الطرق المشتركة للأكثر؛ وأما الخواص، فلكونها إذا تؤملت وجدت ناقصة عن شرائط البرهان، […]“[91] ويضيف في موضع آخر: ”الطرق المشهورة للأشعرية في السلوك إلى معرفة الله سبحانه ليست طرقا نظرية يقينية ولا طرقا شرعية يقينية؛“[92] بمعنى أنها ليست من ”الطرق اليقينية الخاصة بالعلماء، ولا هي من الطرق العامة المشتركة للجميع، وهي الطرق البسيطة.“[93] ويمكن أن نأتي بأمثلة عدة لهذا، لكن يكفينا أن نشير إلى بعض منها. يقول بنسعيد، مجملا تمثيل ابن رشد لسقوط مسعى الأشاعرة وخيبته: ”تريد الأشعرية أن تبلغ من القول بمبدأ التجويز هدفا، ولكنها في واقع الأمر، لا تصل إلا إلى نقيض ذلك الهدف وعكسه. ذلك ما كان من الأشعرية في سعيها إلى إثبات حدوث العالم والقول بوجود الصانع وحكمته.“[94] وبالجملة، ”فطريقة الأشعرية [في نظر ابن رشد] تقع خارج الدوائر كلها: دائرة الشرع، دائرة العلماء، دائرة الجمهور أو العامة؛ وهي تتيه في مدار تلحقه كل نعوت الضعف والقصور، ومنها تكون هي في غاية الخلط والتهافت.“[95]
غير أن اللافت للانتباه في تحليل بنسعيد العلوي هو أنه لم يقف عند مستوى استعراض انتقادات ابن رشد وإنما ذهب أبعد من ذلك، إلى إظهار حدودها. وذلك ما يظهر من خلال أسئلته الآتية:
”هل أدرك أبو الوليد ابن رشد كل الأبعاد التي تحكم الخطاب الأشعري وتبين فيه كافة الجوانب التي تشكله فيما كان هو ذاته منشغلا بتأسيس نظره الخاص به في العقيدة ومنصرفا إلى التقعيد له؟ وهل يستطيع قارئ الكشف أن يوافق على القول بأن مقصد الشرع وقد حددته سلطة العقل، كما يفهمها ابن رشد، بعيدٌ البعد كله عن أفهام الأشعرية ومداركها؟ وأن ابن رشد قد قطع مع النظر الأشعري إجمالا وتفصيلا؟“[96]
ينتهي تحليل بنسعيد إلى أمرين اثنين:
1. لم يكن ابن رشد في مذهبه، في التأويل خاصة، بعيدا عن الأشاعرة، وعن الغزالي تحديدا. وهنا يحاول بنسعيد أن يقيم تقاربا بين الطرفين؛ فيقول: ”القاعدة في التأويل وأساس القول […] إنما يكونان بالرجوع إلى الغزالي. […] وما استحسن أبو الوليد من أبي حامد صنعه إلا لقربه من المنطق الأرسطي وأخذه منه […] كما اطمأن إلى أن الأشعرية، إذ تلامس المنطق الأرسطي بل وتأخذ منه، فهي تساند القضية الرشدية وتدعمها، ففي مواقفها نصرة وإعانة.“[97]
2. سياق ابن رشد لم يسمح له بتفهم الأطروحات الأشعرية؛ فهو لم يواجه خطر الباطنية كما واجهه الأشاعرة، وخاصة الغزالي. وهذا حال دون إدراكه تناقضات الخطاب الأشعري. ويقول بنسعيد في هذا المعنى:
”والحق أن في الأشعرية جانبا خفي على ابن رشد أو أغفله فلم يدركه، لا عن قصد وعمد، بل لأسباب نكاد نقول عنها إنها موضوعية. وهذا الجانب هو ما لمسناه من البعد الإيديولوجي في الخطاب الأشعري، واقتضاء إدراك وجود النقيض الباطني [نسبة إلى الباطنية] وخطرهِ على الأشعرية من أجل تقدير ذلك البعد حق قدره، وتبين مغزى حضوره في لحظة التكون والتأسيس. وهذا البعد في قراءة ابن رشد للخطاب الأشعري كان بعدا غير مفكر فيه، فهو غائب عن محيط تفكيره لأنه في عالم الوجود السياسي الإيديولوجي لابن رشد، كان غير موجود.“[98]
لم يكن ابن رشد يعرف الباطنية التي يعنيها الأشاعرة والغزالي في فضائحه، ولم يكن فهمه لهذه الفرقة يتجاوز معنى الصوفية.[99] أما الباطنية الإسماعيلية فقد كانت غائبة عن أفق ابن رشد.
وبالجملة، فإن أحد العناصر الكبرى المسهمة في تلك الصورة الملتبسة للفكر الإسلامي الكلاسيكي التي وقفنا عندها هو الباطنية ”لا كتيار سياسي واتجاه مذهبي فقط، بل كنسق معرفي وبناء إيديولوجي تام التكوين واضح المعالم.“[100] وفي الواقع، فإن الباطنية تظل أحد الأسباب التي جعلت الوحدة الفكرية لمفكري الإسلام متعذرة.[101] لهذا، فإن تغييب هذا العنصر عند تقويم النسق الفكري للأشاعرة هو ما قد يحمل على رمي أقوالهم بالسقوط والتناقض بسرعة كبيرة. وفي تقدير بنسعيد، إن النقد الذي وجهه الفيلسوف الأندلسي أبو الوليد ابن رشد للخطاب الأشعري نموذج النقد الذي يركز في تحليله على البناء المنطقي لهذا الخطاب، ويقف عند قيمته الصدقية واتساقه الداخلي دون أن يأخذ بعين الاعتبار العناصر الخارجية التي قد تكون فاعلا حقيقيا في النص من غير أن تكون ظاهرة على سطحه.
