الوصف
ملخص:كانت قضية قِدَم العالم من بين أهم القضايا الخلافية التي شغلت شُرَّاح أرسطو، سواء اليونانيون منهم أم المسلمون. وكان يحيى النحوي من بين أهم الفلاسفة الذين واجهوا نظرية أرسطو في قِدَم العالم، وبذلك كان على كل الشُرَّاح الذين أتوا بعده، والذين تبنوا نظرية القِدَم، ودافعوا عنها، وتمسكوا بصيغتها الأرسطية، أن يردوا عليه، أو على الأقل أن يتجاوزوا نقده لأرسطو، بأن يضعوا البدائل والتفسيرات الجديدة للنظرية. وتعد ردود ابن رشد على نقد يحيى النحوي لقدم العالم عند أرسطو أهم ما قُدم في هذا الشأن. ومن أهم اعتراضات النحوي على قِدَم العالم عند أرسطو، ذلك الاعتراض الذي بناه على أحد المبادئ الطبيعية الأرسطية كدليل لاستحالة قِدَم العالم. وينص هذا المبدأ على أن كل جسم متناهٍ، وبالتالي فإن قوته متناهية، ويستحيل على أي جسم متناهٍ أن تكون قوته لامتناهية، لتناقض ذلك مع طبيعة الجسم نفسه. وقد ذكر أرسطو هذا المبدأ في المقالة الثامنة من كتاب السماع الطبيعي، واستغله النحوي وقال: إن السماء، بما أنها جسم، فإن قوتها متناهية، ولما كانت قوتها متناهية، فلا يمكن أن تكون حركتها أزلية، وبالتالي يستحيل أن يكون العالم قديماً. إذ يستند قِدَم العالم عند أرسطو على نظريته في الحركة الأزلية للسماء؛ وبإثبات النحوي أن حركة السماء ليست أزلية، نظراً لأن قوتها المحركة متناهية، تنهار نظرية قِدَم العالم كلها. ويتمثل حل ابن رشد المباشر لهذه الإشكالية في قوله إن الجسم السماوي قوته متناهية في الشدة والسرعة، لامتناهية في دوام التحريك في الزمان. فالجسم السماوي قوته متناهية في شدة تحريكها لجسم بعينه ذي عِظَم محدد، ومتناهية في تحريكها إياه بسرعة محددة، لكنها لامتناهية في الاستمرار في تحريكه أزلاً. وعلى الرغم من البساطة والمباشَرَة التي يبدو عليها هذا الحل، إلا أنه يستند على مجموعة كبيرة من المقدمات والأدلة، يمثل هو نتيجتها النهائية، وهي مقدمات وأدلة تَنْصَب كلها على البرهنة على أن طبيعة الجسم السماوي تؤهله لمثل هذه الحركة الأزلية من تلقائه.