الوصف
رغم أن الفيلسوف والطبيب موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (ت.629هـ/1231م) موضوع دراسات علمية منذ ما يقرب من القرن، فإن أعماله لم تحقق كاملة بعدُ. لذلك، فإن كل نص يُنشر نشرة علمية لهذا الفيلسوف والطبيب يكون ذا فائدة كبرى لملف الفلسفة في سياقات المسلمين بعد أبي حامد الغزالي (ت.505هـ/1111م).
وفي الواقع، فإن أهمية عبد اللطيف البغدادي بالنسبة للمنشغلين بملف هذه الفلسفة ابتداءً من القرن الحادي عشر للميلاد لم تعد خافية. ومع ذلك يمكن أن نجمل وجوه هذه الأهمية في العناصر الآتية:
من شأن النصوص الفلسفية والعلمية التي تظهر هنا وهناك لهذا الفيلسوف أو ذاك أن تدعمَ الاتجاه البحثي الجديد في تقويم صورة لطالما هيمنت على عقول الناس، صورة عالم إسلامي ماتت فيه الفلسفة جراء الضربة القاضية التي وجهها إليها الغزالي. فوفقا لهذه الصورة التقليدية، يكون العالم الإسلامي قد أدار ظهره للعلم اليوناني جرّاء تأليف كتاب تهافت الفلاسفة، حيث كُفّر الفلاسفة وانتشر خبر التكفير بين الناس. وبفعل هذا وغيره دخل العالم الإسلامي في حالة جمود فكري وعلمي لم يستفق منها إلا بفضل جيوش ناپليون بوناپارت (ت.1821). لذلك، فإن ظهور هذا النص لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي بموازاة نصوص أخرى منطقية وفلسفية وكلامية وعلمية (من فلك وبصريات وغيرهما) كثيرة، من شأنه أن يُسقط تلك الصورة القاتمة عن عالم إسلامي ضاق صدره بالقول الفلسفي، و”انتصر فيه القرآن على الفكر الحر.“[1]
ويمكن أن نضيف عاملا آخر، لا يقل أهمية، أسهم كثيرا في اهتمام الدارسين بالبغدادي؛ فنصوص هذا الأخير تمثل شاهدا هاما في ملف الأفلاطونية المحدثة في سياقات المسلمين. فبالنظر إلى ما تضمنته نصوص البغدادي من نقول من پْرُقْليس (ت.465م) ومن أثولوجيا المنحول لأرسطو (ت.322 ق.م) تغدو نصوصه في ذات نفع كبير في استقصاء وجوه تلقي المسلمين لهذه النصوص.