وهنا يظهر لنا أنه من المفيد أن نسجل بعض الملاحظات:
لقد تأثر ابن رشد بالغزالي في ما يتعلق بقانون التأويل، كما صاغه في فيصل التفرقة، وتبناه لنفسه في الكشف عن مناهج الأدلة.[102] لكن ذلك في تقديرنا ليس مرده أرسطية، أو بالأحرى سينوية الغزالي، أو اشتغال هذا الأخير، هو والأشاعرة بالمنطق؛ لأن ابن رشد في الحقيقة كان يرفض فلسفة ابن سينا كما يرفض أن يحصل إدماج المنطق بأصول الفقه، ويعتبر استدلالات الأشاعرة قاصرة تماما عن أن ترقى إلى مستوى النسق الاستدلالي الأرسطي. وإذا كان يكفي تصفح الكشف للوقوف على مظاهر هذا القصور، كما يدرك بنسعيد ذلك جيدا، فإن ابن رشد كان رافضا تماما لجمع الغزالي في كتابه المستصفى بين المنطق وأصول الفقه، وداعيا إلى ترك كل شيء إلى موضعه، لأن ”من رام أن يتعلم أشياء أكثر من واحد في وقت واحد لم يمكنه أن يتعلم ولا واحدا منها.“[103] والجدير بالذكر، أن ابن رشد قد سجل هذا الموقف في كتاب يعتبر شرحا للمستصفى.
وعليه، فإن أرسطية المتكلمين الأشعرية، أو بالأحرى سينويتهم، وتمسكهم بالمنطق لم تحل دون أن ينتقدهم ابن رشد بشدة ظاهرة. وقد لا يكون ابن رشد أدرك كل العناصر المتحكمة في اضطراب الخطاب الأشعري وتقلباته، لكن قد يكون في نقده هذا يصدر عن موقف، الجوانبُ المضمرة فيه أكبر من تلك التي صرح بها. إن نقد ابن رشد الأشاعرة قد لا يفهم جيدا ما لم نستحضر السياق السياسي الموحدي الذي ينتمي إليه؛ وعندما نفعل ذلك يظهر أن نقده الأشاعرة كان سياسيا أكثر مما هو فلسفي؛ فقد كان ابن رشد الذي ينتمي إلى عائلة أشعرية يناضل، على الأقل في مرحلة من مسيرته، من أجل عقيدة غير العقيدة الأشعرية، عقيدة أرسى أسسها النظرية محمد ابن تومرت.[104]
وإذا كنا لا نملك سوى أن نوافق بنسعيد في ملاحظته السديدة تلك بخصوص غياب الباطنية عن أفق ابن رشد في تقويمه للخطاب الأشعري، فقد كان بوسعه في تقديرنا أن يقف لا فقط عند الصورة المضطربة المشوشة التي رسمها ابن رشد لهذا الخطاب عموما، وإنما للغزالي نفسه. وفي هذه الحالة، إذا كان عنصر الباطنية قد غاب عن تحليل ابن رشد، فإن هذا الأخير كان مدركا تماما للتردد أو الالتباس الذي يتخلل أعمال الغزالي وللعناصر السياقية التي حملت الغزالي أو لنقل اضطرته إلى تكفير الفلاسفة، وهو ما يتضح بجلاء من خلال قراءة ابن رشد موقف الغزالي من مسألة المعاد عند الفلاسفة.
من المعروف أن المعاد الروحاني هو واحدة من المسائل الثلاث التي من أجلها كفر الغزالي الفلاسفة في تهافت الفلاسفة وأخرجهم من الإسلام، بحجة خروجهم عن إجماع المسلمين ”في إنكارهم بعث الأجساد وحشرها.“[105] غير أن قراءة ابن رشد قول الغزالي في التهافت في ضوء كتبه الأخرى قد أفضى به إلى أن الغزالي لم يكن صاحب مذهب واحد في المسألة. ويجمل ابن رشد وضع الغزالي المتقلب في المواقف قائلا:
”وقال في هذا الكتاب [تهافت الفلاسفة] إنه لم يقل أحد من المسلمين بالمعاد الروحاني؛ وقال في غيره [ميزان العمل] إن الصوفية تقول به. وعلى هذا، فليس يكون تكفير من يقول بالمعاد الروحاني ولم يقل بالمحسوس إجماعا؛ وجوز هو القول بالمعاد الروحاني وقد تردد أيضا في غير هذا الكتاب [=فيصل التفرقة] في التكفير بالإجماع. وهذا كله كما ترى تخليط.“[106]
ولعل ابن رشد في هذا يستعيد حُكم أبي بكر ابن طفيل (ت.581م/1185م) الذي يفيد المعنى نفسه: التباس مواقف الغزالي من الفلسفة. يقول ابن طفيل:
”أما كتب الشيخ أبي حامد فهو بحسب مخاطبته للجمهور، يربط في موضع ويحل في آخر ويكفر بأشياء ثم يستحلها [أو ينتحلها]. ثم إنه من جملة ما كفر به الفلاسفة في كتاب التهافت إنكارهم لحشر الأجساد وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة؛ ثم قال في أول كتاب الميزان إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع؛ ثم قال في كتاب المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال إن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية وإن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث. وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها.“[107]
وبالإضافة إلى تقلب الغزالي في مواقفه وسقوط حديثه عن وجود إجماع مفترض بخصوص المعاد الجسماني، بحكم انتحال الصوفية مذهب المعاد الروحاني وقوله هو نفسه به، بالإضافة إلى هذا، يقف ابن رشد في فصل المقال على أن تكفير الغزالي الفارابي وابن سينا لم يكن نهائيا ولا قطعيا: ”الظاهر من قوله في ذلك [تكفير الفارابي وابن سينا] أنه ليس تكفيره إياهما في ذلك قطعا، إذ قد صرح في كتاب التفرقة أن التكفير بخرق الإجماع فيه احتمال.“[108] وهذا التباس آخر ينضاف إلى اضطراب الغزالي بخصوص موقف الفلاسفة من المعاد وإجماع المسلمين.
أكثر من ذلك يشير ابن رشد في مواضع أخرى من تهافت التهافت إلى أن تكفير الفلاسفة لم يكن باختيار من الغزالي، وأن ضرورة ما مرتبطة بزمان الغزالي ومكانه وأهله هي التي دعته إلى ذلك التكفير.[109] وعدم استحضار هذه الضرورة المرتبطة بسياق الغزالي يجعلنا لا ندرك أبعاد ذلك التكفير.
