الوصف
ملخص: ما من شكّ في المنزلة المعرفية والتاريخية التي يتبوأها فخر الدين الرازي (ت. 606هـ/1209م) ضمن مسار تطور الأشعرية وتشكل صيغتها المتأخرة بأطيافها التي تبلورت لاحقًا. وتبقَى هذِه المنزلة موضعَ مساءلة إن وضعت في سياق الحديث عن الأشعرية بالغرب الإسلامي لما بعد القرن السادس للهجرة/الثاني عشر للميلاد، وضمن سياق الحديث عن مآل الفكر الكلاميّ، مشرقا ومغربًا، لـمَا بعد الفترة نفسها. لقد جرى في الغرب الإسلامي تلقي آراء الرازي، ومن ثمة طريقة المتأخرين، قبل عام 644هـ/1246م، ليتواصل التفاعل معها بطرق وسبل مختلفة تراوحت بين التعاطي الكلي والانخراط في تطوير مسالك المتأخرين وبين التحفظ الشديد أحيانًا منها؛ مما أعطى ألوانًا متباينة تتغاير، في مواضع متعددة، إزاء آراء الرازي في النص الواحد.
وإذا كان تلقي آراء الرازي في الشرق الإسلامي قد حظي باهتمام ملحوظ من قبل الدارسين المحدثين، فإن البحث في تلقيها بالغرب الإسلامي ما يزال في بداياته؛ خاصة وأن المواد الأساسية التي في ضوئها يمكن فحص لحظات هذا التلقي المبكر ثم اللاحق ما تزال في طور النشر والتداول. فلا الأعمال الكلامية ولا كتب التاريخ والتراجم والسير، التي تعود إلى فترات من تاريخ الغرب الإسلامي، قد نشرت كلها حتى نستطيع أن نرسم صورة واضحة لمظاهر هذا التلقي. تسعى هذه الدراسة إلى تعقب بدايات دخول أعمال الرازي وأفكاره إلى الغرب الإسلامي، ووجوهَ تفاعل المغاربة معها، اعتمادا بالأساس على كتب التراجم والبرامج والرحلات والأعمال الكلامية نفسها. ويجب أن نقر أن طبيعة هذه المصادر هي ما فرض علينا أن نزاوج في هذه الدراسة بين نهجين اثنين: فقد سعينا إلى تحليل الأعمال التاريخية في القسم الأول من الدراسة لأجل تعقب السبل والخطوات التي دخلت بها أعمال الرازي إلى المغرب خلال القرن السابع للهجرة/الثالث عشر للميلاد، بينما حاولنا في القسم الثاني أن نحلل عينات من الكتابات الكلامية المغربية لنظهر كيفيات تفاعل المغاربة مع أفكار الرازي.