الوصف
ملخص: كتاب الفصول لأب الطب اليوناني أبقراط هو عبارة عن مجموعة من المبادئ والملاحظات الموجزة التي تلخص الحكمة الطبية. وهو يغطي طيفا واسعا من المواضيع، بما في ذلك التشخيص والعلاج وأهمية عوامل نمط الحياة في الصحة، وتؤكد على مبادئ مثل أهمية التجربة، وتأثير المحيط على عملية الاستشفاء، وقدرة بدن الإنسان الطبيعية على الشفاء الذاتي. وقد وَجهت هذه الحِكمُ النظريةَ والممارسةَ الطبيين عبر التاريخ. وهي ما تزال تحتفظ بقيمتها التاريخية وتظل أساسية لممارسة الطب، على الرغم من مرور زمن طويل جدا على تأليفها.
وأبرز دليل على الأهمية التي اكتساها نص الفصول هو عدد الشروح والتعليقات والردود التي استأثر بها عبر التاريخ. وتعتبر الأعمال التي ألفت بالعربية حول عمل أبقراط جزءا أساسيا من الإرث الذي خلفه هذا الكتاب. فقد ورث الأطباء والنظار في سياقات المسلمين هذا العمل—غالبا مقرونا بشرح جالينوس—وترجموه أزيد من مرة، كما شرحوه وعلقوا عليه وانتقدوه؛ والكتابات في هذا الموضوع بالعشرات. ويمكن أن نقول إن الكتابات العربية حول الفصول متفاوتة في شهرتها وتداولها بين الناس؛ فإذا كان منها ما حُقق ونشر منذ فترة طويلة، الأمر الذي سهل عملية دراستها، فإن شروحا أخرى ظلت مغمورة مجهولة. ومن هذه الشروح الأخيرة شرح الفيلسوف الأندلسي أبي بكر ابن باجة الذي نقدمه اليوم. فقد كان ضياع النسخة الخطية الفريدة التي تحتوي على هذا النص خلال فترة الحرب العالمية الثانية وراء تأخر العناية به. بل أكثر من ذلك، على الرغم من أن هذا النص قد حظي بعد ظهوره بثلاث نشرات أولية، فإنها قد ظلت بعيدة عن أن توفر نصا يعرض فكر ابن باجة بأمانة. ولهذا، فإن سوء نشر هذا النص والأخطاء الكثيرة التي شابته دفعنا إلى إعادة تحقيقه اعتمادًا، بالأساس، على النسخة الخطية الفريدة المتوفرة اليوم ومقارنةً بالنشرات السابقة؛ وهو أمر لم يحصل من قبل. وغرضنا بذلك أن نوفر مادة علمية قابلة للاستعمال في دراسة الإسهام الباجي وتقويم مكانته في تاريخ الطب عموما وفي تاريخ تلقي هذا النص البقراطي على وجه الخصوص. ويمكن أن نقول إنه إن كنا قد نجحنا في تقديم نص واضح ومقروء، فإننا نكون بذلك قد أزحنا وهما عادةً ما ردده الدارسون بخصوص لغة ابن باجة الصعبة وأسلوبه المكسر.