يقول ابن رشد في هذا:
”فتعرض أبي حامد إلى مثل هذه الأشياء هذا النحو من التعرض لا يليق بمثله، فإنه لا يخلو من أحد أمرين إما أنه فهم هذه الأشياء على حقائقها فساقها ههنا على غير حقائقها وذلك من فعل الشرار؛ وإما إنه لم يفهمها على حقيقتها فتعرض إلى القول فيما لم يحط به علما وذلك من فعل الجهال؛ والرجل يجل عندنا عن هذين الوصفين ولكن لا بد للجواد من كبوة فكبوة أبي حامد هي وضعه هذا الكتاب. ولعله اضطر إلى ذلك من أجل زمانه ومكانه.“[110]
قد يفهم من هذه الإشارة من قبل ابن رشد إلى أنه تلميح للباطنية، لكن لا شيء يؤكد ذلك. وفي هذا السياق، يمكن أن نضيف ما تفيده عبارة أخرى لابن رشد، مفادها أن الاضطرار إلى تكفير الفلاسفة في التهافت إنما من أجل دفع تهمة الاشتغال بالفلسفة، وليس ردا على الباطنية. يقول أبو الوليد: ”لعل أهل زمانه اضطروه إلى هذا الكتاب لينفي عن نفسه الظّنّة بأنه يرى رأي الحكماء.“[111] ومهما يكن من أمر، فإنه لم يكن أمام الغزالي من خيار آخر غير تأليف تهافت الفلاسفة، وهو الذي عرف عند الأصحاب قبل الخصوم بتعاطيه لكتب الفلسفة.
خاتمة
لقد انتهت غالبية الدراسات الفلسفية والمنطقية المعاصرة إلى إيلاء الالتباس أو الغموض المكانة التي يستحقها في إخصاب الفكر البشري وتطويره. وهكذا ما عاد التساهل مع التعدد أو الغموض أو عدم اليقين خطأ، ولا هو بالأحرى خطيئة. وفي هذا يقول استيفن تولمين، المنطقي المعروف: ”يُظهر التفكير النزيه أن الالتباس جزءٌ من الثمن الذي لا مناص من أن ندفعه لكوننا بشرًا، ولسنا آلهة.“[112] إن الالتباس ملازم للوجود الإنساني بما هو كذلك. ونحن في هذا المناخ أبعد ما نكون عن بداهات ديكارت ويقينياته. ويعبر ماكس بورن، الرياضي والفيزيائي الألماني-البريطاني، عن هذا قائلا: ”أنا مقتنع بأن مفاهيم مثل الصواب المطلق والدقة المطلقة والحقيقة القاطعة وما إلى ذلك، هي أشباح لا ينبغي قبولها في أي علم […]. أكثر من ذلك: إن الإيمان بحقيقة واحدة وافتراض وجود مالك حصري لها هو الجذر الأعمق لكل الشرور في العالم.“[113]
ولقد كان لا بد أن تنعكس هذه الرؤى الفلسفية والمنهجية الجديدة على مقاربة الإرث الفكري للمسلمين. وبالفعل، فقد عرف الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ظهور دراسات علمية تعتمد مرونة أكبر في التحليل وفي الأدوات المنهجية والمفهومية المستعملة. وقد ساعد هذا على فهم مظاهر التعدد والالتباس والاشتباه والتناقض والتباين والازدواجية والتردد والاضطراب في مواقف المفكرين المسلمين، بدلا من الركون إلى أحكام نهائية فيها الكثير من الاختزال.
ولسنا نبالغ إن قلنا إن بنسعيد كان قادرا منذ بداية الربع الأخير من القرن الماضي على الوقوف على تلك المظاهر وتفهمها دون رمي أعمال هذا المفكر أو ذاك بالتناقض والتلفيق والتهافت واللاعقلانية. لقد كان الرجل واعيا بأهمية أخذ مسافة من تلك المقاربات الطموحة التي حملت شعار الحسم في ملفات التراث الشائكة. ولا شك أن قراءاته للنصوص الفلسفية المعاصرة، كنصوص لويس ألتوسير وپول ريكور غيرهما، هي ما جعله لا يكتفي بالوقوف عند ما يقوله ظاهر تلك الخطابات التي عادة ما عبر فيها أصحابها بطريقة ملتوية ومواربة عن أغراضهم. فلقد كان بنسعيد يقرأ الإرث الفكري للمسلمين بنظارات تستطيع أن تلتقط اللوينات الدقيقة والفروق الصغيرة (nuances) التي لا يمكن لنظارات كثيفة إلا تجاهلها. وطبعا لا أحد يجادل في أن قراءاته الفلسفية كانت وسيلته في الوقوف على اضطرابات المفكرين المسلمين في مواقفهم وازدواجية خطاباتهم، لكننا نتصور أن دربته بصناعة أخرى غير الفلسفة، صناعة عادة ما قدمت على أنها مخاصمة للفلسفة، هي التي مكنته من أن ينظر في صحة الوجوه في مذاهب المفكرين المسلمين على تباينها وتعارضها؛ وبعبارة مختصرة، إن صناعة الفقه في تقديرنا هي التي جعلته يفك شفرات مفكري الإسلام وحيلهم وتقلباتهم وتردداتهم و”دخولهم“ و”خروجهم“ في خطاباتهم.
Bibliography
Ahmed, Shahab. What Is Islam? The Importance of Being Islamic. Princeton, NJ: Princeton University Press, 2016.
Arkoun, Mohammed. “Révélation, vérité et histoire d’après l’œuvre de Ġazâlî” Studia Islamica, no. 31 (1970): 53–69.
Bauer, Thomas. A Culture of Ambiguity: An Alternative History of Islam. Translated by Hinrich Biesterfeldt and Tricia Tunstall. New York: Columbia University Press, 2021.
Bauer, Thomas. Die Kultur der Ambiguität. Eine andere Geschichte des Islams. Berlin: Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag, 2011.
Ben Aḥmad, Fūʾād (Ben Ahmed, Fouad). “Fī murājaʿa ʿalāqat Ibn Rushd bi al-Madhhab al-Ashʿarī wa bi al-daʿwah al-Muwaḥḥidīyah.” In Al-Fikr al-Ashʿarī bi al-Andalus: Tārīkh wa Ishkālāt (Ashʿari Thought in Andalusia: History and Challenges), al-Multaqā al-Thānī li al-Fikr al-Islāmī bi al-Maghrib alladhī naẓẓamahu Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī li al-Dirāsāt wa al-Buḥūth al-ʿAqīdiyyah bi Tétouan, yawm al-Khāmis 23 Shaʿbān 1439/10 Māyū 2018, edited by Jamāl ʿAlāl al-Bakhtī, 493–510. Tétouan-Rabat: Markaz Abī al-Ḥasan al-Ashʿarī li al-Dirāsāt wa al-Buḥūth al-ʿAqīdiyyah – Munshūrāt al-Rābiṭah al-Muḥammadīyah li al-ʿUlamāʾ, 2020.
Ben Ahmed, Fouad, “The Uses of ‘Consensus’ by Philosophers in Muslim Contexts.” In Consensus: The 43rd Cologne Mediaevistentagung 5–9 September 2022, Organized by Andreas Speer and Thomas Jeschke. Thomas-Institut, Cologne, Germany. Forthcoming.
Bensʿaīd, Saʿīd al-ʿAlawī. “Al-Fikr al-Akhlāqī al-Siyāsī al-Ashʿarī wa al-Thaqāfah al-Yūnaniyya.” In Khiṭāb al-Sharʿiyyah al-Siyāsiyyah fī al-Islām al-Sunnī. Beirut: Muntadā al-Maʿārif, 2020.
Bensʿaīd, Saʿīd al-ʿAlawī. “Al-Ghazālī wa al-Falsafa: Matāhāt al-Taʾwīl.” In Abū Ḥāmid al-Ghazālī: Dirāsāt fī Fikrih wa ʿAṣrih wa Taʾthīrih, 85–101. Rabat: Manshurat Kulliyat al-Ādāb wa al-ʿUlūm al-Insāniyyah, 1988.
Bensʿaīd, Saʿīd al-ʿAlawī. “Taqdīm.” In Ibrāhim Būrshāshan, al-Fiqh wa al-Falsafa fi al-Khiṭāb al-Falsafī li Ibn Rushd, 7–8. Beirut: Dar al-Madar al-Islamī, 2010.
Bensʿaīd, Saʿīd al-ʿAlawī. al-Khiṭāb al-Ashʿarī: Muḥāwwala fī Dirāsat al-ʿAql al-ʿArabī al-Islāmī. Beirut: Dār al-Muntakhab al-ʿArabi, 1992.
Bensʿaīd, Saʿīd al-ʿAlawī. Khiṭāb al-Sharʿiyyah al-Siyāsiyyah fī al-Islām al-Sunnī. Beirut: Muntadā al-Maʿārif, 2020.
Frank Griffel, “Contradictions and Lots of Ambiguity: Two New Perspectives on Premodern (and Postclassical) Islamic Societies.” Bustan: The Middle East Book Review, 8, no. 1 (2017): 1–21
Furnham, Adrian and Tracy Ribchester. “Tolerance of Ambiguity: A Review of the Concept, Measurment and Application.” Current Psychology: Development-Learning-Personnality-Social, 14, no. 3 (Fall 1995): 179–199.
al-Gazzālī. Critère de l’action (Mizan al-ʿAmal) Traité d’éthique psychologique et mystique: Version française et étude analytique par Hikmat Hachem. Paris : Maisonneuve, 1945.
Ibn al-Ṣalāh, Taqy al-Dīn. Ṭabaqāt al-Fuqahāʾ al-Shāfiʿīyya. Ḥaḍbah wa-Rattabahu wa-Istadrak ʿalayhi al-Imām Muḥyi al-Dīn Abū Zakariyā Yahyā ibn Sharaf al-Nawawī. Bayyḍa Asūlah wa-Naqḥahu Abū al-Ḥajjāj Yūsuf ibn ʿAbd al-Raḥmān al-Mizī. Ed. Muḥyi al-Dīn ʿAlī Najīb. Beirut: Dār al-Bashāʾir al-Islāmīyah, 1996.
Ibn Rushd, Abū al-Walīd Muḥammad ibn Aḥmad. Al-Ḍarūrī fī Uṣūl al-Fiqh aw Mukhtaṣar al-Mustasfā. Edited by Jamāl al-Dīn al-ʿAlawī. Beirut: Dār al-Gharb al-Islāmī, 1994.
Ibn Rushd, Abū al-Walīd Muḥammad ibn Aḥmad. Al-Kashf ʿan Manāhij al-Adillah fī ʿAqāʾid al-Milla. Edited by Muṣṭafa Ḥanafī. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥdah al-ʿArabīyah, 1998.
Ibn Rushd, Abū al-Walīd Muḥammad ibn Aḥmad. Faṣl al-Maqāl fī Taqrīr mā Bayna al-Sharīʿa wa-al-Ḥikmah min al-Ittiṣāl. Taḥqīq ʿAlī ʿAbd al-Wāḥid al-ʿAsrī. Beirut: Markaz Dirāsāt al-Waḥdah al-ʿArabīyah, 1997.
Ibn Rushd, Abū al-Walīd Muḥammad ibn Aḥmad. Tahāfut al-Tahāfut. Edited by Maurice Bouyges. Beirut: al-Maṭbaʿa al-Kāthūlīkīya, 1930.
Ibn Ṭufayl, Abū Bakr. Hayy Ben Yaqdhan. Roman Philosophique d’Ibn Thofaïl, Texte arabe avec les variantes des manuscrits et de plusieurs éditions et traduction française 2eme édition revue, augmentée et complètement remaniée par Léon Gauthier. Beyrouth: Imprimerie Catholique, 1934.
al-Jābirī, Muḥammad ʿAbid. Naqd al-ʿAql al-ʿArabī: 1. Takwīn al-ʿAql al-ʿArabi. Second edition. Beirut: Dar al-Ṭalīʿa, 1985.
Michot, Jean R. “La pandémie avicennienne au VIe/XIIe siècle Présentation, editio princeps et traduction de l’introduction du Livre de l’advenue du monde (Kitāb ḥudūth al-ʿālam) d’Ibn Ghaylān al-Balkhī,” Arabica, T. 40, Fasc. 3 (Nov., 1993): 287–344.
Scharbrodt, Oliver. Muhammad ‘Abduh. Modern Islam and the Culture of Ambiguity. London-New York-Oxford-New Deldhi-Sydney: I.B. Tauris, 2022.
Schmôlders, Auguste. Essai sur les écoles philosophiques chez les arabes et notamment sur la doctrine d’Algazzali. Paris: Typographie de Firmin Didot Frères, 1842.
al-Subkī, Tāj al-Dīn. Ṭabaqāt al-Shāfiʿiyya al-Kubrā. Edited by ʿAbd al-Fattāḥ Muḥammad al-Ḥilū and Maḥmūd Muḥammad al-Ṭanāḥi. Volume 6. Cairo: Dar Iḥyaʾ al-Kutub al-ʿArabiyya, 1969.
للتوثيق
بن أحمد، فؤاد. ”مكانة ”الالتباس“ في الثقافة العربية الإسلامية في عصرها الكلاسيكي: بواكير منظور جديد.“ ضمن موقع الفلسفة والعلوم في السياقات الإسلامية، الرابط <https://philosmus.org/archives/3884>
فؤاد بن أحمد
ألقيت صيغة أولى لهذا المقال ضمن فعاليات موسم أصيلا الثقافي 44 تكريما للأستاذ سعيد بنسعيد العلوي يوم 24 أكتوبر 2023. وأشكر بهذه المناسبة لمحمد أبركان ومحمد الصادقي (جامعة سيدي محمد بنعبد الله-فاس) ولأيوب أبسومي (جامعة القرويين-الرباط) ولعبد الإلاه بوديب (جامعة مولاي إسماعيل-مكناس) ملاحظاتهم المفيدة. وأتحمل وحدي مسؤولية ما قد يرد في النص من أخطاء.
[1] Thomas Bauer, Die Kultur der Ambiguität. Eine andere Geschichte des Islams (Berlin: Verlag der Weltreligionen im Insel Verlag, 2011); Id., A Culture of Ambiguity: An Alternative History of Islam, translated by Hinrich Biesterfeldt and Tricia Tunstall (New York: Columbia University Press, 2021)
[2] كان بوسعنا أن نبحث عن مفردة أخرى غير الالتباس مقابل الـAmbigiuté الفرنسية والـAmbiguity الإنجليزية، كأن نستعمل مكانها ما يعرف في مجالي اللغويات والفقهيات بـ”يجوز أو يصح الوجهان؛“ إلا أننا عدلنا عن ذلك، لأننا لا نرى في الالتباس معنى سلبيا، إلا من زاوية فلسفية بعينها لا نتبناها هنا.
[3] Bauer, A Culture of Ambiguity, xi.
[4] Bauer, A Culture of Ambiguity, 273.
[5] Cf. Oliver Scharbrodt, Muhammad ‘Abduh. Modern Islam and the Culture of Ambiguity (London-New York-Oxford-New Deldhi-Sydney: I.B. Tauris, 2022).
يقول شاربرودت: ”هذا الكتاب يوسع فهمنا للعمل الفكري لمحمد عبده عن طريق إدماجه في ثقافة الالتباس في الإسلام.“ محمد عبده، 7. ومع أن هذا الكتاب يدعم هذا التوجه الجديد في البحث في تراث المسلمين منذ بداية هذا القرن، فإن تعلقه بالإسلام الحديث يخرجه عن مجال مقالتنا هذه.
[6] Shahab Ahmed, What Is Islam? The Importance of Being Islamic (Princeton-New Jersey: Princeton University Press 2016). وبالنظر إلى مضامينه ودعواه ربما لم يكن للكتاب من صدى في العالم العربي.
[7] Cf. Bauer, A Culture of Ambiguity, 271.
[8] Cf. Bauer, A Culture of Ambiguity, 31.
[9] Cf. Bauer, A Culture of Ambiguity, 271
[10] Bauer, A Culture of Ambiguity, 265
[11] هناك الكثير من الشواهد لهذا الأمر، لكن تكفي الإشارة إلى أن بنسعيد قد نأى بنفسه عن الانخراط في جو التمييز بين لاعقلانية ابن سينا (ت. 428هـ/1037م) والغزالي (ت. 505هـ/1111م) وعقلانية ابن رشد (ت. 595هـ/1198م)، والقطيعة بين الفكرين المشرقي والمغربي…
[12] ينبهنا شهاب أحمد وتوماس باور لثقافة الالتباس التي سادت في الحياة الثقافية والفكرية للمسلمين، ويتبنيان رؤية مشتركة للتراث الإسلامي بمكوناته المتعارضة والملتبسة وبمواقف أهله المتساهلة مع مظاهر الالتباس والتناقض في مقابل المسلمين المحدثين الذين يظهرون حساسية مفرطة تجاه هذه المظاهر. انظر:
Frank Griffel, “Contradictions and Lots of Ambiguity: Two New Perspectives on Premodern (and Postclassical) Islamic Societies,” Bustan: The Middle East Book Review, Vol. 8, no. 1 (2017): 1–21; Scharbrodt, Muhammad ‘Abduh, 9-14.
[13] يمكن أن نقارن بين موقفي بنسعيد وباور من الإسلام الحديث والمعاصر. فكما ينشغل باور بمظاهر اللاتسامح في العالم الإسلامي الحديث الناجمة أساسا عن الاستعمار الغربي، ينشغل صاحبنا بالظاهرة نفسها بتشعباتها، وخاصة عند تيارات الإسلام السياسي. قد تبدو الخلفيتان الفلسفيتان الثاويتان خلف المقاربتين متباعدتين بحكم المسافة الزمنية التي تفصل بين العملين، لكن الواقع أن رابطا رفيعا يجمع بينهما. فإذا كان توماس باور يعتمد مفاهيم الالتباس والتعدد والتسامح كما ينظر لها سيگموند فرويد (Sigmond Freud, d. 1939) وموريس ميرلوپونتي (Maurice Merleau-Ponty, d. 1961)، وجون كاپيتو (John Caputo)، فإن أعمال پول ريكور (Paul Ricoeur, d. 2005) بخلفيتها الفينومينولوجية والنفسية-التحليلية، هي ما يحدد رؤية بنسعيد للظواهر الفكرية في العصر الإسلامي الكلاسيكي. انظر مثلا: سعيد بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة: متاهات التأويل،“ ضمن أبو حامد الغزالي: دراسات في فكره وعصره وتأثيره (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1988)، 95.
[14] يقول بنسعيد: ”للغزالي في تاريخ الفكر الإسلامي مكانة ما نحسب أنها كانت لغيره من مفكري الإسلام.“ سعيد بنسعيد العلوي، خطاب الشرعية السياسية في الإسلام السني (بيروت: منتدى المعارف، 2020)، 69. وتجدر الإشارة إلى أن بنسعيد قد أعاد هنا نشر دراسته عن ”الغزالي والفلسفة: متاهات التأويل“ مع زيادة في بدايتها خاصة. انظر أدناه، حيث بقية المعطيات البيبليوﮔرافية.
[15] سعيد بنسعيد، الخطاب الأشعري: مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي (بيروت: دار المنتخب العربي، 1992)، 321.
[16] سعيد بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ ضمن خطاب الشرعية السياسية في الإسلام السني (بيروت: منتدى المعارف، 2020)، 97. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المقال كان قد نشر في ثلاثة مواضع أخرى: أقلام 54 (1981): 25–28؛ مجلة الفكر العربي، 33–34 (مايو-غشت، 1983): 408–417؛ ولعل المقال قد عرض أول الأمر في أعمال ندوة الفكر العربي والثقافة اليونانية بمناسبة مرور ألف سنة على ميلاد ابن سينا وثلاثة وعشرون قرنا على وفاة أرسطو، 7–10 ماي 1980 (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1985). وقد آثرنا الإحالة على النشرة التي صدرت عام 2020 لسهولة العودة إليها.
[17] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 100. على الرغم من الأهمية الكبرى للغزالي فإننا نتصور أن نعته بكبير الأشعرية وعميد المذهب الأشعري قابل للرد، لأن المنتوج الكلامي الأشعري المعروف للغزالي يظل قليلا مقارنة بأستاذه أبي المعالي الجويني (ت.478هـ/1085م) وفخر الدين الرازي (ت.606هـ/1210م)؛ هذا فضلا عن التفاوت الكبير في التأثير بينه وبين هذا الأخير.
[18] يقول بنسعيد: ”عصر الغزالي يعبر عن غاية ما وصل إليه الفكر العربي الإسلامي من تطور ونضج، وما بلغه من معرفة بالتراث اليوناني ترجمة ودرسا وتأليفا، كما أن هذا العصر يعبر في الوقت ذاته عن بلوغ ذلك الفكر أقصى درجات الأزمة وأشد لحظاتها اشتعالا بسبب اشتداد الصراع بين أشد النظم الفكرية والأنساق المعرفية تباينا وتناقضا.“ الخطاب الأشعري، 70.
[19] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 98. ويضيف: ”لقد كان من الضروري لموقف الغزالي من الثقافة اليونانية أن يكون في عمقه متوافقا مع باقي المفكرين.“ 109.
[20] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 14.
[21] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 109.
[22] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[23] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 109.
[24] يورده بنسعيد في: ”الغزالي والفلسفة،“ 95.
[25] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[26] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[27] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[28] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[29] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 95.
[30] انظر الخطوط العامة لهذه القراءة في: محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي: 1. تكوين العقل العربي، ط. 2 (بيروت: دار الطليعة، 1985)، 281-288.
[31] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 97.
[32] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 97.
[33] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 97.
[34] إگناس گولدتسيهر، ”موقف أهل السنة القدماء بإزاء علوم الأوائل،“ 125–129. ذكره بنسعيد في: ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 97. وتجدر الإشارة إلى أن توماس باور قد تعرض بدوره لمقالة گولدتسيهر منتقدا إياها. انظر:Bauer, A Culture of Ambiguity, 145. وإلى ذلك يوجه باور نقدا حادا لمن اعتمد گولدتسيهر مصدرا لآرائه في المسألة، ومنهم مارتن بليسنر Martin Pleasner ، مؤرخ العلوم في الإسلام، الذي يقول: ”ظلت المعارضة المتواصلة وغير القليلة لمذهب أهل السنة الرسمية ضد العلوم القديمة خاصية مميزة للإسلام؛“ انظر: Bauer, A Culture of Ambiguity, 131–132. وانظر أيضا الصفحتين، 143–144.كما يوجه سهام نقده لمستشرق آخر، وهو كريستوف بورگلChristoph Bürgel الذي يتحدث عن صراع بين القوى الدينية والعلمانية في الإسلام. انظر Bauer, A Culture of Ambiguity, 132.
[35] Bauer, A Culture of Ambiguity, 106.
[36] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 72.
[37] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 93.
[38] انظر بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 87. وانظر كلام تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1969)، ج. 6: 191-201.
[39] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 87.
[40] انظر: بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 87.
[41] بنسعيد في ”الغزالي والفلسفة،“ 97.
[42] Mohammed Arkoun, “Révélation, vérité et histoire d’après l’oeuvre de Ġazâlî,” Studia Islamica, No. 31 (1970) : 64.
وقد أورده بنسعيد في ”الغزالي والفلسفة،“ 97.
[43] بنسعيد في ”الغزالي والفلسفة،“ 88.
[44] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 88.
[45] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 97.
[46] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 88.
[47] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 89.
[48] Cf. Auguste Schmôlders, Essai sur les écoles philosophiques chez les arabes et notamment sur la doctrine d’Algazzali (Paris: Typographie de Firmin Didot Frères, 1842).
[49] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 10، 14، 320.
[50] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 10.
[51] بنسعيد، خطاب الشرعية، 70.
[52] بنسعيد، خطاب الشرعية، 70.
[53] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 98.
[54] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 112–113.
[55] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 112.
[56] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 93.
[57] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 100–101.
[58] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 100.
[59] الغزالي، تهافت الفلاسفة، تحقيق موريس بويج (بيروت: المطبعة الكاثوليكية، 1927)، 6.
[60] الغزالي، تهافت الفلاسفة، 7.
[61] لم يتقبل الأشاعرة اللاحقون ممن انخرط في نقد الفلاسفة أن تصدر عن الغزالي مثل هذه العبارة التي تفيد بكل وضوح الدفاع والمدح في حق الفلاسفة لا الفلسفة فقط. انظر أفضل الدين بن غيلان، رسالة حدوث العالم، حيث يقول: ”لست أعرف المرموقين الزعماء والرؤساء من قدمائهم إلا أفلاطون وسقراط وأرسطو طاليس وأقرانهم ومن محدثيهم إلا أبا نصر الفارابي وابن سينا. […] فلست أدري لم شهد لهم [الغزالي] بالإيمان بالله واليوم الآخر وتصديق الرسل والانقياد للشرائع؟ […] فإذا اغتر مثل حجة الإسلام بظاهر كلامهم، حتى شهد لهم بالإيمان بالله واليوم الآخر، فما ظنك بمن لم يتبحر تبحره، بل لم يدرك غباره في العلم ولم يحط منه بشيء؟“ تحقيق يحيى جون ميشو ضمن،
Jean R. Michot, “La pandémie avicennienne au VIe/XIIe siècle Présentation, editio princeps et traduction de l’introduction du Livre de l’advenue du monde (Kitāb ḥudūth al-ʿālam) d’Ibn Ghaylān al-Balkhī,” Arabica, T. 40, Fasc. 3 (Nov., 1993): 287–344, 336–337.
[62] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 99، 110.
[63] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 99–100.
[64] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 101.
[65] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 101.
[66] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 101. ويقول أيضا: ”إن الكتابة الأخلاقية-السياسية عند الأشاعرة تدعونا، من جهة أولى، إلى مراجعة الرأي المنتشر حول موقف الأشاعرة من الثقافة اليونانية في الوقت الذي تمكننا فيه من فهم أفضل للفكر الأشعري من حيث هي توضح لنا أسلوبا مفردا من أشكال الحضور اليوناني في الفكر العربي في العصر الإسلامي الوسيط.“ 114.
[67] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 98. والمقصود باللاحقين هنا تحديدا الفقيه والمحدث الشافعي ابن الصلاح الشهرزوري (ت. 643هـ/1245م) والحنبلي تقي الدين ابن تيمية (ت.728هـ/1328م) اللذان كانا أقرب إلى فهم موقف الغزالي من الفلسفة. وسنعود إلى الأمر أدناه.
[68] انظر، بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 110.
[69]انظر، نسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 92.
[70] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 110.
[71] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 110.
[72] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 110.
[73] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 100.
[74] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 113.
[75] انظر: بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 100. وانظر:
Hikmat Hachem, «Introduction, » in Al-Gazzālī, Critère de l’action (Mizan al-ʿAmal) Traité d’éthique psychologique et mystique: Version française et étude analytique par Hikmat Hachem (Paris : Maisonneuve, 1945), xxiv-xxviii.
[76] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 113.
[77] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 111–112.
[78] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 109.
[79] بنسعيد، ”الفكر الأخلاقي السياسي الأشعري والثقافة اليونانية،“ 111.
[80] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 94.
[81] تقي الدين ابن الصلاح، طبقات الفقهاء الشافعية، هذبه ورتبه واستدرك عليه الإمام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، بيض أصوله ونقحه أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، حققه وعلق عليه محي الدين علي نجيب (بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1996)، 352–354.
[82] ابن الصلاح، طبقات الفقهاء الشافعية، 352–354.
[83] ابن الصلاح، طبقات الفقهاء الشافعية، 352–354.
[84] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 101.
[85] بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 101.
[86] انظر مثلا: سعيد بنسعيد العلوي، ”تقديم،“ ضمن إبراهيم بورشاشن، الفقه والفلسفة في الخطاب الفلسفي لابن رشد (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2010)، 7–10. وللإشارة، فإن بورشاشن قد أخرج ما يدعي أنه طبعة ثانية لعمله في جزأين، مع أنه لم يغير فيه شيئا سوى العنوان وأسقط تقديمي عبد المجيد الصغير وسعيد بنسعيد العلوي. انظر: الجزء الأول: الفقه والفلسفة: ابن رشد من الفقه إلى الفلسفة، الجزء الثاني: الفقه والفلسفة: النظر الفقهي في فلسفة ابن رشد (طنجة: سليكي أخوين، 2020).
[87] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 319.
[88] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 319.
[89] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 319.
[90] يقول ابن رشد: ”وأنت فقد وقفت من قولنا على مقدار الخطأ الواقع من قبل التأويل.“ الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق مصطفى حنفي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998)، 208.
[91] ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، تحقيق علي عبد الواحد العسري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، 122.
[92] ابن رشد، الكشف، 116.
[93] ابن رشد، الكشف، 161.
[94] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 324–325.
[95] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 323.
[96] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 326.
[97]بنسعيد، الخطاب الأشعري، 326.
[98] بنسعيد، الخطاب الأشعري، 327.
[99] يأخذ ابن رشد الباطنية بمعنى الصوفية، انظر: الكشف، 100، 117.
[100] بنسعيد، خطاب الشرعية، 70
[101] يقول بنسعيد: ”الواقع أن تلك الوحدة متعذرة لأسباب عديدة متداخلة. منها هذا العامل الإيديولوجي الحاسم الذي جعل الانتماء إلى الشيعة الباطنية أو الانخراط في صفوف السنة الأشعرية يرسم للمفكر طريقا وعرا يسلك فيه ضرورةً دون أن يكون في مكنته أن ينظر إلى الدروب الأخرى الممكنة إلا نظرة عداء ورفض.“ بنسعيد، ”الغزالي والفلسفة،“ 96.
[102] انظر: ابن رشد، الكشف، 206.
[103] ابن رشد، الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، تحقيق جمال الدين العلوي (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1994)، 37–38.
[104] انظر فؤاد بن أحمد، ”في مراجعة علاقة ابن رشد بالمذهب الأشعري وبالدعوة الموحدية،“ ضمن الفكر الأشعري بالأندلس: تاريخ وإشكالات، الملتقى الوطني الثاني للفكر الأشعري بالمغرب الذي نظمه مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، يوم الخميس 23 شعبان 1439/10 ماي 2018، تنسيق جمال علال البختي (تطوان-الرباط: مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية- منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، 2020)، 493–510.
[105] الغزالي، تهافت الفلاسفة، 376. وانظر تأكيد الغزالي على خروج الفلاسفة عن إجماع المسلمين بخصوص البعث: تهافت الفلاسفة، 344، 376. وانظر دراسة لنا تصدر قريبا: Fouad Ben Ahmed, “The Uses of ‘Consensus’ by Philosophers in Muslim Contexts,” In Consensus: The 43rd Cologne Mediaevistentagung 5–9 September 2022, 0rganized by Andreas Speer and Thomas Jeschke. Thomas-Institut, Cologne, Germany. Forthcoming.
[106] ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق موريس بويج (بيروت: المطبعة الكاثوليكية، 1930)، 587.
[107] ابن طفيل، حي ابن يقظان، ضمن:
Hayy Ben Yaqdhan. Roman Philosophique d’Ibn Thofaïl, Texte arabe avec les variantes des manuscrits et de plusieurs éditions et traduction française 2eme édition revue, augmentée et complètement remaniée par Léon Gauthier (Beyrouth : Imprimerie Catholique, 1934), 15–16.
[108] ابن رشد، فصل المقال، 101.
[109] ”فهذا الرجل في أمثال هذه المواضع في هذا الكتاب لا يخلو من الشرارة أو الجهل. وهو أقرب إلى الشرارة منه إلى الجهل. أو نقول إن هنالك ضرورة داعية إلى ذلك.“ تهافت التهافت، 399.
[110] ابن رشد، تهافت التهافت، 108.
[111] ابن رشد، تهافت التهافت، 159–160.
[112] Stephen Toulmin, Cosmopolis, cited in Bauer, A Culture of Ambiguity, 259.
[113] Max Born, Von der Verantwortung des Naturwissenschaftlers, cited in Bauer, A Culture of Ambiguity, 1.
مقالات ذات صلة
في مشروعية الكلام السني ضدا على إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م): قطعة من موسوعة الأسرار والعبر لأبي بكر الطرطوشي (ت.520هـ/1126م)، تعريفٌ وتوصيف
On the Legitimacy of Sunni Theology against Abū Ḥāmid al-Ghazālī’s Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn (d. 505/1111): A Section from Abū Bakr al-Ṭurṭūshī’s al-Asrār wa-l-ʿIbar (d. 520/1126) - Introduction and Description Fī Mashrūʿiyyat al-Kalām al-Sunnī Ḍiddan ʿalā Iḥyāʾ ʿUlūm al-Dīn...
منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق
Al-Ghazālī’s Methodology in His Writings on Logic Manhaj al-Ghazālī fī al-Taʾlīf fī ʿIlm al-Manṭiq منهج الغزالي في التأليف في علم المنطق محمد رويMohamed Roui جامعة عبد الملك السعديUniversité Abdelmalek Essaadi ملخص: تتناول هذه الدراسة معالم منهج أبي حامد الغزالي...
المنطق في الحضارة الإسلاميّة
المنطق في الحضارة الإسلاميّة خالد الرويهبKhaled El-Rouayheb جامعة هارفارد-كمبريدجHarvard University-Cambridge ملخص: ”المنطق في الحضارة الإسلامية“ لخالد الرويهب (جامعة هارفارد بكمبريدج) هي في الأصل محاضرة بالعربية ألقيت في مؤسسة البحث في الفلسفة العلوم في...
أثر فلسفة ابن رشد في الكلام الأشعري المغربي: دراسة في المنجز حول فكر أبي الحجاج يوسف المكلاتي (ت.626هـ/1229م)
The Impact of Ibn Rushd's (Averroes’) Philosophy on Maghribi Ashʿarī KalāmCurrent State of Studies on al-Miklātī (d.626/1229) Athar Falsafat Ibn Rushd fī al-Kalām al-Ashʿarī al-Maghribī: Dirāsa fī al-Munajaz ḥawl Fikr Abī al-Hajjāj Yusuf al-Miklatī (626/1229) Majda...
في مقاربة فلسفة الفعل عند الفخر الرازي: مراجعة نقدية لمقالة ”فلسفة الفعل ونظرية العادة التاريخية عند المتكلمين“
On the Approach to the Philosophy of Action in Fakhr al-Dīn al-Rāzī:A Critical Review of “Falsafat al-fiʿl wa-naẓarīyyat al-ʿādah al-tārīkhīyyah ʿinda al-mutakallimīn” Fī muqārabah Falsafat al-fiʿl ʿinda Fakhr al-Dīn al-Rāzī:Murājaʿat naqdīyyah li-maqālat “Falsafat...
أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان
Abū al-Barakāt al-Baghdādī on The Problem of Time Abū al-Barakāt al-Baghdādī wa Mushkil al-Zamān Jalel DridiUniversity of Tunis, Tunis أبو البركات البغدادي ومشكل الزمان جلال الدريديجامعة تونس، تونس Abstract׃ The approach adopted by Abū al-Barakāt al-Baghdādī...
صورة العقل عند الشكّاك بين القديم والوسيط
Ṣūrat al-ʿaql ʿinda al-shukkāk bayna al-qadīm wa-al-wasīṭ Reason in the Ancient Skeptics and its Impacts during the Medieval Era صورة العقل عند الشكّاك بين القديم والوسيط سعاد جوينيجامعة تونس، تونس Souad JouiniUniversité de Tunis, Tunis Abstract: The creativity...
مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلمين: فخر الدين الرازي نموذجًا
Machrūʿiyat al-naẓar al-ʿaqlī fī taqrīri al-ʿaqāʾid ʿinda al-mūtakalimīn:fakhr al-Dīne al-Rāzī namūdhajan The legitimacy of Speculated Reasoning from the Perspective of Fakhr al-Dīne al-Rāzī مشروعية النظر العقلي في تقرير العقائد عند المتكلّمين: فخر الدين الرازي...
”ما هي الأعمال الفلسفية اليونانية القديمة […] التي ندين للعرب في أول معرفتنا بها؟“: عودة إلى نقاش ”قديم“
“Which of the works of the ancient Greek philosophers [...] do we owe the first knowledge to the Arabs?” Revisiting an “old” Dispute “Mā hiya al-Aʿmāl al-Falsafīyah al-Yūnānīyah al-Qadīmah [... ] allatī Nadīn lil-ʿArab fī Awwal Maʿrifitinā bihā? ” ʿAwdah ilá Niqqāsh...
ابن الهيثم والفلسفة: تأمّلات في سيرته الذاتية
Ibn al-Haytham and PhilosophyReflections on his Autobiography Ibn al-Haytham wa al-falsafahTaʾamulāt fī sīratih al-dhātiyyah Jalel Dridi ابن الهيثم والفلسفةتأمّلات في سيرته الذاتية[✯] جلال الدريدي Abstract: There is no shadow of doubt that Ibn al-Haytham is a great...